الحمد لله ولي النعمة والإفضال
والصلاة والسلام على من حاز خصال الشرف على جهة الكمال
وعلى صحابته المفضلين بأجل الخصال
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل .

أما بعد
فإن رمت لُجّة الإخلاص في طاعة مولاك يا طالب الفلاح وغاية الفضل
وأبيت من معاملته الإبعاد والعرزل
فحلّصْ عملك من شائبات المنع والفصل
وأشدها كدورة وخطورة :
طلب التّزيّن في قلوب الخلق
فلا تطلبن مدحهم ، ولا تعظيمهم ، ولا أموالهم ، ولا قضاءهم حوائجك
فكلها شائبات مردها إلى إرادة العبد ما سِوَى الله بعمله .
واعلم أن بين يدي شروعك في تحقيق الإخلاص معاطب ثلاثة
إن لم تقطعها قطعتك ، وردتك إلى ظلمات ضلالك الأول :
1 -
رؤية إخلاصك وإحصاؤه .
2 - طلب العوض عليه .
3 - رضاك به وسكونك إليه .

فإن سألت : ما الذي يخلّصني من رؤية إخلاصي
وطلبي العوض عليه ، ورسكوني إليه ؟
فالجواب : أن خلاصك من الأولى بإدراكك أن إخلاصك مِنّة من مولاك عليك
وأن ما بك - من نعمة التوفيق - ليس منك بوجه
بل هو من جنس (
وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً
وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
)
النور : 21 .
وفائدة تدبرها المعينة على الخلاص من هذه الآفة :
معرفة ربك ، ومعرفة نفسك .

أما خلاصك من الثانية فبإقرارك أنك محض عبد
إذ لا يفسد مقتضى العبودية إلا طلب الأجر عليها .
فإن أصابك من سيدك ثواب
فإنما هو محض إحسان منه لا معاوضة
فهو من جنس (
إلا أن يتغمدني الله منه برحمة ولكن سددوا ) صحيح مسلم 2816 .

وأما خلاصك من الثالثة فبِحالين :
1 - رؤية ما يتخلل عملك من التفريط وحظ النفس
وأن وراءك عدوَّك يود لو جعلت له من نفسك جزءا
وقد ضرب لك لها صاحب السِّواد رضي الله عنه مثلا :
(
لا يجعلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءا
لا يرى إلا أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه
) صحيح مسلم 707 .
فهذه التفاتة جارحتك ؛ فكيف بالتفاتة قلبك ؟؟ ..

2 - رؤية قلتك وعجزك عن الوفاء بحقوق العبودية لمولاك
وأن شرطها أعظم من أن تقابله ببذلك
إذ ليس أذهب لسر طاعتك من رضاك عن نفسك .
وبالله التوفيق وعليه التكلان .