الشريد
مر بجانبي مختالا تغرقه رائحة اشتقت إليها ، طالما انتشيت بها ،وغرقت في عبقها ، وتراقصت روحي بين خيوطها التي كانت تتضفر فوق رأسي الممشوق نشوة وزهوا . قدف بآخر جزء أمامي وأنا أجلس متقوقعا على جانبي لأحمي بعضا مني من شراسة البرد الذي يفترسني وبعض زملاء الرصيف .انقضضت عليه في قفزة قردية حتى لا يسبقني إليها أحد من غرمائي الذين عادة ما تدور بيننا معارك شديدة حامية الوطيس من أجل رشفة من عبقها اللذيذ الممتع.
- يا له من بخيل! :هتفت وأنا ألتقطها مزهوا بانتصاري.
ما أطعمها! شفاهها كانت مبتلة من أثر تقبيله لها شيء غريب لم أتأفف منها بل قبلت على تقبيلها بلهفة قبل أن يختفي أجمل ما فيها ... نارها.... لهيبها الفاتن السحري.
تبادلتها أطراف أصابعي باحثة عن دفء دفين يسري في جسدي الهزيل علّه يقاوم هجمة البرد الشديد ،ثارت رياح وكأنها غارت من تقبيلي لها وأرادت أن تعانقني وتدمر حبيبتي . أدرت لها ظهري غير عابئ منفردا بعشيقتي ضممتها بين كفي زيادة في حمايتها واستمتاعا بنغمتها أغمضت عيني لأسافر في غياهب الماضي .
أمشي الخيلاء أمسك برقبة معشوقتي .أنفث عبيرها من أنفي وفمي كأنني قاطرة تمخر عباب الحياة، ملابسي متناسقة أحمل في قميصي أفخر أنواع الأقلام - باركر الذهبي - الذي أحصل عليه كهدايا ، لم أكن في حاجة لإقامة حفل عيد ميلاد في منصبي نحصل على الكثير والكثير .
وعندما أمر برفقاء الرصيف الحاليين حيث أني لم أكن من بينهم وقت ذاك كنت ألقي بمعشوقتي بين شفاههم العطشى لهذا العبير، وهي في منتصف لهيبها الممتع فلديَّ الكثير.
قذف الحياة بذاكرتي ، هذا الجزء اللعين، أدفأ أصابعي وحرّك شهوتي لهذا الحنين المفقود، فغلت دموعي في مقلتي وأحرقت وجنتي وأصبح طعمها مرًّا كمرارة خروجي من السجن واحتضان الرصيف لي ، فألقيت بعقب السجارة في وجه الذكريات.