وقفتُ على هذه المقالة للدكتور عنتر عبد الإله .. فأعادتني إلى مقولة .. أو "زفرة" أكررها دائما .. يبدو أن الأمور من ناحية "الدراسة والمناهج"كانت تسير عندنا على ما يرام .. حتى .."وجاء النفط" .. ف"حاس"كل شيء ..
هذا الانطباع التي أتحدث عنه .. تولد لديّ عبر قراءة مذكرات بعض الرواد .. إلخ
المقالة التي بين أيدينا تتحدث قوة مناهج اللغة الإنجليزية في المدينة المنورة .. فأحببت أن أضيف أن قوة المناهج لم تكن تقتصر على اللغة الإنجليزية .. بل الجو الدراسي العام كان يبشر بالخير .. وهذه ومضات من مذكرات الأستاذ عبد العزيز الربيع - رحم الله والديّ ورحمه - :
الومضة الأولى : (ولكن الأمر الغريب حقا هو أن يفرض بعض هؤلاء الأساتذة على تلامذتهم وخاصة الضعفاء منهم أن يحضروا إلى المسجد ليدرسوا دروسا خصوصية مجانية وكنت ترى من الطريف حقا تهرب الطلاب من الحضور واختلاق المعاذير من أجل التخلف يقابله من الأساتذة إصرار وتأكيد وإلزام وربما وصل الأمر إلى التهديد بالعقوبة. ولعل الأطرف من ذلك أن بعض هذه الدروس لم تكن تهدف إلى تقوية الضعف أو إلى دفع المتخلف أو إلى انهاض الخامل بل كانت تهدف إلى ما هو أبعد من ذلك ألا وهو توسعة دائرة الثقافة لدى الطلاب وصقل مواهبهم وإذكاء روح البحث فيهم وشحن طاقاتهم العقليةبشحنات قوية من المعارف الحية المتجددة ){ص 70 – 71 ( ذكريات طفل وديع) / عبد العزيز الربيع /منشورات نادي المدينة المنورة الأدبي / الطبعة الثانية / 1402هـ .}.الومضة الثانية : (أهم ما امتازت به مدرستنا عنايتها بتحفيظ القرآن وكان يفرض على تلامذتها ألا يتجاوزا قسمها التحضيري إلى القسم الابتدائي إلا بعد أن يحفظوا القرآن بأجمعه غيبا حفظا جيدا ويؤدون امتحانا فيه. أو إن شئت الحقيقة فهم مكلفون بأداء امتحانين عسيرين أولهما يؤدى أمام لجنة خاصة فإذا اجتازه التلميذ وجب عليه أن يؤدي امتحانا آخر ولعله أكثر عسرا لأنه يتطلب منه أن يصلي في الحرم النبوي طوال شهر رمضان صلاة التراويح بعد أن تنتهي الصلاة العامة. فيصلي خلفه فيها أحد مدرسي المدرسة من حفاظ القرآن مع عدد من زملائه ومعارفه ومن يرغب من المسلمين.){ص 79}.الومضة الثالثة : (الصف الرابع الابتدائي هو أول صفوف المرحلة الابتدائية بعد المرحلة التحضيرية ( مرحلة تحفيظ القرآن) وخلال عامنا الدراسي بهذا الصف زار مدرستنا السيد شكري القوتلي أحد كبار الشخصيات السورية وكان يومها – فيما أذكر وزيرا للمالية في بلاده – وكانت له سمعته الكبيرة في خدمة قضايا العرب وبعد أن تفقد صفنا استأذنه أحد أساتذتي في أن يستمع إلى قصيدة عربية يلقيها أمامه أحد طلاب الصف وكنت أنا الطالب المختار.فألقيت أمامه قصيدة طويلة تزيد عن الستين بيتا){ص 89}. وقد ألقى القصيدة من ذاكرته.الومضة الرابعة : (“مراح .. الأرواح” .. هذا اسم كتاب ولكنني أرجو ألا يتصور أحد أنه قصة أو رواية أو مجموعة من الطرائف بل ولا حتى كتاب مطالعة مدرسي. إنه بكل بساطة كتاب في الصرف وإذا كان طلابنا في هذه الأيام متذمرين وغاضبين لأن النجاح أصبح ضروريا في كل مادة على حدة فليذكروا أنهم – رغم كل شيء – أحسن حالا من زملائهم طلاب الأمس فنجاحهم اليوم في مادة القواعد يعني نجاحهم في مجموعة مادتين هما النحو والصرف بينما كان طلاب الأمس ملزمين بأن ينجحوا في كل مادة من هاتين المادتين نجاحا مستقلا منفصلا.وهكذا درسنا النحو مستقلا عن الصرف في كل صفوف المرحلة الابتدائية فكان لكل مادة من هاتين المادتين كتاب مستقل في كل صف دراسي وكان من ضمن كتب الصرف هذا الكتاب){ص 99}.الومضة الخامسة : (“دروس .. الأشياء” : وكان هذا اسم درس ندرسه في المرحلة الابتدائية ولست أدري بالضبط ما هي هذه الأشياء ويبدو أنها موضوعات شبيهة بما يسمى اليوم في المدارس مادة العلوم وإن كانت فيما أتصور على مستوى أعلى. وكان من الممكن أن يختفي هذا الدرس في طيات الدماغ كما اختفى غيره لو لم يحدث حادث طريف فقد أسندت إدارة المدرية تدريس هذه المادة إلى مدرس تركي يذكر برجال العلم القدامى من الأتراك من حيث الزي والمظهر واللحية الكبيرة. وكان يتكلم العربية بلكنة تركية،ويمتاز بالعلم والإخلاص ولذلك لم يرقه أن يدرس”الأشياء”تدريسا نظريا – كما يفعل غيره – فذلك عمل عقيم ضعيف الأثر. ولكن كيف العمل ولا يوجد “معمل”في المدرسة واهتدى بعد تفكير إلى أن في الإمكان إجراء بعض التجارب من غير اللجوء إلى المعمل….){ص 104}.الومضة الأخيرة،وهي “أم الومضات” : (يتحدثون كثيرا كلما أوشكت السنة الدراسية على الانتهاء عن مشكلة أطلقوا عليها مشكلة الفراغ ولم نعرف نحن أبناء المدرسة القديمة هذه المشكلة ولم نسمع عنها فقد كانت السنة الدراسية اثني عشر شهرا إلا ثمانية أيام. وهذه الثمانية من أيام هي إجازة العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى. وليس هناك أي إجازات أخرى هذا ما يتصل بالعام الدراسي. أما بالنسبة لليوم المدرسي فكان يمتد إلى ما بعد الظهر وكانت صلاة الظهر تؤدى جماعة في الحرم النبوي ثم يعود الطلبة لدراسة حصتين. ينصرف بعدها الطلاب إلى منازلهم لتناول طعام الغداء. ثم يعود الراغبون إلى “معمل”المدرسة – وهكذا كان يسمى حيث يباشرون عملا من الأعمال اليدوية تحت إشراف مدرس مختص إلى أذان المغرب وتؤمن المدرسة خامات العمل وأدواته. ({ص 118}.الكاتبلميتحدثفيمذكراتهعناللغةالإنجليزية..ولكنهيكمللنابعضامنأجزاءالصورة.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني