«سافو» أول صالون أدبي
وصفها النقاد بأنها امرأة أسطورية قلما يجود الزمان بمثلها.. إنها الشاعرة الإغريقية «سافو» التي ولدت وعاشت قبل الميلاد بحوالي 600 سنة، وأثارت حولها الكثير من الإعجاب والشكوك، ما جعلها تتحول في النهاية إلى شبه أسطورة.
إن سافو قد جمعت حولها بعض بنات جنسها، أي فتيات جميلات صغيرات، في شكل منتدى أو جماعة أدبية فيما يشبه أول صالون أدبي نسائي في العالم، وذلك بهدف تعليمهن الموسيقا والشعر والتأمل، ولقد أطلقت الشاعرة على هذا المنتدى اسم «دار خدمة الموساي»، وفنون الموساي أي ربات الفنون لا تقتصر على الموسيقا والرقص، بل تشمل كل ألوان الثقافة، وتمتد حتى تحتضن العلوم والفنون الأدبية، وهكذا تستطيع أن تخرج بصورة عن برنامج العمل في هذا المنتدى أو هذه المدرسة، تظهر أن «سافو» عمدت إلى تعليم البنات فنون الرقص والموسيقا والشعر، ولا يهدف هذا البرنامج الدراسي إلى تخريج المحترفات في هذه الفنون، وإنما يرمي بالأساس إلى تكوين الشخصية النسائية الصالحة للزواج.
لا شك أن إيمانها بأهمية الثقافة في تشكيل شخصية المرأة وبلورتها جعلها تحتقر الجاهلات، وتبذل كل ما في وسعها من جهد حتى تصل دروسها إلى قاعدة عريضة من تلميذاتها.
وكذلك فإن «سافو» تعتبر أول شاعرة إغريقية تظهر، بل ربما تكون أول شاعرة في الوجود، وفي الواقع فإن الشاعرات في الأدب الإغريقي الروماني قليلات جداً، ولا يتعدين أصابع اليد الواحدة، ونحن لا نعرف منهن الكثيرات، ولذلك فإنه يمكن اعتبار «سافو» الشاعرة الأولى والأخيرة، من حيث القيمة والتأثير في الأدب العالمي.
ولا تقتصر أهمية «سافو» على شعرها وحده، وإنما تمتد إلى تأثير شخصيتها نفسها، فهي تمثل قيمة وأنموذجاً للمرأة الأوروبية الحديثة على الأقل، فهي امرأة على قدر لا بأس به من الجمال، وفنانة تعشق الفن والثقافة.
أما بالنسبة لتراثنا العربي القديم والحديث، فلدينا شاعرات مثل «الخنساء»، شاعرة عربية تعبر عن الأصالة والأخلاق العربية، فنجد شعرها في رثاء أخيها «صخر»، ونحس في هذا الشعر بالقوة والشجاعة والشهامة والحب الأخوي وبشيء من الصرامة، ولكن لا نجد فيها رقة «سافو» ولا عشقها للحياة، كما أننا لا نجد شيئاً من هذا القبيل في قصور الملوك العرب القديمة التي كانت مليئة بالمغنيات والراقصات والشعراء، ولكن في حياتنا الحديثة ظهر ما نسميه بالأدب النسائي والصالونات الأدبية النسائية، وعلى امتداد الوطن العربي توجد عدة أديبات وشاعرات والكثير من الصالونات النسائية، ولكننا بصفة خاصة نشير إلى صالون «مي زيادة»، فهذه المرأة كانت مثقفة ثقافة واسعة، فكانت تفتح بيتها وقلبها للشعراء والأدباء، وتستقبلهم في صالونها الأدبي.

د. رحيم هادي الشمخي
http://www.albaath.news.sy/user/?id=1282&a=114284