حــــــــــيــــــــرة

***

رفع يده بحركة تحمل معنى نهاية الحديث فقتل الكلام على فمها

قهرا ، ثم نطق بالإنجليزية It`s over انتهى مع السلامة .

وجلس إلى مكتبه مقلباً أوراقه فانصرفت يائسة ...لا سبيل إلى

التفاهم مع هذا الرجل ..لا سبيل .. معه لا شىء سوى التسلط

والإذلال .

هذا المغرور المتعنت أيحسب أننا جميعا عرائس خشبية يحركها

بأصابعه كيفما يشاء ؟ أم يحسب أنه يمتلك أقدارنا ؟ إنه مجرد

مدير عادى وصل إلى منصبه عن طريق الحراك الرأسى

الروتينى للوظائف وليس عن كفاءة تذكر .. آه لو كنت أستطيع

أن أقول له هذا الكلام فى وجهه ولكن هيهات .. أنا سلبية

وأخاف من التحقيقات والجزاءات . أنا أسير بجانب الحائط .

ياترى من أين يأتى بهذا الجبروت ؟ كان الله فى عون زوجته !!

ولكن هل هو كذلك مع زوجته ؟ الله أعلم .. !! فلكل إنسان حياة

مزدوجة يحياها ، واحدة بالداخل مع نفسه وأهله وواحدة أمام

الآخرين بالخارج .

أنا مثلا مع زوجى هادئة .. مطيعة .. وسلبية ، فى حين أنى مع

صديقاتى مرحة ومشاكسة وعنيدة .

سأنصرف الآن ، إن هذا أسلم الحلول ، أعود إلى بيتى حاملة

قهرى الخارجى لأضعه فوق قهرى الداخلى وأعيش حالة قهر

مدمجة تنتهى إلى لا مبالاة ..والحمد لله على كل شىء .

كانت المحطة مزدحمة صعدت إلى الحافلة لم أجد مكاناً فوقفت ،

بعد فترة قليلة وصار الازدحام ملحمة شعبية وصار الركاب

مناضلين . صعد بائعون لأمشاط ودبابيس ومناديل ورقية و

صعد شحاذون ودراويش يلقون بالآيات القرآنية على أرجل

الركاب الجالسين . تصاعد صياحهم "صلى على النبى ، آية

الكرسى تشفى من الأمراض ، تبرعوا لبناء جامع ، ما عند الله

لا يضيع ، ساعدوا العاجز المريض ... وحين جاءت المحطة

انتهى العرض ونزل الشحاذون للّحاق بحافلة أخرى وصعد ركاب

أكثر من الذين غادروا وازداد المكان ازدحاما حيث لم يعد هنالك

مكان لقدم .

آه يا ربى أين منظمة حقوق الإنسان ؟ ماذا لو تأتى وترانا ؟

ماذا تراها تفعل ؟

وأين أنتم يامطالبى الحريات بجمعياتكم وندواتكم لتنظروا كيف

يحيا الإنسان فى تلك الحافلات .

النظر من شباك الحافلة هو الحل والملهاة الوحيدة لى للخروج

من هذا العذاب . ولكن هيهات فقد كان من خلفى العذاب الأكبر..

فالراكب الواقف من الخلف يحتك بى ..أنزاح قليلا لليسار

فيلاحقنى ..أنزاح لليمين فيعاود الكرة .. ماذا أفعل ؟ يارب أنت

وحدك القادر على رفع هذا البلاء عنى ارحمنى .. أين أنت

يازوجى الحبيب ؟! ، كم أريدك معى فى هذه اللحظة ، كنت تقف

خلفى كدرع يحمينى ، تراك مثلى الآن عائداً فى أحدى الحافلات

المزدحمة تعانى مثلما أعانى من الزحام والضوضاء ..و ..

ياللمصيبة .. ماذا لو .. ماذا لو .. لو كان يفعل مثل ما يفعله

هذا الرجل الواقف من خلفى ؟ ..هل يعقل أن يفعل زوجى ذلك ؟ !

لا ..لا .. ولم لا !! أليس رجلاً مثله ؟ ..

ترى أيكون من هو خلفى زوجاً وأباً أم لم يتزوج بعد ؟ أن الرد

على هذا السؤال قطعاً سيحسم الموقف . استدارت بشدة للخلف

ونظرت إلى وجه الراكب الواقف خلفها سارحاً فى خيالاته

وتنهدت فى حدة فرأت وجهه متجهماً عبوساً ، ثم ألقت ببصرها

فى سرعة على يديه فرأت خاتم الزواج فى يده اليسرى . عادت إلى

وقفتها الأولى و صوت دقات قلبها تعلو على أصوات الركاب

والطريق و تكاد أن تبكى . ارتبك الرجل ظناً منه أنها تنهره على

فعلته وبدأ فى التململ ثم مالبث أن غادر الحافلة عند أول

محطة وقفت بها .

صعدت سلالم البيت مهمومة شاعرة بالغثيان الشديد فتحت

الباب رأت حقيبة عمل زوجها موضوعة على الأرض كإشارة

لعودته ، دخلت غرفة النوم نظرت إلى وجه زوجها فى تعبٍ ..

وجدته متجهمًا وعبوساً .

****