الاقوام السامية
-------------
أطلق الكتاب المقدس (العهد القديم) أو التوراة تسمية الشعوب المنحدرة من ذرية سام بن نوح بالساميين، إلا أنه لم يشر الى أنهم انحدروا من الجزيرة العربية، وكذلك الحال في نظرية الشعوب السامية التي أخذها المؤرخ النمساوي شلوتزر عام 1873 من النص التوراتي، إذ أنه مثلاً نجد أن ابراهام (إبراهيم) الكلداني كان على الأرجح عراقياً من أصل سومري ومن سكان مدينة أور في أواخر الألف الثاني قبل الميلاد. وبالتالي فأن التسمية جاءت من تشابه أصول اللغات الكنعانية والاكدية والعبرانية والآرامية والأثيوبية (الحبشية) والعربية أكثر منها من تشابه أصول الشعوب التي سميت بالسامية وهم الكنعانيون (بضمنهم الفينيقيون) والاكديون والأشوريون والعموريون (الأموريون) والآراميون والعرب والأحباش بدليل أن الأحباش،
ليس هناك ما يشير في شكلهم وجنسهم من الناحية الانثرويولوجية وعلم الأجناس ولا من الناحية التاريخية أنهم من سكان الجزيرة العربية، أو بلاد الهلال الخصيب. كما أن البحوث التاريخية الجديدة تشير الى أن الاكديين وربما أيضا الآشوريين هما شعبان من سكنة بلاد الرافدين أصلا ولم يأتوا من الغرب كما هو الحال بالنسبة الى العموريين والآراميين وغيرهم، بل أن الأكديين مثلاً كانوا على الأرجح من سكنة القرى الزراعية التي انتشرت على ضفاف دجلة والفرات في عصري العبيد وجمدة نصر منذ الألف الخامس قبل الميلاد. وإذا صح ذلك فإن اللغات السامية على الأرجح قد نشأت في اصقاع متعددة من الجزيرة العربية والهلال الخصيب (فلسطين وسوريا والعراق) وفي المعتقد أن الآرامية والعبرية نشأتا في فلسطين معتمدتين كلياً على اللغة الكنعانية، ويشير معجم الحضارات السامية الى ذلك ذاكراً " إننا لدينا شواهد عن اللغات السامية المحكية في بلاد الكلدان (ويقصد بلاد ما بين النهرين) منذ الألف الرابع قبل الميلاد " ويقول العالم ولفنسون: " أن للتوراة نظرية خاصة عن أقدم منطقة عمرها بن نوح وهي أرض بابل وقد تكون هذه النظرية أقرب الى الحقيقة، فقد أثبتت النصوص القديمة أن أرض بابل هي المهد الأصلي للحضارة السامية. وقد أيد العالم (كويدي) هذه النظرية في رسالة يقول فيها أن المهد الأصلي للأقوام السامية كان في نواحي جنوب العراق على نهر الفرات، وقد سرد عدداً من الكلمات المألوفة في جميع اللغات السامية عن العمران والحيوان والنبات وقال أن أول من استعملها هي الأقوام التي عاشت في تلك المنطقة ثم أخذها عنهم جميع الساميين " أن كلمة كنعان تقابلها في الاكدية كلمة (كناخي) وهي بالفينيقية (كينغ) وفي العبرية (كنعان) وكلها مسميات تعني الحمرة أو الأرجوان. وبلاد كنعان هي التسمية الأصلية لفلسطين منذ الألف الخامس قبل الميلاد وكانت عاصمتهم أور – سالم. ومنها سمى العبرانيون أور – شليم أي مدينة السلام (القدس) وأهم المدن التي أصبح بعضها دويلات كنعانية هي اوكاريت وشخم وقطنا ومجدو ولاخيش وأريحا وجيلا (ببلوس) وبيت شان. ووجد الكنعانيون اصولهم في الأرض الممتدة من صحراء سيناء وغزا حتى حماث (حماة). الإله الذي كان معترفاً به في بلاد كنعان أشتهر باسم (ئيل) لكن صفات قوى الخصب والمطر تجسدت في الإله بعل أو حدد. وهناك الهة لا تقل أهمية عن هؤلاء، مثل (رشف) اله العذاب والعالم السفلي بالإضافة الى عشتروت (عشتار). وقد وجدت مجموعة من الرقم الطينية مكتوبة بعلامات مسمارية في اوكاريت وهي أنواع الحروف الهجائية من القرن الرابع عشر ق. م. وقد كتبت بلهجة من لهجات اللغة الكنعانية. وكثيراً من الآداب والأساطير الكنعانية انتقلت الى العبريين والعموريين خاصة تلك التي تدور حول عبادة القوس الطبيعية وقوى النمو والخصب ما يميز المجتمعات الزراعية. وقد استعمل الكنعانيون لعبادة آلهتهم معابد محلية في العراء على قمم التلال. أما العموريون أو الأموريون الذين هاجروا اخيراً الى بلاد الرافدين بعد أن استولوا على شمال كنعان وأسسوا لهم مراكز في مدن مثل (خلبو) حلب التي اشتهرت بعاصمتها (ايامخد) وكذلك مدينتي جبلا (جبيل) وقطنا الكنعانيتين. وأصبح مركزهم بعد ذلك مدينة ماري قبل هجرة عدد منهم الى بلاد بابل. ولم يخلف العموريون تراثا أسطوريا أو دينيا معنياً إذ سرعان ما ذابوا في خضم الحضارات الرافدينيّة ولغتها الاكدية. وعلى أية حال فإن الأقوام السامية عاشت في أرض مشتركة ما بين الجزيرة العربية والعراق، وقد تكون لغاتها فيها بعض التشابه لكن من دراستنا للتاريخ في العصور القديمة نجد أن هذه الأقوام متفاوتة في تفكيرها ومعرفتها وقيمها أحيانا، وهي بصورة عامة قبائل تبحث عن الكلأ والماء والأنهار والخضرة من أجل الاستقرار أو أنها إذا ما كانت قوية ومسلحة تستولي بحد السيف على مدن شعب آخر وتحل محل الشعب الأصلي ولذلك لم يكن بين تلك الأقوام توافق في العصور القديمة. قد تكون بعضها سعت للتعاون ورص الصفوف أمام الخطر الخارجي كالفتوحات البابلية والآشورية، ولكن المهم عندنا أن هذه الشعوب أعطت لنا حضارات راقية بعضها امتدت على طول الهلال الخصيب مثل البابليين والآشوريين، والبعض الآخر لم يستطع تكوين دولة كبيرة موحدة مثل الآراميين على الرغم من أن وجودهم كممالك ومجموعات مستقرة في مدن تمتد من دمشق حتى جنوب العراق. ووجدنا هذه الأقوام أحيانا تشترك في الأخذ والعطاء خصوصا في مظاهر الحضارة والتقدم فقد أعطت الحضارات الاكدية والبابلية والآشورية والفينيقية ومنها ممالك اوكاريت وايبلا وسمأل وغيرها والأهم من كل ذلك أننا سنجد خلال استقرار الأقوام السامية تطوراً مذهلاً في العبادة والقيم الدينية التي توصلت، من خلال تراكم الممارسات الدينية وبعد تفكير عميق بقيم السماء، لمعرفة الرب الواحد والإله الواحد، وكان السبق للعبرانيين الذين وظفوا مظاهر الحضارات السامية القائمة آنذاك وأدبياتها وملاحمها في معرفة الله، وكان سفر التكوين بداية معرفة أسرار الكون والخالق التي أوجدها. ولم يكن ليتوصل الى ذلك العبرانيون من دون ثقافة البابليين وعلومهم وآدابهم الراقية التي أدركوا فيها بدايات الخلق والتكوين والوجود التي ظهرت على شكل أساطير وملاحم نشأت معظمها في بلاد ما بين النهرين دجلة والفرات. لكن الوثنية استمرت بين الشعوب السامية لانغلاق اليهود على أنفسهم وترددهم في نشر الدعوة اليهودية بين الشعوب الأخرى. وسوف نجد هناك توحداً من نوع ما بتقاليد الإلهة تموز في تجدد الحياة في فصل الربيع ولكن بأشكال ورموز ومسميات مختلفة فعند الفينيقيين هو الإله اشمون وربما أيضا ادونيس وعند العرب خضر الياس أو الخضر. كما تأثرت بإلهة عشتار ربة الخصب وربة الحب وربة الحرب أيضا، فسميت لدى بقيت الأقوام عشتر وعشتارته وعشتروت كما أطلق بعض الملوك الفينيقيين على أسمائهم عبد عشتر وعند العرب الجنوبيين سميت (بعثتر) واعتبرها الساميون إلهة الإنجاب وكان يرمز إليها بنجم وتمثل أيضا بكوكب (الزهرة). وكانت رغبة واندفاع الأقوام السامية في بداية نشأتهم هو البحث عن مواضع خصبة للاستقرار قرب العيون والأنهار وانتقالهم بذلك من مكان لآخر خلال أراضي الهلال الخصيب بعيداً عن الصحراء العربية وصحراء سيناء وقد أستمر هذا الانتقال المستمر (فالعبرانيون ضلوا في صحراء سيناء أربعين عاما) كل ذلك قد مثل لهم نوع من الاغتراب والقسوة في التعامل كما اتصفت ذهنيتهم بميل الى التفكير الأسطوري الذي يمزج بين الحقيقة والخيال ورؤياهم للوحوش المرعبة والحيوانات الخرافية التي تعكس مصدر الخوف من الظلام والأماكن القصية والخوف من المجهول عموما وكان العرب أكثر اهتماماً بالجن وعالمه" وكان العربي يرى في الجن أو في هذا المخلوق المرعب كل ما يراه المتوحش في طوطمه، فكان ينسب الأفراد والقبائل الى نسل الجن. كما قيل أن بلقيس ملكة سبأ وذا القرنين كانا من ولد الجن وكذلك قبيلة بني مالك وبني شيصان وبني يربوع من قبائل الجن " ولعل فكرة وجود الجن قد انتقلت الى العرب من التراث الحراني (الكلداني) الى العرب حيث قالوا بأن للجن الهاً وعليهم أن يضحوا بنحر ذبيحة له، ثم يطبخونها بماء يستحمون فيه سراً لترضية رئيس الجن وهو الإله الأعظم. وكانت خرافات الغيلان منتشرة بكثرة في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وينسب لبطل عربي خرافي يسمى(تأبط شراً) أنه قتل غولة بضربة واحدة من سيفه. وممن تزوج بالجن من العرب عمر بن يربوع التميمي وعمرو ذي الأذعار ذي المنار " كما أن قبائل بكاملها عبدت الجن مثل رهط طلحة الطالحات من خزاعة. وقد ألفوا روايات كتبت فيما بعد تنسب الى أبي هلال وابن الأمام وأبو خالد الخراساني وابن أبي رصاصة ولوهق بن عرفج كما نقل العرب أساطير عبرانية من بينها أسطورة ولادة إبراهيم الخليل وموجزها: " أن ولادته كانت أيام الملك نمرود بن كنعان وكان بين الطوفان وبين مولد إبراهيم (1260) سنة. وذكر أن النمرود أول من لبس التاج على رأسه ومشى جباراً في الأرض، وطلب من الناس أن يعبدوه. وكان من بين حاشيته كهان ومنجمون قالوا له: أنه يولد في بلدك هذه السنة غلام بغير دني أهل الأرض ويكون زوال ملكك على يديه، وقالوا أنهم وجدوا ذلك في كتب الأنبياء، وأمر النمرود أن تقتل كل امرأة حامل وكل غلام يولد ذلك اليوم. وكانت أم إبراهيم يومها حاملاً فقال الكهان للنمرود أن الغلام الذي أخبرناك عنه قد حملت به أمه هذه الليلة. أعطى النمرود أوامره بذبح جميع الغلمان (الأطفال) الذين يولدون تلك الليلة. فلما دنت ولادة إبراهيم وجاءها المخاض خرجت هاربة الى مجرى النهر يابس مخافة أن يطلع عليها أتباع النمرود ويقتلون وليدها. وكانت قد لفته في خرقة ووضعته مخفياً بين أعواد الحلفاء وعادت إدراجها وأخبرت زوجها بالوليد الجديد وعينت له مكانه. فانطلق أبوه آزر وأعد له ملجأ قرب النهر وسد بابه بصخرة مخافة السباع. وكانت أمه تزوره بين الفينة والأخرى لترضعه وتطعمه." ويلاحظ أن الأسطورة تشبه ولادة النبي موسى التي أخذت أصلا من قصة ولادة سرجون الاكدي (2340 ق.م.) مع إضافة مقطع من ولادة يسوع المسيح. كما انتقلت الى العرب أسطورة عبرانية أخرى الى العرب. وهي أسطورة العماليق وهي على النحو التالي: " أن العماليق أو العمالقة، سمّوا كذلك نسبة الى جدهم عمليق الذي هو شقيق طسم ويرجع أصله الى سام بن نوح. ويعتبر العمالقة من أقدم طبقات العرب. وقد تفرقوا في أرض الجزيرة وتوزعوا الى قبائل سكنت في عمان والحجاز والشام والعراق ومصر. وعرف من ملوكهم الأرقم وهو من العمالقة وكان معاصراً للنبي موسى. ويقال أن عمليقاً وهو أبو العمالقة أول من تكلم بالعربية وقد جاء من بابل. والعبرانيون ينسبون العمالقة الى قبائل من الرحل قطنت جنوب بحر النجف ينسبها التوراة الى عمليق حفيد عيسو بن أسحق بن النبي أبراهام كما جاء في سفر التكوين (9: 12) وفي سفر الخروج أيضا. وعرف عن العمالقة شدة بأسهم وشجاعتهم، وهم أول شعب دخل الحرب مع العبرانيين لمساعدة اليهود حينما خرجوا من مصر في طريقهم الى فلسطين. وكانوا في بعض الأوقات مصدراً للرعب والمتاعب المستمرة لإسرائيل. ولهذا كان العبرانيون يخافون من العماليق وادعوا أنهم انتصروا عليهم وكانوا يدعون من الرب يهوه أن يخرب مساكنهم!؟ " وهناك أساطير عربية إضافة الى قصص الأولين من أبرزها: 1) ارم ذات العماد: وارم أرض رائعة كالجنة بناها ارم بن شداد بن عاد في اليمن الذي كان جباراً... الخ. 2) اساف ونائلة: قصة من قصص الأولين حدثت في الكعبة بمكة قبل الإسلام. 3) أسطورة الخضر أو خضر الياس: وهي محاكاة لأسطورة تموز مع إضافة القدسية على الخضر حتى عد نبياً أو ولياً. 4) قصة صد بن عاد. 5) قصة اله شعب قتبان (عم). 6) قصة عوج بن عنق. وبجانب الجن وقصصهم كانت الغول (وهي مؤنثة) " تلزم الذهنية العربية قبل ظهور الإسلام وتتسلط عليها تسلطاً مهولا. وكانت الغيلان في الغلوات تتراءى للناس فتغول تغولاً، أي تتلون ألوانا وأشكالا فتضلهم عن الطريق وتهلكهم "
----------------
منقول - ويل ديورانت