الحمير هل تشبهنا.. أم نحن لا نشبهها

مقالات ملفقة \1\
بقلم محمدفتحي المقداد

على توالي الأعوام تغلغلت في مجتمع النَوَرْ عادة امتطاء ( الحمير) في دمائهم , وأصبحت شعاراً لهم حتى أن جدودهم كما تروي عجائز النَوَرْ أصبحوا يخشون امتطاء الجياد الخيول ونتيجة لهذه البدعة , فُرِض على نساء القبيلة السير على الأقدام طيلة حياتهن , فهن لا يمتطين أية راحلة كانت , بل إن ذلك من حق الذكور على الإطلاق , فالرجل يمتطي الدابة و المرأة تسير بركابه , مهما طالت المسافة دون تذمر . ويعزو ( النَّوَرْ ) أصولهم إلى (بني مُرَّة) ويبتدئ تاريخ تشردهم عقب المعركة التي قُتِل فيها ( جسّاس) زعيم قبائل ( بني مُرَّة) فمنذ ذلك الوقت حرَّم عليهم ( الزير سالم ) – على حد زعمهم ركوب الخيل على الإطلاق , فاضطر جدودهم القدامى إلى ركوب الحمير بدلاً من الجياد والخيل , ثم سامهم ( الزير سالم ) الخسف والهوان حتى اضطروا إلى الهجرة من ديارهم , والضرب في فجاج الأرض سعياً وراء الرزق , والمراعي الخصبة . ويروى أن شاعر الأردن ( عرار – مصطفى وهبي التل ) وكان قد عمل بالمحاماة لبعض الوقت , اشتهر بدفاعه عن ( النَّوَرْ) في المحاكم تطوعاً . وحدث أن سرق أحد ( النَّوَر) حماراً , وكان ثمن الدواب آنذاك مرتفعاً وكان المتهم قد اعترف بالسرقة , لكن عراراً التمس تخفيف العقوبة , بداعي أن المتهم أعاد الحمار المسروق إلى صاحبه , وأنه من الأموال الخسيسة , , فقاطعه القاضي , بقوله: إن ثمن الحمار اليوم يساوي عشرين جنيهاً " , فكانت مفاجأة لعرار , إلاّ أنه تداركها بذكائه ,وقال للقاضي : " لقد شرّف الله دابّة النبي صلى الله عليه وسلم بأن جعل منها البُراق , ولم يُشرف حمار العُزيرْ بل أبقاه حماراً , اسماً وجسماً , مصداقاً للآية الكريمة ( إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير ) , وارتفاع ثمن الحمير لظروف خاصة , لا يُخْرجُ الحمار لمسروق عن كونه حماراً بأخس الثمن , فضحك النظارة لهذا الدفاع , ونزل القاضي عند رأي ( عرار ) وخفف العقوبة . ففي مجتمعنا الريفي, للحمير أهمية استثنائية في حياة الفلاحين وفي القديم هو وسيلة المواصلات للركوب ولحمل الأثقال والأمتعة عليه , وله ولكل الحيوانات في البيت مكان خاص بهم يسمى ( البايكة) , والمكان الذي يخزن فيه التبن والعلف ( التَّبان) , ويضع للحيوانات جميعا الطعام في حوض من الطين والحجارة يعلو عن الأرض حوالي نصف متر يسمى ( الطِوالة ) ووعاء معدني أو جلدي يوضع به الماء (جابية ) , وبعض الفلاحين كانوا يستخدمون الحمير للحراثة عليها إما على حمار واحد أو حمارين يوضع على رقبتهما ( نير ) واحد يربطهما سوية . وما دامت الحمير قد شاركتنا حياتنا قد رأيت مزايا وصفات حميدة للحمار , فهو لا يكفر بالله , ولا يجحد بلسانه الإله الذي خلق له هذا اللسان , كما يفعل الإنسان , ولا ينافق ويتخذ له وجهين , و لا يثير الحروب عل إخوانه في الحماريَّة , ولا يعرف جريمة القتل , ولا رذيلة الانتحار , ولا تشغله شهوته عن واجبه الحماري كما تشغل بني آدم , ولا يفكر في الأتان ( أنثى الحمار ) إلا مرة واحدة في السنة , ليقوم بقسطه من فضيلة العمل على بقاء النوع ولا ينحرف بغريزته عن طريقها , ف( يقترب... ) من حمار مثله ويدع جميلات الأُتُن , ذوات الخد الأسيل , والذنَبِ الطويل , والساق النحيل , ... كما تنحرف غرائز بعض بني آدم . .تتبرج إناثه التبرج المُغْري , ولا تعرف البغاء الطليق على ( البلاج) , ولا البغاء الفني في السينما والتلفزيون والمجلات المصورة أو الأنترنت . ...ولم يُشاهد أتاناً ترقص رقصاً خليعاً , ولم يسمعوا حماراً يغني غناء حديثاً , مع سهولته عليه , ولكن يبدو أن فضائل الحمار تلك ظهرت لتلك المطربة التي شبهت حبيبها بالحمار بقولها ( بحبك يا حمار ) وهي أغنية لطيفة , كانت قد تسببت في طلاق كثير من النساء وحتى يروى أن عروسا أحضرت معها كاسيتها وخبأت كمفاجأة لعريسها ووضعته في آلة التسجيل , مما كان السبب في طلاقها الفوري ورجوعها إلى بيت أبيها ,والحمار ما رأوه مع ذلك إلا صابراً على ما قُدِّر عليه , راضياً بما قسم له , لا يستغل أيام الحرب , ليسرق شعير إخوانه الحمير .. ولا يغُش ولا يرتشي , ولا يخون , ولا يعرف المكر , ولا الحسد , ولا يتظاهر بالدين ليصل إلى الدنيا , ولا يتخذ العمل في المصالح العامة سُلَّماً إلى المناصب , وهو يطيل التأمل , وهو لا يؤذي أبناء جنسه بتدوين فلسفته ,ويأتي حين يُصَوِّتُ بسحجات و صيحات لها في موسيقى الحمير جمالٌ , ولكنه لا يزعم أنه من كبار الملحنين , ولكنه لا يزعم أنه مجدد في البلاغة كما يزعم بعض مشايخ بني آدم , لئلا يقال له : اخرس , فما تجديدك إلا نهيق .. وقد قيل في المثل السائر( وقف حمار الشيخ عند العقبة) أنا بدوري أقف هنا لعلي أعود ثانية أتبحر في فلسفة الحمير لعلي أصبح فيلسوف الحمير , وتطبق شهرتي شهرة ابن سينا والفارابي , ,وأكون أول من وضع أصول هذا العلم وفلسفته .
------------------------------------------------
*اقتباس بعض من أفكار المقال من كتاب
- عرار شاعر الأردن ( تأليف البدوي الملثم ) وكتاب
- مقالات في كلمات ( الشيخ علي الطنطاوي )