جريدة البلاد تحاور الدكتور
منير القاسم حول سلسلة محاضراته
عن التربية الإسلامية في بلاد الغرب



التربية الإسلامية

في


بلاد الغرب








نقدّر للكاتب منير القاسم تقديراً عالياً ما هدف إليه في محاضراته ، فالواقع يفرض أن نفكر تفكيراً عميقا في هذه المعضلة ، وأن نضمّ إلى صفة العمق ، سرعة البحث ، فنحن أمام كارثة تصيب أبناءنا فبذات أكبادنا ودعائم المستقبل .
عظيم أن يقرأ أبناؤنا كتاب علوان المعتمد الأصول الإسلامية ، ولكن الأساس الشرعي لبحثه غير كاف ، وهذا الكتاب – وحتى الأعلى منه منزلة – غير كاف للبحث العلميّ في هذا الموضوع الخطير .
المشكلة لم تتغير :
فإما علم بالأصول ، فيضعها حاملها وراء ظهره ، والأخطر من هذا أن يتناسى المحافظة على ما حمله من دياره ، فيضيع قسم كبير منه ، وقد تتداخل الموضوعات وتلتبس ، فبضطر إلى الانصياع لما يفرضه المجتمعالجديد.
و إما جهل بالأصول و بالفروع ، فيبدأ الإفتاء بغير علم ، وبناء ما يدعونه إسلاما ، فيصاب من يرى تصرفات المسلمين بصدمة لا يعرف الخروج منها .
و إما منع عقول فئة من العلماء الاطلاعَ على الواقع والفكر المعاصرين ، فيحاربون كل ما يأتي به الغرب دون فهم ، وقد يقومون بتصرّفات معاكسة ، فيتقبّلون كل ما يُملى عليهم .
اشترط العلماء في المفتي :
۱ - أن يكون أولا متمكنا في العلم الشرعي قادراً على الاجتهاد ،
٢ - و أن يكون بعدها متمكنا في العلم والواقع المرتبطين بموضـــوع الإفتاء .
( ويجدر بنا أن نزيل من أذهاننا تلك الصورة الضيّقة عن المفتي الذي يفتي في مسائل متفرقة لا ترتقى إلى قدرته على البحث في أمور اجتماعية تربوية عامة ، و لا يجوز لنا أن نلغي عمل المفتي الذي يتمتع بالشرطين السابقين ، ونقيم مكانه باحثين اجتماعيين تربويين تعمّقوا العلوم الحديثة، ثم كان لهم حماسة مشكورة مع نصيب من الثقافة الشرعية سابق أو لاحق ، قليل أو كثير . والفرق واضح بين ( اطلاعهم و ثقافتهم ) ، و العلم الذي يتلقّاه الطالب _ عالم المستقبل _ على أيدي شيوخ ( أساتذة ) وفق الأصول المنهجية . فانحرفوا عن الجادّة ، و الأخطر من هذا أنهم أصبحوا هم الدعاة الذين يشار إليهم بالبنان . )

المجتمع يجمع بين الدين الإسلامي والعرف والتقاليد السائدة :
المشكلة في فلسفة هذا الجمع ، هل الغاية : أن يندمج المسلم في هذا المجتمع ،
١ - بمعنى أن نبحث في وسائل قدرته على التعايش مع الآخرين ، مع التزامه بأحكام دينه ،
٢ - أم بمعنى الإذابة ومسايرة المسلم لهذا المجتمع حتى بالتخلي عن بعض الأحكام الشرعية أو كثيرمنها ،
٣ - أم بالحفاظ – فقط – على العقيدة الإسلامية بأصولها الصحيحة أو ببعض الانحراف أو بالانحراف كلّه ،
٤ - أم نفسّر كل ذلك بالضرورة التي نصّ عليها الشرع ، أ نلزم أنفسنا بمفهومها الإسلامي وشروطها الشرعية و الأحكام المترتبة عليها ، أم نترك لكل منا أن يحدّد مفهومها و يضع شروطها وفق الظروف التي تمرّ به، و يقدّر الأحكام المترتبة على ذلك ؟!






مرحلة اكتشاف الذات في الغرب :

ما معنى هذه العبارة ؟ أنعني بها

- أن المسلمين القاطنين في ديار الغرب :

١ - لم يتأقلموا مع الحياة الأوربية ، ومازالوا غرباء بعيدين عن الاندماج و مسايرة الحياة العصرية،
٢ – أم هم ضائعون لا يعرفون على أي مبدأ يقرّون ، أيبقون على تربيتهم الأولى ، أم يقبلون بكل ما يأتي من الغرب ؟!
٣ – أم مازالوا يبحثون في وسائل مجدية تحلّ هذه الأزمة، فلم يقرّوا على وسيلة محدّدة ؟!

٤- أم ما زالوا يتداولون حديث التمييز بين مصطلحي : الإسلام في الغرب، وإسلام الغرب ، هل يريدون الاندماج في المجتمع الغربي وفق معنى من المعاني السابقة ؟

اختلاف كبير في أسلوب التربية بين بلادنا الأم وبلادنا الجديدة :

هذا ( تحصيل حاصل ) ، ولكن الأهم أن نتساءل : هل التربية في بلادنا الأم هي التربية الإسلامية التي نحرص عليها ، أم هناك انحرافات و مخالفات لأحكام الشرع ، أم هي تغيرات في بلادنا الجديدة لا تتعارض مع أحكام الشرع ، وإنما هي من ( باب : تتغير الأحكام بتغير الأزمان – والمكان أيضا ً ) و هذه الأحكام غير الأصول القارّة التي لا تتبدل لا حسب المكان و لا حسب الزمان ، و قد يعني هذا الاختلاف في التطبيق ، كأن نسأل أخانا الباحث : أ ترفض ضرب الأولاد وهم في سنّ العاشرة لأن هذا الحكم من المتغيرات ، واتباعاً لقول الإمام علي بن أبي طالب – كرّم الله وجهه - (علموا أولادكم غير ما تعلمتم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم) ، أم تلافياً لمشكلة وقوعنا تحت طائلة العقاب؟! وعليك أن تلتزم بقوانين البلاد التي لا تسمح بالعقوبة الجسدية.
علينا أن نعرف أن في هذه البلاد أساليب غير متوفرة في بلداننا، وهي تركز على تعاون
الأهل مع المربين في المدارس للوصول إلى حلول للمشكلات، أي أن الأهل ليسوا هم العنصر الوحيد في تربية الأولاد.
( وعليك أن تلتزم بقوانين البلاد ) هذا الوجوب هو القاعدة أم الاستثناء وهو الالتجاء إلى رخصة الضرورة الشرعية ،
( تعاون الأهل مع المربين في المدارس للوصول إلى حلول للمشكلات) هل هو قاعدة أم استثناء ، أم نترك لهم هذه التربية لأنهم أهل الاختصاص التربوي ( لا عبرة لوجود بعض الآباء المماثلين لهم أو المتقدمين عليهم ، فهذا أمر عادي في المؤسسات التربوية لكل بلد ) ، ثم ألا يحقّ لنا أن نتساءل عن وجهة هذه التربية ، هل تتعارض مع ما نؤمن به ، أم هي - حسب ما ترون - علم ، و لا دخل للعقائد في الأمور العلمية ؟!
و يبدو أن الباحث يجنح إلى أنها علم – ولو تعارض مع الأفكار التي يصرّ عليها متزمّتون !!- كما يُسمّهيهم-.

النصائح (المعلبة) ، وإنما تطرح تجارب عملية في هذا المجال.


لا يشك أحد في صدق هذا المنحى ، شرط أن نفهم كلمة (المعلبة) إصرارا على حب القديم ولو كان باطلاً ، أما إذا دافعنا عن القديم لصوابه بأدلّة تثبت صدقه فلا موجب لرد هذه النصائح . وهنا مصدر الاختلاف بين المتحاورين في هذا الأمر .



إننا أمام مشكلة حقيقية ، وكارثة تهدد مستقبل الأجيال القادمة ، وما علينا سوى أن نحافظ على مبادئنا و أساليبنا ، إلا إذا وجدنا ضرورة للتنازل عن بعض الأمور وفق مقياس الضرورة الشرعية – ويقوم بهذا علماء مجتهدون يجمعون بين تمكنهم في العلوم الشرعية ، واطلاعهم الكافي على أحوال العصر ، والنية الصادقة مع الله


ولكن إيانا و التسرع في الإفتاء إذا واجهتنا صعوبة، فأين مقام مجاهدة النفس ؟!