لماذا لا تتعامل الإدارات الأمريكية بعلاقة عادلة مع الشعوب؟
ويسأل سائل:لماذا لا تضمن الإدارة الأمريكية مصالح بلادها من خلال علاقة صحيحة وعادلة مع الشعوب؟
والجواب للوهلة الأولى لا يحتاج لعناء جهد سوى في أن يقول: ضمان المصالح أفضل من خلال علاقة صحيحة مع الشعوب.وإصرار هذه الإدارات وتعنتها على عدم فهم تجاربها العديدة والمتكررة نوع من الغباء,وخاصة أن تعنتها كبد بلادها خسائر جسيمة بالأرواح والعتاد.وعرض اقتصادها للإفلاس,وبات يطيح بدورها القيادي.
وهذا الجواب لا تستسيغه الإدارات الأمريكية.لأنه سيضطرها لكشف المستور عن أحداث ومآسي تدين بلادها وحلفائها و ساسة بلادها بممارستهم للإرهاب.والذي لو افتضح سره لن يسر لهول فظائعه أياً من الشعوب. وربما لهذا السبب تسربت أو سربت بعض الوثائق عن طريق موقع ويكيلكس,بعلم أو بدون علم الوزير السابع والستون للخارجية الأميركية السيدة هيلاري كلينتون.وربما كان الهدف من هذا التسريب,هو تحميل الجزء الأكبر من المسؤولية للزعماء والأنظمة والحكومات الأخرى ولقوى الموالاة والمعارضة, وحتى للخونة والعملاء. وتبرئة بلادها وإدارات بلادها مما عانته وتعانيه الشعوب.نتيجة السياسات الأميركية السابقة والحالية.بذريعة أن هذه السياسات رسمت على ضوء ما قدمه هؤلاء من معلومات ومطالب لإدارات بلادها,ولذلك فهم من يتحملون كامل المسؤولية.وهذه الأسطوانة رددها الرئيس جورج بوش ورموز إدارته,ويرددها حالياً رموز إدارة الرئيس باراك أوباما حين حملوا المسؤولية عن كثير من الأمور لنقص وخطأ المعلومات الإستخباراتية.وكأن الولايات المتحدة الأميركية التي تملك أحدث وأرقى تقنيات المعلوماتية ووسائط التجسس والاستطلاع والمراقبة,والتي تعمل على مدار الساعة يومياً, مازالت بحاجة للحصول على المعلومات من مصادر أخرى بدائية أو من شخصيات أخرى.وقد يكون الهدف من تسريب هذه الوثائق. إنما هو تبرير للسياسات الأمريكية.بهدف التهرب من الجواب الصحيح عن ممارساتها العدوانية والإرهابية والإجرامية.وانتظار الزمان عله يحل الأمور, أو يأتي بحدث جديد يتاجرون فيه.و يتحلقون حوله كما تتحلق على الفضلات أسراب البعوض والذباب.ويحدوهم الأمل بأن ظاهرة النسيان هي من ستتكفل بطمس كل مثل هذه الأمور. ولهذا السبب يمكن لمن ينظر ملياً بوجه كل رمز من رموز الإدارة الأمريكية,حين يجلدنا بخطاب أو تصريح,أن يكتشف أن هذا الرمز مدرب على القفز في أي حدث أو عدة أحداث, كما الحصان مدرب على اجتياز الحواجز.كي يظهر علينا في كل مرة بأسلوب مختلف,و قناع جديد. وبنظره فشعوب العالم ليست بأكثر من حشود من الغوغاء أو الرعاع أو الجهلة, يمكن تحريكها في الزمان والمكان, أو تهييجها لما تصبو إليه مصالح بلاده. بتلويحه لرايات الغرائز والشهوات والتمنيات ,أو الأماني والمطالب العادلة التي تهييج أشجان وعواطف الشعوب والأفراد.
فالرئيس الأميركي مثلاً: يبدي السكينة والمسكنة والوقار حين يوجه خطابه لشعبه الأميركي. ويعد كل مواطن أمريكي بمستقبل مشرق في العيش برفاهية و رخاء وأمان.ولكنه يرفع من مخاوف وقلق كل أميركي من المخاطر المحدقة به وببلاده,كي يثير نخوته, ويبرر لإدارته حروبها الحالية والمستقبلية كي تبقى الولايات المتحدة الأمريكية بأمن وأمان وسلام,والقوة الأعظم في هذا العالم, والسيد الذي يجب أن يطاع في كافة أصقاع الأرض.
أما حين يخاطب باقي الحكام والأنظمة,فيظهر نفسه على أنه قيصر أو إمبراطور زمانه.فلذلك تراه مثلاً:يرجمهم بفرماناته السلطانية,أو عقوباته الاقتصادية.أو قوانينه الغير شرعية.والتي يجب أن تنفذ وتطاع.ملوحاً بعصاه الغليظة,ومهدداً كل من يعصيها بصلبه, بعد أن يسمل عيناه ويقطع أطرافه ويهشم أسنانه ويقطع لسانه.
أما حين يخاطب إسرائيل وحكامها والمنظمات الصهيونية.فتراه دائماً: يبدل من قناعه,ويزيف الحقائق والوقائع. ويغير من تلميحات و تعابير وجهه,ويخفض نبرات صوته, ليظهر نفسه على أنه ليس سوى عبد ذليل أعزه إلهه في أن يكون خادماً مطيعاً لإسرائيل,وجندياً مدافعاً عن حماها وأمنها طالما بقيت تقطن في جسده الروح. وأنه لن يدخر من جهد لدعمها بالمال والسلاح.و أنه سوف يستشيرها,ويأخذ رأيها في كل أمر قبل أن يبرم أحكامه ويعلن عن قراراته ومخططاته,ولو في الأمور التي تخصه أو تخص بلاده وإدارته و ذويه, و زوجته وصبيانه وبناته. وحين ينتقل بحديثه لمخاطبة باقي الشعوب.يستر وجهه بقناع جديد.فتراه مثلاً:يطل على العالم وكأنه حكيم عصره,والحاكم العادل في بلاده وبلاد غيره, والأمل المرجو والمنشود لخدمة الإنسانية.وصاحب الكرم والجود في تصدقه على الشعوب ببعض قيم الحرية والديمقراطية,والمدافع عن حقوق الإنسان والشرعية الدولية.وهو على دراية بأنه منافق كل همه إنما تضليلهم وخداعهم, لترويج بضاعة أسياده الاستعمارية والصهيونية. في سوق هو أشبه بسوق اللصوص والحرامية. بعد أن يوظف بعض وسائط الإعلام والفضائيات لترويج بضاعته الفاسدة,لتشجيع الجماهير على تسوق هذه البضاعة على أنها بضاعة ممتازة.ويسخر طوابير عملائه ليبرروا له كل تصرفاته, بما يخالف الحقيقة والواقع.وستجد كل عميل من عملائه يتبحر في علومه واختصاصه ليتفنن في نفاقه ومكره لخداع جماهير شعبه, بما لم يدر حتى في خلد وخطط وأهداف سيده الأمريكي أو الإسرائيلي.
نذكر الذي لم يجد جواب لسؤاله بما ورد في وثيقة باللغة العبرية بعنوان إستراتيجية إسرائيلية للثمانينات.نشرتها مجلة كيفونيم التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية عام 1982م.وقدمها الدكتور عصمت سيف الدولة كأحد المستندات في دفاعه في قضية تنظيم ثورة مصر عام 1988م.وبعض ما جاء في هذه الوثيقة بإيجاز:أن هدف الإدارات الأميركية وإسرائيل.إنما هو:تقسيم العراق.وفصل جنوب السودان وتقسيمه.و الاعتراف الرسمي بباقي اللغات الأخرى بجوار اللغة العربية.و تقسيم لبنان وبعض الدول العربية إلى عدد من الدويلات.وتحويل دول عربية إلى دول اتحادية على شاكلة النموذج السويسري.وتهجير الفلسطينيين من إسرائيل إلى الأردن, وتوطين الباقي في دول الشتات.بغية الحفاظ على يهودية دولة إسرائيل.
ولهذا نشهد حالياً محاولة البعض نزع كلمة العروبة أو العربية من بعض التسميات والدساتير.تحت ذرائع وحجج المستفيد منها قوى الاستعمار.ومناصبة البعض العداء لقوى المقاومة الوطنية في كل مكان.بهدف إضعاف عزيمة الشعوب بتحرير الأرض, وحماية المقدسات.واستهدافهم الإسلام من خلال ربطه بالإرهاب.حتى أن الرئيس ساركوزي استعاض بدفاعه عن مكانة فرنسا وكرامة الفرنسيين بمحاربته للنقاب والحجاب.
ولذلك فالإدارات الأمريكية تعتبر أن مصالحها لن تستقيم من خلال علاقة صحيحة وعادلة وموضوعية مع شعوب أو أنظمة أو حكومات يرفضون منطق الوصاية والاحتلال أو الانتداب.أو أن همهم تحرير تراب وطنهم من رجس الاحتلال.أو يتمسكون بخيار المقاومة كأحد الخيارات لمواجهة منطق العدوان والغزو والإرهاب.كما أن الإدارات الأمريكية تعتبر أن كل عملية إصلاح في أي مكان من العالم تحمل في طياتها بذور الخطر على إسرائيل و على مصالحها.ولذلك فهي العدو اللدود لكل عملية تغيير أو تطوير أو تحديث أو إصلاح.وواهم من يظن أن أي أدارة أمريكية أو رمز من رموزها أو مسؤول فيها همه إحقاق الحق أو العدل والعدالة والإنصاف.
الأحد:28/8/2011م العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم
bkburhan@hotmail.com

------------------------------