يبدو واضحًا للمتابع للشأن السعودي أن الليبروجامية السعودية متوترة جدًا مع وصول الحكم الجديد ونتيجة للتغييرات الكبيرة التي أحدثها.لقد مارست الليبروجامية السعودية الإرهاب المكارثي تجاه مخالفيها طوال عقد كامل مدعومة من أطراف متنفذة لا تخفى على أحد. هذا الإرهاب المكارثي الذي قامت به أجهزة ووسائل إعلام وكتَّاب ومثقفون ومشايخ دين لم يكن مجانيًا.كان هناك من يعمل من وراء الكواليس للتحضير لتغييرات كبيرة من أعلى الهرم حتى أسفله. وكان هذا التحضير يسير وفق ماكينة تشبه المكائن الانتخابية، يتم من خلالها استخدام مسامير الماكينة الكثيرة من كتَّاب مقالات ومثقفين ومحللين ومقدمي برامج لتشويه وسب وشتم والسخرية من كل من قد يقف حجر عثرة في طريق مخطط ذلك الفريق المتنفذ. وبسخاء لا حدود له يقدم لها وللعاملين وفق أجندتها، كانت الليبروجامية تعمل بكامل طاقتها الاستيعابية لتمهيد وتوطئة الشارع كي يقبل تلك التغييرات التي كانت تسير على قدم وساق.شاهدنا إصلاحيين يتم سجنهم. ومشايخ يتم إيقافهم واستدعائهم. ونساء يتم اعتقالهنَّ.شاهدنا حملات إعلامية تقوم بها قنوات محسوبة علينا تهاجم رموزًا ومشايخ دين لديهم قبول شعبي واسع داخل المملكة، ويتم اتهامهم بمجانية شديدة بأنَّهم محرضون ودعاة فتنة وفق اتهامات لا زمام لها ولا خطام.كل ذلك لم يكن يحصل عبثًا أو مصادفة. كانت هناك مجموعة من المتنفذين الذين يقومون بدور “الأخ الأكبر”، فيسيطرون على جميع تفاصيل المشهد، من البرنامج الفضائي الجماهيري “المسائي”، وحتى تعيين وزير الأوقاف المناسب.كانت الجامية، ذراع الليبرالية الحكومية الديني، تتسلل إلى كل مفاصل البلد الشرعية من جامعات ومؤسسات وجمعيات بزعم أنها الأكثر ولاءً لولي الأمر، حتى سيطر مشايخها على مواقع مهمة جدًا في بنية الحكومة رغم أن جمهورهم لا يتجاوز 5% من المتدينين في الشارع السعودي، مبعدين عن طريقهم كل أحد آخر بزعم أنَّه إخواني مبتدع إرهابي، حتى ولو كان سلفيًا قحًا.ومثلها وبالتحالف معها تسللت الليبرالية الحكومية، ذراع الجامية الإعلامي، التي كانت تحمل لواء الوطنية والتحرر من الإخونجية، وهو ذات اللواء الذي حملته بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بدعوى الوطنية والتحرر من القاعديين. بينما كان الهدف الحقيقي غير المعلن هو التخلص من كل ما له علاقة بالدين من قريب أو من بعيد، لكن ببطء وبدعم من السلطة ومن خلال التحالف مع مشايخ دين جامية، ولم تكن القاعدة أو الإخوان سوى فزاعتين لتمرير هذا المخطط.لقد وقعت المملكة طوال عقد كامل تحت رحمة الموتورين من الليبروجامية… كانت البلطجة الدينية والإعلامية واضحة وموثقة. كان الخوف من الاتهام بالإخوانية أو الجهادية أو الفوضى أو التحريض هو المسيطر على الساحة. تم قمع الرأي الآخر بالقوة، بالسجن وبالتشويه والاتهام. حتى إن صاحب البرنامج الجماهيري “المسائي” يتهم علنًا وبالأسماء بلا دليل واحد ومع هذا لا يجرؤ أحد على محاسبته.ما الذي حصل بعد ذلك، ولماذا يبدون موتورين اليوم؟لأنَّهم خسروا الكثير مع قدوم الحكم الجديد. فلقد جاء الحكم الجديد برؤية رشيدة ليس للفاسدين والمنتفعين والمرتزقة والمطبلجية مكان فيها.جاء الحكم الجديد ليجفف مستنقعات الاستقطاب والتشنج التي عاشت عليها كثيرًا هذه الطفيليات، وليرمم الشرخ الاجتماعي الذي أحدثته بسبب القضايا التي ما فتئت تقسم المجتمع السعودي بطرحها بين فترة وأخرى.لقد تم الإطاحة بوكيلهم الحصري. ثم تم إقالة مشايخها الموتورين بالجملة. وتم إعادة الاعتبار للشيخ سعد الشثري الذي تم تنحيته من منصبه في السابق، ورفع منع السفر عن الشيخ سلمان العودة، وإيقاف البرامج الفضائية التي تخالف سياسة الاحتواء الجديدة…وعلى المستوى الخارجي، تم إصلاح الضرر الذي حدث مع الشقيقة قطر، والعلاقة مع تركيا في طور الإصلاح، وإعادة العلاقة مع الإخوان المسلمين إلى سابق عهدها تجري بهدوء.كل هذا أطار صواب الليبروجاميين. فلم يتخيلوا أن أحدًا يقدر على صرم ربيعهم، وظنوا أن شبكة العلاقات التي صنعها وكيلهم الحصري السابق ستكون قادرة على حمايتهم وتوفير الأمان لهم.لقد ضُرِيت الليبروجامية في مقتل.ولهذا نرى كل هذا التوتر الذي نراه اليوم.نرى الاستقالات من القنوات. ونرى إغلاق الحسابات في تويتر (وهو فعل يراد منه الهروب مما تمت كتابته سابقًا). ونرى إغلاق البرامج الفضائية التي أمر ببثها الوكيل الحصري إياه.لم تستطع الليبروجامية طوال عقد أن ترى الحقيقة كما هي، وهي أنها كانت طوال عقد تعيش على أجهزة التنفس الصناعية التي دفع ثمنها الوكيل الحصري.ولأول مرة منذ مدة ليست بالقصيرة يشعر السعوديون أنَّهم في أيد أمينة، تعرف ماذا تفعل، وتحاول قدر استطاعتها أن تجمع شعبها من حولها، وأن تقف في وجه التصنيف والاستقطاب والاتهامات المكارثية.وأن ذلك النور آخر النفق كان حقيقيًا، وليس نور قطار قادم ليدهسنا جميعًا…نشر مقالة مثل هذه كانت ترسلك إلى السجن قبل شهور قليلة.الحمد لله على كل حال