"ماري قطيني"
أول فتاة سورية تقف على منبر الخطابة
----------------
الممرضة والمناضلة الوفية لحقوق النساء
----------------------

حملت في ثناياها عبق الحب الكبير للوطن والإنسان وأرست في قرارة نفسها حب العمل والشعور بالمسؤولية هي صاحبة اليد البيضاء لكل من عرفها خلال عمر تجاوز التسعين. عاما---
إنها السيدة "ماري قطيني ديراني" التي كانت أول سورية تنال شهادة القبالة والتمريض، صديقتها السيدة "فريدة عساف " التي واكبتها في عملها وربطتها علاقة إجتماعية بها، تحدثت عنها بالقول: «هي إنسانة فاضلة و مثالاً للمرأة المثابرة على عملها حتى لحظات عمرها الأخيرة، وعلى الرغم أنها أحيلت للتقاعد /1968/ لكنها كانت متواجدة وبشكل دائم في نقابة التمريض والقبالة، وتقوم بإستقبال الجميع وتساهم في يوم الممرضة بالتكريم؛ كانت امرأة إجتماعية تحب الناس وتقدم العون والمساعدات المادية للجميع».
موقع eSyriaالتقى ابنها المهندس "سمير ديراني" في منزله، حيث عادت به الذاكرة ليروي لنا بفخر حياة والدته قائلاً: «والدتي من مواليد الشام 1910 من عائلة متوسطة بدأت دراستها الإبتدائية والثانوية مع عدد قليل من زميلات عمرها؛ في وقت كان فيه حظ المرأة من التعليم نادراً إن لم يكن معدوما، وذلك بسبب عادات وتقاليد العقد الثاني من القرن الماضي التي كانت تحول دون تعليم المرأة لإعتبارات اجتماعية.
تابعت دراستها الجامعية في القبالة والتمريض حيث نالت الشهادة عام 1930 من الجامعة السورية المعهد الطبي العربي، والطريف أن شهادتها كان رقم شهادتها "28".
بدأت حياتها العملية في وزارة الصحة منذ 1932 وخلال عملها الوظيفي المتواصل زارت عدداً من الدول اطلعت خلالها على أوجه النشاط الصحي وأحدث ما توصلت إليه هذه الدول في القبالة والتمريض والإسعاف ورعاية الطفولة والأم والأسرة، وكانت تحاول تطبيق المشاهد والتجارب على العمل في الوطن رغم المعوقات الموجودة.
أسهمت إلى حد كبير في صياغة عدد كبير من الأمور التي أخذ بها المسؤولين بعين الاعتبار ووضعوها موضع الدراسة والبحث والتنفيذ، تدرجت في مجال عملها بوظائف شتى
وساهمت مع الدكتور"غسان الجلاد" في تأسيس مركز رعاية الطفولة والأمومة الذي لعب ولايزال دوراً كبيراً في مجال صحة الحوامل والجنين، أوفدت عام 1952 إلى فرنسا لمدة عام للإطلاع على أفضل الطرق التي يمكن الإستفادة منها وتطبيقها لهذه الغاية.
كانت أول من عمل على تأسيس جمعية "نقطة الحليب" وأول من عمل على تأسيس نقابة القابلات والممرضات، أحيلت للتقاعد عام 1968 إلا أن نشاطها لم يتوقف بل استمر حتى آخر لحظة من عمرها وكانت طيلة هذه الفترة رئيسة نقابة القابلات والممرضات وقد عملت للدفاع عن القابلات والممرضات وتحسين الوضع المادي لهن واقترحت إلغاء السقوف التي تحول دون ترقية العاملين في القبالة والتمريض كما سعت لتقديم اقتراح بإنشاء صندوق تعاوني لهن كي يستفدن من حالات الإصابة والمرض والعجز والوفاة».
ويتابع السيد" سمير" حديثه عن والدته التي تميزت بحسها الوطني المتأصل والمتجذر فيها منذ الصغر: «كانت أول فتاة سورية تقف على منبر الخطابة منددة بالمحتل الفرنسي وحدث ذلك أثناء الدراسة وخلال تجمع الفتيات في مكتب عنبر وهو مدرسة دمشق الأولى التي خرّجت عشرات الرواد والمعلمين من أبناء الوطن وقد اتجهت على رأس لفيف من النسوة والفتيات والمتجلببات باللباس الأسود واللواتي تؤرقهن أحداث الوطن ومصائبه بإتجاه ساحة المرجة وهي تهتف ويرددن معاً الهتافات الوطنية المطالبة بالإستقلال وبعدها حملت على الأكتاف وقادت المظاهرة الملتهبة بالأناشيد الحماسية وعند وصولهن للساحة.
ولم يكن أحد يتوقع في ذلك الزمان أن يرى فتاة تقود مظاهرة وتعتلي منبر الخطابة وتثير الحس الوطني للجمهور ألقت ولأول مرة في تاريخ الوطن العربي الحديث تلقي فتاة كلمة حماسية في الجماهير المحتشدة نددت فيها
ماري قطيني وهي تكرم عدد من الممرضات المتميزات
بالمستعمر الفرنسي وأهابت بأبنائه أن يهبوا للدفاع عن تراب هذا الوطن المقدس وأن لايناموا على ضيم وكل ذلك جرى على مرأى ومسمع من رجال حكومة الإنتداب التي لم تحرك ساكناً.

ويتذكر حديثها عندما قصف الفرنسيون منطقة باب السلام بدمشق بالقنابل وتهدمت العديد من البيوت ووقع الكثير من الضحايا الأبرياء تحت الأنقاض وأصاب الناس الذعر والهلع وقتها تحرك داخلها الضمير الإنساني والحس الوطني، فارتدت ثياب العمل وانطلقت من منزلها واتصلت بالسيدة "أسماء الخوري" زوجة "فارس الخوري" ثم هرعتا لمكان الحادث حيث بدأتا العمل في إنقاذ الأرواح البريئة وإسعاف الجرحى وقد تعرضتا لرصاص الفرنسيين الذين لم يراعوا حرمة العمل الإنساني واستمرتا على هذا العمل لخمسة عشر يوما لاتعرفان الراحة وقد عوض عن ذلك تقدير الحكومة الوطنية حيث منحتها ثناء تقدير خاص ظلت تفتخر به ليوم مماتها.
ومن بين الأمور التي حدثت خلال تأديتها العمل في الجامعة أنها لم تكن تسكت على ضيم وعلى الأخص سوء معاملة الموظفات الفرنسيات اللاتي كن يشتمنها وزميلاتها بأبشع الشتائم فاغتنمت ذات مرة فرصة اللقاء بالمسؤول الفرنسي "فينكو" وأعلنت استنكارها وزميلاتها وأفهمته أن الفتاة السورية لاتقل خبرة وكفاءة عن الفتاة الفرنسية وأنهن مواطنات لهن حقوقهن وعليهن واجبات تجاه الوطن وأنهن لن يسكتن عن أية شتيمة ستوجه لهن من فرنسية.
كان حسها الإنساني عميقاً فلم تكن تقبل أن تتقاضى أي مبلغ خلال إجرائها لعملية الولادة لأية امرأة وكانت على علاقة متميزة مع القاطنين من أهل حيها إضافة لأعمالها الخيرية لاسيما في جمعية المستوصف الخيري».
وختم السيد "سمير" بالقول: «كرمت والدتي لأكثر من مرة من قبل وزارة الصحة
السيد "سمير ديراني"
وإتحاد نقابات العمال، وقد عرف عنها أنها كانت إنسانة مؤمنة تؤدي شعائرها الدينية، اتبعت العديد من الدورات داخل وخارج القطر العربي السوري وحاولت دائما الإستفادة مما تعلمته وإسقاطه بمجال عملها، كما تميزت بجرأتها ونشاطها في كافة المجالات لاسيما الأدبية كانت تحفظ من الأشعار والأمثال الكثير وترددها بجلساتها دائما».

يذكر أن "ماري قطيني" تزوجت من "إليان ديراني" لها ثلاثة أولاد "سمير وعفاف وعايدة" والدها "جرجي قطيني"، رحلت ماري قطيني بتاريخ /13/حزيران 2002 عن عمر ناهز التسعين لكنها لم تكل العمل حتى آخر نسمة من حياتها.
===============================

==========================
منقول بتصرف---



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي