لفت انتباهي على قناة الجزيرة البارحة، برنامج الاتجاه المعاكس الذي أكد فيه المتحدث باسم النظام السوري أن تنظيم القاعدة هو الذي يقف وراء التفجيرات التي تحدث في سوريا وتقتل المئات من المدنيين.. فوجدت نفسي استرجع سيرة هذا التنظيم الأسطوري الذي كان وما يزال مضغة الإعلام العالمي، ومطية كل القتلة والسفاحين العرب.. فعندما كان تنظيم القاعدة قويا جدا في أواخر ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، كان واضحَ الأيديولوجيا والأهداف، ومحدود العمليات، وقلَّ المدنيون في مجموع ضحايا عملياته، هذا إن وُجِدوا أصلا.. ثم أثبتت الأحداث أنه عندما ضعف وتراجع، بدءا بالفترة التي سبقت أحداث أيلول 2001 وانتهت إلى ما بعد سقوط نظام طالبان واحتلال كل من أفغانستان والعراق بقليل، أصبحت أيديولوجيته مبهمة وغير مفهومة، ومع ذلك كانت عملياته تزداد وتنتشر وتستفحل، وتتوسع رقعتها الجغرافية، ليكون المدنيون هم أبرز الضحايا في هذه العمليات.. وعندما اختفى تنظيم القاعدة من العالم أو كاد، منذ بضعة أعوام، أصبح قادرا على القتل والتفجير والتدمير في كل مكان عربي فيه أزمة، وأصبح أكثرَ شغفا بالدم والأشلاء العربية، مُرَكِّزا على المدنيين وعلى رأسهم النساء والأطفال العرب، واختفت الأيديولوجيا عنه تماما، ليصبحَ القتل وحده هو هدفه وإستراتيجيته، بلا أيِّ توظيف سياسي لهذا القتل، وهو ما لا يفعله حتى القتلة المأجورون.. لتكون النتيجة غير المتوقعة - بعد أن أعلنت الولايات المتحدة أن تنظيم القاعدة أصبح من بقايا نيران رماد الماضي، ومن مخلفات ذكرياته المريرة في الغرب المهترئ أمنيا - أنه تحول إلى كابوس داهمٍ في ليبيا ولبنان والجزائر والمغرب وموريتانيا والعراق بالأمس، وإلى شبحٍ من ملوك الجن يزلزل الأرض في سوريا اليوم، وربما في الأردن غدا، وهي الدول الأكثر صرامة أمنية في العالم؟! أي أنه اختفى تماما من دولٍ يسهل اختراقها أمنيا، وتعتبر أهدافا تناسب أيديولوجيته السابقة، ليصبح فاعلا بشكل غير مفهوم في دول تستطيع اعتقال الذباب على الحدود قبل أن يدخل مع الهواء العابر، ليمارس أعمالا تتعارض مع أيديولوجته التاريخية المعروفة منذ تأسيسه!!!!!!!!!!!!! طبعا هو لن يكون أبدا كابوسا لإسرائيل لأسباب من السهل معرفتها!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! ألا يتعارض هذا المسار - الذي تُناقضَ فيه المقدماتُ النتائجَ - مع المنطق الذي يؤكد على أن الوضعَ الطبيعي لأيِّ تنظيم في العالم، أن يرتبط توسعُه بقوته، وضخامة عمله بثقله، وعملياته بأيديولوجيته، وطبيعة ضحاياه بحقيقة أهدافه، والعكس بالعكس، وليس العكس؟! لقد وَجَدَ بعض المراقبين الحاذقين الإجابةَ القاطعة على هذا السؤال.. لقد تحول تنظيم القاعدة المقبور إلى فزاعة يستخدمها كل نظام عربي عندما يشاء، وأصبحت تلك الأنظمة أكثر قدرة على استخدامه على هذا النحو بعدما مات وتمَّ دفنه، لأنه لم يعد موجودا ليتحدث عن نفسه أو ليدفع عنها هذه التُّهم بالقتل العبثي!!!!!!!!!!!!!!!! أي أنه أصبح لكل نظام عربي، تنظيم قاعدتِه الخاص، على شكل خلايا نائمة بـ "القوة"، تتحول عند المخاطر والأزمات التي تتهدد ذلك النظام إلى خلايا عاملة بـ "الفعل"!!!!!!! أي أن كل نظام عربي من أنظمة الطغيان والقمع والاستبداد، له بلطجيته وبلاطجته وشبيحته وزعرانه ومرتزقته الخاصين به.. في حين أن لكل تلك الأنظمة أداة بلطجة مشتركة يستخدمونها جميعا، كلٌّ بالشكل المناسب، وفي التوقيت المناسب.. إنه تنظيم القاعدة الذي لم يعد له أيُّ وجودٍ فاعل على الأرض، يتجاوز اختطافَ غزالة شاردة، في بيداء قاحلة، لطلب فديةٍ يشتري بها خبزا وملحا وبعض الفاكهة.. أيُّ أحمق هذا الذي يمكنه تصديق أن جثَّة تحللت في قبرها، هي التي ترعبُ كل هؤلاء الأحياء؟!!!!