ذاهب الى العالم
غريب عن العالم
---------------
قبل أن يغادر الساهرون بيت { محمد عبد الرحمن } سمع الجميع طرقات عنيفة على الباب الخارجي , مع قعقعة سلاح وهدير مدرعات وأصوات غير مفهومة .. فأصيب الجميع بالخوف والجزع 000 إنهم يعرفون معنى واحد لهذه الزيارات الليلية المفاجئة ..!! ذلك المعنى تعودوا عليه , ولكنه يقلقهم .. رغم أن القلق امر عادي فى حياتهم منذ ان وطأت أقدام المحتلين قطاع غزة بعد سنة 1967 .. ربما حضروا فى تلك الساعة ليبحثوا للمرة العاشرة او العشرين عن زوج جليلة الابنة الثالثة لمحمد عبد الرحمن والمحامي القدير فى القطاع .. فقد حاولوا اعتقال شوقي قبل شهور قليلة 000 من تلك الليلة ولكنه تمكن من الافلات .. ولم يعثروا له على أثر وهذا ما يخيفهم لقد قالوا لجليلة .. ان شوقي هو قائد الفدائيين فى قطاع غزة .. وقالوا لوالدها "محمد عبد الرحمن " من الافضل ان يستسلم شوقي قبل فوات الاوان .. انه لا يستطيع الافلات من بين ايدينا >…!
وكانت جليلة خائفة وتسأل عن مصيرها ومصير ابنتها " حنين" التى لم تبلغ الثانية من عمرها , لو حدث مكروه لزوجها الحبيب شوقي .
اما والدها محمد عبد الرحمن فقد كان يقلب الامور ذات اليمين وذات اليسار … وقد كان بينه وبين شوقي لقاءات اسبوعية مستترة وتم الاتفاق بينهما على ان يتدبر محمد عبد الرحمن عملية خروج شوقي من غزة خفية عن طريق البحر او البر 000
وقد عقد العزم فى تلك الليلة على مكاشفة الحاج رغدان زوج ابنته الثانية {خلــود } بـجــانب { عدنان } زوج ابنته الكبرى , لمساعدته فى ايجاد الطريقة المثلى لتهريب شوقي من غزه نحو مصر او الاردن , وكان الثلاثة ساهرون فى غرفة مستقلة يتهامسون ويتدارسون الامور .. بينما جلست النساء فى غـرفة مجاورة مع الابناء والاحفاد يهونون الامر على ابنتهم الصغرى{جليلة } ويداعبون ابنتها { حنين } عندما سمعوا الطرقات العنيفة على الباب الخارجي00 صرخت خلود قائلة : مصطفى ياخويا .. ادخل جوه 000 واخذت الشقيقة الكبرى تتمتم بأيات قرأنية مسموعة وهى تدير اصبعها فى كل انحاء الغرفة قائلة " لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم , بالمؤمنين رؤوف رحيم " وتعيد القراءة مرة ثانية حتى دخل عليهن والدهن " محمد عبد الرحمن " قائلا لزوجته " 00 اعطنى العباءة ياأم أسعد ولا تنسي العصا..! واقتربت جليله من والدها بعينين حمراوتين تسأله : ايش اللى جرى يابويا .. وين رايح معاهم ؟ ليش بدهم اياك 000 طمئنا يا بويا .. شوقى يابويا 000 شوقى ؟ واخذت تبكي متشنجة تولول صارخة حتى سقط مغشيا عليها بينما كانت اختها خلود تحضنها , واخذت اختهما الكبرى تمسح بالماء على وجهها وهى تقرأ اية الكرسى على رأس جليلة.. بينما والدهن يستعد للخروج مع القوة المدرعة وهو يقول :اسمع يا مصطفى لا تخرج هنا او هناك لحد ما نشوف .. انت كبير البيت الحين , دير بالك على امك وأخواتك , وإنفعل مصطفى الشاب البالغ الثمانية عشر عاما من عمره وحاول الخروج ثائرا مهتاجا على الجنود , فأمسك به والده وهو يصرخ فى وجهه بقسوة خوفا عليه : انخمد واسكت , واياك اسمع صوتك .. ودخل الحاج رغدان على هذا المنظر فقال , وبعدين , وبعدين معاك يا مصطفى .. هى المسألة لعبة اولاد , فصرخ مصطفى قائلا .. انا بدى اياهم ياخدوني بدل ابويا .. وصغرت عينا الحاج رغدان 000 اكبر يا مصطفى واعقل , واحنا راجعين ان شاء الله 000 حتى سمعوا اصوات الجنود من الخارج ورئيسهم قائلا : يالا .. ياللا .. سو هذا .. كانت الساعة تقترب من الحادية عشر ليلا .. حينما خرج الرجال الثلاثة فى مدرعات جنود الاحتلال .. ونظرات النساء الاربعة تشيعهم بالدعوات والابتهالات .. بينما يحجبون الباب الخارجي عن مصطفى الهائج ورائهن .. وما ان تحركت المدرعات برجالهن حتى دخلوا واغلقوا الباب .
ومضت الساعات عصيبة عليهن , وهن يحاولن تهدئة بعضهن البعض .. الى ان نفذ الصبر من اعماقهن فنهضت خلود من مكانها وهى تقول , انا خائفة .. ان المسألة اكبر من التحقبق , فردت عليها شقيقتها الكبرى ..وايش فى ايدينا نعمل يا أختي .. فصرخ مصطفى فى وجه شقيقته , كيف ..؟ كيف ايش بايدينا ..؟ فأدارت شقيقته الكبرى وجهها الناحية الاخرى , والدموع فى عينيها وهى تقول .. طيب يا اخو .. بس اهدأ انت … وكلها ساعه او ساعتين .. والصباح رباح .. وردت خلود على اختها , والله يا اختى قلبي مش مطاوعني .. وانت قلبك بارد .. خليكي جنب جليله .. وانا بدى اروح اوصل عند المركز واسأل ونهضت من مقعدها وهى تطلب {الداير والقنعة } من امها ونهض مصطفى واقفا بجانبها وهو يقول .. انا بأروح معاك يا أختي .. لا يمكن اسيبك تروحى عند المركز وحدك.. واللا هذا كمان غلط .. فنظرت اليه خلود وقالت له لا يا اخو .. انا إمرأه ومش مهم لا يمكن انهم يكلموني او يضربوني .. لكن انت رجل بأخاف عليك لا أقعد انت , وبدي اسيب ابني ياسر عندك وبأرجع على طول ..وكانت الساعة قد بلغت السادسة صباحا حينما همت خلود بالخروج ولم يمنعها من ذلك الا سماعها لرنين الهاتف فى غرفة الاستقبال فكانت الاسرع الى الهاتف وكان المتكلم زوجها الحاج رغدان الذي قال لها لا تقلقوا علينا .. لقد حضرنا قبل قليل واحنا موجودين فى الديوان . ديروا بالكم من جليله وابنتها .. فبهتت خلود من كلمات زوجها .. وسألته , ليش اخدوكم .. وايش بدهم منكم .. والله كلامك بيخوفني يا رغدان .. احكي لى .. ايش قالوا لكم عن شوقي .. اوعى يكون حصل حاجه .. يارب سترك .. فرد قائلاً بس الظاهر انهم مسكوا شوقي فى السجن .. فصرخت خلود بصوت مرتفع .. ياخيبتي علينا .
وسقطت السماعة من بين يديها وهى فى حالة هستيرية صعبة ومن حولها وقفت اختها الكبرى ووالدتها وابنها ياسر الذي احتضنها وهو يقول : مالك يا أمي ليش بتعيطي مالك يا أمي .. بينما خطف مصطفى سماعة الهاتف وأخذ ينادي : الو .. ألو .. ايوه ياعم رغدان .. ألو .. عم رغدان .. وجاءه صوت اخر , اسمع يا مصطفى .. دير بالك على اخواتك وما تخليهم يعملوا شىء وسأله مصطفى , ايش اللى حصل .. قل لى .. ايش اللى حصل فصمت الرجل , عندها ادرك مصطفى الامر فرد عليه الرجل الذي كان يغالب نفسه من البكاء قائلا :والله يا مصطفى .. اللى حصل شىء كبير .. شوقي يا مصطفى .. شوقي ..!!! إستشهد 000!!