منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 12

العرض المتطور

  1. #1

    Unhappy جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنجر)

    ( الدقة الأولى )


    ( وقع الخبر على رأسي كالصاعقة ،
    دارت الدنيا من حولي ،
    زاغ بصري ،
    غير معقول ، لا لا لا يمكن .
    اغتصب مسامعي صوته الأجش )
    ـ الإذاعة أعلنت الخبر الآن .
    ( صرخت بأعلى صوتي )
    ـ لا ا ا ا ا ا ا ، كذب ، خداع ، إفك ......
    ( تجمع الناس حولي ، جريت كالمجنون أحاول الهروب ، صرخت فيهم )
    ... أيها الكاذبون ، أيها الخادعون ......
    ( و لا حياة لمن تنادي ، خشب مسندة تلفني ، هذه الوجوه السلبية الجامدة ، انحنيت أتناول حفنة من تراب )
    .... لا ، لم يمت ، لم يمت ، لم يمت ...
    (قذفتهم بها )
    ... لماذا تنظرون إلي هكذاااااااااااااااااا ؟
    ... أنا لست مختلا عقليا أيها التعسون ، لااااااااا ....
    ( تناولت أخرى و قذفتهم و أخرى )
    ... لا يمكن أن يموت ، إنه أكبر من أن تصرعه رصاصة غادرة ....
    ( اقتربت منهم ، ضاقت الدائرة من حولي )
    ... نعم هو أكبر من أن يسقط و لم يكمل ما بدأه أو يحقق ما أراد ....
    هل نسيتم ؟
    كم مرة أكد فيها الأوغاد أنه مات ؟؟؟؟
    هه ؟؟؟
    كم مرة قالوا أنه قضى نحبه من قبل ؟؟؟؟؟
    و لكنه سرعان ما كان يخرج علينا ليفضح كذبهم ،
    أليس كذلك ؟
    أرجوكم ، فليرد علي أحد ...
    ( ترقرقت صورتهم بعيني ، سقطت جالسا على الأرض ، حاولت كبت هذا البكاء الذي يغلي بصدري )
    ... أرجوكم ، بالله عليكم ، ألم يحدث هذا من قبل ؟؟؟؟
    ( عندها وضعت رأسي أرضا ، أجهشت بالبكاء ، رفعت نظري إليهم مستعطفا )
    ... أرجوكم فليكذب أحدكم الخبر ، بالله عليكم ...
    ( طالعتني آلاف من عيون البائسين الجياع من حولي ، انحنت رؤوس العاطلين المكبوتين المضطهدين ،
    ترقرقت الدموع بأعين الطامحين إلى لقمة العيش ،
    حزن اختلط بيأس و خوف و ذل في خنوع لفني ،
    احتضن (الشيخ إمام) عوده كما تحتضن الأم طفلها ،
    حاول أن يتغلب على أوجاعه ، خرجت الحروف من فمه مرتعشة تتحشرج )
    ـ جيفارا مات ، جيفارا مات ،
    آخر خبر ف الراديوهات ،
    و ف الكنايس ، والجوامع ،
    و ف الحواري ، و الشوارع ،
    جيفارا مات ، و اتمد حبل الدردشة و التعليقات ،
    مات المناضل المثال ، يا ميت خسارة ع الرجال ،
    مات الجدع فوق مدفعه جوه الغابات ،
    جسد نضاله بمصرعه ومن سكات ،
    جيفارا مات ، جيفارا مات ......
    ( وجدتني أقف ، أضع يدي على فم الشيخ إمام ، أسحب بيدي الأخرى العود من بين يديه ، أصرخ فيهم )
    ـ لا لم يمت ، جيفارا لم يمت يا شيخ إمام ؟ أليس كذلك ؟
    عم احمد ، جيفارا لم يمت يا عم أحمد ، هه ؟؟؟
    أرجوكم كذبوا الخبر ،
    جيفارا أكبر من أن تقتله رصاصة غدر ، ابحثوا عنه في كل مكان ، ابحثوا عنه وسط الغابات ، ابحثوا عنه حيثما يوجد الفقراء و المساكين ،
    لقد وعدنا بتحرير فلسطين ، نعم لقد أقسم أمام عيني بتحرير العراق و الشيشان ، وعدني بعالم يخلو من الذل و المهانة ، ابحثوا عنه حيث يوجد اليأس و الخوف و الذل و حتما ستجدونه حيا ،
    أليس هو من قال : أينما وجد الظلم فذاك وطني ،
    ابحثوا عنه في قلب كل فقير و جائع ، ابحثوا عنه في مصر ، في مستنقعات كوبا ، فتشوا عنه في أدغال الكونغو ،
    ( دققت كل الأبواب )
    أنادي بعلو صوتي :
    ـ أيها التعساء ، ابحثوا عن جيفارا في البوسنة و الهرسك ،
    ابحثوا عنه في تشيلي ، كولومبيا ، جواتيمالا ، اسألوا عنه في بوليفيا ،
    ستجدونه حيث يوجد المساكين ،
    ستجدونه حتما ،
    نعم فبقلب جيفارا نار تشتعل ،
    تدفعه دفعا ليقف في صف كل مظلوم على وجه الأرض ، إلى جانب المعذبين في شتى أنحاء العالم ...
    ( أرفع يدي عاليا )
    ... يحمل الشعلة لينير الطريق أمام ملايين البؤساء ...
    ( أمسك بأيدي الأطفال )
    ... يأخذهم إلى الحرية و الحق و العدالة ،
    جيفارا هو الثورة تمشي على قدمين ، لا يعرف التراجع لقلبه سبيل ، متواضعا لا يتسرب الهوى لنفسه ...
    ( أربت على كتف أحدهم )
    ... جيفارا الرفيق الرقيق الودود ...
    ( انطلقت أصرخ ثانية )
    ... و لهذا فهو جيفارا الذي تعرفونه جيدا ،
    جيفارا الذي كبر في أعيننا يوما بعد يوم حتى صار هذه الأسطورة ، نعم أصبح هذه الأسطورة التي نحلم بها و يحلم بها كل مسكين جائع مظلوم في هذا العالم ،
    و بعد كل هذا تقولون أنه مات ؟؟؟
    لا و ألف لا ، جيفارا لم يمت ،
    لم يمت ، لا لا لا لم يمـــــــــــــــت .
    ( يتبع )

  2. #2
    نعم يتبع.......
    ربما قراتها في مكان ما ولم اتابع التتمه
    ننتظرك
    تحيتي وتقديري
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    نعم يتبع.......
    ربما قراتها في مكان ما ولم اتابع التتمه
    ننتظرك
    تحيتي وتقديري
    جزاكم الله خيرا
    أختنا الفاضلة
    ريمه الخاني
    نعم للموضوع بقية
    دمتم بخير

  4. #4

    ( الدقة الثانية )

    مازال صوت الشيخ إمام في أذني ينشد )
    ( جيفارا مات ، جيفارا مات )
    أخذت أتمتم :
    ـ لا لم يمت ، سأبقى العمر كله أبحث عنه في كل مكان .
    ( أعادني صوت دقات القطار على سندان القضبان الحديدية إلى حيث أجلس ،
    أخذ القطار يأرجحنا ذات اليمين و ذات اليسار ،
    نظرت من نافذة القطار فإذا به يشق السهول الشاسعة التي اكتست باللون الأخضر ،
    أضفت عليه أشعة غروب الشمس طيف برتقالي شاحب ،
    أخذت أراقب قطيع السحب البنفسجية التي شتتها الرياح هنا و هناك ،
    ما هي إلا لحظات حتى بدأ الظلام يخيم على المشهد ،
    بدأت أتحول بنظري إلى داخل القطار ،
    كانت إحدى عربات الدرجة الثالثة التي أجلس بها ،
    كان الضوء بها خافتا لا يكفي لرؤية الوجوه من حولي بوضوح ،
    تتسلل بين الحين و الآخر من خلال النوافذ خطوط الضوء تركض فوق الملابس و الوجوه ،
    ألمح خلال ومضات الضوء البارقة وجوه منكسرة ،
    صبغت الشمس بشرتهم بلون أديم الأرض ،
    عائدون كعادتهم كل مساء إلى ديارهم بعد واحدة من رحلاتهم اليومية للعمل بحقول الأغنياء ،
    كانت تجلس بمواجهتي سيدة نحيفة نقشت السنوات العجاف على وجهها سجلا من الأسى و المعاناة ،
    كانت تحمل فوق ركبتيها منديل الصبر ،
    تصره على ما جاد به أصحاب المزارع التي تعمل بها ،
    صوت اعتصار معدتها الخاوية تحرش بمسامعي ،
    عندها لمحت ظلال أفراخها الجياع تتراقص بمقلتيها ، يستقبلونها مهللين ، يقفزون لينالوا من فمها العطايا ،
    تحاول أن تمنع لمعة أسنانها التي كادت أن تتسلل من بين شفتيها لكنها تفشل ،
    لمحتني انظر إليها ، ازدادت ابتسامة الرضا اتساعا ،
    وضعت كفها خجلة على فمها ، حاولت تبادل أطراف الحديث معها )
    ـ مرحبا .
    ـ مرحبا يا بني ، يبدو انك لست أرجنتينيا ، أليس كذلك ؟
    ـ نعم إنما أنا هنا للبحث عن صديق قديم اسمه جيفارا ؟
    هل تعرفينه ؟
    ( قفزت من عينيها علامات الاستفهام ، حاولت تنشيط ذاكرتها )
    ـ جيفارا ، جيفارا ؟؟ إرنستو جيفارا دي لا سيرنا ؟؟
    ( لوت شفتيها و هزت رأسها و كأنها لا تفهم ما أقول ،
    عندها مالت إلى الرجل الذي يجلس بجوارها و سألته )
    ـ هل تفهم ماذا يقول ؟
    ( عندها وجهت سؤالي إليه )
    ـ هل تعرف جيفارا ؟
    ( هز الرجل رأسه أحسست انه أيضا لا يفهمني ، عندها ناديت بالجالسين )
    ـ ألا يوجد أحد أرجنتيني هنا ؟
    ( عندها رفع جميع الجالسين أيديهم ، قال احدهم )
    ـ نعم أنا أرجنتيني ، ماذا تريد ؟
    ـ ألا يعرف أحدكم جيفارا ؟
    ( خيم الصمت على الجميع ،
    عندها تذكرت أنهم يطلقون عليه ( تشي ) فقلت لهم )
    ـ هل يعرف أحدكم تشي ؟ تشي جيفارا ؟
    ( عندها لمعت أعينهم و كأنهم فهموا ما أقصده أخيرا )
    قال أحدهم :
    ـ تشي جيفارا ؟ ( نطقها بالجيم غير المعطشة )
    نعم ، نعم ، ( وجه كلامه لمن حوله ) يقصد الهارب .
    ـ هل تعرفونه ؟
    ( قال آخر )
    ـ نعم أنا أعرف ( تشي ) .
    ـ هل تعرفون أين أجده ؟
    ( ارتفعت ضحكات الجميع ، حاول بعضهم التماسك )
    قال أحدهم :
    ـ عذرا ، هل تبحث عن تشي جيفارا بالأرجنتين ؟
    ـ أو ليس أرجنتينيا ؟
    ( قاطعني آخر )
    ـ لا لم يكن يوما أرجنتينيا .
    ( قالت المرآة )
    ـ نصيحتي لك يا بني ، ابحث عنه في أي مكان آخر إلا هنا .
    ( قاطعتها امرأة أخرى )
    ـ اذهب و ابحث عن جيفارك هذا في جواتيمالا ، أو كوبا ، أو بوليفيا ، أو الكونغو ، و لكن نصيحتي لك ألا تحزن على قطعك كل هذه المسافات ، فأنت تجري وراء سراب .
    ( سألني الرجل الجالس بجواري )
    ـ من أي البلاد أنت ؟
    ـ أنا عربي .
    ـ هل في بلادكم يمكن أن يترك الرجل أهله و يرحل ؟
    هل يمكنك مثلا أن تترك أطفالك الصغار ضائعين مشردين لا عائل لهم بحجة أنك ذاهب لتعتني بأطفال مشردين في بلد آخر ؟
    هل هذه رجولة و بطولة في نظركم ؟
    ـ عفوا سيدي ، و لكنه رحل بعد أن أصبح طبيبا حتى يساعد الفقراء و المحرومين و المرضى مثل المصابين بالجذام مثلا في بلاد أمريكا اللاتينية .
    ( ضحك الجميع مرة أخرى ، لمحت الدموع تترقرق في عيون المرأة التي تجلس أمامي و قالت )
    ـ هل تضحك على نفسك أم تظن انك تضحك على أناس أميين لا يقرئون و لا يكتبون مثلنا ؟
    أو ليس هنا فقراء في الأرجنتين ؟؟؟؟
    أو ليس هنا مرضى كانوا في أمس الحاجة إليه ؟
    ( قاطعها رجل آخر )
    ـ لقد كان شخصا غاية في الأنانية ، (تشي) لم يحب في هذا العالم إلا نفسه فقط .
    ( قال آخر )
    ـ كان مثله (أنا و بعدي الطوفان) ، بالله عليك ألم يترك والده و والدته المسكينة التي أخذت تبكيه ليل نهار و رحل ؟
    ألم يترك زوجته الأولى هيلدا و رحل ؟
    ألم يترك زوجته الثانية و أولاده منها في كوبا و رحل ؟
    ( قالت المرأة )
    ـ من لا خير فيه لأهله فلا خير فيه للغرباء ؟؟؟؟؟
    ـ عفوا ، و لكنه كان مطاردا من المخابرات المركزية كما علمت .
    ( قال الرجل بجواري )
    ـ أية مخابرات مركزية التي تطارد طالبا أنهى دراسة الطب أيها الأبله ؟؟؟؟؟
    ( حاولت الدفاع عنه )
    ـ أنتم تظلمون الرجل فلقد كان رجلا رومانسيا رقيقا ودودا رحل وقتها لإشباع هوايته بالتصوير و اصطياد الفراشات .
    ( قال الرجل بجواري )
    ـ هل البطولة عندكم أيضا اصطياد و قتل الفراشات لا لشيء إلا لمجرد أن تزين بألوانها غرفتك ؟؟؟؟
    أي رومانسية و رقة في هذا بالله عليك ؟؟؟؟
    ـ لا لا لا ، انتم تظلمون جيفارا ، أنتم تتحاملون عليه ،
    رجل مثل جيفارا يجب أن تفخروا به ،
    يجب أن يكون قدوة و مثالا لكل الأرجنتينيين .
    ( ردت المرأة بصوت مرتفع و كأن صبرها قد نفذ)
    ـ و ماذا فعل لأهله و للأرجنتين و فقراء و مرضى الأرجنتين؟
    ( عندها توقف القطار )
    ـ عفوا فلابد لي أن أنزل بهذه المحطة .
    ( حملت حقيبتي و نزلت ، تتبعتني عيونهم و أنا أقف على الرصيف ، بدأ القطار في التحرك ببطء ، أخرج البعض رأسه من نوافذ القطار يلوحون لي بأيديهم ، عندها رفعت صوتي لكي يسمعني الجميع )
    ـ فإذا لم يكن جيفارا مثالا لكم كما تقولون ، فمن يكون مثلكم الأعلى إذن ؟
    ( عندها بدأ أحدهم يفك أزرار قميصه فظهرت صورة مرسومة على ملابسه الداخلية ، ثم قال )
    ـ دييجو أرماندو مارادونا .
    ( صرخت )
    ـ مدمن المخدرات ؟؟؟؟؟؟
    ( رد أحدهم بصوت عالي )
    ـ كلاهما ليس قديسا أيها الأبله .
    ( عندها علا التصفيق بينما بدأ القطار يبتعد رويدا رويدا ، إلا أن صوتهم ملأ الفضاء من حولي ، أخذوا يتغنون )
    ـ مارادونا ، مارادونا ، مارادونا .


    ( يتبع )

  5. #5
    صيدلانية/مشرفة القسم الطبي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,020
    اما انا فساتابعها-شكرا
    ندى

  6. #6
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى نحلاوي مشاهدة المشاركة
    اما انا فساتابعها-شكرا
    ندى

    شكرا جزيلا
    أختنا الفاضلة
    ندى نحلاوي

    للموضوع بقية بإذن الله تعالى

    كونوا بالجوار

  7. #7
    Senior Member
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    الاردن
    المشاركات
    172
    شكرا على هذا النص الجميل
    كل التحايا
    محمد سنجر
    ايهاب هديب
    طائر السماء المقعد

  8. #8
    ( الدقة الثالثة )



    ( اختبأنا بين سيقان القصب حتى غربت الشمس ،
    بدأنا نتجهز للرحيل ،

    عندما خيم الظلام ،
    زحفنا باتجاه الأسلاك الشائكة ،
    أخذ يقص الأسلاك بمقصه الحديدي ،
    سرعان ما فتح فجوة كافية ،
    و بينما زحفت بقعة الضوء مبتعدة عنا ، تسللنا إلى داخل القاعدة العسكرية ،
    جريت خلفه و اختبأنا خلف إحدى الدبابات ،
    وضع يده على فمي يحبس أنفاسي ،
    مر بعض الجنود السكارى بجوارنا عائدين إلى ثكناتهم ،
    رحلوا و لم يشعر أحد منهم بوجودنا ،
    تنهدنا اطمئنانا ،
    جرى إلى أحد الأبواب ،
    فتحه برفق ، دخلنا إلى داخل الغرفة ، همس بأذني )
    ـ هذه هي غرفته ، انتظره هنا ، أما أنا فسأرحل حتى لا أتعرض للمحاكمة .


    ( فجأة سمعنا أصوات تقترب ، دار المفتاح في الباب ،
    قفزنا بسرعة نختبئ خلف الستائر الحمراء ،
    أحسست بقلبي يكاد يقفز من صدري ،
    نظرت إلى الباب ، فإذا بظل رجلين يهمان بالدخول ،
    اتجه احدهما إلى أحد المقاعد و ألقى نفسه فوقه ، و أخرج سيجارا و أشعله ، في هذه اللحظات قام الرجل الآخر بجذب الخيط النازل من المصباح المتدلي بمنتصف الغرفة فأشعلها ،
    سقطت بقعة الضوء فوق وجه الرجل الجالس فإذا به (جيفارا) ،
    و قف الرجل الآخر و قد أدار لنا ظهره و قال :
    ـ لابد أن ترحل ( تشي ) لا مكان لك هنا بعد الآن .


    ( نظر إليه ( جيفارا ) نظرة استنكار و نفث دخان سيجارته ثم قال :
    ـ أرحل ؟ هل ستحل المشكلة بهذه الطريقة ؟


    ـ ( تشي ) أنت من وضعت نفسك بهذا الموقف ، لقد حذرتك أكثر من مرة ، قلت لك لا داعي لأن تتهجم على السوفيت ، و حذرتك من أنك تغضبهم بهذه التصريحات الغير مسئولة .


    ـ و أنا قلت لك أيضا أنني احتقر هؤلاء البيروقراطيين ، و قلت لك مرارا أنني أكره هذا الاتكال على السوفيت و لابد من البحث عن وسائل أخرى لتمويلنا .


    ـ كنت تريدنا أن نرتمي بأحضان (ماو تسي تونج ) ؟ و دائما كنت أقول لك أننا يجب أن نمسك العصا من المنتصف ،


    لا فائدة من كل هذا الآن ،


    ( تشي ) برغم اختلاف وجهات نظرنا و علمي التام بأن لك بعض التحفظات على معتقداتي الاجتماعية ،


    و برغم أنني غضبت منك لجعل أخي يعتنق الشيوعية و أدخلته في عضوية الحزب و أخفيتما الأمر عني ،


    برغم كل هذا إلا انك تعلم جيدا أنك رفيق كفاحي و صديقي الوحيد ، و تعرف أيضا مدى محبتي لك ،


    من هذا المنطلق فقط أطلب منك الرحيل ، فوجودك خطر على حياتك ، سيقتلونك، حاول أن تفهم ، لقد وصل الأمر إلى طريق مسدود ، لقد أطلقوا النار عليك أمامي .


    ـ و ما موقفك أنت مما يحدث ؟ هل ستبقى مكتوف الأيدي كعادتك ؟ لا فائدة ، نعم لا فائدة ، قلت لك يوما أن سلبيتك هذه ستقضي عليك يوما ما ، هل تذكر ؟


    عندما أمرت بإعطاء الدواء للأسرى لكي يتولوا العناية بالجرحى ؟ وقتها وقفت في وجهك و قلت لك : لا ، يجب أن نوفر الأدوية لجرحانا نحن ، و صممت أنت على رأيك و قمت بتوزيع الأدوية بنفسك على جميع الجرحى، هل تذكر؟ حتى أعداء الثورة كنت متساهلا معهم ،


    إياك أن تعتقد أنك كنت ستصل إلى ما وصلت إليه الآن بدون حزمي و صرامتي ،


    و الآن جاء دورك لتكون حازما و صارما و لو لمرة واحدة.


    ـ و ما هو الذي تطلبه مني كي أكون صارما و حازما من وجهة نظرك ؟


    أن أقتلهم جميعا من أجلك ؟


    ( تشي ) هو نفسه ( تشي ) لم يتغير ،


    ألا تكفيك كل هذه الدماء التي أرقتها بحجة تأمين الثورة من معارضيها ؟ لا ، لا يمكن أن أسمح لك بإراقة المزيد من الدماء ، لا مزيد من الدماء ، حاول أن تفهم ، رحيلك سيحل كل هذه المشاكل، أرجوك ( تشي ) إنه آخر رجاء سأطلبه منك .


    ـ هل تذكر عندما تعارفنا في منزل (ماريا أنتوني) ؟ وقتها رجوتني للمجيء معك إلى كوبا ، يا لسخرية القدر ،


    و الآن ترجوني لأرحل عن كوبا ؟


    في يوم من الأيام بينما نسير وسط المستنقعات ، تساءلنا عن الشخص الذي يمكن أن نخبره في حال موتنا ، عندها تيقنا فقط أن الموت يقترب منا ، و أيقنا جميعا أنه من الممكن أن نموت في أية لحظة ، يمكن أن أدفع روحي ثمنا لحرية كوبا ، و يبقى الجبناء ليحصدوا ما زرعناه ،


    أما اليوم بعدما أصبح كل شيء لكم ،


    فلا ثمن لروحي ، أصبحت الآن بلا ثمن ؟


    هل تعرف أن خطئي الوحيد ، هو أنني لم أفهمك من المرة الأولى التي التقينا فيها ،


    على العموم إذا كانت هذه رغبتك فلا حاجة لي بالبقاء ،


    و لكن ماذا ستقول للشعب الكوبي ؟


    ـ لا عليك فأنا أعلم كم هم متعلقون بك ، و ما علينا إلا أن نؤكد هذا التعلق ، فأنت من وجهة نظرهم البطل الذي حررهم ، أنت المناضل الأسطورة الذي يدافع عن الفقراء و المغلوبين على أمرهم ، و لكن أرجو أن تكتب رسالة تقول فيها انك خرجت طوعا لا كرها ، ستقول لهم خلالها أنك رجل لا تستطيع أن تتجمد داخلك دماء الثورة بالرضوخ للمناصب ، و أيضا يجب أن تؤكد على أنك لا تهتم متى و أين ستموت ، و أن ما تهتم به أن يبقى الثوار واقفين يملئون الأرض ضجيجا كي لا يغفل العالم و ينام بكل ثقله فوق أجساد الضعفاء و المظلومين ، هذه الكلمات الرنانة التي كانت تشعل الحماس داخلنا .


    ـ و زوجتي و أولادي ؟


    ـ سأضمن لهم عيشة كريمة فهم عائلة المجاهد البطل الذي حرر كوبا ، و لكن لي طلب واحد .


    ـ و ما هو هذا الشرط ؟


    ـ إنه طلب و ليس شرطا .


    ـ لا يهم فلا فارق بينهما عندي الآن ، ما هو طلبك ؟


    ـ ألا تذهب إلى فيتنام ، فأنت تعرف اشتعال الحرب الكلامية بيننا و بين أمريكا و لا نريد أن يكون وجدوك في فيتنام سببا


    في تأزم الموقف أكثر من هذا ، ثم انه هناك الكثير من الأماكن التي تستطيع أن تجد نفسك بها حرا طليقا ، هناك الكثير من الأماكن الغير مستقرة بأنحاء العالم ،


    كم كنت أتمنى أن أكون مثلك بدون واجبات ، و أعود و لو لساعة واحدة لأيام الحرية و الانطلاق ، و لكن تذكر و أنت في غمرة حريتك و انطلاقك أن كوبا تفتح لك ذراعيها في أي وقت تتأزم فيها الأمور ، و تذكر أيضا انك كوبي و كوبا لا يمكن أن تنسى أبنائها .


    ـ لا ، لا حاجة لي الآن بكوبا ، لقد خاب أملي بكل شيء ، حياتي ، أحلامي ، كل شيء ، كانت أمنيتي و حلمي أن أموت هنا بكوبا ، و لكن الآن و بعد ما حدث فلا حاجة لي بالبقاء ، يجب أن أرحل باحثا عن مكان أنسب للتخلص من حياتي ، و من الآن لا يربطني بكم أي شيء ، أي شيء .



    ( وقف (جيفارا) ، نزع سيجاره من فمه ، ألقاه أرضا ،
    فركه بحذائه ، ثم انطلق خارجا و لم يعقب )




    ( يتبع )


  9. #9
    بارك الله فيك
    أخي الحبيب
    إيهاب هديب
    و إليكم الدقة الثالثة

  10. #10
    Senior Member
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    الاردن
    المشاركات
    172
    مرة أخرى : شكرا على هذا النص الجميل
    الذي مازال يتجدد بجماله
    كل التحايا
    محمد سنجر
    ايهاب هديب
    طائر السماء المقعد

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. أبو لهب ( نزف قلم : محمد سنجر )
    بواسطة محمد سنجر في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 08-26-2016, 09:25 AM
  2. أرنستو تشي جيفارا - تقديم: أليدا جيفارا مارش
    بواسطة أسامه الحموي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-05-2014, 06:34 PM
  3. جيفارا الرجل الخشن الذي حفر نفسه مع غياب جسد
    بواسطة وفاء الزاغة في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-23-2012, 03:21 AM
  4. جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنجر)
    بواسطة محمد سنجر في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 03-05-2009, 05:29 PM
  5. سي السيء ( نزف قلم : محمد سنجر )
    بواسطة محمد سنجر في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 11-17-2008, 08:41 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •