عندما تقسم غزة الصف العربي
حدة حزام
مديرة النشر في صحيفة الفجر الجزائرية
قد أبدو هنا أكرر نفسي مرة أخرى فيما يتعلق بقضية غزة، أو بالأحرى بالقضية الفلسطينية، نعم وسأبقى أكرر نفسي مادام ما بات يعرف بقوافل فك الحصار على غزة متواصلة، وصار كل من أراد أن يتحدث عنه في الصحافة أو تنقل الفضائيات صور "بطولاته" الفجائية، وآخرها قافلة عمار طالبي، الذي دلا هو الآخر بدلوه، وأراد أن يأخذ هو الآخر نصيبه من الأضواء.
فبعد أن كانت القضية الفلسطينية موحدة العرب، على حد تعبير المفكر الجزائري صاحب كتاب الفكر العربي المعاصر، أنور بن مالك، ها هي غزة تصبح مفرقة العرب، بل مفرقة الفلسطينيين أنفسهم الذين توحدوا على أرض الجزائر ذات نوفمبر تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية بعد سنوات من التشتت، وها هو حصار غزة الذي هو بحق مأساة إنسانية، يفكك القضية ويعيدها الى نقطة الصفر من عمر المقاومة.
صحيح، إنسانيا الوضع مأساوي ولا يطاق على أرض القطاع، لكن هل يصح أن نتمسك بالفروع وننسى الأصل، أما الفرع فهي غزة، وأما الأصل فهي القضية الفلسطينية ككل متكامل؟ لأننا بهذه الطريقة نلغي حل الدولتين الذي طالبت وتطالب به منظمة التحرير الفلسطينية، ونوجه القضية إلى حل الثلاث الدول، المأزق الذي ساقتنا إليه إسرائيل بتشجيعها قيام حركة المقاومة الاسلامية سنوات مضت بهدف إضعاف منظمة التحرير، وبهذه الطريقة، التي تلقى تشجيع كل الاخوانيين في العالم العربي والاسلامي، فإن قيام دولة غزة صار وشيكا، وقد تكرس في الذهنيات إعلاميا مصطلح اسمه شعب غزة المحاصر.
نعم، أهل غزة محاصرون ويعيشون وضعا إنسانيا مزريا، لكن كل فلسطين تعيش وضعا مأساويا، لكن هل القضية الفلسطينية في حاجة إلى مشاعر إنسانية فقط أيا كان مصدرها، عربيا أو غربيا؟
القضية الفلسطينية في حاجة إلى مساندة سياسية للقضية الوطنية، القضية الأم، في حاجة إلى من يحرر فلسطين لا أن نكتفي بفك حصار فقط، لأن القضية أكبر وأكثر تعقيدا ومساوية من شعب محاصر اسمه شعب غزة أو أي اسم آخر.
ثم لماذا نحصر جهود الجزائريين في الجانب الإنساني، وهي التي التزمت منذ البداية بمؤازرة القضية الفلسطينية، لماذا يريد هؤلاء المتضامنون حصر اهتماماتنا في النساء والأطفال ونترك الأساس، إن كان على المساندة الانسانية فلنتركها للمنظمات الإنسانية الأوروبية، فهي تحسن هذا أكثر منا وتلقى الاحترام لدى إسرائيل والآخرين، والدليل طريقة تعاملها مع القافلة الهولندية، ونجمع جهودنا كعرب ومسلمين ونطالب بالحل الشامل للقضية، وهو تحرير الأرض المغتصبة، لنوقف هدر الجهود في المطالبة بفك الحصار، لأنه لو ركز كل هؤلاء مطالبهم على القضية الأصل، لعرفت القضية منعرجا آخر ، ولتحررت فلسطين، لأن المهم ليس تحسين ظروف سكان غزة، الأهم هو تحرير القدس، وإقامة الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع.