صابر حجازى يحاور .. ألأديبة المغربية زليخا موساوي الأخضري

***************************



عندما تدخل الي عالم الاديبة زوليخا موساي الأخضري ( روائية، وشاعرة، وقاصة) ستجد كل شئ مختلف وقابل
للتصديق ,بل ستلمس عالم من الدهشة للحياة،اكثر من حياتنا في ذلك الواقع الذى نعيشه ، تجد عشرات من الاحاسيس الثريه بالمشاعر الانسانية الفياضة ، واسباب جيدة وكثيرة تحمل السبب الحقيقي لحياتنا ، وهو هذا التامل في هذا الواقع المعاش ،وانعكاساته علي النفس البشرية
وفي هذا الحوار نقترب اكثر من مصدر هذا الالق والتالق الابداعي الادبي لكاتبة تستحق الثناء والتقدير اكثر مما هي عليه



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

س 1 :- كيف تقديمي نفسك للقارئ العربي من خلال زاوية جديدة لم تذكر عنك عبر الكتابات السابقة التي تناولت سيرة وابداع الاديبة زوليخا موساوي الأخضري..؟
تجربتي الإبداعية متواضعة . أعتبر نفسي في بداية الطريق. جئت إلى الكتابة متأخرة لكن أعتبر أن عمر الكتابة كما عمر الإنسان لا يقاس بالسنوات بل بما حققه الإنسان من متع و إفادة و استفادة من و إلى الحياة. من ذاته إلى الآخر و من الآخر إلى ذاته.

كما وصفت ذلك في روايتي الأولى: الحب في زمن الشظايا لا نعرف متى و كيف ابتلينا بجنون الكتابة و إن كان بالنسبة لي شخصيا هو أجمل جنون. حسب تقديري بدأ الأمر حين كنت طفلة أغفو فوق ركبة جدتي و أنا أستمع إلى قصصها التي لا تنتهي. ثم بعد ذلك أتى الكتاب الذي فتح لي آفاقا شاسعة على عالم كنت أعشقه.

منذ أن أمسكت أول كتاب بين يديّ و أصبح ملكي: جائزة آخر السنة الدراسية نلتها مع شهادة الدروس الإبتدائية لأني كنت من الأوائل. أقول من الأوائل و ليس الأولى لأني لم أكن فعلا كذلك بل أختي التي تكبرني بحوالي سنتين كانت تقاسمني نفس المرتبة . و أجزم أنها كانت أفضل مني. كيف تمّ اختياري لنيل الجائزة؟ لحدّ الآن لا أجد إجابة على هذا السؤال. هل كانت الإشارة الأولى للقدر الذي أراد أن يضعني على الطريق الصحيح أم فقط كانت صدفة؟

مهما يكن من أمر فالنتيجة كانت مبهرة : الكتاب كان أول دهشة بذلك الحجم. أخذت جائزتي و طرت على جناح السعادة إلى البيت لألتهمها. شجرة الدّر لجورجي زيدان. لم أغادر شجرة الدّر إلى الآن و أصبحت أسكن منذ ذاك عناوين كثيرة. في السنة الأولى من التعليم الإعدادي نسميه هكذا لأنه توطئة للتعليم الثانوي. كان عمري عشر سنوات. وقعت لي حادثة مع القراءة حكيتها في روايتي باللغة الفرنسية : الظلال و أحيا.

كنت في مدرسة داخلية، شغفي بالقراءة أنساني ذات ليلة نفسي في قاعة الدروس التي كانت خارج مكان المراقد و بعيدة عنه. كنت أقرأ في ألف ليلة و ليلة. لم أنتبه أن الفترة الليلية المخصصة لمراجعة الدروس قد انتهت و أن زميلاتي قد غادرن القاعة إلى مراقدهن و أني كنت سأبيت ليلتي هناك في القاعة وحيدة و أكيد حين سأنتبه للأمر مرعوبة لولا أن تنبهت إحدى صديقاتي للأمر و جرت عائدة نحوي تهزني بعنف و هي تسألني صارخة في وجهي إن كنت سأقضي الليلة في قاعة الدرس.

أحلق و أحلق في فضاءات الكتب التي أفضلها إبداعية: روايات و قصص قصيرة باللغتين العربية و الفرنسية. قصتي مع اللغة الفرنسية أيضا طويلة أحكيها لكم مرة أخرى.

القراءة هي الخزان الطبيعي للكتابة. بعد وقت وجيز وجدت نفسي أخط أولى خربشاتي. لكني لم أكن أبدا راضية عنها و كنت أقارن ما أخطه بما أقرأ فيبدو لي الأمر مستحيلا رغم بقاء شرارة الرغبة و الأمل متّقدة في أعماقي. ثم جعلتني الظروف السياسية لبلدي في فترة معينة من تاريخها تعرف بسنوات الرصاص أو سنوات الجمر أتخلّى مؤقتا عن حلمي و أصبح شخصية روائية بامتياز في أحداث أقل ما يقال عنها أنها كانت سريالية لدرجة أني حين كتبت أول عمل إبداعي أتى على شكل نفحات سيرذاتية أو ما يسمى في عالم النقد بالتخييل الذاتي.

الإحساس الذي انتابني حين أمسكت أول مرة بالرواية التي كتبتها أني لم أفعل سوى تبادل الأدوار مع شخوص الروايات التي كنت أقرأها و أعيش أحداثها. كنت خارج دفتي الكتاب و أنا الآن داخلهما. هذا كل ما في الأمر.

س 2 : - تنوع انتاجكم في مجال كتابة الرواية والقصة والخاطرة الاديبة - كيف جاء ..وايهم كان لة السبق في بداية ابداعكم ..؟

بدأت بكتابة الشعر في أواخر السبعينيات لكني لم أنشر بل كنت أحضر فقط بعض الأنشطة و أساهم فيها بنصوصي الشعرية. ثم بعد ذلك فرضت الرواية نفسها عليّ. حين خلدت إلى نفسي في استراحة المحارب بعد أن أديّت واجبي كمناضلة و كزوجة مناضل و معتقل سياسي محكوم بمدة طويلة كان هدفي أن أكتب شهادة عما عشته من تجربة مريرة كي أتخلّص من مرارتها أولا : أوطوتيرابي : علاج نفسي ذاتي ثم كتوثيق يخرج من الشفهي إلى الكتابة عن فترة تاريخية معينة بمنظور شخصي محض. لكن النفس الروائي فرض نفسه و بذلك أتت رواية الحب في زمن الشظايا بذلك الشكل: عشرة أبواب سميتها شظايا.
لذلك أنا لا أقرّر شيئا. لا أقول مثلا اليوم سأكتب شعرا أو قصة قصيرة أو رواية بل أترك الحرية للجنس الأدبي كي يفرض أو لا يفرض نفسه.

س 3 : - للطفوله وريعان الصبا تاثير في تدرج النمو الفكرى للانسان ..كيف كانت طفولتكم ومرحلة الشباب الاولي ..وكيف كانت الاجواء العائلية ..؟

لكي لا أكرّر ما قلته في جوابي على سؤالكم الأول سأضيف شيئا بسيطا ، و هو أني أومن أن المعاناة و الفواجع تفجّر الإبداع. هذا ليس معناه أن من لم يمر بتجارب مريرة لا يكتب، لكن هي محفّزة و مفجّرة لطاقة كامنة في المبدع. كما أعتبر أن الكتابة هي أيضا صنعة يجب الحفر في الصخر كي تلين و تمنح شذاها بسخاء.

أنا كنت فتاة ضئيلة الجسم، أخاف من ظلّي ، لا أستطيع أن أرفع عينيّ في من هم أكبر مني و كنت صامتة جدا.قد لا أتكلّم لعدّة أيام. لكني كنت في المقابل أكلّم نفسي باستمرار. لم أكن مجنونة رغم أن بعض جيراننا ظنوا ذلك خاصة و أنهم لا حظوا الأمر بعد موت أمي المفاجئ في حادثة سير و أنا عمري ثلاثة عشر سنة. لكني كنت فقط أحكي القصص لنفسي لأني كنت قد عوّلت على أن أصبح كاتبة مثل جورجي زيدان. هذا الكاتب كان مثلي الأعلى في ذلك الوقت.

س 4 : - في البدايات نتاثر ببعض الشخصيات التاريخيه أو الادبية - فمن هي الشخصية التي تركت فيكم اثر ..و لمن كانت قراءتكم الاولية ..ومن ..من الكتاب كان له صدى في تكوين شخصيتكم الادبية ..؟

التأثر بالغير يمرّ بمراحل. في طفولتي كنت متأثرة بجدتي و حين اكتشفت جورجي زيدان أصبح بطلي ثم بعد ذلك شهرزاد ألف ليلة و ليلة ثم بعد ذلك مكسيم جوركي في رائعته الأم و بدأت أبحث عن الحزب الشيوعي كي أنظمّ إليه و أنقذ البشرية و لكي يعمّ السلام و الأمن و تنتهي الحروب. و في المرحلة الثانوية اكتشفت جون بول سارتر و سيمون ديبوفوار و أصبحت وجودية و ضد الزواج كمؤسسة رغم أني بقيت في قرارة نفسي أحلم بثوب الزفاف الأبيض.

في المرحلة الجامعية ظننت أني عثرت على النهج الذي سأسير عليه. رغم أني كنت متميّزة في اللغة الفرنسية تقدّمت للتسجيل في شعبة الفلسفة لأني كنت أعشق كارل ماركس. لم ينفعني هذا الأخير و سنوات بعد ذلك انسل إلى غياهب النسيان مع سقوط حائط برلين.

لم أكن أفعل سوى الدوران حول نفسي أبحث عن نفسي ولم أكن أعي أنها موجودة في فعل الكتابة.

وجدت الكثير منها في الكتابة صحيح لكني لم أجدها كلها و لا أزال أبحث. عمّ؟ أنا نفسي لا أدري و لو كنت أدري لانتهت عملية بحثي و لكنت أدركت إذّاك أني أصبحت ميّتة. استحضر قولة لابن عربي: ’’ نبحث دائما عما ينقصنا’’

س 5 :- لماذا اتخذتم مجال الكتابة الادبية طريق للتعبير عن رؤاكم وما يجول في داخلكم من افكار واراء ..؟

لأنني حالمة و مجنونة. هل يمكن أن أكون فيلسوفة أو فزيائية أو رياضية أحمل مشعل نظرية في مجال من هذه المجالات و أدافع عنه و أجعل الآخرين مقتنعين به و بجدواه؟ لا أرى نفسي في هذا الدور بتاتا. لذلك الكتابة الأدبية هي التي تمنحني الأجنحة كي أطير. بالمناسبة كنت أتمنى لو كنت طائرا، لكي أعبّر عن جنوني و نظرتي النشاز للواقع. الكتابة الأدبية بالنسبة لي الآن قضية حياة أو موت. حين لا أكتب لا أشعر بنفسي بخير. أكون متضايقة و حزينة فأجلس لأكتب كي أتلاقى مع ذاتي من خلال معانقة الآخر و همومه الدنيوية و بعض من متافيزقياتها إن استطعت إلى ذلك سبيلا.

س 6 :- لقد اثريتم المكتبة الادبية العربية بانتاجكم الادبي المطبوع - حدثينا عن هذة الاصدارات ..؟

باكورتي: (الحب في زمن الشظايا) رواية أصدرتها على نفقتي سنة 2006 . هي نابعة من تجربة ذاتية لكن ليست سيرة ذاتية بل كما قلت سابقا تندرج ضمن ما يسمى بالتخييل الذاتي.

و قد شرحت شروط كتابتها. كثيرون جدا سبقوني إلى الكتابة عن عالم السجن خاصة الإعتقال السياسي. كتبوا شهادات و روايات و قصص و أشعار و مقالات. ماذا أضافت روايتي إلى هذا الزخم الإبداعي فيما يتعلّق بأدب السجون؟

بالنسبة لي ارتأيت أن أكتب هذه التجربة بصوت المرأة لا لكي تندرج كتابتي في خانة ما يسمى بالإبداع النسائي لأني لا أومن به و أعتبر أن الإبداع لا جنس و لا لون و لا دين له. هو إنساني و يشترك فيه كل البشر كالموسيقى تماما. حاولت إذن أن أرسم صورة السجن بملامح أنثى. كيف هو الوجه الآخر لمعاناة السجين؟ كيف هو الوجه الآخر للسجن؟ ركزت أيضا على شعرية اللغة و على الميتاسرد حيث طرحت بعض الإشكالات الأدبية كماهية الكتابة الأدبية مثلا في هذا المقطع من مدخل الرواية :’’شخوص من ورق تتحرّك بإرادة قلم مشاكس يريد أن يبعث فيها الحياة لكنها تنتفض و تثور على وجودها الورقي و على محاولات القلم اليائسة لأرشفة الألم و المعاناة فيصبح أفق الإنتظار قارئ ذكي يقلب المعادلات الموروثة: منتصر| منهزم، حياة| موت، ألم | لذة، غائب| حاضر،سجان| سجين و يخلق ثنائيات تستند على أسس جديدة لا خيط يربط بين البداية و النهاية. لا شيء معروف مسبقا’’

هذه المقدمّة التي عنونتها ب’’ آه منك أيها الوقت’’ أردتها ميثاقا قرائيا بيني و بين المتلقي على شاكلة ميثاق جينيت في السيرة الذاتية. أرى أن كل كاتب رواية إلا و لو ضمنيا يشرك القارئ في خطته السردية و يؤسس معه ميثاقا للقراءة بطبيعة الحال يختلف من كاتب لآخر و عند الكاتب الواحد يختلف من رواية لأخرى. في روايتي الثانية ..’’طارينخير بين الضوء و السراب’’.. مثلا أسست لميثاق قرائي آخر و لو أنه يرتكز على نفس المراهنات أي التوجه إلى قارئ ذكي يقارب نصا يقلب المعادلات القرائية الموروثة إلا أن الميثاق الذي تعتمد عليه هذه الرواية ميثاق مختلف من حيث أنه يستشرف المستقبل البعيد الذي حددته في الألفية الثالثة هذه بعض السطور من مقدّمتها:



’’هكذا أصبحت تسمى: طارينخير. لا هي بالبر و لا هي بالبحر. هي بين البر و الملح. تلاشت الضفتان. هل نييبيس هناك تطل من شرفتها المليئة بأصص الصبار ترى صوامع المدينة في الضفة الأخرى قبالتها على مد البصر شامخة في الفضاء عبر زرقة البحر أم اختفت الأمواج و أصبح الرماد يغطي كل شيء؟’’



بالنسبة لروايتي ’’ في حدائق كافكا ’’ فقد ضمنتها واجب الإعتراف بالقامات الإبداعية العربية و حاولت مقاربة العبث الذي ينضح به واقعنا العربي إليكم مقطعا من أحد فصولها:



’’المتاهة

يقرر خالد قبل التوجه إلى الجريدة أن يمر على الوزارة كي يسأل مرة أخرى عن الملف.

الباب الأول مغلق. الثاني موارب. يقرع نقرات خفيفة بأطراف أصابعه المعقوفة على الباب الخشبي الذي كان رماديا قي وقت مضى لكن الآن و قد تآكل خشبه من البرد و الرطوبة فقد أصبح بلا لون. أصغى السمع . لا أحد يجيب. دفع الباب برفق. نظر إلى الداخل. في الحجرة مكتبان. الأول على اليمين مصفوف بعناية. الأوراق في ملفات مختلفة الألوان. الأقلام في مقلمة من البلاستيك بلون أحمر زاه على اليسار. على المكتب شبه المهترئ فرشت يومية من الحجم الكبير خطت عليها بأحرف كبيرة عربية و لاتينية اسم شركة تتاجر في مواد البناء. يخرج. يغلق المكتب وراءه. المكتب الثالث مغلق. ماذا يجري؟ أين ذهب الموظفون؟ هل هم مضربون عن العمل؟ لماذا أرى المكاتب مغلقة أو فارغة في وقت من المفترض أن تكون مفتوحة على مصراعيها تستقبل عموم المواطنين؟ الصمت المريب يغلف المكان كجناحي طائر خرافي. وقع الخطوات على الأرض وحدها تربك سكون الأبواب التي لا تفضي لشيء. المكان مهجور. فراغ و صمت ووقع خطوات مرتبكة تبحث عن أثر للحياة . قد يرى بعض المحللين في هذا الحدث بالذات أن الشخصية ترمز إلى الضوء في العتمة المحيطة بكل شيء و أن وقع خطواته تلك ستكون حجر الزاوية لصرخة ستمتد لتملأ الفراغ الذي يحيط بكل واحد منا. لكن لا عزيزي القارئ ماعليك إلا أن تتوجه إلى أي مكتب من إدارتنا المقتدرة كي ترى بأم عينيك نفس ما وقف عليه خالد و أكثر. ’’



أما عن مجموعتي الشعرية: ’’ أبابيل الصمت’’ فهي صرخة ذات أنثوية متشظية ضد السكون و العدم.

أحب قصيدة إلى قلبي فيها هي قصيدة يوسف الموجودة على شكل فيديو بالنت أحمل لكم شذرات منها:

بايعني جموحي

يشعلني وجع شهوتي

غواية انسفكت

على نزيف النعناع

أغنية تطرق باب الأماسي

أنا العاشقة التي تبوح

لاشتعال البرق

بوله الجمر يمتشق أغوار

ملكة

عمّدتها الأغلال الذهبية

في قصر العزيز

صليبا يهتف

محفورا شرسا

يركض في القصيدة

موسما

لمن تصلّي له الكواكب

أحد عشر جرحا باذخا

.

.

.

في أضمومتي القصصية الصادرة هذا الشهر بعنوان: ’’ نشاز آخر للبياض’’ أحاول أن أكتبني واقعا ممزقا بين ماض مثقل بأغلاله و غد يتلألأ أفقه مشرئبا على البياض أسرد لكم منه هذه القصة القصيرة جدا:

ترقب

تطلّ من النافذة.. امرأة أفقدتها دوائر الإنتظار قرار الرحيل. تقف الآن على ناصية علامة استفهام لا تطلّ على شيء. مربّع موارب يعبر محيطه الضيّق آلاف الندف البذيئة لهواء يضاجع منتصف الليل.

في انتظار الإشارة التي تعلن عن مغيب القهر، تشدّ على عمامة العتمة و تشرئب نظراتها لآلاف الأسرار التي تعبر السكون.


س 7 :- المشهد الادبي الحالي في بلدكم - المغرب - ..كيف هي الحركة الثقافية والادبية الحالية فيها ..؟

إذا أردنا أن نقيس المشهد الثقافي بعدد الإصدارات و الملتقيات الأدبية يمكن أن أقول أن المشهد الثقافي المغربي بخير أو على الأقل أحسن من قبل. هناك حراك ثقافي هناك ملتقيات، هناك إصدارات ، هناك أصوات إبداعية شابة واعدة. لكن القنوات التي تصرف هذا الإبداع و تحتضنه غائبة تماما. الكل يعرف أن حتى المشهد الثقافي لا يسلم من الأمراض الإجتماعية التي تنخر المجتمع من محسوبية و زبونية و رشوة... مع الأسف في الحقل الثقافي نجد هذا أيضا رغم أنه من المفروض أن يكون هذا الحقل بديلا أو على الأقل يعطي صورة مشرقة عما يمكن أن يصبح عليه المجتمع.أعطيك مثالا بيسطا على ذلك حين تتصفح البرنامج الثقافي المصاحب لمعرض الكتاب الدولي لهذه السنة بالدار البيضاء من ندوات و أمسيات شعرية و قصصية تجد نفس الأسماء القديمة أو الأسماء التي يعرف الكل أن لها واسطة أوصلتها إلى هناك. القنوات التلفزية غائبة عن المشهد الثقافي ما عدا تقريرا ساذجا في آخر كل نشرة إخبارية مسائية يقوم به صحافيون لا علاقة لهم بالمشهد الثقافي. و تكرّر فيه نفس الأفكار و تعبره نفس الوجوه. لا توجد عندنا قناة ثقافية مئة بالمئة كما في الدول التي تحترم مثقفيها و مواطنيها. الجوائز الأدبية تمنح لنفس الأسماء أو لأسماء من خارج المغرب كما أن متاعب المبدعين مع دور النشر لا حصر لها حتى يخال المبدع نفسه دون كيخوت يصارع بشكل سريالي طواحين هوائية وأمثلة من هذا كثيرة.

س 8 :- ما هي الانعكاسات التي حدثت بعد حركة الشعوب العربية نحو التغير والثورة في العديد من البلدان العربية (مثل تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا) علي المسرح الادبي في العالم العربي ، وهل في رايكم حدثت تغيرات في اساليب الكتابة تحت هذا الزخم ..؟

صراحة لا يمكنني الإجابة على هذا السؤال لأنه يتطلب اطلاعا واسعا على الحراك الثقافي العربي بعد هذا الحراك السياسي أنا مع الأسف لا أتوفّر عليه و بالتالي لا يمكنني الحديث عن شيء أجهله.

س 9 :- الموقع الجغرافي لبلدكم - المغرب - يجعل منها مصب لثقافات مختلفة من دول حوض البحرالابيض المتوسط عربية كانت او اوربية ، وكذلك من الدول الافريقية المجاورة - بماذا في رايكم يتاثر- اكثر- المنتج الادبي والثقافي المغربي...؟

ليس فقط الموقع الجغرافي بل و أيضا الإرث التاريخي من استعمار بعض الدول الغربية لبلادنا لسنوات و فرضهم علينا لغتهم و ثقافتهم لذلك ترى أن المغرب لغويا مقسم إلى مناطق عدة: العربية و هي شقان: الدارجة التي يتكلمها عامة الشعب في البيت و في الشارع ثم العربية الفصحى التي تنحصر على المؤسسات التعليمية و المؤلفات سواء أدبية أو غيرها و على كونها لغة رسمية للدولة لكن على الورق فحسب أما واقعيا فحين تدخل إلى أي إدارة سواء كانت عمومية أو خاصة فستواجهك اللغة الفرنسية التي تفرض نفسها في التعاملات اليومية. على مستوى وسائل الإعلام و الإشهار المشكلة أفدح لأن الكثيرين ينسون تماما أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية و بالتالي إما يتحدثون لغة فرنسة أو ما نسميه سخرية هنا بالعرنسية أي خليط بين العربية و الفرنسية كما أن المناطق الشمالية تكتسحها اللغة الإسبانية بحكم أنها كانت مستعمرة من طرف اسبانيا. نسبة كبيرة من الشعب المغربي يتكلم أيضا اللغة الأمازيغية التي فرضت نفسها في الآونة الأخيرة بحكم نضالية الأمازيغيين و المناضلين الحقوقيين و أصبحت مدرجة في بعض البرامج الدراسية.

هي إذن فسيفساء من لغات و ثقافات و حضارات قد تغني المشهد الثقافي و تعتبر نقطة إجابية يمكن أن تطور المجتمع إلى ما هو أحسن لكن قد تكون سلبية و تفقد المواطن هويته و يصبح مستلبا حين لا يعي خطورتها و يدرك أن أي لغة أجنبية هي نافذة على العالم الخارجي من دون أن تفقد الإنسان هويته و انتماءه.

الإنتاج الأدبي المغربي يتأثر بكل هذه العوامل التي ذكرت.

الجيل الأول من الكتاب المغاربة كانوا منقسمين إلى قسمين: من يكتب باللغة الأم أي العربية وهم عموما الذين تلقوا تعليما عربيا محضا في المدارس الوطنية التي أنشأت من طرف الحركة الوطنية لتغلق الباب في وجه اكتساح اللغة و الثقافة الفرنسية و هناك الذين اضطروا للتعلّم في المدارس الفرنسية التي كانت عمومية و بالتالي تشربوا اللغة و الثقافة الفرنسيتين. كثيرون منهم امتلكوا اللغة الفرنسة و كتبوا بهذه اللغة إبداعا في أغلبيته ينادي بانتهاء الإحتلال الفرنسي و هذا كان أيضا على مستوى الجزائر و تونس نجد مثلا: ادريس الشرايبي، ألبير ميمي، كاتب ياسين، محمد ديب و آخرون. ثم حتى بعد انتهاء الإحتلال تمسكوا باللغة الفرنسية كلغة للإبداع لكن ألبسوها الثقافة العربية و بذلك أتت إبداعاتهم مغايرة تماما للعقل الديكارتي الفرنسي و فجرّوا النصّ من الداخل بحيث أصبحت الرواية كما قال ساراماغو تستوعب العالم. الماضي: ألف ليلة و ليلة، المقامات، الشعر العربي القديم، الحكايات، الأساطير... و الحاضر الذي يحلمون بتحقيقه: وضع حدّ للسلطة البطريركية للأب و للقبيلة، الحديث عن الأنا و الآخر المختلف، حضور المرأة كإنسان واقعي يرزخ تحت ظلم الزوج و القبيلة و سلطة المجتمع التقليدي المحافظ و ليس الأنثى الأيقونة المعشوقة التي تغنى بها الشعراء منذ القديم : رواية الطلاق للجزائري رشيد بوجدرة كمثال و التي أثارت زوبعة كبيرة لدى صدورها لثورتها على مجموعة من القيم المستهلكة التي أصبحت متقادمة...

س 10 :- برغم قرب بلدكم - المغرب - من دول اوربا - فلماذا لم تسعي سيادتكم للتواصل مع ترجمة بعض ابداعاتكم الي اللغات المختلفة ..؟

أكيد أرغب في ذلك لكن لم تسنح الفرصة بعد و أرحب بكل مبادرة في هذا الشأن.


س 11 :- لديكم نموذج في كتابة ادب الخيال العلمي او ما قد يضاف تحت هذا المسمي - كيف هو ..وكيف جاءت الفكرة في كتابته..؟

لا أدري هل يمكن إدراج روايتي( طارينخير) بين الضوء و السراب في مجال أدب الخيال العلمي. هل تتوفر فيها خصائص هذا النوع من الكتابة؟ ما يمكن أن أقوله هو أن هدفي كان فقط دق ناقوس الخطر أولا حول ظاهرة الهجرة السرية و ما تسببه من مآسي ثم لمسببات هذه الهجرة و هي تقسيم العالم إلى عالم فقير جدا و عالم غني جدا يستمدّ سلطته من استغلاله البشع لهذا الأخير و ما يمكن أن تؤول إليه هذه الوضعية في الألفية المقبلة. هو إحساس شديد بقلق يلازمني حول مستقبل الإنسان على هذه الأرض حاولت ترجمته إلى كلمات.


س 12 :- ما احب النصوص واقربها تعبيرا عن شخصية الاديبة زوليخا موساوي الأخضري - وما هي السطور التي بعد كتابتها اطلقتي عبارة - هذة انا فعلا -..؟

أنا لا أحب نصوصي، و لا أحب أن أرجع إليها بعد نشرها، كما أني لحدّ الآن لم أستطع كتابة ما يعبّر عنّي حقيقة في العمق، بل أحلم دوما أن أكتب النص الذي أشعر به في أعماقي. هل سيتحقق لي ذلك يوما؟ لا أدري لكن أستمر أحلم رغم ذلك.


س 13 :- فهمت من خلال بعض المنشور عنكم عبر الشبكة العنكبوتية شغف لديكم بالسفر والسياحة والانتقالات - اى البلدان( بعد بلدكم) كان لها تاثير في النفس وانطباعات شجية في ذاكرتكم ..؟

آه! أكيد أعشق السفر. أعشق السفر إلى أي مكان يشعرني بتغرّبي و في نفس الوقت يكشفني لنفسي. كل مكان جديد يلهمني. و حين لا أسافر ، أتذكر بحنين الأماكن التي سافرت إليها. كثيرا ما أجد نفسي أتجول في كنائس روما و متاحفها و أنا جالسة إلى طاولة عملي. أو أستمتع بحدائق مورسيا أو أتطلّع إلى الثلج يتجسس على قصر الحمراء في غرناطة. حين يتعذر علي السفر بعيدا أركب سيارتي و أبتعد عن بيتي بحوالي عشرين كيلومترا لأرى البحر فأشعر عند عودتي أني سافرت.

س 14 :- حدثينا عن المؤلفات التي لم تصدر- بعد- لكم في شكل كتب ومطبوعات ..؟

عندي كثير من النصوص شعرية و قصصية و رواية في منتصفها و أخرى على وشك أن أضع لها نقطة نهاية و ثالثة تزدحم أحداثها في رأسي. لكن المشكلة التي تؤرقني هي كيف سترى هذه الأعمال النور؟ هناك نوعان من دور النشر في العالم العربي: الأولى لا تطلب مبالغ مالية من المبدع لكنها لا تتعامل سوى مع الأسماء البارزة على الساحة الثقافية ،والثانية تشترط مبالغ مالية باهظة و مضنية للمبدع الذي في غالب الأحيان لا يتوفّر على نصفها. آه نسيت نوعا ثالثا من دور النشر، و هي تلك المزعومة (كي لا أقول شيئا جارحا)، التي تأخذ من المبدع المبلغ المالي المتفق عليه و لا تنشر له إبداعه.ولا أدري هل هناك مؤسسة قانونية يمكن أن تحسم في هذه الأمور و يأخذ كل ذي حق حقه؟ لا أدري. .



***********************

كنوز ادبية ..لمواهب حقيقية


ان غالبية المهتمين بالشان الثقافي والابداعي والكتابة الادبية بشكل عام يعانون من ضائلة المعلومات الشخصية عن اصحاب الابداعات الثقافية، والتي من شانها ان تساهم في فرصة ايصال رسالتهم واعمالهم وافكارهم مع القارئ الذى له اهتمام بانتاجهم الفكري والتواصل معهم ليس فقط من خلال ابداعاتهم وكتاباتهم ، في حين هناك من هم علي الساحة يطنطنون بشكل مغالي فية ،لذلك فان اللقاءات بهم والحوار معهم من اجل اتاحة الفرص امامهم للتعبيرعن ذواتهم ومشوارهم الشخصي في مجال الابداع والكتابة.
لهذا السبب كانت هذةهي الحلقة الثالثة من السلسلة التي تحمل عنوان ( كنوز ادبية لمواهب حقيقة ) والتي ان شاء الله اكتبها عن ومع بعض هذا الاسماء


صابر حجازى ..اديب وكاتب وشاعر مصرى

الاديب المصرى صابر حجازى | Facebook

http://ar-ar.facebook.com/SaberHegazi