الملمح التراثي في شعر إسماعيل زويريق (موسم الورد أنموذجا) ...
عبد الرحمن الخرشي
هذه الدراسة مهداة لكل من مر من هنا قارئا متذوقا ...
-I بين يدي المجموعة الشعرية موسم القراءة/موسم الورد)
إن مقاربة التجارب الإبداعية والفكرية وبحضور المبدع، أو الكاتب، أو المحقق، وبحضور شتى أطياف المجتمع الثقافي المراكشي، وفي صرح المؤسسة التعليمية التربوية، هي خصوصية تميزت بها ثانوية محمد الخامس باب اغمات دون أخواتها لعقود.
ففي صرح هذه المؤسسة قرأت شخصيا مجموعة أعمال بحضور الشاعر أو المحقق أو المؤلف..هناك قرأت:
1- المجموعة الشعرية (أغنية شجية على أطلال ليلى العامرية) للشاعر محمد مراح .
2- المجموعة الشعرية (قبلة بلاشفة) للشاعر حسن بنمنصور .
3- (ديوان شاعر الحمراء) لمحققه الدكتور أحمد شوقي بنين
4- (فقه الفقراء والمساكين في الكتاب والسنة) لمؤلفه الدكتور عبد السلام الخرشي .
وها أنذا أزكي هذا التراكم بقراءة المجموعة الشعرية (موسم الورد) للشاعر إسماعيل زويريق (أبو عدنان) بحضور الشاعر ونخبة ظلت تواكب أنشطتنا الأدبية والنقدية بالحضور وإغناء النقاش أساتذة وأستاذات وإداريين وتلاميذ وتلميذات..يسعدني –اليوم- مشاركتهم لي في الكشف عما في هذه المجموعة الشعرية من عناصر الإبداع الفني والشعري، إشباعا وإرواء لما أعرف من حب الجميع لمقاربة التجارب الإبداعية في أجواء تكرست بهذا اللقاء مع الشاعر إسماعيل زويريق (أبو عدنان) ومن على مشارف (موسم الورد).
ومما أجدني مطوقا به في مستهل هذه القراءة التحليلية الوصفية التأكيد على قدسية الإبداع الشعري لكونه يستوجب :
1- شعورا صادقا وعميقا، وتعبيرا أصيلا ودقيقا عن شخصية صاحبه بأبعادها: الجسدية، والنفسية، والاجتماعية، والفكرية.
2- تمثلا واعيا، وثاقبا لتجربة الواقع الموضوعي بمظاهرها التاريخية والاجتماعية والثقافية...
3- امتلاكا قويا لناصية اللغة وتمكنا كافيا من تقنيات التعبير الفني والأداء الأدبي.
4- إيمانا غامرا بالقضايا التي يعبر عنها الشاعر ويدافع عنها محلية كانت أو قومية أو إنسانية.
5- ولايكون شعرا حقيقيا إلا إذا كانت للشاعر موهبة أو قدرة مكتسبة تمكنه من صياغة أفكاره ومشاعره وانفعالاته ومختلف مواقف الحياة، صياغة متميزة تبتدئ فيها عبقريته وحنكته في التعامل الخلاق مع اللغة ومعطيات الواقع ومع التراث بأصنافه ومختلف عناصر الثقافة الوطنية والقومية والعالمية.. « ، والدينية أيضا...
وعندي فإن تجربة الشاعر إسماعيل زويريق في "موسم الورد" تكون قد أفصحت عن كثير من هذه المقومات الإبداعية في هذه المرحلة من حياته الشعرية، التي التزمنا في قراءتنا لها بعدم الكشف عن العورات والنواقص، وبعدم الإسراف في المدح والتقريظ بل بمحاولة معانقة التجربة الشعرية "موسم الورد" في ضمير صاحبها والحلول فيها واكتشاف أبعادها.. وقد تسلحت ببعض ما تسلح به الشاعر من ثقافة لغوية طالت الخصائص والحقول والأساليب والوظائف. وعناصر الموسيقى الشعرية، بدءا بالأوزان، والقوافي، والأرواء. وتعريجا على التجنيس، والتقسيم، والطباق، والمقابلة... وعناصر الموازنة، والتكرار... ولم أتجاوز دور المكتشف وأنا أقف على صوره.. وكذا على مافي المجموعة الشعرية من حكمة، وتناص، وميل إلى القص، وضرورة شعرية تجاوزاً لكسر قيود الشعر القاهرة للشعراء..مكتفيا بإبراز ماوقفت عليه في هذه المجموعة التي أرجو أن يعود إليها الشاعر بالتنقيح – وهو المتمرس بذلك- وبتصحيح ماورد فيها من أخطاء جلها مما عمت به البلوى بفعل عامل الطبع الذي لانوليه عظيم أهمية، وسوف أضع بين يدي أخي الشاعر بعض ما وقفت عليه منها للاستفادة منه عندما تتاح له فرصة طبع أعماله الشعرية في "ديوان".
- II في صميم التجربة :
"موسم الورد" عنوان المجموعة الشعرية الثانية للشاعر إسماعيل زويريق(أبو عدنان). صدرت في أول وآخر طبعاتها سنة 1998 ضمن منشورات دار وليلي للطباعة والنشر كباقي أعمال الشاعر الأخرى، وبدون مقدمة أو تقديم. وهي ثاني إصدار للشاعر بعد إصداره الأول مجموعته الشعرية (نخلة الغرباء)..صدرت مجموعة "موسم الورد" في حلة طباعية متأنقة من القطع المتوسط 13.5 على 21 (سنتمترا)، يمتد النص الشعري فيها على مساحة (79) صفحة، تتوزع على (28) قصيدة مختارة متفاوتة الأشكال والطول. أطولها قصيدة (إلى السلم دعونا) (57) بيتا وأقصرها –(8) أبيات- (فاتحة) .
وقد تصدر المجموعة إهداء خص به الشاعر زوجته مشيدا بإخلاصها ومشددا على أمومتها الحانية قائلا: (إلى التي شاطرتني حلو الحياة ومرها، أم أبنائي) .
كما تشتمل المجموعة على عشر لوحات –بالأبيض والأسود- ولوحة –بالألوان- خصها الشاعر للغلاف ، وجميعها من رسمه وتشكيله، ثمانية نصوص فقط في المجموعة ذيلها الشاعر باللازمة التأريخية؛ وقفنا من خلالها على الحقبة التأريخية لكتابة هذه النصوص (13) سنة وإن كنت أرجح-حسب ما أفادني به الشاعر- أن بعضها كتب خارج هذه الحقبة. أعتبرها كافية لأخذ فكرة، أو تصور مرحلي تقييما لتجربة الشاعر إسماعيل زويريق في هذه المرحلة من حياته الإبداعية الطويلة (من 1985 إلى 1998)، من زاوية الملمح التراثي في شعره.
يمكن توزيع نصوص المجموعة على النحو التالي:
- (21) نصا كتبه الشاعر بتوظيف السنن الخليلي القائم على نظام الشطرين والوقفتين العروضيتين.
- (5) نصوص صاغها الشاعر ضمن نظام الشطرين، وتدويرها تقليصا للمسافة الصامتة بين الشطرين في سطور، وكأنها أوزان تجديدية تشعر بأنها مولدة ومستحدثة. وهي ليست كذلك.
- (2) تجربتان بناهما الشاعر على مغامرة تشكيلية بصرية ، تقع بين جاذبيتين: جاذبية المعمار وجاذبية الإلغاز. والتي يتم التركيز في اكتناه جماليتها على البصر.
إن تكسير الشاعر إسماعيل زويريق لعروض الشعر المنتظم في هاتين التجربتين، واهتمامه بالفضاء البصري في مجال التشكيل هما اللذان دفعا به إلى التقليل – على الأقل في هاتين التجربتين- من الاهتمام ببلاغة المسموع، والاهتمام أكثر بالكلمة وبتموقعها الخاص لإنتاج شعرية بصرية تمثلت في تشكيل فضاءات –أحسبها مقاطع- تتقابل أشكالا هندسية بمثابة أجزاء للوحة تشكيلية حافظ فيها الشاعر على علامات الترقيم.. مع اعتماد الشاعر لنسق عروضي تفعيلي وظف فيه تفعيلة (فاعلاتن) ضمن فضاء تشكيلي مع مراعاة مايعتريها من الزحافات والعلل، والمحافظة على أصول ذلك عروضيا، ودون ولوع بجمالية التجربة الشعرية بالوان البديع، أو التكرار بأنواعه الصوتي واللفظي...وكأن الشاعر إسماعيل زويريق بإزاء بناء قصيدة عمودية..لكنه في الواقع ينحاز لخلق جمالية خاصة في إطار مايسمى "الشعر البصري".
هنا أتساءل: هل الشاعر بهذا الصنيع الذي تمثله هاتان التجربتان يريد ان يعلن عن تفجير طاقته – في هذه المرحلة من حياته الشعرية- بمثل مافعله بعض الشعراء – أو النظامين على الأصح- في العصور المتأخرة من إنتاج نصوص ماعرف بالتشجير والتضمين والتربيع ؟...
أم هو بالخوض في ذلك يريد أن يثبت جدارته النظمية؟
أم يريد أن ينقل رسالة تستخف بتلك الأعمال (الشعرية) المتهافتة، المنزعجة، والمزعجة، والتي لاتمت للشعر بصلة، اللهم كلمة(شعر) كتبوها على أغلفة ماظنوها –أو تهيأ لهم- بأنها مجموعات شعرية؟ !
أما عن لوحاته التشكيلية فقد رسمها متأثرا بأسلوب الفنان التشكيلي المراكشي الراحل عباس صلادي كما ذكر الشاعر والفنان اسماعيل زويريق في الجزء الأول مما نشر من حواراته (نفض الغبار) ..وبناء عليه يصدق على فن إسماعيل زويريق ما قاله "فريد الزاهي تقييما لتجربة عباس صلادي: (إن عالم عباس صلادي - نقول إن عالم إسماعيل زويريق- يعتبر ممارسة جديدة للتعبير التشخيصي ذي المسحة الفانطاسية. فكائناته هجينة، نصفها بشري ونصفها الآخر طير أو نبات، وفضاءاته عدنية، مرسومة وملونة بدقة نكاد معها ننسى عصامية هذا الفنان المراكشي" .
بل ويصدق عليهما ماقاله حسن بحراوي في عباس صلادي مشيرا بالبنان – في الأخير –لاتجاهه الساذج.يقول حسين بحراوي أما الفنان الراحل صلادي فإنه يقتحم بنا عالما مكتنزا بالعجائب وغرائبيا على نحو لانظير له حتى في الأساطير، حيث مخلوقات حريفة الشكل تأهل فضاء لاعقلانيا وذا أبعاد غير أقليدية. وحيث تجتمع المتناقضات والمفارقات من كل نوع. الدقة والصرامة إلى جوار التردد المدروس والحيرة الهذيانية لكل حركة فرشاة.فهل نحن حقا وفعلا أمام صباغة ساذجة؟) .
وإن كنت أرى أن ما تشي به لوحة الغلاف – إجمالا- هو خلاف ذلك.
إن صفحة الغلاف الأول قد اشتملت على شعريتين: شعرية العنوان "موسم الورد" شعرية طالت المكان – قلعة مكونة- وهو يعانق الزمان- زمن جني الورد- والاحتفاء به في طقوس.. وشعرية الفنون التشكيلية "اللوحة" التي هي في الواقع شعرية بصرية؛ حيث الشاعر يرمي إلى فتح نافذة بين الأدبي/العنوان. والبصري/اللوحة.معلنا عن زواج بينهما يجعل الواحد منهما يترجم الآخر؛ العنوان يترجم اللوحة واللوحة تترجم العنوان..أو ما كتب بالكلمات يقابل ما كتب بالبناء، والخطوط، والألوان، والبقع، والنقط، والرموز... وتلك لعمري مجازفة خاضها الشاعر إسماعيل زويريق تجعلنا نستحضر ما قام به:
1- شعراء اجتمع فيهم شغف فائق بالفنون التشكيلية والشعر، نذكر منهم:
بلند الحيدري، عبد الوهاب البياتي، جبرا ابراهيم جبرا، أدونيس، سعدي يوسف. والشاعر المغربي محمد السرغيني...
2- إن اللوحة وإن قامت بدور الوصف والتوضيح للعنوان "موسم الورد" فإنها زادت عليه ببعض الرموز والعناصر، يتصارع فيها (الواقع) و(الوجدان) وينتصر فيها الواقع، فيطفو فوق سطح التجربة. وإن كنت لاأتفق على شق الثوب إلى الحد الذي نرى؛ لما يثير في المتلقي من إحساس سلبي اتجاه المرأة عامة...
3- اللوحة تخاطب الحس في المتلقي، وتحرك كوامنه النفسية المسترسلة حيال الطبيعة والإنسان (المراة خاصة لحضورها الفعلي في هذه المجموعة الشعرية زوجة وبنتا/بنات و..).
4- بالرغم من أن اللوحة والعنوان يتقارآن –وهذا ما أراده الشاعر/الفنان حينما وضع هذه اللوحة تحت هذا العنوان –فإنني أؤكد أن: الرسم الناطق العنوان مدعوما بنص "موسم الورد" الشعري قد تغلب على الشعر الصامت (الرسم) في هذا الغلاف خاصة، لأسباب تفصح عنها الدلالة والشكل ونوع الإيقاع...
وعندي فإن الشاعر إسماعيل زويريق لو لم يزاحم موهبته الشعرية في هذه المرحلة من حياته الإبداعية بانشغالاته المتعددة – ومنها التشكيل- لكان قد نفض الغبار حقا عن موهبة شعرية عميقة مطورة ومجددة معاصرة مختزلة لم تبد بعض ملامحها في شعر الشاعر إسماعيل زويريق إلا أخيرا في أول قصيدة تفعيلية نثرها في مجموعته الشعرية(طائر الأرق) .
-III قراءة في العنوان (موسم الورد)
مما لاشك فيه إن الشاعر إسماعيل زويريق (أبو عدنان) قد خص عنوان مجموعته الشعرية هذه بفائق العناية، لابصفته مجرد عتبة للنص، ولكن باعتباره تمفصلا حاسما يمنح المتلقي طاقة للتفاعل مع المجموعة الشعرية ككل ؛ وبالفعل فإن العنوان (موسم الورد) يشجع القارئ على قراءة المجموعة، ويستميله بل يحفزه على قراءتها..كل ذلك بفضل جاذبية وسحر العنوان –ناهيك عن أسر دلالته للشاعر والمتلقي داخليا-أثناء النطق به. وكذلك عندما نعمد إلى سبر أغواره الدلالية نجد الآتي:
1- جعل الشاعر العنوان في شكل جملة اسمية مكونة من لفظتين تشكلان جملة تقريرية، اقتضت أن يشار إليها باعتبارها المعين الذي اقتضى الإشارة إليه باللفظ المخصص للإشارة(ذا)، والمسبوق (بهاء التنبيه)؛ حيث العنوان يصير(هذا موسم الورد) وكأن الشاعر يشير بالسبابة إلى المكان – وهو في عرس أعراسه-متعجبا، أو مخبرا بالتفاصيل؛ تفاصيل(موسم الورد) !!.
2- ما زاد العنوان جمالية وجاذبية أنه مكون من أصوات ذات مخارج متجانسة ومتقاربة فيها الشفوي: الميم والواو(مكرران)، واللثوي: اللام والراء. والأسناني اللثوي: السين والدال. وهي أصوات مجهورة، تخللها صوت من أحرف الصفير مهموس(السين)؛ أكسبها نغما غنيا بالإيحاءات. وهو يشي برحابة المكان، وبجماله، ويتعدد عناصره..دل العنوان على ذلك رغم عدم اختلاف مقاطعه الصوتية والفصل بينها بالصوامت..وفيه إشارة إلى ماسيكشف عنه الشاعر في المجموعة من عناصر الجمال، وهو الشاعر الخنذيذ .
3- وجريا وراء الدلالة/الدلالات لمكوني العنوان نعثر على الحصيلة التالية:
أولا: لفظة "موسم" وردت في العنوان نكرة لتجردها من (ال). وهي معرفة بالإضافة وتجمع على مواسم، ولها في اللغة دلالات هي:
أ- دلالتها على الأعياد الكبيرة.
ب- دلالتها على مجتمع الناس. وقد ارتبطت في هذا المعنى بالحج إلى مكة المكرمة..سميت موسما لكونها معلما يُجتَمع إليه.
ج- دلالتها على الزمن؛ زمن بعض الأعمال. كموسم عمل الحرير عند أهل لبنان، وموسم عمل الزيتون عند أهل تونس، وموسم عمل "المشمش" عند أهل مراكش..يقولون: موسم الحرير، موسم الزيتون، موسم المشمش، موسم الاصطياف، موسم التبوريدة، وهكذا...
د- دلالتها على بعض التجمعات التجارية والسياحية المرتبط انعقادها بجني محاصيل فلاحية معينة، ومايرافق ذلك من طقوس احتفالية وفلكلورية..أذكر تمثيلا لها: موسم حب الملوك بمدينة صفرو. موسم التمور بمدينة أرفود.وموسم الورود بقلعة مكونة...
وبالدلالة الأخيرة وظف الشاعر لفظة (موسم) في مجموعته الشعرية.
ثانيا: لفظة "الورد" أوردها الشاعر في العنوان معرفة بـ(أل)..ارتبطت دلالتها بما واحدته "وردة"، الصيغة الوحيدة التي وردت في القرآن الكريم (فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان) . إن رخمت قلنا "ياورد" وتجمع على "ورد" و "ورود" . وهو "نبات شائك من فصيلة الورديات كثير الانتشار في المناطق المعتدلة من نصف الكرة الأرضية الشمالي: توصل بفضل العناية به إلى إنتاجه على أشكال وبألوان مختلفة وبروائح عطرة متنوعة يستعمل في العطارة وصناعة الحلوى.. .كما يستعمل ماء الورد لعيون براقة.. وبه مدح المتنبي في قصيدته "إنك ماء الورد" .
4-وبالجمع بين الدلالتين يتضح أن الشاعر قصد بعنوان مجموعته الشعرية "موسم الورد" دلالته على الحدث الذي تعرفه منطقة "قلعة مكونة" بالجنوب المغربي في شهر ماي من كل سنة، والذي ارتبط بجني محصول الورد المنتوج الفلاحي الأساسي للمنطقة، والقائم على قواعد تجارية،وسياحية، واجتماعية، ارتبطت بطقوس فنية، وجمالية إنسانية، تغري زوارا كثيرين كي ينشدوا المتعة من هذه الطقوس التي تجد صداها في نص المجموعة؛ قصيدة "موسم الورد"
5- وهذه سياحة في عرصات هذا الفن الرفيع الذي أبدعته قريحة الشاعر الأصيل إسماعيل زويريق ومن على مشارف "موسم الورد".
قبل ذلك، أبدي موافقتي على العنوان لأسباب هي:
أولا: انسيابية النطق به على اللسان
ثانيا: قدرته على استيعاب مضامين نصوص المجموعة ككل
ثالثا: كونه أكثر إشراقا مقارنة بعناوين مجموعات شعرية للشاعر اتسمت بالسوداوية، والعزف على أوتار حزينة باكية مولولةنخلة الغرباء –طائر الأرق – عندما ترقص الجراح –شبابة الألم- أشجان الليل ...)
رابعا: العنوان يحفز على التلقي، ويثير شهية القراءة، ويذغذغ مشاعر القارئ، ويحرضه على التهام نصوص المجموعة،و...
6- وهنا أستأذن الشاعر في ولوج عالمه الإبداعي التر، والغاية استكناه مكامن الجمال في قصيدة "موسم الورد"، باعتبارها الباب المشرع على هذه التجربة المتميزة.
عن موقع هذه القصيدة من المجموعة نرى أنه جد متميز وموفق؛ فهي مسبوقة بإثني عشر نصا ومتبوعة بخمسة عشر. وهي على ذلك تتوسط المجموعة أو تكاد...
والبداية ستكون من الخلفية الفنية للقصيدة.
أجواء الغناء في موسم الورود الذي يعقد سنويا في شهر ماي من كل سنة منذ 1962 بقلعة مكونة صار تقليدا بأجوائه الاحتفالية، حيث انخرط الشاعر في أجوائها بتاريخ 27 مايو سنة 1989 بربابة استوحاها من نفسه وجوارحه وهو المفتون بالهزج يقول في قصيدة "وما عشقت سواك" :
سأهزج ماحييت وإن ......... وضعت النفس في رسن
هذا الإصرار من الشاعر على (الهزج/الغناء)، رافقته إيقاعات وأهازيج الموسم، لتشكل إحساسه بالبحر الشعري المناسب، الكفيل بعزف سمفونية الجمال اللامتناهي؛ جــمال على إيقاعات بحر الهزج:
(مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن). وقد دوره الشاعر في سطور توسطت فضاء الورقة. وكان في ذلك محقا..فالموسم لايكون إلا مجتمعا..والورد يكون أبهى بالجمع!. ولنقترب أكثر من النص الشعري "موسم الورد" ففيه مايعجب ويطرب .
استهل الشاعر هذا النص بالندائين (أيا) تمجيدا للمكان "قلعة مكونة". وإشعارا بالوصف لما ارتسم في ذهنه من ذكريات، وما ارتسم في وجدانه من حرارة الشوق. ثم الرحلة الطويلة وماسببته له من معاناة حارقة تولدت عن العجز:
فجئت اليوم محمـولا على أجنـحــة الوجـد
فمن سهل إلى سهل، ومن نجد إلى نـجــــد
ولو كان بوسعي أن أجاري الريح في كـدي
لصاولت السوافي؛ أو أنال اليوم من قصدي
وليس عجبا بعد هذا أن يلتبس الأمر على شاعرنا العاشق المشتاق، فتلبسه الحيرة ويتملكه جمال المنظر. وتتملكه لغة الألوان التي يتقن قراءتها..والأداة صور غنية بالشعور والعاطفة والفناء في جمال الطبيعة الأخاد..وبحس رومانسي، وأدوات كلاسيكية، ترجم الشاعر افتتانه بالطبيعة إلى مايشبه الفناء فيها فكان لها مشخصا ومؤنسنا:
فهذا الأبيض الساهي كسيف سلَّ من غــــمــد
وهذا الأصفر الـولهان كالمعشوق في هــــنـــــد
وهذا الأحمر اللاهـي بـــــدا يرتـــــج كالــنهـــد
كأن الشفـق المخضوب ألقى نـــوره الـــوردي
فخلى الأرض في شكل لأسمي سحرها تبدي
إنها بصمة الشعراء الكبار في الشعر والغرض:الوصف)..فهذا الأبيض في غفلة! وذلك الأصفر ذهب عقله وتحير من شدة الوجد! والآخر الأحمر يلعب بالنط المتكرر!..أما الشفق فكان مرآة للمكان الذي عمه الورد فكان بلغة الألوان:شفق وردي!.
ومن يحاول أن يعمق النظر في شعر إسماعيل زويريق يلاحظ أن الشاعر تستهويه الحركة..وهو هنا يصورها تصويرا دقيقا، ويصفها وصفا أنيقا. من خلال تصويره ووصفه لرقصة محلية إنها رقصة (الفراشة) تؤديها "فرقة قلعة مكونة" على البساط المعد للرقص..
ألا ما أخصب شاعرية إسماعيل زويريق!..ألا ما أجمل شعره في الوصف!..
لنسمع إليه الآن وقد ضبط آلته التعبيرية، وصوب بؤرتها نحو ما اشتمل عليه المشهد من عناصر ثابتة، وأخرى متحركة..
لنستمع إليه صبا مكلوما لا ينسى وإن سئل فالجواب هو لسان الحال: فهل ينسى وقد غصَّ مكان الرقص بالوفد
رشيقات على الإيقاع يرقصـن على وهـــد
فراشات لبسن الأسود الزاهي من البــــرد
تفككن صفوفا كالظبا خافت من الأســـــد
تباعدن على قـــرب. تقـــاربــن على بعـــد
فمن مد إلى جـزر. ومن جــــزر إلى مــــد
تجمعــن بلا وصـــل. تــفـــرقـــن بلا صــد
وبلطف الإشارة، ووفق طقوس موسم الورد، وصف الشاعر عادة انتخاب (ملكة جمال موسم الورد) بأدوات تممت للورد موسمه حقا!!.
أجمل بإسماعيل يتفنن في لطف النداء، وشرف الاستفهام، وحسن تنويع الضمائر، وجمال التقسيم، والمطابقة، وسلامة التعجب، وسلاسة الانتقال من الخاص(قلعة مكونة) إلى العام(المغرب) موطن الجمال والعشق:
أيا (مليكــــة) الــورد: أأهــــدي الـــــورد للــــورد
أأهدي لك ماعنـدي وقد أسـرفــــت فــي وأدي
سباني وجهك الزاهي. وفي الحسناء مايردي!!
فلا القرب أستــحـــلي ولا البعــــد أسـتــــجــــدي
يسلِّي القلــب أنــي في ربــوع المغـــرب الفــــرد
أرى كل صبـاياه مليـكـــــــــات علـى الـــــــــــورد
يبيـــــــت الصــــب منهــــــن مبـيــت الــواله العبد
أجمل به من شاعر امتلك أذنا موسيقية متمرسة بالشعر العربي القديم من حيث الإيقاع ودلالاته..أجمل به من شاعر يستعمل لقصيدة المجموعة رويا هو الدال المهملة، المكسورة، المشبعة بياء ضمن قافية مطلقة..معبرا بكل ذلك عن أصوات إيقاعية شبيهة بتلك الإيقاعات المرافقة لرقصة (الفراشة)..وذلك تعبيرا عن انكسار الذات، وعجزها، ومعاناتها.وتعبيرا عن انبهارها أمام مايؤثت المكان من عناصر الجمال، وما اشتمل عليه من حركة وإيقاع، وطقوس مصاحبة!!.
-IV الخصائص الفنية للمجموعة الشعرية "موسم الورد" :
من رصد مايصدر عنه الشاعر إسماعيل زويريق من تقاليد فنية وجمالية للشعر يُقرر -دون تهيب- إنها التراثية الشعرية الضاربة في جذورها إلى ماقبل حركة البعث والإحياء: وأساتذته يغطون رقعة الوطن العربي الكبير وهم:
من لبنان: أحمد فارس الشدياق وناصيف اليازجي وشعراء جبل عامل. وفي سوريا: خليل مردم وشفيق جبري وعمر أبو ريشة وبدوي الجيل ومحمد سليم الزركلي وعدنان مردم وعبد الرحيم الحصني. وفي مصر: البارودي وشوقي وحافظ وعزيز أباظة وعلي الجندي ومحمود غنيم ومحمود عماد. وفي العراق: جميل صدقي الزهاوي وأحمد الصافي النجفي وحسن العذاري وصالح الحي والرصافي والجواهري. وفي السودان: محمد سعيد العباس وعبد الله البنا. وفي السعودية: محمد على السوسي وعبد الله بن ادريس وحسن عواد. وفي الأردن: حسن فريز. وفي فلسطين: سعيد العيسي. وفي تونس: مصطفى خريف وعبد الرزاق كرباكة ومحمود بورقيبة. وفي الكويت: خالد محمد الفرج وصقر الشيب. وفي الجزائر: أحمد سحنون وفي المغرب محمد بن ابراهيم وعلال الفاسي وعبد الله كنون ومحمد المختار السوسي وعبد المالك البلغيثي وعبد المجيد بنجلون وعبد الكريم بن ثابت ومحمد الحلوي...
ومن مؤشرات نصية في هذه المجموعة الشعرية وقفت على ما يؤكد تأثر الشاعر إسماعيل زويريق بالشعراء: محمد بن ابراهيم (شاعر الحمراء) وأبي ماضي. وأبي القاسم الشابي.. ومن خارج المجموعة، وبالضبط في مؤلف الشاعر(نفض الغبار) وقفت على إقرار الشاعر اسماعيل زويريق بأستاذية الشاعر المراكشي أبي بكر الجرموني له. والشعراء : الشابي، والمتنبي، ونزار، والمعري، وشوقي . كما اعترف بعلاقة وطيدة ربطته بشعراء منهم: جبران، وبشارة الخوري، ومطران، وشعراء الرابطة القلمية .
ومما أؤكد عليه كثيرا –أن الشاعر في هذه المجموعة الشعرية يمكن أن يكون مستفيدا من هؤلاء- رغم اختلاف مدارسهم الشعرية وتموقع بعضهم في مواقع محددة ضمن مسار الشعر العربي قديمه وحديثه .
لكن في الواقع أن أساتذة الشاعر- خاصة في هذه المجموعة الشعرية- لا يمكن اختزالهم في شاعر أو في شاعرين اثنين تتباين اتجاههم وتوجهاتهم بل هم كل تلك الكوكبة الناصعة في سماء الشعر العربي عامة..لكون شاعرنا يشاركهم نفس الأصول في الكتابة الشعرية الإبداعية في مجموعته (موسم الورد).
وبناء عليه فالمجموعة "موسم الورد" وردت مجملة بخصوصيات شعر من أسلفت ذكرهم؛ لارتباطها ببعض المناسبات العامة والخاصة، والأخذ بالموضوعات الجليلة. والأحداث الإنسانية العظمى، والحكم المستخلصة من الحياة، وتوجيه الشعر وجهة تعليمية، أخلاقية، ودينية...كما نقلت دعوة الشاعر إلى التمسك بالعلم، والسلم، والدين، والتصدي لآفة المخدرات..وعبرت عن انطباعاته الشخصية حيال بعض مواضيع الواقع الذي عاش فيه..كما أبدت اهتمامه بحياته الخاصة من خلال تجربتين: الأولى مع الزوجة. والثانية مع الابن. ولم يقتصر على ذلك. فقد عاتب، وشكا، و...
وتجاوزا للمضامين نستعرض خصائص هذه التجربة في عناوين :
1- اللغة الشعرية :
عموما لغة الشاعر في "موسم الورد" جمعت –على مستوى الألفاظ- بين: البساطة والسهولة، والسلاسة، والدنو، والإشراق. في جانب. وبين: القوة، والمثانة، والجزالة. في جانب آخر..لذا استعمل الشاعر إسماعيل زويريق ألفاظه من المنحوت من معادن العربية الفصحى، وتلك المعجمية ذات النبرة الواضحة والجرس الموسيقي الموحي بمعناه.. ومعنى هذا: أن اللفظة عامة في "موسم الورد" إنما هي لفظة تراثية بامتياز.. تحترم قواعد الصرف والاشتقاق..وليست: لفظة نابية ولا كلمة "قلقة" على حد تعبير شوقي ضيف .
وقد وقفت في هذه المجموعة الشعرية وبالضبط في قصيدة (المعلم الإنسان) على احتفاء الشاعر بالجزالة في اللفظ كمقوم من مقومات جمالية الشعر..يقول مخاطبا شيطانه الشعري. وبتعبيره هو (الوحي):
روِّني من قريضـك الجـزِل إكرا مـًا لـــــهـذا (المعـلـــم الإنسـان)
ومن خصوصيات هذه التجربة في هذا المجال أن الشاعر يشرح بعض الكلمات ، مقدما بذلك خدمة للمتلقي مفسرا له ماغمض في بعض النصوص.. وتلك لعمري – أول إشارات معرفتنا يتذوق الشاعر لفنه. ومدى استيعابه لما يمكن أن يعرض للمتلقي غير المتمكن من التراث اللغوي من عقبات، فدللها له بالشرح والتوضيح.. وقد كان الشاعر موفقا كثيرا في اختيار الكلمات التي شرحها. وإن كنت أرى هناك كلمات كثيرة جديرة بالشرح قياسا مع مستوى بعض القراء أذكر منها: الإيوان(ص9)أتون(ص12) دونان(ص19) رند(ص43) وهد (ص44) عزيف (ص55) وجيف(ص55) البوهات(ص82)...
ومن وظائف اللفظة في "موسم الورد": التعبير، الإيقاع، الوشي، التنميق، والتكرار... وهي مع ذلك مرهونة بخدمة المعنى...وأعتقد أن الشاعر قد اجهد نفسه كي يجعل لغته فصيحة، وموافقة لمقتضى الحال ولكي يجعلها في مستوى الشرائح التي توجه إليها بالشعر..
ومما يلاحظ على المجموعة الشعرية ككل من الناحية اللغوية :
1- أنها –في بعض الأحيان- تنزع منزعا تقريريا شبه نثري(قم تبرع ياأخي)(ص22). (كل من في الوجود لاشيء عندي) (ص8).(كلنا في الكون إخوان) (ص15). (نحن في الإسلام إخوان) (ص19).
استعمل الشاعر كلمات غير عربية من مثل(تشرنوبل) (ص12). (دونان)(ص19). (بابا)(ص39).. وأخرى تعربت مثل (وتن)(32). (صنم) (ص45). وقد وضع –للدلالة على ذلك- بين مزدوجتين واحد منها فقط "بابا".
إن استعمال الشاعر لمثل هذه الكلمات يفصح عن حقيقة هامة جدا: هي عمق ثقافته، ومواكبته لكل ماهو إنساني، ف(تشرنوبل) هو اسم المدينة الأوكرانية، المعروفة بمحطتها النووية التي أدى انفجار أحد مفاعلاتها سنة 1986 إلى تلوث إشعاعي واسع المدى..في حين أن (دونان) فهو: دونان هنري المصلح الاجتماعي السويسري المؤسس لمنظمة الصليب الأحمر سنة 1963 والحائز على جائزة (نوبل) سنة 1901. أما كلمة "بابا" فقد وردت للدلالة على الأب في اللغة الفرنسية حسب ما أعلم! أما كلمة (صنم) فهي معربة من إحدى اللغات الفارسية أو الآرمية أو العبرانية كما نصت على ذلك كتب اللغة.
بقي أن أنبه إلى إحالة الثروة اللغوية للشاعر في هذه المجموعة على حقول الذات ببعديها الوجداني والفكري، والطبيعة بمدلوليها الصائتة والصامتة، وكذا حقول: الدين، والتربية، والإبداع الشعري و...
وبناء عليه فإن ألفاظ المجموعة وإن اعتراها شيء من أخطاء الطبع فإنها عموما بعيدة عن التقعر، والوعورة.بل هي فوق ذلك؛ لغة سيالة، تحمل معناها المباشر بذاته..ولاعجب فقد جاءت من شاعر امتهن التربية والتعليم والإرشاد التربوي حيث الخطأ اللغوي مرفوض!.
2 - التراكيب :
أما على مستوى التراكيب في هذه المجموعة الشعرية، فإن الشاعر قد أحكم ترابط أجزائها بقواعد اللغة العربية. ونوعها انسجاما مع خصوصية التجربة. وما تدعو له حالة الشاعر النفسية..ولو قمنا بعملية إحصائية لتراكيب هذه المجموعة – وقد قمت بما يشبه ذلك – لوجدنا تجاذبات بين الخبري والإنشائي..إلا أن ما ارتاح له هو أن الشاعر إسماعيل زويريق طبع تراكيبه في هذه المجموعة أكثر بما عبر عن حالته النفسية القلقة الحزينة الطافحة بالأسى. وسوف أتوقف عند الأساليب المهيمنة بقليل من التحليل :
أولا : الأمر
أول كلمة في هذه المجموعة وردت بصيغة الأمر تعلقت بفعل "المعانقة"(عانقي ياجراح) طالب بها الشاعر الجروح – الشاعر قال الجراح وهي صحيحة في الشعر فقط – وقد تكرر التركيب أربع مرات في سياقات تحول معها الأمر إلى طلب: إذ لا استعلاء على الجروح...
اتخذ الشكل الذي استعمل به الشاعر الأمر في هذه المجموعة الشعرية تركيبين: بناء استعمل فيه الأفعال.وبناء استعمل فيه الحروف.
1- الأفعال:
بنى الشاعر هذا التركيب في صورتين: أفعال صريحة. وفعل محذوف من التركيب ناب عنه مصدره من لفظه.
أ- الأفعال الصريحة:
كلها أوردها الشاعر في صيغة الأمر. استعملها مع المخاطب، فكان الأمر بها مباشرا من الآمر/ الشاعر إلى المأمور الذي اتخذ عدة صور في المجموعة ككل..
وهذه تجليات هذه الصيغة في المجموعة الشعرية "موسم الورد" للشاعر إسماعيل زويريق:
فقد خاطب الشاعر ابنه بها، دعاه إلى عدم الاكتراث بمصاعب الحياة مادام يواجه صروفها:
فعش الدهـر يابني هنيئــا إنني عنك أستلذُّ العــذابا
وبها تحول الشاعر إلى مأمور دعاه قلبه إلى معانقة الحياة بالمشاعر دون استسلام أمام العوائق حينما قال له :
عشْ في حياتك للحياة كما .......... تهوى، فلايثنيك منعطف
إن الوحي الذي منحه الشاعر للحياة الإنسانية وجسمه كان له نصيب أيضا من هذه الصيغة، حيث خاطبه :
غنني صوتا، واستــــرقَّ شعــورا ........... يجتلى مافي صدري النشوانِ
روني من قريضك الجزل إكرا ............. مــاً لهـذا المعـــلـــم الإنســــانِ
ولم يكن المأمور المخاطب عير "أخ" للشاعر يأمره أن يقوم ويتبرع بالدم لمن هم في حاجة إليه :
قم تبـرع ياأخــي بالــدم إنا........... نحــن في البأساء إخوان صفــاءِ
كما أراده أن يكون سخيا بالدم، متيرعا، لذلك ألح عليه بالأمر فعلا صريحا "كن":
كن سخــيـا، أي قـربى بينـنا إن ........ لم نعـــش عيشـــة وُدٍّ وسخـــاء
كن سخيا، حسبك اليوم ترى نفـ .......... ـسك في الغير دماءً في دماءِ
وبعد هذا يكون المأمور المتوجه إليه بالخطاب، هو الشادي..يتوجه إليه الشاعر بأمرين مختلفين توسطهما نداء فاجع..دعاه الشاعر ليترفق به –(ثلاث مرات) ودعاه ليرحمه في سياقين مختلفين في نفس القصيدة :
فترفق أيها الشادي بروحي ........... وارحم القلب فأنتَ اليومَ خذني
**********
فترفق أيها الشادي ترفقْ ................. إنني لاأستسيغ الشدو إني..
وها هو ذا الشاعر يلتمس ممن هجر الإقرار بحقيقة بدهية يكاد الأمر والطلب يتساويان فيها:
إنـنــي بـــــــــــشـــــرٌ ........... فـــارحـم البـشـــــرا
**********
أيـهـــــــــا اللائـمـي ............. مـــــدد الـنــــظــرا
وأقــل في الهـوى ............. عاشـقــــــا عـثــــــرا
لكن حينما يكون المخاطب بالأمر هو القلب، فإن الشاعر يكون معه صاحب نصح وموعظة كأنه ابنه أو ابنته أو..فيدعوه إلى النسيان:
فانس الذي رمت، في النسيان موعظة ........ لمـن ألم بـه ما أنـت ناكره
وعندما يتعاظم خطب القلب على الشاعر.. وعندما لايجد الشاعر مهربا من ذلك، يتبرم، ويدعوه إلى تركه وحاله:
دعني وحالي، فإما الحال تسعفني ...... بما أتوق، وإمــــا ما أحـــــــاذرهُ
أما الدهر الذي تعاظم وتجاسر واستقوى على الشاعر بنوائبه فإن الشاعر خاطبه بلطف من تأذى وارتجى وشكا من قاهره :
كف يادهر فما قلبي صنمٌ ......... إنــه يادهـر من لحـم ودمْ
أما عندما لم يعد ينظر الشاعر إلى الحياة بغير اللون الرمادي، فإنه يجعل الدهر أمام خيار (ازرع الشوك بدربي أو سلم)..الخيار الذي سرعان ما انقشعت ألوانه الداكنة، لتبدو تلك النبرة التفاؤلية، النادرة في شعر الشاعر إسماعيل زويريق، بدت عنده وهو يقارن بين رجلين: أحدهما أحمق، والثاني احتنكه الدهر. فكان الأمر في سياق المواساة :
هون عليك عسى ياتي الصباح بما ............عن أتيه بات هذا الليل يعتـذرُ
هون عليــك فمـــا الأيــام واحـدةٌ ........... فرُبَّ يوم بـــه الآمـــال تزدهــر
وما وجدت الشاعر إسماعيل زويريق ألحت عليه صيغة الأمر مثلما هو في قصيدة "رفيقة العمر"..ولعله بذلك يريد أن يسترجع توازنا نفسيا، واجتماعيا،وعاطفيا، افتقده بالنشوز..وهي ظاهرة معروفة شائعة خاصة: تغادر المرأة بيت الزوجية إلى بيت أبيها، لإحساس بالضجر، وربما لاسترجاع حق من حقوقها داسه الزوج!..وعندما يسقط الشاعر إسماعيل زويريق في نفس الشرك وهو الشاعر، المرهف الحس، الزوج، الوفي للزوجة..عندما يسقط في الشرك..يلجأ إلى استرجاع الذكريات، وقراءة الواقع. يتأذى..فيشهر ورقة(ارجعي)و(أعيدي) فهي التعبير الصادق عما به تعود إليه نضارة الحياة :
ارجعي لي طليقة الخطوات .............. ارجعي لاتؤججـي حسـراتي
**********
ارجعي فالبيت الذي كان قصرا........... أصبح اليوم بائس الجنبات
**********
ارجعي يارفيقــــة العمـــر إنـي .......... لم أزل رغم ماجرى في ثباتي
فارجعي للعش الدفيء فلا خـــــــيــــــــــ ـر لنـا فــي تفـــرق وشــتـــات
وأعيدي، إن عدت مافيه كنـا ......... من ســــرور وفرحـــــة وحيـــــاة
لما اكتوى الشاعر بنيران الدهر الملتهبة، ولما وجد ضالته في المعاناة يستلذ بها..ولما لم يعد يفرق بين الأبيض: السعادة/الحياة. والأسود: الشقاء/العدم..حينذاك دخل الطبيعة –حرم الرومانسي الأكبر- فأنسن عناصرها. وتوجه لبعضها بالأمر الداعي للفعل والحركة في الخارج وفي الداخل..فعل ذلك مع الرياح :
يارياح الرزء هبي إن تــشــــا ئي فما ظهري من الرزء انقصــــمْ
وفعل ذلك مع الطائر:
ايها الطائر لاتشطط فمـا أبـ ـقت يد الدهر كفى القلب، فدعني
ومن تجليات هذا التركيب في "موسم الورد" أن الشاعر إسماعيل زويريق قد وظف صيغة للأمر يكون المتلقي فيها مفترضا: فهو يأمره أن ينظر إلى العالم ويسائله عما يعرف له جوابا :
فانظر العالم هل نام على الفرْ........... حة مذهَــزَّ على السلم اللـواء
بل دعاه إلى أن يصدع بالحقيقة التي بدت للشاعر عيانا واعتقادا قائلا له :
أنــذر الكــونَ بالزوال إذا مــا ......... كفــر الخلــق بالإلــه وشكَّــا
ومما تجدر الإشارة إليه أن الشاعر قد تعامل مع صيغة الأمر بطريقة أخرى؛ المأمور فيها مخاطب في صيغة الجمع..وهذه تجليات هذه الصيغة في المجموعة الشعرية:
لما تعلق الامر بتعاظم خطر الطاقة النووية على الإنسان رفع الشاعر صوته في وجه من يهمه الأمر فخاطب دولا تتلاعب بمصير الإنسان، مشددا على ما لهذه الأداة المخربة للعالم من خطر؛ ذلك الخطر الداهم..فكان الشاعر حينذاك الآمر الذي لايعصى له أمر لقوة حجته فيما دعا إليه:
فارحموا الناسَ جميعا، إرحموا من .............في الثرى يرحمكم من في السماء
وخوفا من أن تتأخر الإغاثة، وتأكيدا على أن المبادرة الأولى ستكون من الشاعر بالكرم الحاتمي في سبيل البقاء الإنساني نجده مطالبا :
إن تكن قطرة دمِّ تنقـــذ اليـــــو .......... م حيـــاةً،فخـذوا كـلَّ دمـــــــائي
اسفحوا مافي عروقي، قد كفاني .......... أن يكون اليوم في لناس بقـائي
إنه الإيثار الذي مابعده إيثار!!
ولما تعاظم خطر المخدرات رفع الشاعر الصوت في وجه من له القدرة على رد هذا الخطر الماحق. وذلك في عنوان القصيدة وفي ثناياها قائلا : (أوقفوا هذا السيل):
أوقفوا هذا السيـل إنا نــراه ................ يفتك اليـوم بالبسيـــطـة فـتكــا
أوقفوا السيل وارحمونا فــإنا ........... نبصر العيشَ من وبالـــه ضنـكــا
ياشباب الإسلام عودوا فإن الإفــــ.........ـــــك من ظن ب(الحنيفـة) إفكــا
ألا ما أسعد الإنسان بالعودة إلى الحنيفية السمحاء، فما غنمها إلا عظيم. تلهث وراءه الأرض بما رحبت، والنتيجة التي يضمنها الشاعر هي (السلام)!:
فعودوا، مانرى إلا سلاما ................ إذا مااستيقظ اليوم الضميرُ
وعندما اجتمع رجال التعليم تكريما للمعلم بمناسبة يوم المعلم جاءت التحية المناسبة محملة بعبق شذى الورد، والياسمين، والريحان، من شاعر "موسم الورد"و..:
فاقبلوها تحية، من شميم الـ .......... ـورد، والياسمين والريحـــــان
وعجيب أن يكون الشاعر إسماعيل زويريق شاعرا يحسن السرد والحوار ويتخلل السرد والحوار عنده الأمر في صيغة الجمع..ولا أجمل من ذلك قوله :
إن أقل:"هبـوا قيـاما ........... قد دعـا صوت الجهاد"
نظــروا شـزرا وقــــالـوا .... بالــــذي ليـس مـرادي
إن اقــل : موتوا إذن فاالـــــمـوت أولى بالجمــــــاد
ل"موتوا إذن وأخيرا لم يبق للشاعر إلا مخاطبة الطيور الشادية فهي ملاذه الأخير يدعوها:
خبريني مامصير الذابلات الذاويه
**********
إنني لا أملك الرد فردي قاضـيه
هاتها من يدك الحرة كأسـاً ثانيه
ب- الفعل المحذوف ناب عنه مصدره من لفظه:
إنها الصورة الثانية للأمر في هذه المجموعة: حيث الفعل محذوف، وينوب عنه مصدره من لفظه..ومنها صورتان في المجموعة (موتا) ثم (صبرا) الأولى: نابت عن الفعل: مت. والثانية: نابت عن الفعل: اصبر. توجه الشاعر بالصيغة الأولى إلى الطائر يدعوه إلى ما ليست له القدرة على فعله، دعاه على سبيل الشكوى والعجز والاستغراق في الحزن:
فمــوتا طائري مافي حيــــاتك غير أحــــزان
وتوجه بالصيغة الثانية إلى نفسه؛ معللا، ومؤملا في تغيير الحال وما فيه ضمان حسن المآل:
ناديت-والنفس في التغيير طامعة .......... صبرا ففي الغيب ما ترجو وتنتظر
2- الحروف:
بنى الشاعر هذا التركيب من الأمر بطريقة إدخال لام الأمر على الفعل المضارع المجزوم.
يقول الشاعر مخاطبا(الهلال الأحمر):
فلتدم في هذه الأكوان نورا يملأ النفــــس ســـرورا وعـــــزاءَ
ويقول بضمير (نحن) هذه المرة داعيا إلى ما دعا إليه الواجب الوطني:
واجبٌ ذا وطنيٌّ قد دعانا فلنبـــادر، فلنبـــادر، في إباءِ
ثانيا : الاستفهام
باعتبار الاستفهام حركة بيانية تعبر عن واقع نفسي أو فكري.. وباعتباره يبعد التجربة الشعرية عن السرد والملل، والرتابة..وباعتباره يدخل الذات في مايشبه الحيرة واللبس..فإن المجموعة الشعرية قصد الدراسة "موسم الورد" لا تخل من توظيف الشاعر للاستفهام والتساؤل في نماذج نحسبها إما أنها تنزع منزعا تأمليا دون الوصول إلى مستوى التأمل العميق، وإما لنزوعها منزعا تساؤليا وهذا هو الغالب.
لذلك فإن الشاعر إسماعيل زويريق في هذه المجموعة الشعرية يجعلنا نفاجأ بالاستفهام والتساؤل يلح كثيرا على الذات لا باعتبارها تطلب العلم بحكم كان مجهولا، أو في عداد المجهول لديها – وبشتى مظاهر الاستفهام التركيبية – فقط وإنما محاولة للقفز على جروح الذات. وإشراك المتلقي في امتصاص صدماتها.. والأداة –دائما- الاستفهام.
وسوف أعطي الكلمة لأدوات الاستفهام لتصنيف هذا المكون المهم – الذي يلبس لباس البوح في هذه المجموعة -، لرغبتي في جعل القارئ يتذوق بعض أصول شعر اسماعيل زويريق وبما لايدع الملل يتسرب إليه.
لنتتبع تجربة هذا الشاعر المراكشي الكبير، ولنرصد هذا المكون من تجربته الإبداعية "موسم الورد".
لقد بنى الشاعر إسماعيل زويريق الاستفهام في هذه المجموعة بوحدات معجمية لها الصدارة –غالبا- في تراكيبه..بعضها حروف، وبعضها أسماء، من الحروف استعمل حرفين هما الهمزة وهل.. أما الأسماء فقد استعمل منها ما ستفصح عنه التشكيلات الاسمية.
1- الحرفـان :
الهمزة: بها استفهم الروض – بما يكاد يشبه العتاب- لما أحس أنه حر طليق في مطلع قصيدة "البلبل والروض" المدورة:
أحـرام أن أطيـر اليوم في مغنـاك حرا؟
أيها الروض: أما يقصم منك الأمر ظهرا؟
هــل: أما عندما فشت الأمراض الخطيرة..وقبل أن يعدد الشاعر مظاهرها في الواقع فإنه استفهم عن جدوى النذير يكون له فعل الواقي والوقاية من هذا الخطر وذلك في مطلع قصيدة "رأينا الدين". والأداة هل. يقول :
عثيا يزحف المرض الخطيرُ ........ قد استشرى، فهل يغني النذير؟
وبها سأل الدهر القاسي المتجبر، سأله الإنصاف لنفسه ولجميع من اكتوى بظلمه؛ وذلك في قصيدة "كف يادهر".
ظالم أنت فهــل تنصفــــني ............... تنصف الشاكين مما قد ظَلَمْ ؟
2- الأسماء :
منها :
أ- اسم دال على الكيفية(كيف) :
كيف لايصدع باللوم لســاني؟ .............. كيف لا أطلق في جهر ندائي ؟
**********
عصفت أنغامك الحرى بقلبي ........ كيف تشجيني، ومايشجيك حزني ؟
ب- اسم موصول مشترك(من) :
أتـــرى من قتلوا النــاس يعــدُّ ...... ونَ إلى اليــــوم أناسا عظمـــــــاء؟
**********
وبـاءٌ قـد تفشـــى في البـــرايا ......... وأنـذرَ بالفنــــا فمن المجـيــــــــــرُ؟
(ما):
عشت في كونك الرهيب غريبا .........غربة النفسِ ما أشــــدَّ وأنكـــــــا؟
**********
مامصير الكون إن أخطأ يوماً ............ أهوجُ في ضبطـه زرَّ قيــاد؟
ج- أسماء الزمان(متى) فقط :
مـــتــــــى أيـا دهـــــر مـتــــــى.........تحـــــنـــــو مـتـى تبتــســــــم؟
د- اسم يطلب به التعيين (أي):
أي لحن يبعث الآمال والفـــر ............. حة في قلبي المعنى أي لحن؟
**********
رحمـةُ اللـه يا بنـيَّ عليكــــا ............. أي عيـش يلـذــُّ بعـدُ لديكـــــــــا؟
هـ-اسم المكان (أين):
فــمـالـــــــه أيـن طبـــــــــــا ......... عُ الطيــــــر، أيــــن الشيـــــــــــــم؟
**********
أيـــقــــظ الهـمُّ ضمـيـــــري ............. أيـنـــــهــــا تلك المبــــــادي؟
ومما تجدر الإشارة إليه أن الشاعر قد قرن اسم الاستفهام بحرف الجر المناسب في تعلقه بالفعل وفق ما نصت عليه قواعد الاستفهام. وذلك في مواطن منها:
(لم):
لم عاد الوجودُ يابني جميــلا؟.............. بعد أن كان في حياتي سرابا!
**********
لم كانت - رفيقة العمر- منك النـــــــــــزوة الحمقا بعد تلك الحيــاة ؟
(فيم) :
بيني وبينـــــــــه ألــــــــف واصبةٍ ............ ضـدان نحـن، ففيم نختلف؟
ولو عدنا إلى هذه النماذج تدقيقا لمعاني الاستفهام فيها لوجدنا لها معاني قصد إليها الشاعر وهي: التحسر. التعجب. التعظيم. الشكوى.التبرم. اليأس. التعجيز. اللوم. والعتاب...
ثالثا : النداء
كثف الشاعر هذا المكون في "موسم الورد"، تعبيرا عن حالات نفسية وفكرية بدلالته اللغوية (طلب الإقبال بحرف نائب مناب أدعو). ووظف لذلك أدوات ينادى بها كل منادى قريب أو بعيد (يا، أيا، أيها، يا أيها..)
1-"يا" باعتبارها لغويا أعم أدوات النداء استعمالا لكل منادى نكرة أو مضاف.. فقد وجد فيها الشاعر ضالته في التعبير عما تتوق إليه الذات من احتماء واستنجاد بما هو خارج أو داخل الـذات، وجدانيـا (يا قلب – ثـلاث مرات- صفحـات(66 -75 -51). يا قـلبي (ص67). يا عمري (ص77)..يا نفس(ص80).. وأحاسيس كئيبة –ياجراح(ص4). يارياح الرزء (ص47). يا دنيا المآسي(ص72..) وقناعات فكرية عقدية:
أ- الدين: يا شباب الإسلام (ص26) ياوحي (ص7).
ب: القومية: ياعرب (ص18)، ياقوم-مرتان-(الصفحتان 80-81)، ياقومي (ص80)، ياقوم السداد(ص62).
ج- الوطنية: يا وطني –أربع مرات- (الصفحات33،32،32،31)، يابلادي (ص61).
كما احتمى الشاعر واستنجد بأقرب العلاقات بواسطة النداء:
- بالزوجية: يارفيقة عمري(ص39)، يارفيقة العمر(ص40).
- بالبنوة: يابني – ثلاث مرات-(صفحات 36،35،25) ياولدي(ص35)
- بالأخوة: يا أخي-ست مرات-(صفحات: 66،23،22،22،22،18)
- بالصحبة والصداقة: يا صاحبي (مرتين) (الصفحة66)، يا أصدقائي (ص22)
صاح(مرتين) (الصفحتان 67،77).
وحتى من مالت نحيزته إلى اللوم فإن الشاعر احتمى واستنجد به (يالائمي (ص73).
كثف الشاعر كل ذلك ليخلص الذات مما هي فيه من المعاناة. وذلك بالتجائها إلى محيطها الخارجي الطبيعي – أليست الطبيعة كعبة الرومانسيين ومحجتهم؟!:-طبيعة حية ليس فيها غير الطائر/(ياطائري (ص55)..وميتة تعددت هلالا، وسرحة، وروضا (ياهلال (الصفحتان 16 – 19)، ياسرحة (ص82)، ياروضي (مرتين)(ص41).
وإن استعصى الأمر فليس أمام الشاعر إلا أن ينادي قوة أخرى، لها قوة الفعل ولكنها متماهية في الكون والحياة..لكنها قوة قريبة من مدارك الشاعر التراثية وإيمانه، ضمن ثنائية يقينية الدنيا والآخرة..فينادي الأقرب والمعيش: الدنيا(يا دنياي(ص36).
إن انهيار الذات في هذه المجموعة الشعرية يؤكده شرنقتها بشكل لافت نحو ما أسميه عزف "سمفونية الألم" عزفها الشاعر إسماعيل زويريق على خلفية تكرار أسلوب النداء (يادهر) بصيغ مختلفة (دهر -15مرة (الصفحات 45 -7مرات-46 – 7مرات - 49، الدهر (ص46)، دهري (ص49).).
ونحن نستبعد الخلفية الفلسفية لهذا المفهوم في خلد الشاعر إسماعيل زويريق ، ونرد هذا التكرار الملحوظ لهذا الأسلوب (يادهر) إلى انكسار الذات أمام مـا تعرفه الحياة؛ حياة الشاعر من صعوبات، ومشاكل ضمن فضاء الزمان، دلت على ذلك مؤشرات من أعمال الشاعر اللاحقة.
وقد وظف الشاعر هذه الأداة "يا" في التحسر (ياويحي(ص72)، ياويح نفسي(ص64) ياويحهم (ص49)..والتنبيه، والتوبيخ (ياجهولة (ص64). والزجر، والتعجب(ياصاح – مرتان الصفحتان (77-67). والتمني (ياليت ص 40). والتحسر (ياترى (ص49) ياضيع (ص54). والفرح، والتعظيم – تمجيدا للسوداوية – ياسعد من يبكيه شاعره (ص75).
2-"أيا" : باعتبارها أداة لنداء البعيد؛ وقد استعملها الشاعر:
أ- في نداء الزوجة لما غادرت البيت بعد حياة مستقرة وخصبة عاطفيا...دعاها إلى استرجاع الذكريات الجميلة:
حبَّذا تذكرين أيا أم أطفا......... لي الذي كان بيننا من صلات
ب- في نداء الدهر القاسي (أيادهر – أربع مرات – الصفحات 46 – 3مرات – 49) ثم (أيا دهري(ص49).
ج- في نداء قلعة مكونة، ونداء ملكتها – ندرك من النداء بهذه الأداة أن الشاعر قد كتب النص خارج فضاء قلعة مكونة – قائلا:
أيا قلـــعــة مكـــونا أيــا واســــطــــة العقـــــد
**********
أيا (مليكة) الـــورد أأهـــدي الـــورد للــورد
أيها : نادى بها الشاعر كل ما أحس بدنوه منه روحيا، وإنسانيا، وفكريا، وجماليا...
نادى بها الوحي(أيها الوحي(ص7))...كما نادى بها الإنسان: إنسانا (أيها الإنسان –مرتان-(ص11)) وشاديا(أيها الشادي:-ثلاث مرات- (الصفحتان 53 – 54)). ولائما: (أيها اللائمي (ص73))..ونادى بها الكون: (أيها الكون – ثلاث مرات- (الصفحتان 71 – 72))،أيها العالم (ص12) والطبيعة:
صائتة مرة واحدةأيها الطائر (ص54).
وصامتة مرة واحدة (أيها الروض – (ص41).
وإظهارا لعمق ثقافة الشاعر اللغوية؛ فإنه لما دخلت "يا" على الاسم المعرف، أتبعها "أيها"، وذلك وفق شرطها عند علماء اللغة في موضعين من المجموعة الشعرية:
1- في قصيدة (المعلم الإنسان):
أنت يا أيها المعلم من شر ....... فه الله بين إنس وجان 2- في قصيدة (كف يادهر)
بشــــر يا أيها الدهــر أنا .............. فارحم المهجة مما قد ألم
ومن صور النداء في هذه المجموعة الشعرية: حذف الأداة "يا" قبل المضاف في أنموذجين:
1- في قصيدة (إلى رفيقة العمر):
لم كانت –رفيقـة العمر- منك النـــــــــــــــزوة الحمـقا بعد تلك الحيـاة؟
وهو يريد (يارفيقة العمر)
2- في قصيدة (محاصرة):
فمـــوتا طائـري مــــــا فـي ............. حيـاتـــــك غيــــر أحــزان
وهو يريد(ياطائري)
من هذا التحليل المبسط لبعض الأساليب التي بنى بها الشاعر إسماعيل زويريق مكون النداء في "موسم الورد" أجمل الآن بعض النتائج:
1- إن الشاعر قد بنى أغلب أساليب النداء في "موسم الورد" من بداية الأبيات.
2- إن الشاعر وظف أسلوب النداء في خمس صور انسجاما مع قواعد اللغة. وذلك بالنسب الآتية باعتبار الأداة:
- (يا) 69 مرة. بنسبة 73.40 %
- (أيا)9 مرات. بنسبة 09.57%
- (أيها)12 مرة. بنسبة 12.76%
- (ياأيها)مرتان. بنسبة 2.12%
والنسب غنية عن التعليق فهي واضحة الدلالة جملة وتفصيلا.
3- إن الدلالة في جملة النداء محمولة على صلة الشاعر بالمنادى بعدا وقربا، وحسب ما تقتضيه الوظيفة، وبناء عليه فإن النداء عامة في "موسم الورد" أدى وظائف: التحسر، الاستغاثة، الشكوى، التعظيم، التعجب، الحيرة، والزجر، إضافة إلى الالتذاذ بالألم،، الخفاء، التحبيب، اليقين، والثبات على قيم الحب والأخلاق. وكذا التمني، الترحم والالتماس...
3- الموسيقى الشعرية :
1- الأوزان
استعمل الشاعر إسماعيل زويريق البحور الخليلية للبناء الخارجي في قصائد هذه المجموعة الشعرية.. وقد جاء توظيف الشاعر للبحور متناغما مع الهاجس الشعري، وكذا استجابة وجدانية لإيقاعات نفسية عميقة. وانسجاما مع الأذن الموسيقية العربية.
مجموع نصوص المجموعة (28) نصا. (26) منها بتوظيف السنن الخليلي. (17) منها بحور صافية: (7) نصوص ضمن أوزان تامة، هي الرمل (5) الكامل (1) الوافر(1)، و(9) أوزان مجزوءة، هي مجزوءات: الرمل(4)، الوافر (2)، الرجز(1)، الكامل(1)، الهزج (1). ونصا واحدا من مشطور المتدارك..(9) بحور مزدوجة التفعيلات، من وزنين هما الخفيف (6) والبسيط (3)...إضافة إلى تجربتين تفعيليتين أسلفت أن الشاعر بناهما بين جاذبية المعمار والإلغاز. فقد اعتمد في بنائهما على تفعيلة (فاعلاتن)...
يلاحظ من (الخريطة الإيقاعية) للمجموعة الشعرية :
1- ميل الشاعر إلى البحور الصافية تامة أو مجزوءة أو مشطورة بنسبة تجاوزت النصف وبالضبط 65.38 من نصوص المجموعة العمودية ككل.
2- إن البحور التي تستميل الشاعر أكثر من غيرها هي بهذا الترتيب باعتبار عدد النصوص: الخفيف(6)، الرمل تاما(5)، الرمل مجزوء(4)، ثم البسيط(3).
3- المواضيع الأثيرة عند الشاعر استدعت بحور : الرمل،الخفيف، الهزج..لذلك كانت أطول قصائد هذه المجموعة على البحور نفسها، أما أطول قصيدة على الإطلاق فهي قصيدة "إلى السلم دعونا" (57 بيتا) وهي على وزن "الرمل" يليها في الطول (36بيتا) قصيدتا "المعلم الإنسان" و"موسم الورد". الأولى على وزن الخفيف والثانية على بحر الهزج.
4- الشاعر يعزف على ربابتين مختلفتين تارة بأوزان مركبة، وتارة بأوزان غير مركبة تجنبا للرتابة ، وإظهارا لمقدرته على امتلاك ناصية الشعر من زاوية الإيقاع الذي أجده مناسبا للمضامين الشعرية في كل قصائد المجموعة!.
2- القافية والروي
التزم الشاعر القافية الموحدة باعتبارها هيكـلا ثابتا في القصيــدة
وحاملة لدلالة في قصائد المجموعة العمودية، ويلاحظ أنها قافية سلسة المخارج، ومألوفة، تعكسها مؤثرات داخلية: نفسية، وخارجية، وإيقاعية...كما تعكسها انطباعات الشاعر الخاصة.. ويمكن إرجاع بعضها إلى أسباب خارجية يستوحيها الشاعر من محيطه الخاص أو العام – نذكر هنا قافية قصيدة المجموعة "موسم الورد" (عقدي) التي صاغها الشاعر بناء على موافقتها للإيقاع المرافق لرقصة (الفراشة) وكذا انسجاما مع ماتتطلبه التجربة من قوافي وأرواء مناسبة.
إن نسبة 88.46 % من القوافي الستة والعشرين استعملت مطلقة، موصول بعضها بياء(11 مرة) أو بألف (5 مرات) أو بواو ( 4 مرات) أو موصولة بهاء ساكنة (هاء السكت) (3 مرات).. في حين أن نسبة 11.53 % استعملت مقيدة.. وفي ميل الشاعر إلى القوافي المطلقة تأكيد على تحرر الدلالة والصوت والفن عنده، وتجاوزا لما وسم به شعره من سوداوية، وتلك لعمري إحدى أهم خصوصيات هذه المجموعة من بين مجاميع الشاعر إسماعيل زويريق..
وقد تأكد لي من نصوص هذه المجموعة أن الشاعر تنقاد له القوافي.. وغالبا ما وجدته موفقا في اختيار أروائها التي تأتي تدعيما للدلالة والصوت: وهو في جل قصائده نجده يدعمها بالتصريع( )، خاصة منها العمودية استعمله لإثارة انتباه المستمع إلى القافية التي وقع عليها الاختيار وليس لغايات فنية متطورة... ومما تأكد لي – وقد خصصت له حيزا من هذه الدراسة- هو أن شاعرنا ليس من أولئك الذين يستخفون بهذا المقوم في القصيدة، ولا هو من أولئك الذين يبيتون بأبواب القوافي عندما تستعصي عليهم..ولا هو من أولئك الذين هجروها أصلا فغابت مسحة الشعر في ما ادعوا أنه "شعر"..ولم أر أن قافية من قوافيه جاءت "نافرة قلقة" على حد تعبير ابن خلدون . خاصة في هذه المجموعة .
وهذه سياحة في قوافي وأرواء هذه المجموعة الشعرية :
1- أوشك الشاعر أن يستوفي أنواع القافية الخمسة استعمل منها المترادفة بنسبة 7.69 % في قصيدتي "الخريف" و"في باحة الكلمات" . والمتواترة بنسبة 57.69 % ومن قصائد هذا النوع "إلى السلم دعونا"، " موسم الورد". والمتداركة بنسبة 11.53 في قصائد "كف يادهر"، "نبيذ القافية"، "القلب يعشق ما يمليه ناظره". والمتراكبة بنسبة 23.07 في قصائد منها "رحماك" و"عنود".
2- (26) قصيدة بناها الشاعر على أرواء مختلفة بلغت إثنـي عشـر
رويا وهي على الترتيب وبعدد المرات: الراء(6)، النون(5)، الدال المهملة(3)، الميم، الفاء، الهمزة(2)، الباء، التاء، الياء، الحاء، الكاف، اللام(1). وكلها أرواء حافظت للنصوص على جمالها الفني، وأبانت عن غنى الإيقاع، الذي أعطاه الشاعر لهذه القصائد حين عمد إلى تنويع أروائها.
3- الروي في ثلاث قصائد اقترن بهاء وراءه، وصلت به لتركيز "الغنة" الموسيقية حين الإنشاد. وهي التي أشرنا إليها بأنها حرف وصل.. استعملها الشاعر في قصائد:"نبيذ القافية"، "الأذان"، القلب يعشق ما يمليه ناظره"، وهي على التواليالصافيه، الثقيله، طائره) في مطالع القصائد المومأ إليها، وكأني بالشاعر يرقص الحروف رقصا حقيقيا في قافية قصيدة "موسم الورد" (عقد- عهد- وقد- مرد...).
4- للشاعر ميل شديد إلى استعمال حروف لثوية مجهورة ومائعة، استعملها تصويرا للصخب المنبعث مما يقلق الذات، أو يسعدها، أو يجعلها تنتشي أو تشي..والشاعر يؤثر بعض الأرواء إلى درجة أوشكت معها نسبة هذه الحروف أن تتجاوز 46.15 % نذكرها مصنفة وبهذا الترتيب العددي: الراء (6)، النون(5)، اللام(1)...وتقترب منها حروف أسنانية لثوية بنسبة 15.38% انفجارية؛ بعضها مجهور: الدال(3)، وحرف واحد مهموس هو : التاء...أما باقي الأرواء فتتقاسمها مخارج وصفات أخرى..وبهذا نخلص إلى أن الأرواء تم شحنها بالحروف المعبرة عن المعاناة. المعلنة عن نار جامحة أفصحت عنها نصوص المجموعة التي انصرفت معها الذات إلى التعبير عن جميل الأحاسيس وغائر ما في الوجدان!.
5- من الملاحظات المثيرة في هذا الصدد أن ما يناهز 73% من أرواء هذه المجموعة من الحروف المجهورة. وليس في ذلك مايدعو إلى الاستغراب فهي بعض صدى أهازيج موسم الورد..في نفس الشاعر أذكرها مرتبة بعدد وجودها في المجموعة الشعرية هكذا: الراء(6)، النون(5)، الدال(3)، الميم(2)، الباء، الياء واللام(مرة واحدة)..في حين أن ما نسبتـه 19.23% مهموسـا: الفـاء (2)، الحاء، الكاف، التاء (مرة واحدة).. وأن مانسبته 7.69 لا هو بالمجهور ولاهو بالمهموس: الهمزة(مرتان).
6- يفضل الشاعر حروفا مائعة بنسبة 57.69 % هي: الراء(6)، النون (5)، الميم(2)، الياء، اللام(1).. يليها في الأفضلية الأصوات الانفجارية بنسبة 30.76 % هي الدال(3)، الهمزة(2)، الكاف، الباء، التاء(مرة واحدة)..وأخيرا الحروف الرخوة بنسبة أقل 11.53 %وهي الفاء(2)، الحاء (مرة واحدة).
وهنا استوقف لأثير قضية فنية ذات أبعاد نقدية أمهد بها إلى تجلية أهم خصوصيات التجربة في "موسم الورد" والتي لها علاقة بالتراث الشعري العربي والآليات التي يشتغل عليها الشعراء الكبار ومنهم الشاعر إسماعيل زويريق...وهذه القضية هي ضعف الحاسة النقدية عند كثير من النقاد..وضعف مواهبهم أمام مايصدر عنه الشاعر من موهبة خلاقة ومبدعة؛ وجريهم وراء أفكار وتهيؤات وإسقاطات على بعض النصوص والمجاميع الشعرية الشيء الذي أضعف لدى الأجيال حاسة تذوق الإبداع الشعري..ربما لايتفق معي البعض على أن هذه وظيفة النقد..ولكن الذي أشدد عليه هو أنه في الشعر جمال متنوع، ومع ضمور الحاسة النقدية يضيع هذا الجمال...
V- جمالية الإبداع في "موسم الورد" :
والآن: إلى صرح الجمال وملمح التراثية والإبداع في ديوان "موسم الورد".
1- حسن الابتداء :
الشاعر إسماعيل زويريق في أكثر قصائد هذه المجموعة وجدته يولي البيت الأول عناية فائقة وذلك بإضفاء عذوبة على اللفظ، مع عنايته بحسن السبك وصحة المعنى، وغالبا ما اشتمل هذا البيت على إشارة لطيفة إلى المقصود..وغالبا ماعزز الشاعر هذا الاهتمام بالتصريع أو التكرار الصوتي واللفظي أو الاشتقاق والترديد...
ومما ابتدأ به القصيدة ودل على غرضه فيها وأجاد مطلع قصيدته "عذرت من صاول العنقاء"، يقول فيه:
ذَوَى على شفتي مارجَّع الوترُ وحطم اليأس ما يدعو له النظر
وكذلك مطلع قصيدة:"إلى رفيقة العمر"
ارجعي لي طليقة الخطــوات .......... ارجعــي لا تؤججي حسراتي
2- التجنيس :
نعثر عليه في مواطن عدة من المجموعة الشعرية..قوى به الشاعر الموازنة الصوتية للنصوص..ويلاحظ أن للشاعر ميلا إلى نوع خاص منه (الجناس المطابق)؛ يُبنى على الإتيان بلفظتين في البيت إحداهما مشتقة من الأخرى. ومن أمثلته في المجموعة نذكر قول الشاعر في قصيدة (أيها الإنسان):
يجتني العالم باسم العلــم مـوتا ترك الناس حصـــادا في حصاد
وقوله في قصيدة "المعلم الإنسان"
إن يك المجـد للبنـــاة كبيــرا..........فلبــــاني النفـــــوس لا الإيـــوانِ
3- الطبــــاق :
توشحت به جل قصائد المجموعة دون أن يلتزمه الشاعر التزاما بديعيا، لامسوغ له؛ وذلك حينما يأتي بالمعنى وضده.. لنستمع إلى هذا البيت كيف أنه يجمع شرف الطباق لأن الشاعر جاء فيه بالجهل والعلم، ولطف الاستعارة يقول في قصيدة "أيها الإنسان"
حبذا الجهلُ إذا كان لهذا الـ مـعلـم في نكبتنا بعضُ أياد
وقوله في قصيدة "المعلم الإنسان"
أنت يا أيهـا المعلمُ من شر.......فــــه الله بيــــن إنـــس وجــــان
4- المقـابلـة :
بناء هذا المكون الجمالي يقوم على تعدد الطباق في البيت الواحد: وهو قليل في قصائد المجموعة، ويلاحظ أن الشاعر عزز به التجنيس والتكرار اللفظي في النماذج التي وقفت عليها.
لنستمع إلى الشاعر وهو يساوي بين النقيضين: الصبح والدجى ثم العيش/الحياة والعدم في قصيدة "كف يا دهر"...ففي الشكوى نفثة مصدور كما يبدو:
قد تساوى الصبحُ عندي والدجى ....... وتساوى العيش عندي والعدمْ
وأيضا لنتأمل قلب الشاعر كيف تحول إلى معارض له في كل قصد أو طريق وقد رمى به إلى الحيرة والسكون.. يقول في قصيدة "عنود" والضمير الأول يعود على القلب:
يهوى فأكــــره، حين يكره أهـ ............... وى، حائــــــــرا في أمــــره أقفُ
ولنتأمل أكثر..ولنستسلم لهذه النهاية السعيدة، لعمر طويل لم يزد فيه الزمان الشاعر إلا الرضى بالحال والمآل. بالرغم من تناقضات شكلت إحساس الذات بما دلت عليه المقابلة في هذا البيت من قصيدة "القلب يعشق ما يمليه ناظره.."
فما أضعتـــه – والأيـــام جـــاريةٌ - .......... إن ضـــاع أوله، ما ضــاع آخـــره .
5- التقسيم (الترصيع)
ومن محاسن شعر الشاعر إسماعيل زويريق في (موسم الورد): حسن التقسيم. عمق به الشاعر المستوى الصوتي وأبرز به مدى عنايته بالدلالة.
ومن أمثلته التي اعتمدها الشاعر لإضفاء طابع الزينة على قصائده، وتأكيدا على حسن صنعته، وشرف كلامه، وتهذيب عباراته. نذكر هذا البيت الذي استقصى فيه الشاعر تفصيل ما ابتدأ به واستوفاه؛ حيث قسم العجز على نحو ما أجمله في صدر البيت:
أنتـم الأصفيـــاء في كل شيء ...........في النهــي، في العلـــوم، في الإحســـان
وكم أعجبني الشاعر إسماعيل زويريق وهو يستوفي جمله الأربع – فيما عده بعض البلاغيين من الترصيع- في البيت التالي:
البؤس قد زرعوا، والفقر قد حرثوا .......... والداء قد نشروا، واليأس قد نثروا
وقد شغل شاعرنا بالتفاعل التوازني الداخلي، والتفاعل بين الدلالة والصوت في قوله:
العين شاردة، والأذن ساهــــــرة ............. فكل جارحة أمست تجاهـــره ..!
ومراعاة لشرط التقسيم فإن الشاعر لم يأت به إلا مرة واحدة (وضحا)( ) في القصيدة .
6- السلب والإيجاب :
أن ينفي الشاعر الشيء ثم يثبته في بيت واحد فذاك ما فعله الشاعر إسماعيل زويريق مع السعادة والعشق. يقول الشاعر في قصيدته "أوقفوا هذا السيل".
إن رأيت السعـادة اليــوم فيها ......... فأنا لا أرى السعــــادة تلك...
ويقول في قصيدة "القلب يعشق مايمليه ناظره"
القلب لايعشق الأشياء غائبــة..... القلب يعشــقُ ما يمليه ناظـــره
7- رد العجز على الصدر :
وهو أن يبدأ الشاعر كلمة في البيت ثم يعيدها في عجزه. وله في الشعر خاصة محل خطير على حد تعبير صاحب كتاب الصناعتين . وقد استعمله الشاعر إسماعيل زويريق في صور جميلة، وذلك وفقا لما نص عليه البلاغيون. فإذا كان أفضل أنواعه أن يكون اللفظان متجانسين، أحدهما في آخر البيت، والآخر في صدر المصراع الأول. فهذا ما ذبجته قريحة الشاعر إسماعيل زويريق في هذه المجموعة الشعرية"موسم الورد".
قال الشاعر في قصيدة "كف يا دهر":
ظالم أنت فهل تنصفني .......... تنصف الشاكين مما قد ظلم
وقال في قصيدة "الشادي" رادا العجز على الصدر"
أي لحن يبعث الآمال والفر .... حة في قلبي المعنى، أي لحن؟
وقد استعمل الشاعر هذا المكون البلاغي التزييني على شاكلة اللفظين المكررين في قصيدة "كف يادهر"، يقول:
يا رياح الرزء هبي إن تشــــا ...... ئي، فما ظهري من الرزء انقصم
8- الموازنة :
وهي أن يأتي الشاعر في البيت بألفاظ متعادلة الأوزان متوالية الأجزاء. كقول الشاعر إسماعيل في قصيدته "محاصرة":
فإحـجــــامي بلا جـــدوى ......... وإقـــدامـــي بلا شـــــان
وهي موازنة صوتية ترصيعية –(وتقطيعية وزنية) – كما نلاحظ يمكن تشخيصها على الشكل التالي:
كلمة (إحجامي) مساوية عروضيا لكلمة (إقدامي) (مفاعلتن)
جملة (بلا جدوى) مساوية تقطيعها بجملة (بلاشان) (مفاعلتن)
فهناك كما يبدو نزوع شديد إلى الموافقة الكمية القائمة على الوزن والصوت. وهناك مخالفة على مستوى الصوامت.ناهيك عما دلت عليه الموازنة من طباق(إحجامي) ضد (إقدامي). والدلالة المكررة معنويا(بلا جدوى)/(بلا شان).
وبهذا المستوى الراقي من الموازنة ذبج الشاعر نماذج عديدة في قصائده – وكلها تنم على أننا فعلا في حرم شاعر كبير - ينهل من التراث فيشكل ماهو شبيه بالزمرد والماس..
يقول في قصيدة (القلب يعشق مايمليه ناظره..) موازنا:
شاطرته شجنا،شاطرتـــه ألمـــا هو المحـــبُّ، ولكن أنت آمــــره
وعلى نفس المنوال صار في قصيدة "عذرت من صاول العنقاء" غير أنه تجاوز توالي الأجزاء إلى الشطر الثاني يقول:
اصفر يانعها، واخضر منهلهـــا ............. واتلفت حملها الذؤبان والحمر
اصفر يانـعهـا (مستفعلن فاعلن)
واخضر منهلها (مستفعلن فاعلن)
وأتلفت حملهـا (مستفعلن فاعلن)
الذؤبان والحمر (مستفعلن فاعلن)
9- الإرصاد :
هو أن يبنى الشاعر البيت على قافية يهيئها في نفسه فإذا قرأ صدر البيت دل على قافيته.كقوله في قصيدة "إنما المجد جهاد" وهو في البيت الثالث:
ما الذي يغري فؤادي بالتـداني يا بـلادي
كل مافيـك رهــــيـــب قد دعـاني للحـداد
فريـــاءٌ فـــــــي ريــــــاء وكســــاد في كســـاد
وهو ما أبدعته قريحة الشاعر إسماعيل زويريق في قصيدة المجموعة "موسم الورد". وبشكل مسترسل ومتوال في أبيات متتابعة ومدورة :
تفكَّكن صفوفا كالظِّبا خافتْ من الأُسْدِ
تباعدن على قرب، تقاربن على بعـــــد
فمـن مد إلى جزر، ومن جزر إلى مـــد
تجمعن بلا وصـل، تفرقـــــــن بلا صــــدِّ
10- التكــرار :
وهو أبرز المظاهر الأسلوبية في هذه المجموعة الشعرية. وظفه الشاعر – على مايبدو- للغنائية، والشجو، والذهول، والترسيخ؛ إذ يبدو الشاعر معه، وكأنه ينقل أنغاما نفسية مترددة في نفسه. وهو حاضر في هذه المجموعة الشعرية من خلال ثلاث مستويات للتكرار :
أ- التكرار الصوتي :
من خلال – الصوائت القصيرة والطويلة – يراكمها الشاعر ويوزعها على أبيات، أو في النص بأحجام. وفي سياقات مختلفة. يلح على الشاعر في قصائده الحزينة السوداء. لنقرأ هذه الابيات، ولنلاحظ ما تكرر فيها من أصواتالدال، الراء ، الفاء ، القاف والمد...) من قصيدة "إنما المجد جهاد":
ما الذي يغري فؤادي بالتــــداني يـا بــــلادي
كل ما فـــيـك رهيـــب قد دعـانــــي للـحـــداد
فريــــاء فــــــي ريـــــــاء وكســـــاد فــــي كســــاد
وضعيــــف مــــــات غما أن عـدا ليـثِ العوادي
لم يذق حلـو مـــــذاق لم يــذق طعــــم رقــــاد
وفقيـر مـن فـــــــــقيـــــر جائـع البطــــن وصـــاد
قوميَ القـــربى يتـامى لم يـــروا غير غــير نكاد
شربوا الغلــــة صـــفـــوًا لبســـوا ثــــوب ســـــواد
أكلوا الجــوع ونامـــوا فــــوق أشـــواك القتـــاد
بئس نـوم جـــر موتــــًا بئس موت مــــن رقــــاد
ب- التكرار اللفظي :
وقفت عليه كثيرا في هذه المجموعة الشعرية متمظهرا في أشكال. وقفت عليها في صور منها:
- تكرار فعل الأمر للمخاطبة(الزوجة) في أول الصدر والعجز من البيت:
ارجعي لي طيلقة الخطوات ارجعي لا تؤججي حسراتي
- تكرار اسم معرف دال على الوجدان في حشو الصدر والعجز من البيت:
وإذا ماغمر الحب قلوبا ..... ملأ الحب مطاويها سناء
- تكرار الاسم الدال على الفناء (رماد) في آخر البيت:
هلك الكون شعاع مميت .... فإذا الكون رماد في رماد
- تكرار أداة الاستفهام (متى) ثلاث مرات في البيت:
متـــى أيا دهـــر، مــــتـــــى تحنــــو، متى تبــــتــــســـم؟
ج- تكرار الجملة :
من مظاهره في المجموعة:
-إن الشاعر كرر الشطر الأول (الصدر) في بيتين متتابعين:
كيــف يسلــوك مـــن ألــــف الـــخـــطـــرا!
كيـف يسلـــوك مـــن لــــم يطـــق سفـــــرا؟
- جملة (ماكان) كررها الشاعر(أفقيا) متتابعة وكررها(عموديا) في موقعين متناظرين ضمن بيتين مدورين:
فرحيق الكأس ما كان، وما كان الصريف
وتليـد الشيء ما كان، وما كان الطـريف،
عندما تعلق الأمر بالوطن خاطبه الشاعر بلغة (عشقتك) مرات في مستهل أبيات عمودية انتهت بها قصيدة "وما عشقت سواك وكررها في البيت الأخير أفقيا:
عشقتك زهـرة تلعــت يعطــر طيبهــا سكنــــي
عشقتك سرحة نشـرت ضفائرهـــا على جنـني
عشقتك بلبلا رقصـت علـــى أنغامـــه دمـــني
عشقتك روضــة أنفــــا تعشــق جوهـا بدنــــي
عشقت بك الحياة،وما عشقـت ســـواك ياوطني
مما سبق نستنتج أن التكرار في مستوياته الثلاث قد يكون متجاورا وقد يكون متباعدا في الأبيات...
11- آخر بيت :
وهو بلغة الشعر التراثية (حسن الختام) أو (المقطع). وسمي كذلك لأن الشاعر يقطع به الإنشاد. ومادام آخر ما يبقى في السمع فقد اهتم الشعراء بعذوبة ألفاظه، وحسن السبك فيه، وصحة معناه ، فإن اشتمل على ما يشعر بالانتهاء سمي براعة المقطع..وباستحضار هذه المقاييس وآخر أبيات القصائد في "موسم الورد" وجدت هناك بعض القصائد التي استحضر فيها الشاعر العمل بهذه المقاييس في آخر بيت من قصائده. وهي عندي :
1- أنهى الشاعر قصيدة "الإيثار" بهذا البيت (الجامع المانع) كما قال علماؤنا الأبرار:
واجب ذا وطنيٌّ قد دعــانا فلنبـــادر، فلنبادر في إباء
2- أنهى قصيدة "من أجلك ياولدي" هذه النهاية الرائعة قاطعا بها الإنشاد، ومنتقيا لها أعذب الألفاظ، رابطا بينها بأحسن ربط، لا يسع المتلقي بعد إنشاد البيت إلا أن يقول:" من أجلك يا ولدي"..والشاعر بهذا بارع..وأبرع منه بيت أبدعه، وختم به القصيدة، حق أن نتخير له من الصفات: براعة المقطع. يقول:
فعش الدهر يابنــي هنيئـــا إنني عنك استلذُّ العــذابا
3- وعلى الوثيرة نفسها أنهى قصيدة "وما عشقت سواك"
عشقت بكَ الحياة، ومــــا ...... عشقــتُ ســواك ياوطــنـــي
4- وما أظن القارئ إلا متفاعلا بحماسة شديدة، حينما يقطع الشاعر إنشاد قصيدة "إنما المجد جهاد" بهذا البيت الرائع:
إنمـا المجـــد جـــهــــاد........... في جـــهـــاد في جـــهـــادِ
12 – الكلام الجامع الحكمة)
مظهر أسلوبي آخر ازدان به محتوى المجموعة الشعرية "موسم الورد"..إذ قل أن تخلو منه قصيدة من قصائد المجموعة – "موسم الورد" – وهذه بعض كواكبه الدرية، أرسلها الشاعر خطرات سانحة، عرضت له في مناسبة من المناسبات احتذى فيها من سبقه من الشعراء – (المتنبي، اليازجي، البارودي، شوقي، والرصافي..) –وذلك بلغة خاصة بالشاعر اسماعيل زويريق.
يقول الشاعر إسماعيل في قصيدة "أيها الإنسان":
حكمة العلم إذا كنا جميعـا............... في رخـــاء ونعيـــم ورشـــاد
ويقول في قصيدة "كف يا دهر":
إن من يألف يا دهــر الربــى ........ليــس تغــريه أيا دهــر القمــــم
ويقول في قصيدة"عذرت من صاول العنقاء"
إن المعالي لاتأتي على خمرٍ........ ونحن تحت ستار الخوف ننتظر
13- الصورة الشعرية :
استوحى الشاعر صوره الشعرية في "موسم الورد" من التصوير الشعري التراثي، البياني القديم، وذلك باعتماده التشبيه الحسي المادي؛ حيث المشابهة تنبني على الحركة أو اللون أو الصوت .
كنت كالجدول المرقـرق تسري ......... نشوتي في ضفافه الصافيــــات
كنت كالزهـرة البديعــــة تنـــســا ......... ب المنى في أوراقها العطرات
كنت كالبلبل الصدوح بفجري........... يتغـــنــى بأعــذب الأغنـــــيـاتِ
كما بنى الشاعر هذه الصور على الاستعارة التي جمعت – في بعض الأحيان- بين الحسي والمجرد:
أبتاه إنا نعيــش مــــن البـــعـ ـد على نــار الشــوق منتظرات
ومما يلاحظ أن الشاعر إسماعيل زويريق في هذا الجانب يبدو متجاوزا – بقليل- للصورة القديمة عندما أنسن الطبيعة صامتة وصائتة، يقول:
دارتِ الريح ، فدارت من جفاها السانيـــه
وكما الأحصنة الجرحى طيوري الصاديه
رأت الناعـــورة الولهى ، فحطـت ظاميــــة
لكـــــن الريـــــح تـــأزت، فبكتـهـــا راثيــــه
وكذلك عندما أنسن بعض الأحاسيس:
في كفها تتمرد الآلام حينا بعد حينْ
14- التنـاص :
مؤشر هام على أن الشاعر يمتح من التراث في هذه المجموعة الشعرية..وما يؤطر ما وقفت عليه من نماذج لهذه الظاهرة في شعر الشاعر إسماعيل زويريق أنها تتقاطع مع بعض نصوص القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والشعر قديمه وحديثه.
أ- القرآن الكريم: كما في البيت :
عاثت بأرجائها العقبان مفسدةً......... ليست على تمرٍ تبقي ولا تذرُ
فهو مستوحى من قوله تعالى من سورة المدثر (آية 28) "لاتبقى ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر"
وفي البيت:
يا شباب الإسلام عودوا فإن الـ إفك من ظن بالحنيفة إفكا
في هذا البيت استحضر الشاعر حادثة الإفك الواردة في "سورة النور" من القرآن الكريم.
ب- الحديث: دون عناء ندرك مابين هذا البيت والحديث النبوي الشريف:" ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". يقول الشاعر:
فارحموا الناس جميعا، ارحموا من ......... في الثرى يرحمكم من في السماء
ج- الشعر القديم: بطرف خفي يلمح شاعرنا جمالية الشعر العربي فيخلق لها مساحات هامة في مجموعته الشعرية"موسم الورد". بدءا من استجلاء شعر كعب بن زهير في نفس الموقع من قصيدة له وعلى نفس الوزن (البسيط) والجملة الشعرية هي جملة "غضيض الطرف". يقول كعب بن زهير:
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا....... إلا أغن غضيض الطرف مكحُول
ويقول الشاعر اسماعيل:
ركبت من أجلك الأهوال ثائرة فما ثناني غضيض الطرف قاصره
د- الشعر الحديث: يقول الشاعر إسماعيل زويريق:
إن من يألف يا دهرُ الربى ....... ليس تغريه أيا دهـر القمـمْ
أليس هذا شبيه به قول الشاعر الشابي الذي وجد فيه الشاعر إسماعيل ما لم يجده في غيره كما قال .
ومن لا يحب صعود الجبال ...... يعش أبد الدهر بين الحفـر
إن أغلب ما نظرنا إليه على أنه من التناص هو في الحقيقة من قبيل ما قال به المتنبي (قد يقع الخاطر على الخاطر كما يقع الحافر على الحافر..).. ليس إلا.
15- النزعة القصصية :
المتأمل في المجموعة "موسم الورد" يجدها تشتمل على أساليب قصصية كتلك التي نلمحها في شعر القدماء كما في (قصيدة موسم الورد) فمن الوصف –وصف رقصة الفراشة- إلى السرد والحوار مثلما في قصيدة "إنما المجد جهاد":
إن أقـل:"هـبـوا قيـامــــا......... قد دعـا صـوت الجـهـــاد"
نظــروا شـــــــزرا وقالــــوا.....بالـذي لـيـس مـــــــرادي
إن أقل :"موتوا إذن فالـ ......... مـــوتُ أولـى بالـجـمــــادِ
ليس من يخـشــــى بحـيٍّ .... مـوتــــه عـيـــــن الـرشــــاد
خلق الكـون لـــــذي عقـ .......... ــل وذي قـلــــب جــواد"
ضحكـوا منـي وقالـوا: ......."صبـرنـــا خـيـر عـتــــــاد"
ليـس بالصبـر ينـال الـ .......... ـمـجـد ياقـوم الســــــدادِ
إن ولع الشاعر بالوصف والسرد ألقى به في مضمار البوح، وخاصة في قصيدته "الأذان".. أما قصيدته "عنود" فقد ضمنها الشاعر حوارا بينه وبين قلبه الذي ظل يعانده كلما عرج بالقصد والخطو على طريق!د
16- الضرورة الشعرية :
جرى الشاعر إسماعيل زويريق الضرورة الشعرية في "موسم الورد" وراء استيفاء نصوصه جملة من المقومات: الوزن، القافية، وانتقاء الألفاظ ذات الرنين الموسيقي، والجمال الفني، والخضوع لما تقتضيه قواعد اللغة من صرف ونحو...ولم يمنعه ذلك- في هذه المجموعة الشعرية- من كسر قيد أغله فالتجأ- كما هو شأن الشعراء- إلى الضرورة متجاوزا تلك القيود التي وقف حيالها أهل العروض والدارسين مابين موافق ومعارض لها.
وقد استعمل الشاعر إسماعيل زويريق الضرورة الشعرية في "موسم الورد" بكثرة ، نوردها مصنفة في نماذج :
1- قصر الممدود : نحو استعمال الشاعر الحمقا بدلا من (الحمقاء)، والفنا بدلا من (الفناء)، والضيا بدلا من (الضياء)؛ وذلك في الأبيات التالية مرتبة كما ذكرنا:
لمَ كانت –رفيقة العمر-منك النـ ............... ـزوة الحمقا بعد تلك الحياة
**********
وباء قد تفـــــــشـى فـي البـــرايــا ......... وأنـذر بالفـنا فمـن المجيـــــر؟
**********
لكـنـني بالرغـم لا وجـــــلا ................سأحـث خطـوي للضيـــا أزف
2- جعل همزة القطع وصل: مثل استعمال الشاعر أطفا بدلا من (اطفأ) وتشا بدلا من (تشأ). وذلك في قوله:
عانقي يا جراح هموم السواحي ................ فهي أطفا للآهبات الجماحِ
إن تشا اليوم تحيل الأرض جـنــا..........ت وأمنـا، وحيـــاة وغـــــــذاءِ
3- تخفيف الهمزة نحو: المبادي بدلا من (المبادئ) في قافية البيت:
وجهوا العلمَ إلى ما فيه خيرٌ ...................حصنـوه بالتفادي والمبادي
4- مد الصوت بالقافية للترنم بحرف علة (ألف) يناسب الفتحة. (وهذه الألف تسمى ألف الإطلاق). وهي في البيت:
أنذر الكونَ بالزوال إذا ما ...................... كفـر الخلق بالإلـه وشكّـَا
VI- قبــل الختـــام
شاعرنا الأجل:
سيدي إسماعيل زويريق (أبو عدنان)
لايسعني – الآن- إلا أن أثني على مجموعتك الشعرية (موسم الورد)، ثناء قارئ متذوق لما تبدعه قرائح الشعراء. وهو يبحث فيما يقرأ لهم عن الشعر!
صدقني كم مرة وجدت –فيما قرأت- الشاعر ولم أجد الشعر!
صدقني كم مرة أجهدت نفسي جريا وراء ما سماه زملائي (الشعراء) شعرا فلم أجد الشعر في (الشعر)..
صدقني..لقد أرقتني كثيرا أن لا أجد الشعر إلا وقد أصيب بخدوش وندوب وجروح...
صدقني.. أستطيع أن أقول: لقد وجدت الشعر هامدا في قرائح (الشعراء) وفي ما كتب (الشعراء) وما بحت بذلك إلا لك.
صدقني..فأنا أومن بعوالم الشعراء، وأومن بدينامية الشعر، وبإحيائية الشعر، وبتطور الشعر وبتجديد الشعر، وبالمجددين في الشعر...
صدقني..إنني – ومعي المنصفون- أقول: إننا لازلنا ننتظر من يحيي لنا الشعر في ذواتنا/ في ذواتهم..في دواخلنا/ في دواخلهم وفي آذاننا وفي أخيلتنا، وفي...
صدقني، إنه في عالمنا العربي اليوم الشعراءو (الشعراء).
صدقني، أنه في مغربنا اليوم الشعراء و (الشعراء)
صدقني أنه في مراكش اليوم الشعراء و (الشعراء).
إلى متى ونحن – أخي الشاعر- نجري وراء (الشعراء)؟؟.
والغاية –دائما- الشعر لا (الشعر)
صدقني أخي الشاعر الأجل:
سيدي إسماعيل زويريق (أبو عدنان)
صدقني أخي:
إنني أشيم في عالمك الشعري "موسم الورد" مايجعلني أتأكد أنك من الشعراء.
إن مجموعتك الشعرية " موسم الورد" – أخي الشاعر-، قد جعلتني متشرنقا في عالمك الشعري.. وفي كونك الشعري المصغر..، حيث أتاحت لي عينك الثالثة – كما عبر جبران – النظر إلى عمق محيطك، وضبط ترددات واهتزازات روحك ونفسك، والمرآة العاكسة لأمواجك هي القصيدة التراثية. فقصيدتك أخي، هي المحارة التي تصدح فيها إيقاعاتك الحزينة قوافي وأوزان..روضتها لأن تسكن المحار..فكان "موسم الورد"..وكنت أحد زوار هذا الموسم..وأقصى أمنيتي أن لا أكون ضيفا ثقيلا على "موسم الورد".
هديتي لمن وصلت به رحلة القراءة إلى هنا :