قطع الأرزاق يطيل الأعناق
د. فايز أبو شمالة
حين قرأت مقال الدكتور سفيان أبو زايدة عن قطع رواتب الموظفين، أدركت أن النار تحرق من اقترب منها، ومع أنني استشعرت حرارة الدفاع التي وردت في المقال، إلا أنني لم أصدق الرجل حين قال: على مدار مسيرة الثورة الفلسطينية ومسيرة حركة فتح لم يتم اللجوء الى هذا الإجراء، ولم يتم قطع رواتب حتى العملاء؛ لكي لا يترك ابناءهم في الشارع، وعلى سبيل المثال: لم يتم قطع راتب العميل عدنان ياسين، وما زالت عائلته حتى الان تتلقى راتبه!
إذا كان قطع رواتب العملاء لا ينسجم مع أخلاقيات حركة فتح، فلماذا تم قطع راتبي شخصياً، وأنا زميلك في السجن؟ ولماذا تم قطع رواتب ألاف الموظفين القاطنين في قطاع غزة قبل سبع سنوات، لمجرد الشبهة في انتمائهم لحركة حماس، وفصائل المقاومة؟
وحين قرأت مقال النائب ماجد أبو شمالة أيقنت أن حفرة الظلم التي فتحت أبوابها مع بداية الانقسام لا تغلق على باطل، وأن العدل هو محاسبة أولئك الذين تسببوا في قطع رواتب ألاف الموظفين قبل سبع سنوات.
أشارك الزميلين السجينين المحررين سفيان ابو زايدة وماجد أبو شمالة موقفهما السلبي من هذه القيادة التي تقطع رواتب الموظفين لمجرد خلاف الرأي، ودون سند قانوني، وأذكرهما بأن السلطة التي تقطع اليوم رواتب أبناء حركة فتح، هي نفسها التي قطعت من قبل ذلك رواتب المستقلين، وهي السلطة نفسها التي قطعت قبل سنين رواتب أبناء حركة حماس، فلماذا تأخر غضبكما سبعة أعوام؟ لماذا لم تثورا في ذلك اليوم الذي قطعت فيه رواتب ألاف الموظفين في قطاع غزة؟ لماذا صمتم عن قول كلمة حق عشية قطع رواتب من رافقكم حياة الأسر؟ ألم تعلموا بأن اليد التي تقطع شجرة، لا تتردد في حرق غابة؟ ألم تدركا أن الذي يأكل مال الحرام مرة لا يعاف الظلم مرات؟ ألم تعلما بأن الذي يسطو على جارته ليلاً هو مهيأ ليغتصب ابنته في وضح النهار؟ ألم تعرفا بأن طريق العهر التي حذر منها سمير المشهراوي واحدة، ومن سار على درب الفجور لن يرتدع إلا إذا ضربته صاعقة ماحقة؟
لقد أيقنت من زمن أن السلطة التي تعتقل المقاوم أيوب القواسمي بعد أن نجح في الاختفاء عن عين الصهاينة عشرة أعوام، هي السلطة نفسها التي وشت عنه، وتركته مكشوف الظهر لتتسلل إليه وحدة "دفدوفان" اليهودية، وتعتقله بعد أيام من إطلاق سراحة.
لقد أيقنت أن الذي يصمت على مقتل الأسير المحرر معتز وشحة، تحت سمع وبصر وغطاء الأجهزة الأمنية يكون قد داس على الثوابت الوطنية، وأن من راح يرجم شهداء الثورة الفلسطينية بتهمة الإرهاب لن يتوانى في قطع راتب كل من حلم في منامه بحق العودة إلى فلسطين، وأن الذي ضمن أمن المستوطنين لا يخجل من قطع رواتب الموظفين.
وإذا جاء مقال الدكتور سفيان أبو زايدة تحت عنوان: إن قطع الأرزاق من قطع الأعناق، فإننا نقول حديثاً: إن قطع الأرزاق يطيل الأعناق، فقطع الراتب من قبل السلطة هو شهادة كرامة ووفاء للوطن، والمقطوعة رواتبهم هو الرافضون للمهانة، وهم الذين يرفعون رؤوسهم عالياً، فطالما كان العميل عدنان ياسين يتلقى راتباً مكفولاً من سيده.
نحن جموع الموظفين المقطوعة رواتبهم قد زرعنا حدائق الوطن بنعناع الشموخ، ونحن أول المبشرين بأن التحرر من سطوة القائد الفرد الرمز الرئيس، هي المقدمة لتحرير فلسطين.