الانتفاضة الثالثة ... عصر الانتفاضات
د.غازي حسين
تكتب فلسطين منذ أكثر من قرن بدماء شعبها ملحة بطولية في الشهادة والاستشهاد والمقاومة والتمسك بعروبتها ودفاعاً عن المسجد الأقصى المبارك ومدينة الإسراء والمعراج من أعظم الملاحم البطولية الخالدة في تاريخ الشعوب والأمم والإنسانية جمعاء .
رفض ويرفض الشعب العربي الفلسطيني الهزيمة والاستسلام والتنازل عن وطنه ، وطن آباءه وأجداده للكيان الصهيوني وللاستعمار الأوروبي والإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية وأتباعهم من الملوك العرب ، ويرفض الاعتراف والتعايش مع كيان الاستعمار الاستيطاني اليهودي العنصري والإرهابي ، ويناضل بأشكال المقاومة كافة لتحريرها وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية لكل مواطنيها بدون تمييز بالدين أو اللون أو الطائفة أو العرق .
وتعطي قرية العراقيب في النقب مثالاً واضحاً على التمسك بعروبة أرض فلسطين العربية ، ويشكّل كيان الاستعمار الصهيوني أبشع أنواع الترحيل الجماعي والتطهير العرقي لإقامة دولة اليهود الاستعمارية العنصرية والإرهابية والمعادية لجميع شعوب المنطقة وللاستقرار والسلام في العالم .
إنّ ماجرى ويجري من تهويد لفلسطين العربية هو من صنع الدول الاستعمارية وحكام الإمارات والممالك التي أقامها الاستعمار ، وتحميهم الإمبريالية الأمريكية ، وترضى عنهم الصهيونية العالمية .
أدت اتفاقات الإذعان في كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة الى لاعتراف بإسرائيل وإقامة العلاقات الدبلوماسية معها والتنازل عن عروبة فلسطين والموافقة على المشروع الصهيوني لتصفية القضية .
وانحدرت قضية فلسطين الى الحضيض بسبب التمسك باتفاقات الإذعان والاعتراف بالعدو والتخلي عن المقاومة المسلحة والتمسك بالسلطة التي ابتكرتها دول الاحتلال من خلال اتفاقات الإذعان لجعل الاحتلال الإسرائيلي ليس فقط أرخص احتلال في العالم بل وبقرة حلوب تدرّ الأرباح الهائلة لدولة الاحتلال من خلال الاتفاق الاقتصادي الذي وقّعه أحمد قريع في باريس .
بدأ السقوط والانحدار عندما وقّع ياسر عرفات اتفاق الإذعان في أوسلو باسم منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 لوأد الانتفاضة الأولى، وحمل المجلس الوطني على إلغاء الميثاق بحضور الرئيس كلنتون ووقوفاً وبرفع الأيدي كما طالب الفاشي نتنياهو عام 1998 في غزة .
مات عرفات ( سمموما) بعد أن تنازل عن عروبة فلسطين وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم واعترف بإسرائيل وتخلى عن المقاومة المسلحة ، وقزّم منظمة التحرير الفلسطينية وحرفها عن خطها النضالي والتحرري والعروبي ، وأبعد المناضلين وشق فتح والعديد من الفصائل ونصّب قيادات هزيلة فاسدة ومخترقة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل ودول النفط العربية ، وهو مهندس ما آل إليه الوضع الفلسطيني اليوم ، إذ لايمكن لأي قائد أو حتى القيادة الفلسطينية بأسرها أن تقوم بهندسة وتنفيذ ماقام به ياسر عرفات ، روّضوه وصنعوه بدولارات دول النفط العربية وإعلامها والإعلام الغربي للقيام بما قام به والموافقة على إقامة إسرائيل لدويلة فلسطينية منقوصة السيادة والأرض والسكان والحقوق كمصلحة إسرائيلية ولتمرير الحل الصهيوني للقضية من خلال رؤية الدولتين لتخليد وجود إسرائيل في فلسطين وإنهاء الصراع العربي الصهيوني وإقامة شراكة أمنية بين إسرائيل والسعودية .
عصر الانتفاضات الفلسطينية
بدأت الانتفاضة الأولى انتفاضة الحجارة في كانون الأول عام 1987 عفوية في قطاع غزة ، وذلك على إثر قيام سائق شاحنة يهودي بدهس أربعة من العمال الفلسطينيين على حاجز ايرز ، ثم انتقلت الى القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية ، وعجزت إسرائيل عن إخمادها فجاء توقيع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية لاتفاق الإذعان في أوسلو بتاريخ 9/8/1993 وتوقيع أبو مازن لإعلان المبادئ في البيت الأبيض بتاريخ 13/9/1993 وقضى عليها .
بدأت الانتفاضة الثانية انتفاضة الأقصى في 28 أيلول 2000 م بسبب دخول وتدنيس السفّاح شارون لحرمة المسجد الأقصى ، وفشل المفاوضات التي رعاها بيل كلنتون في كامب ديفيد بين عرفات وباراك في تموز 2000 م ، واستشهد فيها /4412/ وجرح /48322/ فلسطينياً ، وقُتل من الجيش الإسرائيلي /334/ وجرح /735/ فرداً ، وبلغ مجموع القتلى الإسرائيليين من الجيش والمدنيين /1069/ و /4500/ جريحاً ، وجاءت خارطة الطريق، وتضمنت رؤية الدولتين التي أخذها مجرم الحرب بوش من مشروع السفاح شارون ووافق عليها الرئيس الفلسطيني وجامعة الدول العربية وأنهت انتفاضة الأقصى الانتفاضة الثانية .
تباشير الانتفاضة الثالثة ( الهبّة الشعبية في تموز2014 )
شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة في القدس والخليل وبيت لحم وداخل الأراضي المحتلة عام 1948 وفي قطاع غزة هبّة شعبية على إثر اختطاف وتعذيب وحرق الفتى محمد أبو خضير حيّاً على يد حاخام وثلاثة من أولاده .
وشملت الهبّة الشعبية كل فلسطين التاريخية ، حيث دارت مواجهات عنيفة ومظاهرات نظّمها الشباب الفلسطيني الغاضب مع جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية .
وهتفت جماهير المشيعين في جنازة الفتى أبو خضير في مخيم شعفاط بالقدس تصرخ "انتفاضة .. انتفاضة " وارتفعت الأصوات تطالب باندلاع انتفاضة ثالثة ، ولكن التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية والحرب العدوانية التي أشعلها الإرهابي نتنياهو على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة عام 2014 حال دون اندلاعها آنذاك ، ولعبت سياسات دول الخليج وفضائيتي الجزيرة والعربية وجامعة الدول العربية في الحيلولة دون تصعيد الهبّة الشعبية إلى الانتفاضة الثالثة .
وتحدّث جون كيري عن إمكانية اندلاعها إذا ما بقيت إسرائيل متمسكة بمواقفها المعرقلة لتحقيق أي سلام ورؤية الدولتين ، وحذّر جيفري فيلتمان السفير الأمريكي السابق في لبنان ومساعد الأمين العام للأمم المتحدة من اندلاع انتفاضة ثالثة .
وقفت إسرائيل والسلطة الفلسطينية ودول الاعتدال العربي والتي وقّع بعضها اتفاقات إذعان مع العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية ضد اندلاع الانتفاضة الثالثة ، وطالبوا إسرائيل بتنفيذ رؤية الدولتين .
ظهر بجلاء أن هناك فجوة كبيرة بين الشارع الفلسطيني وقيادة السلطة وأجهزتها الأمنية التي تعاونت مع أجهزة الأمن الإسرائيلية ضد جماهير المقاومة والهبّة الشعبية ، ولم تقم بواجبها تجاه شعبها مواجهة الحرب الإسرائيلية السادسة على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة في تموز 2014 ، وغدرت قيادة السلطة بشعبها عندما مدّ رئيس السلطة يده لاستمرار التنسيق الامنيمع العدو الإسرائيلي الذي قصف قرى ومدن ومخيمات قطاع غزة براً وبحراً وجواً وبأحدث الأسلحة الأمريكية ، وإصراره على استمرار التنسيق الأمني مع المحتل والعودة إلى المفاوضات المدمرة ورفضه للانتفاضة الثالثة حتى لو كانت بالحجارة .
عجزت إسرائيل عن قمع انتفاضة الحجارة فوقعت اتفاق الإذعان في أوسلو مع قيادة المنظمة ، وعجزت أيضاً عن إخماد انتفاضة الأقصى فوافقت على خارطة الطريق ، وقام رئيس السلطة بإخمادها لقاء رؤية الدولتين ولم تنفّذ إسرائيل التزاماتها الواردة في اتفاق أوسلو وخارطة الطريق حتى اليوم ، ما أدى الى تآكل الموقفين الرسميين الفلسطيني والعربي وتقديم التنازل تلو التنازل وتصاعد وحشية وعنصرية واستيطان العدو الصهيوني ويمهد الطريق أمام استمرار الانتفاضة الثالثة التي فجرها قرار المهووس ترامب حول القدس