حمى الضنك







هي مرض فيروسي، تسببه مجموعة من الفيروسات تسمى فيروسات الضنك dengue viruses، والتي تنتقل عن طريق البعوض المسمى aedes aegypti (لا تنتقل العدوى من شخص إلى آخر)، تتكاثر هذه البعوضة في المياه المخزونة لأغراض الشرب أو السباحة، أو مياه الأمطار المحجوزة للزراعة، أو المتجمعة في الشوارع والطرقات أو الراكدة والمتبقية في الصفائح الفارغة، البراميل، الإطارات، عند مكيفات الهواء وحول المسابح...

تنتشر حمى الضنك في بعض الأحيان على شكل موجات وبائية epidemics وتكون نسبة الإصابة السكانية في هذه الوبائيات مرتفعة، فقد تصل إلى 80% من مجموع السكان في المنطقة الموبوءة.



لحمى الضنك شكلان سريريان:

الأول بسيط: وهو الغالب، حيث يشبه الزكمة الفيروسية إلى حد كبير في بداياته، ثم تشتد الحمى حتى تصل إلى 40 درجة مئوية، وقد تسبب الاختلاجات أو التشنجات في الأطفال convulsions وتكون غالباً مترافقة مع الصداع، وخاصة في منطقة الجبهة، أو خلف محجر العينين، ثم تظهر الأعراض الأخرى فيما بعد: مثل آلام الظهر والمفاصل والعضلات، وفقدان الشهية، وفقدان الذوق، والغثيان والقيء والكسل العام، والطفح الجلدي... هنا يمكن أن تنخفض الحرارة...

لكن، وبعد مرور يوم أو يومين يظهر طفح جلدي جديد، وينتشر في جميع أرجاء الجسم ما عدا الكفين والقدمين وفي اللحظة التي يظهر فيها هذا الطفح الثاني ترتفع الحمى من جديد لتعطي ما يسمى بالحمى ثنائية الأطوار biphasic fever، والتي تستمر عدة أيام ثم تنخفض من جديد ليدخل الطفل في مرحلة من الوهن العام asthenia أو الكآبة depression.

لو فحصنا المريض المصاب بهذا النوع البسيط من حمى الضنك لما وجدنا عنده الكثير من العلامات المميزة، اللهم إلا الحمى والطفح الجلدي وتضخم في العقد اللمفاوية، وبطء ضربات القلب.

ولو أجرينا له فحوصات مختبريه لوجدنا:

انخفاض في كريات الدم العام pancytopenia بما فيها الكريات البيضاء والصفائح الدموية.

وزيادة كثافة الدم hemoconcentration

ولو أجرينا تخطيطاً للقلب لوجدنا بطء في ضربات القلب bradycardia ولقد سجلت درجة من البطء وصلت إلى 40 ضربة قلب في الدقيقة، ومن الغريب أنها كانت غير مترافقة مع أي عرض أو شكوى لدى المريض، ثم خوارج انقباض بطينية ventriculr extracardia

يبقى السؤال المهم: كيف نشخص المرض ونميزه عن غيره من الأمراض ذات الأعراض المشابهة!؟

وللإجابة عن هذا التساؤل المهم نقول: في المناطق الموبوءة نعتمد في تشخيص المرض على الأعراض والعلامات السريرية بالدرجة الأولى... فإذا جاءتنا حالات مرضية بأعراض وعلامات مشابهة لما ذكرناه أعلاه، وكانت من مناطق سكنية موبوءة بحمى الضنك، ودعمتها بعض الإشارات المختبرية مثل غياب الملاريا (وهذا مهم عندنا أيضاً)، وانخفاض عام في الكريات الدموية pancytopenia، أو على الأقل انخفاض واضح في الصفائح الدموية thrombocytopenia. فنعاملها على أساس أنها مصابة بالمرض حتى يثبت العكس. أما إذا أردنا تشخيص المرض بصورة دقيقة، فهذا يتطلب عزل الفيروس وزرعه tissue culture على أوساط خاصة، أو استخدام فحوص مصلية متطورة serological testes، وهذا يتطلب افتتاح فرع متطور للمختبرات المركزية المتخصصة في الأمراض النزفية والفيروسية لتغطية متطلبات هذا الوباء...




أما الشكل الثاني من حمى الضنك: فهو الشكل النزفي: dengue hemorrhagic fever

وهو مرض خطير وربما قاتل، وتسببه نفس فيروسات الضنك أيضاً، إلا أنه لا يحصل في الإصابة الأولى للفيروس، بل يغلب أن يكون في إصابات ثانية لنفس الفيروس، أو بعد إصابة جديدة لفيروس ضنكي آخر غير الأول...

فإذا كانت هذه الموجة الوبائية قد مرّت بسلام فيجب أن ننتبه للموجات الوبائية القادمة، التي تكون أكثر خطورة من الموجة الأولى، والتي تكثر فيها عادة حالات النزف المميت، فلقد سجلت لنا الذاكرة الطبية التاريخية حصول موجة وبائية لحمى الضنك النزفية في كوبا، لسنة 1981، حيث راح ضحيتها مئات المرضى، ولما دقق الأطباء في الأمر تبين لهم أن وباء 1981 القاتل والذي تسبب به فيروس الضنك نوع 2 dengue، كان قد سبقه وباء خفيف لفيروس dengue 1، في عام 1977...

تتميز بدايات الشكل النزفي من حمى الضنك بأعراض وعلامات مشابهة للشكل البسيط الذي رأيناه، أما الطور الثاني الخطير للمرض فيبدأ بعد مرور عدة أيام (2 - 5)، حيث يتطور لدى المريض صدمة ونزف بشكل سريع ومفاجئ...

لو فحصنا المريض في هذه المرحلة لوجدنا لديه واحدة أو أكثر من العلامات التالية:

الأطراف باردة ورطبة، بينما وسط المريض حار.

الوجه متورد.

تعرق المريض.

ألم في منطقة الشرسوف epigastric pain

علامات عصبية مثل: تهيج، وقلق، وعدم ارتياح...

والأهم والأخطر من كل ذلك هي: علامات النزف على المريض، سواء كان على شكل بقع نزفية تحت الجلد، أو سهولة النزف لدى تركيب الكانيولا الوريدية canola (التغذية الوريدية)، أو نزف هضمي أو بولي...الخ

يستمر الطور الثاني الخطير للمرض بعد حدوثه فترة (24 - 36) ساعة، وينتهي بأحد شكلين:

إما التدهور المفضي إلى الموت لا سمح الله، وذلك حتمي إذا حدث نزف دماغي خطير.

أو التحسن والشفاء بإذن الله، وهنا يأتي دور الطبيب المخلص الحاذق، فإذا تدخل في الوقت لمناسب، ببعض اللمسات الذكية، فقد ينقذ روحاً بشرية عزيزة (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) (المائدة: 32).

والتدخل الذي أعني به: أن يتم وضع الطفل تحت المراقبة الطبية في المستشفى، وأن يوضع له مغذي، وتنقل له السوائل المناسبة، وبالكمية المناسبة (وذلك حسب وزنه)، أو تنقل له البلازما fresh frozen plasma، أو الصفائح الدموية عند الحاجة، فإن تعذر فيعطى كمية من الدم تناسب وزنه وحالته (من هنا نرى ضرورة توفير مصرف دم مركزي في المناطق الموبوءة لتغطية هذه الحاجات الملحة..

ونخفض الحرارة العالية بالماء (كمادات) وهنا نستذكر حديث الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم: (الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء)، والباراسيتامول، ويمنع إعطاء الأسبرين والبروفين وغيرها من مميعات الدم لمنع المزيد من النزف...

أما المضادات الحيوية فتترك لحاجة كل مريض، والحاجة يقدرها الطبيب الحاذق، والأصل فيها الإقلال والتقتير لا الإسراف والتبذير...

على أن الأهم من ذلك كله هو تضافر جهود كل مؤسسات الدولة للعمل الجاد على منع حصول المرض أصلا، وذلك من خلال خطط مدروسة ومستمرة، يتم بواسطتها القضاء التام على مسببات المرض وناقلاته...

الوقاية:

1. إزالة أماكن توالد البعوض الناقل، من خلال تغطية محكمة لخزانات المياه وعدم تخزين المياه في أوعية مكشوفة، وإزالة بؤر تراكم المياه مثل أواني الزهور وإطارات السيارات القديمة وأوعية تخزين المياه.

2. وضع شبك ضيق المسام على الأبواب والنوافذ للحماية من لدغات البعوض نهارا.

3. استخدام الناموسيات في حالة النوم خارج المنزل.

4. استخدام طارد للحشرات.

5. تبليغ السلطات المحلية عن أي حالة فورا، والتعاون معها لإعطاء معلومات صحيحة عن سابقة المرض والعنوان، وتسهيل عمل فريق المكافحة لعمل الاستقصاء الوبائي ورش المنزل المصاب والمنازل المجاورة.

العلاج:

ليس هناك مضاد فيروسي محدد لحمى الضَنَك. والغالبية العظمى من المرضى يشفون تماما بدون أي مضاعفات وبلا أي تدخل علاجي وينصح المريض بالتالي:

الراحة التامة وملازمة الفراش.

تناول كميات كثيرة من السوائل.

تناول خافضات الحرارة ومسكنات الألم مثل الباراسيتمول (البنادول والتيلينول والأدول) لتخفيف حدة الحمى والألم.

تجنب استخدام دواء الأسبرين لتخفيض الحرارة وتسكين الألم خاصة للأطفال.

الابتعاد عن البعوض من أجل حماية ووقاية الآخرين.

يتم معالجة حمى الضَنَك النزفية ومتلازمة الضنك الصدمية من خلال تعويض كميات السوائل المفقودة عن طريق المحاليل الوريدية و أحيانا نقل الدم.



د. عبدالرحمن القرشي