لم تبق ولا توجد كلمات لوصف هذا العمل الخارق الجبار البطولي الأسطوري لنساء فلسطين، صاحبات الهامات التي تعانق السماء، وإرادة وعزيمة وإيمان لو وزعت على أهل الأرض لوسعتهم وفاضت، أمهات وزوجات وأخوات وبنات لنا يضربن القدوة والمثل والدروس في معنى المقاومة والمواجهة مع محتل فقد كل إنسانية، يسطّرن بمواقفهن ملحمة العز والفخار في زمن الذل والانهيار.
لن أستطيع أن أستوفيهن حقوقهن، ولا يمكن أن تصف التعابير وآيات الشكر والعرفان شعور الملايين ممن تابعوا ماجدات فلسطين وهن يسرن غير مترددات، عازمات مصممات، خارقات للحواجز، بأجسادهن دون سلاح، تابعوهم وهن يكسرن الحصار عن أزواجهن وإخوانهن وأبنائهن، ويدفعن ثمن ذلك من دمائهن، ليعدن ظافرات غانمات منصورات.

لن أزيد على ما كتبه شرفاء الأمة عن هذا الحدث العظيم، والملحمة الأسطورية، لكن اسمحوا لي أن أقتبس بعضاً مما كتب للتوثيق والتدليل:

• الأستاذ غسان الشامي: صمتت عباراتي.. وقفت كلماتي.. تجمدت أفكاري..ووقَفت وقفة تقدير واحترام لصنيعكن أيتها النساء الخالدات وأنتن تدافعن عن حياض هذه الأمة وشرفها.

• الأستاذ خالد منصور - عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني: الحانونيات (نساء بيت حانون) ماجدات فلسطينيات.. صنعن جزءا مهما من المجد الذي يستحقه شعب فلسطين.. في نضاله من أجل الحرية والخلاص من المحتلين.. وبفعلتهن التي قمن بها أسهمن بما لم تستطع فعله عشرات الأطر النسوية - الناعمة- بدفع قضية حقوق المرأة إلى الأمام خطوات كبار جدا وذات أهمية قصوى..

• عبد الباري عطوان رئيس تحرير القدس العربي: ردت نساء بيت حانون اللواتي انطلقن في مسيرة عفوية إلى مسجد المدينة لإنقاذ المحاصرين من المسلحين، والتصدي للقوات الإسرائيلية الغازية، الاعتبار للمرأة العربية، وأثبتن أنهن أكثر رجولة وشجاعة من كل رؤساء الأركان وقادة الجيوش العربية دون استثناء..... هذه هي المرأة العربية ـ الفلسطينية، لا تكتفي بإنجاب الشهداء، وإنما بالانضمام إلى قوافلهم أيضا، والنزول إلى ميدان المواجهة

• النائب جميلة الشنطي قائدة مسيرة الحرائر: إنّ ما قامت به النساء يوم الجمعة، من مظاهرات للدفاع عن أبنائهن المجاهدين؛ "ينبع من إدراكنا بأننا أهل حق وإرادة قوية، لأنّ الاحتلال يغتصب ويحتل أرضنا

• الأستاذ عز الدين أحمد عبد الرحمن: أخذاً بالاعتبار أن "الشوارب" ربما تكون آخر مظاهر الرجولة في أمة يسودها أشباه الرجال (من الذكور)، أوجه من مقامي هذا دعوة لكم يا أشباه الرجال.. يا من تصبحون وتمسون على دماء وطن ينحر من الوريد إلى الوريد، وأنتم جامدون لا حراك فيكم، أدعوكم باسم كل خنساء في فلسطين إلى حفلة جماعية لـ"حلق الشوارب".. فما عاد لها من لزوم بعد أن تولى زمام المبادرة خنساوات غزة لفك الحصار عن شرفاء الأمة في بيت حانون

• الكاتبة سوسن البرغوثي: خنساواتنا يسطرن ملحمة في بيت حانون، أنقذن المجاهدين من بين براثن جنازير دباباتهم، والمخنثون يختبؤن في حجورهم، يسنون ألسنتهم ليشعلوا الفتنة، ولكنهم لن يحصدوا بإذن الله..إلا الخيبة، ولعنة الله على الخائبين.

لكن تبقى أجمل الكلمات هي التي نعجز أن نجدها في وصفكن يا عز الأمة وفخرها

الأعداء قبل الأصدقاء هالهم الحدث العظيم، الأعداء صدموا من قوة المرأة وجلدها، الأعداء أنصفوا الفارسات المنصورات، وكادوا أن يشعروا في مدحهن، في وقت صمتت فيه أبواق السوء والشر والفتنة عن قول كلمة حق في حقهن، ربما لأن ما فعلنه أفشل مؤامراتهم، وأسقطهم في حضيض الحضيض، وليتهم صمتوا بل أصروا على إهانة شعبنا المرة تلو المرة بعد أن عمت بصائرهم قبل أبصارهم.

لنقرأ سوياً شهادات الأعداء كما وثقها اليوم الأستاذ صالح النعامي:

• رئيس حركة " ميريتس " يوسي بيلين الذي شغل في الماضي منصب وزير القضاء أن " ما قامت به هؤلاء النسوة هو أسطورة، وموقف بطولي سيضفي المصداقية والاحترام على النضال الوطني الفلسطيني، وفي مقابلة أجرتها معه الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية صباح اليوم الأحد، اعتبر بيلين أن هؤلاء النسوة سيصبحن مثالا سيحرص على الاقتداء به الفلسطينيون والعرب والمسلمون في جميع أرجاء العالم.

• أما الجنرال زئيف شيف المعلق العسكري لصحيفة " هارتس "، فقد قال: إن هؤلاء النسوة صنعن تاريخاً بعد أن تزودن بإيمان كبير وعقيدة صلبة، جعلتهن يقدمن على هذه المخاطرة التي أسفرت عن مقتل ثلاثة، وجرح عدد كبير منهن من أجل العمل على فكّ الحصار عن المقاومين الفلسطينيين الذين كانوا محاصرين في المسجد. واعتبر شيف أن ما قامت به نساء بيت حانون بقيادة النائب عن حركة حماس جميلة الشنطي سيسجل كحدث هام وسيدرس في كتب التاريخ.

• من ناحيته قال عاموس هارئيل المعلق العسكري البارز: إن أحداث بيت حانون تدلل بما لا يقبل الشك على الدور الكبير الذي تقوم به المرأة الفلسطينية في مقاومة جيش الاحتلال. واعتبر أن الكثيرين سيكتبون عن دور المرأة الفلسطينية في الكفاح الوطني ضد الاحتلال.

• من ناحيته قال المعلق الصهيوني للشؤون العربية داني روبنشتطاين: إن وقوف الجمهور الفلسطيني إلى جانب المقاومين في مواجهتهم جيش الاحتلال في بيت حانون، رغم ما يتعرض له هذا الجمهور من أذى، يدلل على أن الشعب الفلسطيني يلتف حول مقاومته، الأمر الذي يدلل على بؤس الرهان على إحداث شرخ بين الشعب الفلسطيني ومقاوميه. واعتبر أن إقدام نساء فلسطين على التضحية بأرواحهن من أجل إنقاذ المقاومين يمثل الدليل القوي على ذلك. واجمع كل المسؤولين و المعلقين في إسرائيل على أن إسرائيل ستفشل في تحقيق أي من الأهداف التي وضعتها للعملية المتواصلة على بيت حانون.

• وقال وزير البنى التحتية الإسرائيلي بنيامين بن إليعازر موجهاً حديثه لقادة الجيش الصهيوني: " لقد اقتحمنا غزة مرات ومرات، وقتلنا واغتلنا المئات من مقاوميها، ومع ذلك لم نستطع أن نحسم المواجهة معهم ". ونقلت الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية صباح اليوم الأحد عن بن إليعازر قوله: "لن نستطيع وقف إطلاق صواريخ القسام، ببساطة لن نستطيع، فلنبحث عن أساليب أخرى".

كنت أتمنى من كل قلبي أن تكون هذه الملحمة سبباً لتوحد شعبنا خلف حقه ومقاومته، وكنت أرجو ألا أسمع ما يطعن صمودنا في الظهر، وكنت أدعو ليل نهار أن تبقى أبواق الفتنة صامتة، ولكم وددت لو كان الموضوع لا تشوبه شائبة الجبناء الأذلاء، لكن سبحان الله "تأبى الحقارة أن تفارق أهلها" !

هذه الملحمة، ومعها سقوط الشهداء والجرحى والتدمير والفساد في الأرض لم تثن أشباه الرجال من العاجزين عن تكرار واجترار أمراضهم الفكرية، ليلقوا باللائمة على شعبنا، بل وصل الأمر بهم لاختراع نظريات جديدة، ومزاودات لا حصر لها، فمتى يعود هؤلاء إلى رشدهم، أو يتخلص الشعب من قرفهم ونتانتهم؟

وكما استعرضنا ما قيل في هذه الملحمة الأسطورية، وفي غياب أي تعليق إيجابي أو سلبي عما جرى في بيت حانون من قبل رؤوس وأبواق الفتنة، لنستعرض بعضاً من ردود أفعالهم المخزية المشينة، وليتهم ما تفوهوا ولا نطقوا، وبقوا على عهدنا بهم جرذان فزعة مع كل هجمة احتلالية:

• اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الفاقدة للشرعية والقانونية والنصاب: وتدعو اللجنة التنفيذية بشكل واضح وقاطع إلى إنهاء كل أشكال الفلتان والفوضى، وتعدد مصادر القرار والقوى المسلحة، وكل الأعمال الفردية والفصائلية من نوع إطلاق صواريخ عبر الحدود، والتي تخدم ذرائع الاحتلال ومخططاته، ولا تلحق أية أضرار سوى بمصالح الشعب الفلسطيني ومكانة قضيتنا الوطنية.

• جمال نزال الناطق الاعلامي باسم حركة فتح في بيان أصدره يوم 04/11/2006 اعتبر أن الاعتراف بالاحتلال هو الرد على ممارساته في عبقرية نادرة لا مثيل لها فيقول: "واعتبر أن من أهداف العدوان الرئيسية هو صد حركة حماس تحديدا عن أي إمكانية لتعديل موقفها باتجاه الاستجابة لمطالب فصائل م.ت.ف وكتل التشريعي وحشر الحركة في قمقم الرفضوية المنغلق على الذات"، وحث نزال الحكومة على التحرك السياسي لسحب البساط من تحت أقدام المعتدين عن طريق كسر مربع الجمود الذي تحاول إسرائيل إبقاء الحكومة الفلسطينية حبيسة بين إضلاعه"، أي عبقرية تلك التي ترى الرد في الرضوخ للعدوان؟

• لم يكفه ذلك بل أراد أن يذبح شعبنا بصمت ودون أن نفضح المحتل مطالباً بعدم تغطية ما يجري اعلامياً مبرراً تقاعسه وأمثاله عن القيام بأي دور ليختم بيانه "بتحية الفلسطينيين الذين يتصدون للعدوان ولا سيما مجاهدي حركة فتح الذين يعملون بعيدا عن الأضواء وصخب الفضائيات المولعة بقتل الشهيد الفلسطيني مرتين"

• دحلان بدوره لم تفته الفرصة ليسجل موقف مخز آخر ليقول في حفل عقد بتاريخ 04/11/2006 ليقول: "إنه ليس شرفا أن نحصي عدد شهدائنا وأسرانا، وإنما هؤلاء نعتز بهم لأنه ليس من واجب الحكومة أن تحصي الشهداء والأسرى وإنما عليها أن تقدم حلول مناسبة لتجنيب شعبنا هذه المآسي والمعاناة"، بنظره الشرف ليس في ميادين المقاومة والاستشهاد لكن على طاولة المفاوضات العبثية الفاشلة، ومن خلال التنسيق الأمني المخزي الذي مارسه لسنوات كعميل للاحتلال، ترى ما هي حلول دحلان السحرية غير الاعتراف والاستسلام الكامل وهو ما يدعو إليه مع باقي زمرة وعصابة الفساد والإفساد، وأذكر أنه لم يأت على ذكر أحداث بيت حانون لا من قريب ولا من بعيد في خطبته العصماء في ذلك الحفل، رغم سقوط العشرات من الشهداء والجرحى، ربما حتى لا يغضب شركاء التنسيق الأمني!

• عبّاس لم يكلف نفسه بتحية أبطال شعبنا، أو الاتصال بذوي الشهداء لتهنئتهم وتعزيتهم، ولم يشارك في جنازة واحدة، أتعرفون لماذا؟ كانت هناك أمور أهم من الشعب الفلسطيني، كان سيادته وفخامته مشغولاً بلقاء أهم من كل معاناة الشعب الفلسطيني، ولنقرأ الخبر كما ورد على وكالة وفا للأنباء" استقبل السيد الرئيس محمود عباس، بعد عصر اليوم، في مقر الرئاسة في مدينة رام الله في الضفة الغربية، الوزير الإسرائيلي السابق أوفير بينيس، الذي قدم استقالته مؤخراً، بسبب انضمام الوزير المتطرف أفيغدور ليبيرمان للحكومة الإسرائيلية، وبحث السيد الرئيس مع الوزير بينيس في عملية السلام، وسبل العودة إلى طاولة المفاوضات"، هذا هو رئيس السلطة المبجل، فرغم الدماء والتضحيات يستجدي المفاوضات، أما الاجتماع برئيس وزرائه أو مع أهالي بيت حانون فليس من اهتمامات فخامته، وربما اعتذر لاحقاً للإزعاج الذي سببه أهالي بيت حانون لجيش الاحتلال بمقاومتهم لجرائمه!

عز وفخار النساء يمسح عار الجبناء الأذلاء، وتكفي أقوال الشرفاء وشهادات الأعداء، أما الجبناء العملاء فلن يطولوا أرضاً ولا سماء، ولن يحصدوا إلا الخيبة ولعنة الشرفاء.

هل عرفتم الفرق بين الحانونيات وأشباه الرجال خريجي الحانات؟ هل عرفتم الفرق بين من يصنعن الأمر ومن يقولون لنا غداً أمر؟ هل تستوي الحرائر الأبيات العظيمات صانعات الأمجاد وفاسقو شعبنا من البغاة؟


منقول