منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 5 123 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 50

العرض المتطور

  1. #1

    الروائي محمد جبريل

    الروائي محمد جبريل
    ...................

    *محمد لطفي جبريل.
    *روائي وقاص.
    *من مواليد الإسكندرية 1938م.
    *خريج قسم اللغة العربية ـ كلية الآداب ـ جامعة الإسكندرية 1959م.
    *عمل فور تخرجه بصحيفة الجمهورية، ثم المساء (دار التحرير للطبع والنشر).
    *أنجزت عنه خمس رسائل ماجستير ودكتوراه.
    *درست قصصه في عدد من الجامعات العربية.

    مؤلفات محمد جبريل:
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    1 ـ تلك اللحظة ( مجموعة قصصية ) 1970 ـ نفد
    2 ـ الأسوار ( رواية ) 1972 هيئة الكتاب ـ الطبعة الثانية 1999 مكتبة مصر
    3 ـ مصر فى قصص كتابها المعاصرين ( دراسة ) الكتاب الحائز على جائزة الدولة ـ 1973 هيئة الكتاب
    4 ـ انعكاسات الأيام العصيبة ( مجموعة قصصية ) 1981 مكتبة مصر ـ ترجمت بعض قصصها إلى الفرنسية
    5 ـ إمام آخر الزمان ( رواية ) الطبعة الأولى 1984 مكتبة مصر ـ الطبعة الثانية 1999 دار الوفاء لدنيا الطباعة بالإسكندرية
    6 ـ مصر .. من يريدها بسوء ( مقالات ) 1986 دار الحرية
    7 ـ هل ( مجموعة قصصية ) 1987 هيئة الكتاب ـ ترجمت بعض قصصها إلى الإنجليزية والماليزية
    8 ـ من أوراق أبى الطيب المتنبى ( رواية ) الطبعة الأولى 1988 هيئة الكتاب ـ الطبعة الثانية 1995 مكتبة مصر
    9 ـ قاضى البهار ينزل البحر ( رواية ) 1989 هيئة الكتاب
    10 ـ الصهبة ( رواية ) 1990 هيئة الكتاب
    11 ـ قلعة الجبل ( رواية ) 1991 روايات الهلال
    12 ـ النظر إلى أسفل ( رواية ) 1992 ـ هيئة الكتاب
    13 ـ الخليج ( رواية ) 1993 هيئة الكتاب
    14 ـ نجيب محفوظ .. صداقة جيلين ( دراسة ) 1993 هيئة قصور الثقافة
    15 ـ اعترافات سيد القرية ( رواية ) 1994 روايات الهلال
    16 ـ السحار .. رحلة إلى السيرة النبوية ( دراسة ) 1995 مكتبة مصر
    17 ـ آباء الستينيات .. جيل لجنة النشر للجامعيين ( دراسة ) 1995 مكتبة مصر
    18 ـ قراءة فى شخصيات مصرية ( مقالات ) 1995 هيئة قصور الثقافة
    19 ـ زهرة الصباح ( رواية ) 1995 هيئة الكتاب
    20 ـ الشاطئ الآخر ( رواية ) 1996 مكتبة مصر ـ ترجمت إلى الإنجليزية ـ الطبعة الثالثة 2002 هيئة الكتاب
    21 ـ حكايات وهوامش من حياة المبتلى ( مجموعة قصصية ) 1996 هيئة قصور الثقافة
    22 ـ سوق العيد ( مجموعة قصصية ) 1997 هيئة الكتاب
    23 ـ انفراجة الباب ( مجموعة قصصية ) 1997 هيئة الكتاب ـ ترجمت بعض قصصها إلى الماليزية
    24 ـ أبو العباس ـ رباعية بحرى ( رواية ) 1997 مكتبة مصر
    25 ـ ياقوت العرش ـ رباعية بحرى ( رواية ) 1997 مكتبة مصر
    26 ـ البوصيرى ـ رباعية بحرى ( رواية ) 1998 مكتبة مصر
    27 ـ على تمراز ـ رباعية بحرى ( رواية ) 1998 مكتبة مصر
    28 ـ بوح الأسرار ( رواية ) 1999 روايات الهلال
    29 ـ مصر المكان ( دراسة فى القصة والرواية ) 1998 هيئة قصور الثقافة ـ الطبعة الثانية 2000 ـ المجلس الأعلى للثقافة
    30 ـ حكايات عن جزيرة فاروس ( سيرة ذاتية ) 1998 دار الوفاء لدنيا الطباعة بالإسكندرية
    31 ـ الحياة ثانية ( رواية تسجيلية ) 1999 ـ دار الوفاء لدنيا الطباعة بالإسكندرية
    32 ـ حارة اليهود ( مختارات قصصية ) 1999 ـ هيئة قصور الثقافة
    33 ـ رسالة السهم الذى لا يخطئ ( مجموعة قصصية ) 2000 ـ مكتبة مصر
    34 ـ المينا الشرقية ( رواية ) 2000 ـ مركز الحضارة العربية
    35 ـ مد الموج ـ تبقيعات نثرية ( رواية ) 2000 ـ مركز الحضارة العربية
    36 ـ البطل فى الوجدان الشعبى المصرى ( دراسة ) 2000ـ هيئة قصور الثقافة
    37 ـ نجم وحيد فى الأفق ( رواية ) 2001 ـ مكتبة مصر
    38 ـ زمان الوصل ( رواية ) 2002 ـ مكتبة مصر
    39 ـ موت قارع الأجراس ( مجموعة قصصية ) 2002 ـ هيئة قصور الثقافة
    40 ـ ما ذكره رواة الأخبار عن سيرة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله ( رواية ) 2003 ـ روايات الهلال.
    41 ـ زوينة ( رواية ) 2004 ـ الكتاب الفضى.
    42 ـ حكايات الفصول الأربعة ( رواية ) 2004 ـ دار البستانى.
    43 ـ صيد العصارى ( رواية ) 2004 ـ دار البستانى.
    44 ـ غواية الإسكندر ( رواية ) 2005 ـ روايات الهلال.
    45 ـ الجودرية ( رواية ) 2005 ـ المجلس الأعلى للثقافة.
    46 ـ رجال الظل ( رواية ) 2005 ـ دار البستاني.

    ***

    كتب عن محمد جبريل:
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    1-الفن القصصى عند محمد جبريل ـ مجموعة من الباحثين ـ مكتب منيرفا بالزقازيق.
    2-دراسات فى أدب محمد جبريل ـ مجموعة من الباحثين ـ مكتب منيرفا بالزقازيق.
    3-صورة البطل المطارد فى روايات محمد جبريل ـ حسين على محمد ( دكتور ) ـ دار الوفاء بالإسكندرية.
    4-فسيفساء نقدية : تأملات فى العالم الروائى لمحمد جبريل ـ ماهر شفيق فريد ( دكتور ) ـ دار الوفاء بالإسكندرية.
    5-محمد جبريل .. موال سكندرى ـ فريد معوض وآخرين ـ كتاب سمول.
    6-استلهام التراث فى روايات محمد جبريل ـ سعيد الطواب ( دكتور ) 1999 دار السندباد للنشر.
    7-تجربة القصة القصيرة فى أدب محمد جبريل ـ حسين على محمد ( دكتور ) 2001 كلية اللغة العربية بالمنصورة ـ الطبعة الثانية 2004 ـ أصوات معاصرة
    8-فلسفة الحياة والموت فى رواية الحياة ثانية ـ نعيمة فرطاس ـ 2001 ـ أصوات معاصرة
    9-روائى من بحرى ـ حسنى سيد لبيب ـ 2001 ـ هيئة قصور الثقافة.
    10-محمد جبريل: مصر التى فى خاطره ـ حسن حامد ـ 2002 ـ أصوات معاصرة.
    11-سيميائية العقد فى رواية النظر إلى أسفل ـ عبد الرحمان تبرماسين ، العطرة بن دادة ـ2004 ـ أصوات معاصرة.
    12-التراث والبناء الفنى فى أعمال محمد جبريل الروائية ـ سمية الشوابكة 2004 ـ هيئة قصور الثقافة.
    13-المنظور الحكائي في روايات محمد جبريل ـ محمد زيدان (دكتور) ـ 2005 ـ أصوات معاصرة.

  2. #2
    اليهود بين الأنفوشي والجماليَّة
    في قصص محمد جبريل

    بقلم : أحمد فضل شبلول
    ....................................

    يدعونا محمد جبريل في مجموعته القصصية "حارة اليهود" الصادرة عن مطبوعات الهيئة العامة لقصور الثقافة في سبتمبر 1999، إلى التسلح بالوعي واليقظة والحذر، وإلى المقاومة وعدم الاستسلام، فاليهود يتربصون بنا، يتسللون من بين سكوتنا وخلافاتنا، ينتظرون اللحظة الحاسمة للانقضاض على الوطن والتهامه.
    وفي سبيل ذلك يتوسل الكاتب بوسائل فنية عدة، من أهمها استخدام الرمز الشفيف، مثل السمانة في قصة "حدث استثنائي في أيام الأنفوشي". وهذه القصة على الرغم من قصرها فإنها تحمل معظم خصائص فن القصة القصيرة عند محمد جبريل، والتي من أهمها: 1 ـ الجملة التلغرافية أو الجملة القصيرة السريعة الموحية. 2 ـ الوصف، وخاصة وصف البيئة السكندرية، واستخدام مفرداتها الحياتية، ومفردات الطبيعة فيها. 3 ـ التساؤل الذي يحمل في طياته الإجابة لمن أراد التأمل في واقعنا العربي. 4 ـ توظيف المعرفة العلمية توظيفا مناسبا لمحتوى القصة.
    ولنتأمل هاتين الجملتين على سبيل المثال: الصاري المرتفع الخالي من العلم، اكتفت (مجموعات السمان) بحجرة في نقطة الأنفوشي، تدير منها أحوالها.
    إن الصاري الخالي من العلم يدل دلالة أكيدة على ضياع الهوية. لقد وجدت السمانة أناسا بلا هوية، وبلا زمان محدد أيضا، فوجود العلم فوق سراي رأس التين، ربما كان يسهم في تحديد الفترة الزمنية، وهل هي قبل قيام ثورة 1952 حيث العلم المصري الأخضر يتوسطه الهلال الأبيض أيام الملكية، أم بعد قيام الثورة حيث تغير شكل العلم إلى ثلاثة ألوان: الأحمر والأبيض والأسود.
    ويبدو أن الزمن لا يشكل أهمية كبرى بالنسبة للسمانة التي جاءت تستطلع المكان، ونفوس البشر، وتختبر عنصر المقاومة لديهم. وقد وجدت السمانة الفرصة مهيأة تماما لاستيطان قومها هذا المكان. فالمباني تآكلت ـ أي لم يعد لديها القدرة على المقاومة، إنها ستنهار مع أول صرخة ريح. والقوارب الصغيرة تناثرت فوق الرمال، دلالة إما على تعطل أصحابها عن العمل، أو انتهائهم من عملهم وانصرافهم إلى لهوهم ومتعهم. والوقت خريف حيث يخلو الشاطئ أو طريق الكورنيش ـ عادة ـ من المارة بعد انقضاء فصل الصيف وعودة المصطافين ـ والمستفيدين من وجودهم ـ إلى سابق أعمالهم، وتصبح المدينة خالية إلا من أهلها.
    إن المكان السكندري، وهو رمز للمكان المصري بعامة ـ له وجوده الحي الملائم لهذه السمانة الرمز أيضا. فمحمد جبريل يحمل في وعيه هذا المكان ليس باعتباره الإسكندرية التي يحبها ويوظفها في معظم أعماله الإبداعية، ولكن يوظف المكان ـ الرمز ـ هنا باعتباره المكان الذي دلف منه الرومان إلى مصر بعد انتصار أوكتافيوس أغسطس على أنطونيوس وكليوباترا في موقعة أكتيوم البحرية سنة 31 ق.م، فكان احتلال الإسكندرية ثم مصر عام 30 ق.م، وهو المكان الذي دخل منه الفرنسيون في حملتهم على مصر في أول يوليه عام 1798، وهو أيضا المكان الذي دخل منه الإنجليز عام 1882.
    لم يغب هذا التاريخ عن وعي السمانة، ولا عن وعي الكاتب التاريخي، لذا اختاره ليكون موقع الهجوم القادم لأسراب السمان التي جاءت من أوربا ـ مثلها مثل الغزاة السابقين ـ والتي غطت الشاطئ والشوارع والأزقة وأسطح البيوت، والشقق والدكاكين، حتى الكبائن المغلقة.
    إن هذا الهجوم والاستيطان سيكون نقطة انطلاق الكاتب إلى قصة أخرى هي "حارة اليهود" التي حملت المجموعة اسمها، حيث نجمة داود المتداخلة في الأبواب والشرفات، مما يدل على دقة التنظيم والانتشار والنظام وحب العمل والكسب التي أشار إليها المؤلف في القصة الأولى. وكأن القصة الثانية التي دارت أحداثها في القاهرة، تأتي مكملة للقصة الأولى، وكأن محمد جعلص بطل القصة الثانية "حارة اليهود" يحقق رغبات الناس ـ في القصة الأولى ـ الذين تبين لهم أن السكوت عن المقاومة طريق إلى الجنون، فمحمد جعلص اكتوى بنار القروض والشيكات المؤجلة وبضائع الأمانة التي أغرقه فيها اليهود، ثم فجأة هطلوا عليه كالسيل دفعة واحدة يطالبون بأموالهم، فأفلسوه في يوم وليلة. لقد انتهز محمد جعلص فرصة ضرب أطفال اليهود لعلي الصغير، وطاح ـ هو ومن معه ـ في سكان حارة اليهود بالشوم والعصي والنبابيت والسكاكين والخناجر. ويأتي سؤال عبد العظيم هريدي في هذه القصة ذا مغزى ودلالة عميقة. فعندما يقول محمد جعلص بعد انتهاء المعركة: "علقة .. لن يعودوا بعدها إلى أذية الناس". يعلق هريدي بقوله: "هل تظن ذلك ؟". إن هذا التعليق أو التساؤل لم يزل في حاجة إلى إجابة، مثله في ذلك التساؤل الذي ورد في القصة الأولى: هل يعد السمان نفسه لإقامة طويلة؟. وهنا تبرز خصيصة من خصائص فن القصة القصيرة عند محمد جبريل تتمثل ـ كما سبق القول ـ في: التساؤل الذي يحمل في طياته الإجابة لمن أراد التأمل في واقعنا العربي.
    ولعل المدقق في القصتين سيجد موقفا غريبا، أشرنا إليه إشارة سريعة في السطور السابقة، ولكن تؤكده قصة "حارة اليهود" تأكيدا باهرا وهو موقف رجال الشرطة من الأحداث. فمن خلال محتوى رمزي يشير المؤلف في القصة الأولى إلى أن أسراب السمان المهاجرة إلى الإسكندرية اكتفت بحجرة في نقطة الأنفوشي، تدير منها أحوالها. ولم يشر المؤلف إلى أنه كانت هناك مقاومة من أي نوع، من جانب مأمور النقطة أو معاونيه، بل أنها أفرزت ـ من بين أسرابها ـ كل ما تحتاجه من جنود وعلماء وحرفيين وموظفين. وبالتأكيد كل هذا كان يتم تحت أعين رجال الشرطة في المنطقة. أما في القصة الثانية وبعد نجاح أسراب السمان في بناء حياتهم، وانتقال أحداث القص إلى القاهرة، فإن مأمور قسم الجمالية ـ صبحي أفندي منصور ـ لا يستطيع أن يفعل شيئا تجاههم، بل أنه أسرَّ إلى جعلص بأنهم يلقون عليه الوسخ من النوافذ وهو في بدلته الميري. ولنقتطع جزءا من الحوار الذي دار بين محمد جعلص والمأمور عندما ذهب جعلص يشكو للرجل ما حدث بين صغار اليهود وابنه علي:
    (أذهله صبحي أفندي منصور، مأمور قسم الجمالية، عندما كلمه فيما حدث. أشار الرجل إلى كتفه، وقال في أسى واضح:
    ـ ماذا تقول في إلقائهم الوسخ من نافذة، على مأمور القسم؟
    غالب الدهشة: ـ كيف ؟
    قال المأمور: كنت أختصر الطريق من الموسكي إلى القسم ..
    (جعلص) في عدم تصديق: ربما لم يعرفوا من أنت؟
    قال المأمور: والبدلة الميري ؟
    ـ لعل الوسخ ألقي عفوا أو خطأ ؟
    ـ والضحكات التالية لما حدث من المطلين في النوافذ والجالسين أمام الدكاكين ؟
    (جعلص) وهو يضرب جبهته بقبضة يده: هذه مصيبة !
    دلك المأمور بإصبعيه تحت أنفه: تكررت المصائب كثيرا في الفترة الأخيرة.
    ـ هل تأذن لي في التصرف؟
    قال الرجل وهو يعاني: أنا موظف رسمي .. أحتاج إلى التدقيق والإثبات ومراعاة الحساسيات .. أما أنت .. وعلا صوته: تصرف يا جعلص.
    ترى لو تنبه رجال نقطة الأنفوشي إلى وجود السمانة الأولى، وإلى خلو الصاري المرتفع بسراي رأس التين من العلم، هل كان الأمر يصل في الجمالية إلى ما وصل إليه، وأوردناه منذ قليل.
    إن فشل مقاومة الحملة الفرنسية في الإسكندرية، أدى إلى دخول نابليون الأزهر بخيوله، وفشل مقاومة الإنجليز في الإسكندرية، أدى إلى احتلال البلاد لمدة 72 عاما. وعدم طرد أول سمانة ألقت نظرتها المتأملة على مباني سراي رأس التين، شر طردة، أدى إلى إفلاس محمد جعلص (رمز المواطنين) ، وإهانة صبحي أفندي منصور مأمور قسم الجمالية (رمز السلطة المصرية) على هذا النحو الذي صوره محمد جبريل ببراعة في قصة "حارة اليهود".
    وربما يعود السبب في عدم طرد أول سمانة ظهرت في الآفاق وحطت على الصاري المرتفع، إلى ما عرف علميا عن السمان، فهو ـ حسبما جاء بموسوعة الحيوان الإلكترونية / قسم الطيور ـ طائر نادرا ما يراه الناس، وتشبه الأنثى الذكر في الحجم، ويفضل عند الفرار أن يجري وسط المزارع أكثر من الطيران، ويطير لمسافات طويلة جدا أثناء الهجرة، ويعيش في أوربا وآسيا، ويهاجر شتاءً إلى منطقة البحر المتوسط وأفريقيا، ويوجد غالبا في المناطق العشبية والحقول.
    هنا تبرز خصيصة أخرى من خصائص فن القص عند محمد جبريل، سبق أن ألمحنا إليها، وهي: توظيف المعرفة العلمية توظيفا مناسبا لمحتوى القصة. ومن خلال المعلومات العلمية السابقة عن طائر السمان، نجد أن جبريل يبدأ قصته "حدث استثنائي في أيام الأنفوشي" بقوله: "بعد أن استقرت السمانة فوق الصاري"، وهنا يتحدث عن طائر السمان بأسلوب المؤنث، حيث لا يوجد فرق كبير بين الأنثى والذكر، وخاصة في الحجم، ولأن الصاري مرتفع فلم يبن على وجه اليقين أهو ذكر أم أنثى، وهو من خلال هذا العلو الشاهق لم يتبين منطقة الحنجرة التي تكون في الأنثى وردية اللون، ولعل استخدام الأنثى كمستطلعة في بداية القصة ثم مرشدة، يشير إلى أسلوب من أشهر أساليب اليهود في استخدام أو استعمال الأنثى أو المرأة في تعاملاتهم الحياتية (ومنها الدعارة على سبيل المثال). ثم إن هذه السمانة ألقت نظرة على الحديقة الواسعة برأس التين، وهو ما يتفق علميا مع أماكن وجود السمان في المناطق العشبية والحقول. ثم تفضيله لمنطقة البحر المتوسط في الشتاء، وها نحن الآن ـ أي في زمن القصة ـ في فصل الخريف، والشتاء على الأبواب.
    لقد نجح محمد جبريل في هاتين القصتين في تضفير الواقعي بالرمزي، وفي الانطلاق من الرمزي إلى الواقعي، أو العكس، وهو كذلك في معظم أعماله الإبداعية بحيث يكسب القصة العربية القصيرة طعما مميزا، ووعيا متجذرا بالذات والموضوع. فتتحول الذات المنفعلة (محمد جعلص على سبيل المثال) إلى موضوع يكسبه دلالة واقعية وتاريخية على مر العصور.
    أحمد فضل شبلول
    الإسكندرية 15/6/2000

    </i>

  3. #3
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. حسين علي محمد مشاهدة المشاركة
    اليهود بين الأنفوشي والجماليَّة
    في قصص محمد جبريل

    بقلم : أحمد فضل شبلول
    ....................................

    يدعونا محمد جبريل في مجموعته القصصية "حارة اليهود" الصادرة عن مطبوعات الهيئة العامة لقصور الثقافة في سبتمبر 1999، إلى التسلح بالوعي واليقظة والحذر، وإلى المقاومة وعدم الاستسلام، فاليهود يتربصون بنا، يتسللون من بين سكوتنا وخلافاتنا، ينتظرون اللحظة الحاسمة للانقضاض على الوطن والتهامه.
    وفي سبيل ذلك يتوسل الكاتب بوسائل فنية عدة، من أهمها استخدام الرمز الشفيف، مثل السمانة في قصة "حدث استثنائي في أيام الأنفوشي". وهذه القصة على الرغم من قصرها فإنها تحمل معظم خصائص فن القصة القصيرة عند محمد جبريل، والتي من أهمها: 1 ـ الجملة التلغرافية أو الجملة القصيرة السريعة الموحية. 2 ـ الوصف، وخاصة وصف البيئة السكندرية، واستخدام مفرداتها الحياتية، ومفردات الطبيعة فيها. 3 ـ التساؤل الذي يحمل في طياته الإجابة لمن أراد التأمل في واقعنا العربي. 4 ـ توظيف المعرفة العلمية توظيفا مناسبا لمحتوى القصة.
    ولنتأمل هاتين الجملتين على سبيل المثال: الصاري المرتفع الخالي من العلم، اكتفت (مجموعات السمان) بحجرة في نقطة الأنفوشي، تدير منها أحوالها.
    إن الصاري الخالي من العلم يدل دلالة أكيدة على ضياع الهوية. لقد وجدت السمانة أناسا بلا هوية، وبلا زمان محدد أيضا، فوجود العلم فوق سراي رأس التين، ربما كان يسهم في تحديد الفترة الزمنية، وهل هي قبل قيام ثورة 1952 حيث العلم المصري الأخضر يتوسطه الهلال الأبيض أيام الملكية، أم بعد قيام الثورة حيث تغير شكل العلم إلى ثلاثة ألوان: الأحمر والأبيض والأسود.
    ويبدو أن الزمن لا يشكل أهمية كبرى بالنسبة للسمانة التي جاءت تستطلع المكان، ونفوس البشر، وتختبر عنصر المقاومة لديهم. وقد وجدت السمانة الفرصة مهيأة تماما لاستيطان قومها هذا المكان. فالمباني تآكلت ـ أي لم يعد لديها القدرة على المقاومة، إنها ستنهار مع أول صرخة ريح. والقوارب الصغيرة تناثرت فوق الرمال، دلالة إما على تعطل أصحابها عن العمل، أو انتهائهم من عملهم وانصرافهم إلى لهوهم ومتعهم. والوقت خريف حيث يخلو الشاطئ أو طريق الكورنيش ـ عادة ـ من المارة بعد انقضاء فصل الصيف وعودة المصطافين ـ والمستفيدين من وجودهم ـ إلى سابق أعمالهم، وتصبح المدينة خالية إلا من أهلها.
    إن المكان السكندري، وهو رمز للمكان المصري بعامة ـ له وجوده الحي الملائم لهذه السمانة الرمز أيضا. فمحمد جبريل يحمل في وعيه هذا المكان ليس باعتباره الإسكندرية التي يحبها ويوظفها في معظم أعماله الإبداعية، ولكن يوظف المكان ـ الرمز ـ هنا باعتباره المكان الذي دلف منه الرومان إلى مصر بعد انتصار أوكتافيوس أغسطس على أنطونيوس وكليوباترا في موقعة أكتيوم البحرية سنة 31 ق.م، فكان احتلال الإسكندرية ثم مصر عام 30 ق.م، وهو المكان الذي دخل منه الفرنسيون في حملتهم على مصر في أول يوليه عام 1798، وهو أيضا المكان الذي دخل منه الإنجليز عام 1882.
    لم يغب هذا التاريخ عن وعي السمانة، ولا عن وعي الكاتب التاريخي، لذا اختاره ليكون موقع الهجوم القادم لأسراب السمان التي جاءت من أوربا ـ مثلها مثل الغزاة السابقين ـ والتي غطت الشاطئ والشوارع والأزقة وأسطح البيوت، والشقق والدكاكين، حتى الكبائن المغلقة.
    إن هذا الهجوم والاستيطان سيكون نقطة انطلاق الكاتب إلى قصة أخرى هي "حارة اليهود" التي حملت المجموعة اسمها، حيث نجمة داود المتداخلة في الأبواب والشرفات، مما يدل على دقة التنظيم والانتشار والنظام وحب العمل والكسب التي أشار إليها المؤلف في القصة الأولى. وكأن القصة الثانية التي دارت أحداثها في القاهرة، تأتي مكملة للقصة الأولى، وكأن محمد جعلص بطل القصة الثانية "حارة اليهود" يحقق رغبات الناس ـ في القصة الأولى ـ الذين تبين لهم أن السكوت عن المقاومة طريق إلى الجنون، فمحمد جعلص اكتوى بنار القروض والشيكات المؤجلة وبضائع الأمانة التي أغرقه فيها اليهود، ثم فجأة هطلوا عليه كالسيل دفعة واحدة يطالبون بأموالهم، فأفلسوه في يوم وليلة. لقد انتهز محمد جعلص فرصة ضرب أطفال اليهود لعلي الصغير، وطاح ـ هو ومن معه ـ في سكان حارة اليهود بالشوم والعصي والنبابيت والسكاكين والخناجر. ويأتي سؤال عبد العظيم هريدي في هذه القصة ذا مغزى ودلالة عميقة. فعندما يقول محمد جعلص بعد انتهاء المعركة: "علقة .. لن يعودوا بعدها إلى أذية الناس". يعلق هريدي بقوله: "هل تظن ذلك ؟". إن هذا التعليق أو التساؤل لم يزل في حاجة إلى إجابة، مثله في ذلك التساؤل الذي ورد في القصة الأولى: هل يعد السمان نفسه لإقامة طويلة؟. وهنا تبرز خصيصة من خصائص فن القصة القصيرة عند محمد جبريل تتمثل ـ كما سبق القول ـ في: التساؤل الذي يحمل في طياته الإجابة لمن أراد التأمل في واقعنا العربي.
    ولعل المدقق في القصتين سيجد موقفا غريبا، أشرنا إليه إشارة سريعة في السطور السابقة، ولكن تؤكده قصة "حارة اليهود" تأكيدا باهرا وهو موقف رجال الشرطة من الأحداث. فمن خلال محتوى رمزي يشير المؤلف في القصة الأولى إلى أن أسراب السمان المهاجرة إلى الإسكندرية اكتفت بحجرة في نقطة الأنفوشي، تدير منها أحوالها. ولم يشر المؤلف إلى أنه كانت هناك مقاومة من أي نوع، من جانب مأمور النقطة أو معاونيه، بل أنها أفرزت ـ من بين أسرابها ـ كل ما تحتاجه من جنود وعلماء وحرفيين وموظفين. وبالتأكيد كل هذا كان يتم تحت أعين رجال الشرطة في المنطقة. أما في القصة الثانية وبعد نجاح أسراب السمان في بناء حياتهم، وانتقال أحداث القص إلى القاهرة، فإن مأمور قسم الجمالية ـ صبحي أفندي منصور ـ لا يستطيع أن يفعل شيئا تجاههم، بل أنه أسرَّ إلى جعلص بأنهم يلقون عليه الوسخ من النوافذ وهو في بدلته الميري. ولنقتطع جزءا من الحوار الذي دار بين محمد جعلص والمأمور عندما ذهب جعلص يشكو للرجل ما حدث بين صغار اليهود وابنه علي:
    (أذهله صبحي أفندي منصور، مأمور قسم الجمالية، عندما كلمه فيما حدث. أشار الرجل إلى كتفه، وقال في أسى واضح:
    ـ ماذا تقول في إلقائهم الوسخ من نافذة، على مأمور القسم؟
    غالب الدهشة: ـ كيف ؟
    قال المأمور: كنت أختصر الطريق من الموسكي إلى القسم ..
    (جعلص) في عدم تصديق: ربما لم يعرفوا من أنت؟
    قال المأمور: والبدلة الميري ؟
    ـ لعل الوسخ ألقي عفوا أو خطأ ؟
    ـ والضحكات التالية لما حدث من المطلين في النوافذ والجالسين أمام الدكاكين ؟
    (جعلص) وهو يضرب جبهته بقبضة يده: هذه مصيبة !
    دلك المأمور بإصبعيه تحت أنفه: تكررت المصائب كثيرا في الفترة الأخيرة.
    ـ هل تأذن لي في التصرف؟
    قال الرجل وهو يعاني: أنا موظف رسمي .. أحتاج إلى التدقيق والإثبات ومراعاة الحساسيات .. أما أنت .. وعلا صوته: تصرف يا جعلص.
    ترى لو تنبه رجال نقطة الأنفوشي إلى وجود السمانة الأولى، وإلى خلو الصاري المرتفع بسراي رأس التين من العلم، هل كان الأمر يصل في الجمالية إلى ما وصل إليه، وأوردناه منذ قليل.
    إن فشل مقاومة الحملة الفرنسية في الإسكندرية، أدى إلى دخول نابليون الأزهر بخيوله، وفشل مقاومة الإنجليز في الإسكندرية، أدى إلى احتلال البلاد لمدة 72 عاما. وعدم طرد أول سمانة ألقت نظرتها المتأملة على مباني سراي رأس التين، شر طردة، أدى إلى إفلاس محمد جعلص (رمز المواطنين) ، وإهانة صبحي أفندي منصور مأمور قسم الجمالية (رمز السلطة المصرية) على هذا النحو الذي صوره محمد جبريل ببراعة في قصة "حارة اليهود".
    وربما يعود السبب في عدم طرد أول سمانة ظهرت في الآفاق وحطت على الصاري المرتفع، إلى ما عرف علميا عن السمان، فهو ـ حسبما جاء بموسوعة الحيوان الإلكترونية / قسم الطيور ـ طائر نادرا ما يراه الناس، وتشبه الأنثى الذكر في الحجم، ويفضل عند الفرار أن يجري وسط المزارع أكثر من الطيران، ويطير لمسافات طويلة جدا أثناء الهجرة، ويعيش في أوربا وآسيا، ويهاجر شتاءً إلى منطقة البحر المتوسط وأفريقيا، ويوجد غالبا في المناطق العشبية والحقول.
    هنا تبرز خصيصة أخرى من خصائص فن القص عند محمد جبريل، سبق أن ألمحنا إليها، وهي: توظيف المعرفة العلمية توظيفا مناسبا لمحتوى القصة. ومن خلال المعلومات العلمية السابقة عن طائر السمان، نجد أن جبريل يبدأ قصته "حدث استثنائي في أيام الأنفوشي" بقوله: "بعد أن استقرت السمانة فوق الصاري"، وهنا يتحدث عن طائر السمان بأسلوب المؤنث، حيث لا يوجد فرق كبير بين الأنثى والذكر، وخاصة في الحجم، ولأن الصاري مرتفع فلم يبن على وجه اليقين أهو ذكر أم أنثى، وهو من خلال هذا العلو الشاهق لم يتبين منطقة الحنجرة التي تكون في الأنثى وردية اللون، ولعل استخدام الأنثى كمستطلعة في بداية القصة ثم مرشدة، يشير إلى أسلوب من أشهر أساليب اليهود في استخدام أو استعمال الأنثى أو المرأة في تعاملاتهم الحياتية (ومنها الدعارة على سبيل المثال). ثم إن هذه السمانة ألقت نظرة على الحديقة الواسعة برأس التين، وهو ما يتفق علميا مع أماكن وجود السمان في المناطق العشبية والحقول. ثم تفضيله لمنطقة البحر المتوسط في الشتاء، وها نحن الآن ـ أي في زمن القصة ـ في فصل الخريف، والشتاء على الأبواب.
    لقد نجح محمد جبريل في هاتين القصتين في تضفير الواقعي بالرمزي، وفي الانطلاق من الرمزي إلى الواقعي، أو العكس، وهو كذلك في معظم أعماله الإبداعية بحيث يكسب القصة العربية القصيرة طعما مميزا، ووعيا متجذرا بالذات والموضوع. فتتحول الذات المنفعلة (محمد جعلص على سبيل المثال) إلى موضوع يكسبه دلالة واقعية وتاريخية على مر العصور.
    أحمد فضل شبلول
    الإسكندرية 15/6/2000

    </i>
    يسعدني ان امر من هنا واحيي قلم واعي حكيم الاديب محمد واحيي من قدمه اهلا بك دكتور
    فراس

  4. #4
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فراس الحكيم مشاهدة المشاركة
    يسعدني ان امر من هنا واحيي قلم واعي حكيم الاديب محمد وأحيي من قدمه اهلا بك دكتور.
    فراس
    شكراً للأديب الأستاذ فراس الحكيم على التعليق.

  5. #5
    حوار بين محمد جبريل وفاطمة يوسف العلي

    النظرة للإبداع يجب أن تتغير لأن مبدعينا ينحدرون للهاوية
    لم يكن بمقدوري الكتابة إلا عن البحر
    حتى نجيب محفوظ توزيع رواياته انخفض إلى حد كبير
    يضطر الكاتب لدفع ما يزيد على القيمة الفعلية لطباعة كتابه

    (القسم الأول)
    ...................
    رغم أن الكاتب محمد جبريل متنوع في كتاباته, يوزع قلمه بين الصحافة والتأليف والنقد الأدبي, فإن الشهادة الحقيقية على ما قام به من جهد تكمن في إبداعه الروائي. ولا يعني التركيز على هذا الجانب ترك بقية ملامح الصورة. ولكن هذا الجانب, الذي يعتز به كثيرا,ً يبقى الجانب الأكبر والأكثر حميمية من ذاته. إنه كاتب غزير الإنتاج. فله أكثر من عشرين رواية أشهرها (رباعية بحرى) التي تتألف من أربع روايات متصلة منفصلة هي (أبو العباس) و(ياقوت العرش) و(البوصيري) (وعلي تمراز). وهي الرباعية التي يحلو للنقاد عقد مقارنة بينها وبين رباعية داريل الشهيرة عن الإسكندرية. كما أن إسهام محمد جبريل في القصة القصيرة كبير أيضا فله حوالي عشر مجموعات قصصية, أولها (تلك اللحظة) وآخرها (رسالة السهم الذي لا يخطئ) وله في مجال النقد أكثر من كتاب. وقد نال جائزة الدولة التشجيعية عن كتاب (مصر في عيون كتابها المعاصرين) عام 1975م.
    ولد محمد جبريل في مدينة الإسكندرية عام 1938, وتقلد أكثر من منصب صحفي مهم في مصر والعالم العربي.
    وقد أجرى الحوار معه القاصة الكويتية فاطمة يوسف العلي وهي من الأديبات النشيطات على مستوى العمل العام ولها ثمانية كتب تتوزع بين القصة القصيرة والرواية والبحث الأدبي وأشهرها: (وجوه في الزحام) 1971, (وجهها وطن) 1995, و(تاء مربوطة) 2001 وهي مجموعة قصصية صدرت من القاهرة.
    يبدو البحر شخصية رئيسة في معظم إبداعاتك, وهو أشد ما يكون تجسيداً في روايتك الضخمة (رباعية بحري)... ما تفسير ذلك?
    - بداية, أنا لم أكتب عن البحر, ولا عن الصلة بين البحر واليابسة, وهو ما يبين في الكثير من إبداعاتي الروائية والقصصية, لم أكتب لطرافة الموضوع, وإنما لأنه لم يكن بمقدوري سوى الكتابة عن البحر. البحر يحضن الإسكندرية من معظم جوانبها, ويحيط بحى بحري من ثلاث جهات, كان هو المكان الذي تطل عليه شرفة بيتنا, ويطل السطح على امتداد آفاقه. كنت أسير على شاطئه, وأتابع التعامل اليومي معه في صيد الصنارة والطراحة والجرافة, وعمليات الشحن في الميناء الغربية, وركوب البحر نفسه في قوارب صغيرة تعبر المسافة من باب واحد إلى باب رقم ستة, أو في لانشات تمضي إلى قرب البوغاز, حتى في الظلام, كنت أستمع إلى البحر, وإن كنت لا أراه. أتذكر قول رامبو: (إنه البحر وقد رحل مع الشمس). البحر ليس موضعاً طارئاً في حياتي. إنه الحياة نفسها. وعلى الرغم من انقضاء عشرات الأعوام على ابتعادي - بصورة عملية - عن الإسكندرية, فإني أفضل - حتى الآن - أن تدور أحداث أعمالي في بحري, لأني أشعر أن الحي تحت تصرفي, أعرف تاريخه وأسواقه وشوارعه ومساجده وبناياته وسلوكيات حياته اليومية, أعرف المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد, حتى مسميات الأشياء واللهجة هي وسيلة التعبير عندي, حتى مستطيلات البازلت التي تتفق فيها مع المدن الساحلية الأخرى.
    حي بحري بالإسكندرية هو الأرضية لمعظم ما كتبت من إبداعات. وقد أردت في رباعية بحري بأجزائها: أبو العباس - ياقوت العرش - البوصيري - على تمراز, أن أكتب فصولاً مستقلة, تتكامل في تصوير حي بحري الذي أحببته, وامتداده الطبيعي إلى المكس, أو إلى الرمل.
    صورة الإسكندرية
    ما أوجه الاتفاق - والاختلاف - بين رباعية الإسكندرية ورباعية بحري?
    - ليست هذه هي المرة الأولى التي يوجه لي فيها هذا السؤال. وقد صدمني السؤال في البداية, وربما تضايقت منه, ثم ألفته بالمعاودة. أصارحك أني تعمدت ألاّ أقرأ رباعية الإسكندرية حتى لا أقع في شبهة تأثر, قراري بكتابة رباعية بحري يعود إلى مطالع حياتي الأدبية, وبالذات في ضوء الحفاوة النقدية الواضحة, والتي اعتبرت رباعية داريل من أعظم إبداعات القرن العشرين.
    ثم حاولت - بعد أن صدرت رباعية بحري - أن أفتش عن جوانب الاتفاق والاختلاف, لا كناقد, فقد مللت تأكيد أنه حتى فوزي بجائزة الدولة في النقد لا يلغي تفهّمي لقدراتي النقدية, وأني سأظل دوماً خارج أسوار النقد!
    رأيي أنه إذا كانت صلة شخصيات ميرامار نجيب محفوظ بالإسكندرية هي صلة هامشية, حيث اختاروا الإقامة في الإسكندرية كمنفى, لا تشغلهم حياة ناسها اليومية, ولا مشكلاتهم, فإنه من الصعب إهمال التأثيرات الأجنبية في حياة الإسكندرية. وعلى سبيل المثال, فإن يوم الأحد في الإسكندرية يختلف عن اليوم نفسه في بقية المدن المصرية. الشوارع خالية نسبياً, والكثير من المتاجر يغلق أبوابه, ذلك لأن التأثيرات الأجنبية التي تحققت من خلال (مواطنة) أعداد هائلة من الجاليات الأوربية لم تندثر من المدينة بصورة كاملة بعد. لكن الصورة التي رسمها داريل في رباعية الإسكندرية - على حد تعبير صلاح عبدالصبور - تنتمي إلى داريل أكثر مما تنتمي إلى الإسكندرية.
    والحق أنه من الصعب أن أجري شخصيا مقارنة بين ما كتبته وما كتبه مبدعون آخرون, لكن الذي أستطيع تأكيده أن الكتابة عن الإسكندرية - وبحري تحديداً - حلمي القديم, الجميل, الذي يرافق محاولاتي الإبداعية منذ بداياتها. السؤال: لماذا, لم أناقشه - بيني وبين نفسي - على الإطلاق? فقد كانت الكتابة عن حي الطفولة والنشأة والسمات المميزة والبيئة التي تختلف عن مثيلاتها في أحياء الإسكندرية الأخرى, كانت شيئا أشبه بالقدر... لكنني أملك - فيما أقدّر - طرح بعض الآراء التي تناولت رباعية داريل, ثم أترك للقارئ - قارئ أجزاء الرباعية وقارئ هذه المواجهة - أن يتعرف إلى ما ينشده من أوجه الاتفاق والاختلاف.
    الذاكرة أفضل
    هل تختلف صورة بحري الذي عبرت عنه في أعمالك عن صورته الحالية?
    - أصارحك بأن الحزن يلفني عندما أزور الإسكندرية, حي بحري بالذات, هذه الأيام, لقد تغيرت الصورة تماما, فأنا أفضل أن أعتمد على صور الذاكرة.
    حي الجمالية بعمارته الإسلامية وشوارعه الضيقة وأقبيته ومساجده وزواياه وحرفييه, هو التعبير عن القاهرة المعزية بكل زخمها التاريخي والمعماري والإنساني. ذلك ما يصدق - إلى حد كبير - على حي بحري, وإن انتسب الكثير من أبنائه إلى المهن المتصلة بركوب البحر.
    أفلح الانفتاح في أن ينفذ - بمظاهره السيئة - إلى الموطن الذي نشأت فيه, وأحببته. بحري الذي عشت فيه يختلف عن ذلك المبنى الخرساني الهائل الذي احتل ميدان أبي العباس, فذوت الروحانية وحميمية البشر. افتقد الحديقة الهائلة أمام سراي رأس التين تتاح خضرتها للجميع, ويتلى فيها القرآن في ليالي رمضان. شاطئ الأنفوشي احتلته الكبائن وورش المراكب, فضاعت فرص أبناء الحي الشعبي في الإفادة من البحر الذي ولدوا على شاطئه.
    غياب المرأة
    بعض الآراء تجد في رحيل الأم في سن باكرة سبباً في غياب المرأة عن معظم إبداعاتك... ما رأيك?
    - أوافقك على أن المرأة كانت غائبة, أو أنها عانت شحوباً في أعمالي الأولى, لكن الملامح تغيرت تماماً في الأعمال التالية. ثمة نادية حمدي في (النظر إلى أسفل) التي تمثل شرياناً رئيساً في جسد الرواية, والزوجة في (اعترافات سيد القرية) تهبنا مواقف إيجابية مناقضة لما كان يمثله الرجل, وأنسية في (رباعية بحري) تحملت ما لا يحتمله بشر في محاولة تخطى ظروفها القاسية. وثمة ياسمين في (الشاطئ الآخر), وعائشة عبد الرحمن القفاص في (قلعة الجبل), وزهرة الصباح في الرواية المسماة بالاسم نفسه, وبهية الحلواني في (بوح الأسرار) وغيرها من الشخصيات التي تقدم المرأة في أبعاد مختلفة. قد تواجه ما يدفعها إلى اتخاذ مواقف سلبية, لكنها واصلت السعي في اتجاه رفض الظروف المعاكسة, والإصرار على تخطيها.كان لغياب أمي عن حياتي في سن باكرة تأثيره بالنسبة لي على المستويين الشخصي والإبداعي, وقد اتسعت مساحة ذلك التأثير - فيما بعد - في مجموع أعمالي, بحيث تبين المرأة - كما أتصور - عن ملامح يصعب إهمالها.
    ما رأيك في مقولة إننا نحيا زمن الرواية?
    - مع افتتاننا بالتعبيرات التي تختزل ظاهرة أدبية, فإن أحد النقاد أعلن - ذات يوم - وفاة القصة القصيرة, وأعلن نقاد آخرون أن الزمن ليس زمن الشعر, وأكد البعض أن المستقبل للكتابة الدرامية, وأنها هي رواية المستقبل. ويصدم أسماعنا وأعيننا - بين فترة قصيرة وأخرى - تعبير ينعى وفاة جنس أدبي, أو يؤكد سيادته على بقية الأجناس.
    وإذا كان تعبير زمن الرواية هو ما تلوكه أفواهنا وأقلامنا في الأعوام الأخيرة, فإن المأزق الذي يواجهه هذا التعبير, وربما أفقده مصداقيته, ما يحرص الناشرون - على تأكيده بأن زمن النشر الروائي انتهى!... بمعنى حفاوة الناشرين بالروايات, والإقدام على نشرها, دخل - منذ سنوات - في دائرة المستحيل.
    قراء الرواية يتناقصون, مقابلاً لزيادة قراء السياسة والمذكرات والدين والمشكلات العاطفية والحسية, بالإضافة إلى الأزمة التي يعانيها الكتاب الورقي بتأثير الوسائل الطباعية المستحدثة, وأهمها - بالطبع - الكتاب الإلكتروني.ثمة وسيلتان لنشر الأعمال الروائية, أولاهما هيئات وزارة الثقافة: هيئة قصور الثقافة, وهيئة الكتاب, والمجلس الأعلى للثقافة. أما الوسيلة الثانية فهي اللجوء لدور النشر الخاصة التي تحصل من مؤلف الرواية على أكثر مما تتكلفه طباعة العمل, فتضمن الربح مسبقا, بينما يحصل المؤلف على نسخ قليلة... هدايا للأصدقاء!
    أما الناشرون الذين يعرفون لعملية النشر قدرها واحترامها, فإنهم يرفضون الكتابات الروائية باعتبارها بضاعة كاسدة. وتقتصر اختياراتهم على البضاعة المضمونة الرواج, وبالذات الكتاب الجامعي الذي يمثل - كما نعلم - بضاعة مفروضة من الأساتذة على الطلاب!...
    الحديث عن زمن الرواية يبدو بلا معنى أو مستغربا أمام إحجام الناشرين عن قبول الأعمال الروائية.
    وإذا كان الزمن هو بالفعل زمن الرواية, فلماذا لا يزدهر سوق الرواية? لماذا يرفض الناشرون قبولها? ولماذا تتدنى أرقام التوزيع?
    المثل الأشد غرابة أن نجيب محفوظ بكل ما حققه من مكانة في حياتنا الثقافية, وفي الثقافة العالمية بعامة, هبطت أرقام توزيع رواياته من عشرة آلاف نسخة في العام, إلى ثلاثة آلاف نسخة كل بضعة أعوام.


    </i>

  6. #6
    (القسم الثاني)
    ....................
    مَن يعيننا على حل اللغز?!
    سوق النشر
    كنت نائباً لرئيس اتحاد كتاب مصر, كيف تنظر إلى مشكلة النشر التي تحولت إلى ظاهرة سلبية لم تفلح في علاجها كل المحاولات سواء على المستويات الإقليمية أو القومية?
    - المتأمل لأحوال النشر في بلادنا, يستطيع أن يقسم الناشرين إلى ثلاثة أنواع: ناشر يعطى المؤلف مكافأة على ما يكتبه بضع مئات من الجنيهات. وناشر يكتفي بتقديم نسخ قليلة للأديب مقابلا لنشر إبداعه, من قبيل التشجيع, أو المجاملة! أما النوع الثالث فهو يحصّل من المؤلف ما يزيد على تكاليف طباعة كتابه, أي أن الأديب يعطي ولا يأخذ, كل ما يأخذه بضعة آحاد أو عشرات من النسخ!
    والحق أن المقابل المتواضع الذي يتلقاه بعض الكتاب, والاكتفاء بمجرد النشر لكتّاب آخرين, واضطرار كتاب لدفع ما يزيد على التكاليف الفعلية لطباعة كتبهم, ذلك كله يعكس نظرة دور النشر بعامة إلى مهنة الكتابة, وأن الهدف في كل الأحوال هو مجرد تشجيع الأديب على توثيق إبداعه, وليس تسويقه, فبعض الكتب لا يصدر منها أكثر من مائتي نسخة أو ثلاثمائة على, وبالذات إصدارات دور النشر التي تقوم بعملية احتيال معلنة حين تحصل على ما يتراوح بين ألف وثلاثة آلاف جنيه مقابلاً لطباعة بضع عشرات من النسخ, مجرد توثيق فلا يجد الكتاب سبيله إلى أرفف المكتبات, ولا عند باعة الصحف.
    إن النظرة إلى قيمة الإبداع يجب أن تتغير. ما يكتبه الأديب في معظم بلاد العالم يدر عليه دخلا يتيح له التفرغ لإبداعه. أما النظرة إلى مبدعينا فهي تتحدد في دائرة الهواية. حتى المقابل الذي ربما تقاضاه لا يصل - بالقطع - إلى قيمة الكتب التي قرأها, ولا الوقت الذي أنفقه, ولا أجر الكمبيوتر, وبالمناسبة, فإن دور النشر تشترط الآن أن يسلم الأديب أصول كتابه مطبوعة على الكمبيوتر!
    إن تخلفنا - في كل المجالات - سيظل حقيقة يصعب إغفالها, ما لم تحصل الكلمة ومبدعها على المكانة اللائقة, والقيمة المستحقة!
    ثقافة العناوين
    في تقديرك, ما أخطر السلبيات التي تعانيها الثقافة العربية?
    سأحدثك عن ثقافة العناوين, أو السندوتش, أو التيك أواي. سمها ما شئت, لكنها تحولت في حياتنا إلى ما يشبه الظاهرة.
    ثمة من يجلسون إلى المثقفين, يستمعون إلى آرائهم فيما قرأوا, ويلتقطون عناوين كتب, وأسماء أعلام, وملخصات أفلام ومسرحيات ونظريات فلسفية, ثم ينقلون ذلك كله - أو بعضه - إلى مجالس أخرى. يتحدث أحدهم عن ديستويفسكي بما ينقل إلى محدثيه شعورا أنه قد قرأ كل أعماله, ويتحدث آخر عن المذاهب الفلسفية والفنية بلهجة الدارس الذي أجهد نفسه في المتابعة والمناقشة والتحليل, وتتناثر في كلمات آخرين أسماء أعلام وكتب واتجاهات, بما يعكس ثقافة واسعة.
    ظني أنه قد ساعد هذه الظاهرة أسلوب الملخصات الذي تصدر من خلاله بعض دور النشر أعمالاً عالمية مهمة. ولعلي أشير إلى سلاسل تقدم عشرة كتب عالمية في كتيب محدود الصفحات, أو تختصر التراث الإنساني بكامله في بضعة مجلدات... والهدف المرجو - أو المعلن - أن تكون مؤشرا للأعمال الأصلية, لكن القارئ يكتفي بما قرأ, ويعتبره غاية المراد من رب العباد, ويتحدث عما قرأ من ملخصات وكأنه قرأ الأعمال الكاملة!
    وقد أخذت الظاهرة بعداً آخر, غريباً, في اعتبار البعض ما شاهده من أفلام أو مسرحيات مأخوذة من أعمال أدبية, نقلا جيدا عن تلك الأعمال يغني عن قراءتها, ويسمح بالتحدث فيها, توهما أنهم قد عرفوا عنها بما يكفي!.... وكم أذهلني تناول كاتب كبير لرواية أستاذنا نجيب محفوظ (خان الخليلي). ناقش الرجل فنية الرواية, وحلل الأحداث والشخصيات, ثم أنهى ما كتبه بالإشارة إلى أنه لم يقرأ الرواية, وإنما اكتفى بمشاهدة المسرحية المأخوذة منها!
    وتبلغ الظاهرة حد المأساة عندما يلجأ ناقد إلى تلخيص للعمل الأدبي كتبه ناقد آخر, فيبني عليه مناقشته للعمل, وهو ما نطالعه - مع الأسف - في العديد من الكتب النقدية المعاصرة. يفلح ناقد في إخفاء سطوه على جهد الآخرين, بينما لا يجد ناقد آخر ما يدعو إلى إخفاء ما فعل. ولعل المثل الذي يحضرني, ذلك الكتاب الضخم عن توفيق الحكيم. ناقش مؤلفه - فيما ناقش - رواية (زينب) لمحمد حسين هيكل, ثم ذكر في الهامش أنه قد اعتمد في كل ما كتب على كتاب علي الراعي (دراسات في الرواية المصرية), أي أنه - ببساطة - لم يقرأ الرواية التي قتلها نقداً!
    المبدع قائد ثقافي
    ثمة مؤاخذات على أن الكثير من المبدعين لا يعنون في إبداعاتهم بأخطر قضايا عالمنا العربي, وهي قضية الصراع العربي - الصهيوني, فما رأيك?
    ـ نظرة بعض المثقفين إلى الأديب أو الشاعر أنه لا يعنى بغير الإبداع. فلا شأن له بقضايا المجتمع ولا السياسة. حتى الرياضة لا يتصورون أنها تعنيه في شيء.إنه يؤثر الحياة في جزيرة صنعها لنفسه, يكتفي فيها بقراءة ما يتصل بإبداعه, أو ينصرف إلى تأملات في فضاء هذا الإبداع, أو ينشغل بالكتابة الإبداعية.. هذا هو عالمه المحدد والمحدود, أشبه بسياج البيت في أيام طه حسين الذي كان الصبي يتصوره نهاية العالم.
    تلك - بالتأكيد - نظرة خاطئة.. فالأديب له اهتمامات كل المثقفين, فضلاً عن هؤلاء الذين قد لا تعنيهم قضايا الثقافة, وإنما انشغالهم بواقع حياتهم وظروفهم المعيشية. ربما يجاوزونها إلى اهتمامات ثقافية أو ترويحية مثل التردد على المسارح ودور السينما, أو متابعة برامج التلفزيون, أو مجرد الجلوس على المقاهي.
    يتابع المبدع - على سبيل المثال - مناقشة حول مباراة في كرة القدم. يحاول المشاركة برأي.. لكن الدهشة المستغربة تواجهه: مالك وكرة القدم!
    الأقسى عندما يبدي المبدع رأيه في بعض قضايا السياسة. تعلو الملاحظة المشفقة: السياسة بحر قد لا تحسن السباحة فيه!
    والحق أن المبدع هو أشد الناس التصاقاً بقضايا مجتمعه, وقضايا الإنسانية بعامة. إنه يملك من المعرفة والوعي ما يتيح له النظرة الشاملة, الرؤية التي تناقش وتحلل وتتفق وتختلف.أثق أن النضال المقاوم الذي يخوضه الشعب الفلسطيني ضد العنصرية الصهيونية هو الشاغل الأهم لكل المبدعين, انطلاقاً من الوعي بالقضية, بواعثها وظروفها وواقعها ونتائجها المحتملة.
    الصراع العربي - الصهيوني في فلسطين يعني المواجهة بين الحضارة العربية والهمجية الصهيونية, بين إرادة الحياة على هذه الأرض مقابلاً لإرادة الغزو والاحتلال والاستيطان, التعامل مع تطورات الأحداث بمنطق نكون أو يكونون, والقيام بدور المحفز والمحضر, ومحاولة التوصل إلى آراء إيجابية ربما أسهمت في توضيح ما يفيد منه أصحاب القرار. والحق أن المبدع هو أشد الناس التصاقاً بقضايا مجتمعه, وقضايا الإنسانية بعامة. إنه يملك من المعرفة والوعي ما يتيح له النظرة الشاملة, الرؤية التي تناقش وتحلل وتتفق وتختلف.
    ذلك هو موقف كل المبدعين. المبدع قائد ثقافي في مجتمعه, وهذه القيادة لا تبين في التغزل بالقمر, ولا التغني بقطر الندى. لا قيمة لأي إبداع يغيب عنه الوعي في مواجهة الخطر. والخطر الذي نحياه - كما قلت - لا يقتصر على قطر بذاته, لكنه يشمل كل المنطقة العربية. إنهم يصرون على اجتثاث الوجود العربي من أرض فلسطين, بداية لتحقيق استراتيجية دامية, تمتد إلى بقية الأقطار العربية.
    إعلام الذات
    ما ملاحظاتك على الاستراتيجية التي يعمل الإعلام العربي في ضوئها?
    - تتنقل متابعتي بين أكثر من قناة فضائية عربية. القضية الأهم ما يجري الآن في فلسطين المحتلة, صور تعكس بشاعة الممارسات الصهيونية وإدانات معلنة وبرامج ومناقشات وتحليلات موضوعية ومتحمسة, وإن التقت جميعها في وجوب استعادة الشعب الفلسطيني أرضه وإرادته وحريته, مقابلاً لإدانة جرائم عصابة شارون وشركائه!
    أنتقل إلى قناة أوربية, نشرتها الإخبارية تقدم فقرات عن أحداث الأرض المحتلة.. لكن الصور والتعليقات تختلف تماماً عن تلك التي أجمعت القنوات العربية على تقديمها, ثمة العشرات من اليهود يشاركون في دفن جندي إسرائيلي قتله الفلسطينيون رداً على الاعتداءات الصهيونية المتكررة.
    انتظرت بقية الفقرات, ربما تقدم الجانب الآخر من الصورة, وهو الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.. لكن الأيدي الصهيونية بدت واضحة من وراء تتابع الصور والتعليقات.
    المشكلة - باختصار وبساطة - أننا نتوجه بإعلامنا إلى أنفسنا, إلى نحن. نعرّف أصحاب القضية بعدالة قضيتهم! أما الإعلام الصهيوني فهو ينطلق بالأكاذيب والدعاوى الأسطورية إلى الرأي العام العالمي من خلال سيطرة إعلامية مؤكدة, تشمل الكتاب والصحيفة والفيلم والمسرحية والبرنامج الإذاعي والتلفزيوني. يضع نفسه دوماً في موضع البريء, الجزيرة المسالمة المحاطة بالأعداء.. ولأنه بلا تاريخ حقيقي ولا تراث ولا هوية, فهو يسطو على تاريخ شعب المنطقة وينسبه إلى نفسه. فإن لم يفلح نسب ما عجز عن سرقته إلى غير حضارته, فزعم أنه تراث شرق أوسطي!
    والأمثلة كثيرة, تطالعنا بها - صباح مساء - وسائل الإعلام الأجنبية, والعربية أحياناً..
    الرأي العام العالمي بعد مهم في أي قضية دولية, ومخاطبته تحتاج إلى استراتيجية تحسن العرض والمناقشة والتحليل, وتدحض الأكاذيب بالحقائق الموضوعية. لا يكفي شعورنا بأننا على حق وعدونا على باطل. المهم أن نؤكد حقنا - أمام الرأي العالمي - ونعري محاولات العدو.
    حكومة المافيا الإسرائيلية جعلت قتل الفلسطيني روتيناً يومياً, لكنها تخاطب العالم عن العنف الفلسطيني.. والصورة في الغرب - باعتراف البعثات الدبلوماسية العربية - ليست هي الحقيقة, بل إنها النقيض تماماً.المسألة ليست في مجرد إجادة مخاطبة الرأي العام العالمي, لكن ما يتمخض عن ذلك من تأثيرات إيجابية بالنسبة للحق العربي, وسلبية بالنسبة للأكاذيب الصهيونية. أذكّر بإقدام العشرات من دول العالم - من بينها دول أوربية - على إدانة إسرائيل وقطع العلاقات معها عقب عدوان 1967. لم يفلح الإعلام الصهيوني - رغم هزيمة العرب حينذاك - في تغيير الحقائق.
    ماذا عن المستقبل?
    - أتمنى أن أظل أكتب, وأكتب, بينما نظراتي تتجه إلى البحر.


    </i>

  7. #7
    قصص قصيرة لمحمد جبريل
    ....................................

    غوايــــــة

    حين صعد الشبان الخمسة إلى عربة المترو ، كان يقرأ جريدة وهو واقف فى الزاوية بين ظهر المقعد والباب المغلق من الناحية المقابلة . كانت المقاعد ممتلئة ، وتناثر الوقوف فى المساحات الخالية . استأنف الشبان كلامهم فى وقفتهم بالقرب منه . تشاغل بقراءة الجريدة ، وإن عكست تعبيرات وجهه ما يبين أنه يتابع نقاشهم ..
    التقط ملاحظة الشاب المنمش البشرة عن انتصاف النهار دون أن يتناولوا طعاماً . أخرج من جيب الجاكت قطعة شيكولاتة . همس بلهجة مشفقة :
    ـ تصبيرة !
    تنبه الشبان إليه ..
    أطالوا التحديق في ملامحه وهيئته . في حوالى الخامسة والأربعين . يرتدى بدلة رمادية ، ورباط عنق من اللون نفسه . عيناه قلقتان لا تستقران بين أجفانه الضيقة ، فهو يطبق جفنيه ، ويفتحهما ، فى حركة عفوية ، سريعة ، ويكثر من رفع إصبعه ليعيد النظارة المنزلقة على الأنف إلى موضعها ، ويمسك فى يده منديلاً لتنشيف العرق المتصبب في وجهه ..
    قال الشاب الطويل القامة :
    ـ وأنا .. أليس لى قطعة شيكولاتة ؟
    رسم على وجهه ابتسامة واسعة ، وأشار إلى الشاب المنمش البشرة :
    ـ أعطيته قطعة كنت أحتفظ بها لنفسى ..
    التقط الشاب ارتجافة فى عينيه ، فقال :
    ـ لا شأن لى .. أريد شيكولاتة ..
    غلبه ارتباك . بدا منطوياً على نفسه ، ومتخاذلاً . رفع الجريدة بيده كمن يحاول الدفاع عن نفسه . تشجع الشاب الطويل فاختطف الجريدة . علت ضحكات الشبان . امتدت يد الشاب المنمش البشرة إلى الجيب العلوى . أخذ القلم ، وقذف به فى الهواء . التقطه . أعاد ما فعله مرات ، ثم قذف به من النافذة ..
    صرخ :
    ـ القلم !
    انعكست نظراتهم ارتجافة فى عينيه . وشى تلفته أنه يريد الابتعاد . تقدموا نحوه فى نصف دائرة . عاد بظهره إلى الوراء حتى التصق بالجدار . ظلوا يرمقونه بنظرات قاسية ، ويكورون قبضاتهم ، ويقتربون ، ويقتربون ..
    كان الشاب الممتلئ الجسد أقربهم إليه . صفعه بظهر كفه . تبعه الشاب الطويل ذو النظارة الطبية بلكمة . شجعهم تكوره على نفسه ، وملامحه الخائفة ، على معاودة ضربه . انهالت قبضاتهم وركلاتهم على جسده ، لا تتخير الموضع الذى تصيبه ..
    .................................................. ....




    لحظــــــــة

    أعادت تأمل الشعرة البيضاء . لم تكن رأتها من قبل . تنظر إلى المرآة إذا وضعت المساحيق ، أو مشطت شعرها ، أو وهى ترتدى الملابس . ربما تأملت وجهها ، أو جسمها كله ، بلا مناسبة . هذه هى المرة الأولى التى تكتشف فيها الشعرة قافزة فى الغابة السوداء خلف الأذن ..
    غالبت مشاعر متباينة ، وإن غاب معناها الحقيقي . دارت بإصبعين كدوامة ، حتى اطمأنت إلى اختفاء الشعرة تماماً . تأكدت من البسمة التى لم تكن تغادر شفتيها ..
    غادرت الشقة بخطوات بطيئة ..
    ثم بخطوات أسرع ..
    .................................................. ....




    غراب البحــر

    لما صوب خضر أبوشوشة بندقيته إلى غراب البحر ، فى وقفته على صارى البلانس ، طلب الجد السخاوى أن يشق الرجال بطن الطائر ليروا ما فيها ..
    السمكات السبع فى داخل البطن أذهلت الرجال ..
    كانوا قد أهملوا نصيحة الجد السخاوى ـ عندما ظهر غراب البحر على شاطئ الأنفوشى ـ بأن يبعدوا الطائر عن الشاطئ . ألفوا رؤيتهم له بالقرب من الساحل . رفضوا أن يدقوا الطبول والصفائح الفارغة ، لتصاب أسراب الغراب بالتعب فتسقط فى المياه ، أو تبتعد عن أفق الخليج . أرجعوا نصيحة الجد السخاوى إلى خرف تمليه الشيخوخة ..
    لكن أعداد الطير حلقت إلى مدى النظر ، وتناثرت فوق الصوارى والقلوع والمآذن وأسطح البيوت ومناشر الغسيل وأعمدة النور وأسلاك التليفونات ..
    ناقش الرجال ما قاله الولد صبحى شحاتة عن رؤيته للأماكن التى يبيت فيها الطائر بالقرب من الشاطئ . قالوا : لن تتأثر أسماك البحر من قنص أسراب الطائر ، مهما تتكاثر أعدادها ..
    استعادوا نصيحة الجد السخاوى وملاحظة الولد ، لما طلعت السنارة والطراحة والجرافة بأعداد قليلة من السمك ، وعاد الرجال ـ أحياناً ـ بلا محصول . أدركوا أن الخطر أشد مما تصوروه . أربك محاولاتهم لقتله ، أو إبعاده ، أنه قادر على المناورة ، ويجيد الاختفاء والغوص ..
    تبادل الرجال نظرات الحيرة . زاد من حيرتهم صمت الجد السخاوى على تهامسهم بالسؤال : ماذا نفعل ؟
    .................................................. ....




    انكسارات الرؤى المستحيلة

    قال أحمد أنيس وهو يضع رزمة النقود على مكتبى :
    ـ ثلاث ساعات وأنا أتنقل بين البنك المركزى وبنط مصر وبنك فيصل ..
    أودعت رزمة النقود درج المكتب :
    ـ ما فعلته جزء من عملك ، فلم تشكو ؟
    رسم على وجهه ابتسامة معتذرة :
    ـ لم أقصد الشكوى ، لكننى أشرح ما حدث ..
    لما ضاق وقتى عن استيعاب مسئولياتى ، عهدت إلى أحمد أنيس بأن يقدم لى من وقته بدلاً من وقتى الذى لم يكن بوسعى أن أضيعه . مكانتى تفرض الحاجة إلى الوقت . أختلف مع ما يحتاجه أحمد أنيس . هو لا يريد إلا الأجر الذى ينفق منه على احتياجات يومه ..
    كنت أضيع الوقت فى انتظار المصعد ، دورى أمام شباك السينما ، وفى مكتب شركات الطيران ، وداخل البنك ، وصالة الاستقبال بعيادة الطبيب ، والوقوف بالسيارة فى إشارة المرور ، والوقوف فى طوابير وصفوف ، انتظاراً لشىء أطلبه . واللقاءات الشخصية ، وأحاديث التليفون ، والتوقيع على أوراق مهمة ، وبلا قيمة . وكان الطريق يبتلع أكثر من ساعة بين البيت فى مصر الجديدة ، والمكتب فى المهندسين ..
    ماذا يحدث لو أنى لم أعترف بالوقت ؟ لو أنى أنكرت وجوده أصلاً ؟.. أصحو وأعمل وأنام . لا يرتبط ما أفعله بشروق الشمس ولا غروبها ، ولا أيام السبت والأحد إلى نهاية الأسبوع . حتى الساعة انزعها من يدى ، فلا يشغلنى ما فات ولا ما أترقبه . لكن الآخرين يصرون على السنة والشهر والساعة واللحظة . يصرون على الوقت ..
    هذا ما أفعله بالضرورة ..
    الوقت الذى لا يضيع ، لا يمكن أن أسترده ، أو أعوضه . حرصت على أن أختصر من عاداتى ما يضيف إلى وقت الإنجاز . لم أعد أحلق ذقنى صباح كل يوم . ربما أخرت حلاقتها إلى صباح اليوم الثالث . تبينت أنه لم تعد الذقن غير الحليقة تليق بمكانتى . أوصيت على ماكينة كهربائية ، أستعملها فى الأوقات الضائعة ، فى جلستى وراء السائق . وكنت أرجئ تنفيذ بعض ما يجب إنجازه ، فأنهيه فى وقت واحد ..
    قرأت أن الوقت هو الرمز النهائى للسيادة ، وأن هؤلاء الذين يسيطرون على وقت الآخرين لديهم القوة . من يملكون القوة يسيطرون على وقت الآخرين ..
    أريد أن أفيد من كل ساعة ، كل دقيقة ، كل ثانية . لدى الكثير مما يهمنى أن أنجزه . الحياة قصيرة إن لم نحسن استغلالها . نضيف إليها وقت الآخرين ، ما نحصل عليه من وقتهم . لن تمضى حياتى على النحو الذى أطلبه ، ما لم تأخذ من حياة الآخرين . إنهم يجب أن يضيفوا إلى حياتى ، يعملون لها ..
    أزمعت أن أحصل على الوقت الذى أحتاج إليه من رجل ، شاب ، عنده الفائض من الوقت ..
    أطلت الوقوف على باب الحجرة ، حتى رفع أحمد أنيس رأسه من الأوراق والملفات المكدسة على المكتب :
    ـ أفندم يا سعادة البك ..
    سعدت للذهول ـ وربما الخوف ـ الذى نطق فى ملامحه ..
    لم أتردد على مكتبه ، ولا أى مكان فى المبنى . المرئيات ثابتة منذ الباب الخارجى ، وصعودى السلمات العشر ، ثم الميل إلى اليمين ، والسير فى الطرقة المفروشة بالمشاية الحمراء ، الطويلة ، على جانبيها لوحات أصلية ، وإضاءة خافتة . شندى الساعى ـ فى نهاية الطرقة ـ يسرع إلى فتح الباب . تطالعنى الحجرة الواسعة ، المطلة على النيل : الأبواب والنوافذ ذات النقوش البارزة ، والزجاج المتداخل الألوان ، والأرفف الخشبية رصت فوقها كتب وأوراق وأيقونات صغيرة وشمعدانات ، والأرض فرشت سجادة تغلب عليها النقوش الحمراء ، فوقها كنبتان متقابلتان ، يتخللهما طاولات وكراسى ، والمكتب الضخم فى الوسط ، من الأبنوس والصدف ، وقبالة الباب مرآة هائلة تغطى معظم مساحة الجدار ، وتدلت من السقف نجفة كريستال هائلة ..
    بدا أحمد أنيس مرتبكاً ، لا يدرى إن كان عليه أن يظل فى وقفته أم يقبل ناحيتى ..
    أشرت إليه ، فلم يغادر موضعه . أهملت ما ينبغى على رئيس العمل أن يحرص عليه . يستدعى مرءوسيه ولا يذهب إليهم . تأتيه أخبارهم ، ويضع جداراً غير مرئى بينهم وبينه ..
    قلت :
    ـ أحيى إخلاصك ..
    ـ هذا هو عملى ..
    فاجأته بالسؤال :
    ـ هل المرتب يكفيك ؟
    وهو يغالب الارتباك :
    ـ أدبر نفسى ..
    ـ ما رأيك فى عمل بعد الظهر ؟
    وشى صوته بالانفعال :
    ـ سيادتك ..
    ثم فى استسلام :
    ـ أنت الرئيس ومن حقك ..
    قاطعته :
    ـ لا شأن لهذا العمل برئاستى .. إنه عمل آخر .. إضافى ..
    رنوت إليه متملياً : القامة القصيرة ، المدكوكة ، الجبهة الواسعة ، الوجنتين البارزتين ، الأسنان التى اختلط فيها السواد والصفرة ، البشرة الدهنية ، دائمة التفصد بالعرق ..
    حدست السؤال الذى لابد أنه سيخاطب به نفسه : لماذا اخترته دوناً عن بقية الموظفين ؟
    فتشت عن الكلمات لأشرح له بواعث اختيارى . ثم تنبهت إلى أنه ليس من حقه أن يسألنى ، ولا أن يناقشنى فيما أختار ..
    تركت له معظم الوقت الذى كان يسرقنى . تحكم فيه بما أثار إعجابى ، وربما حسدى . أجاد كل ما أسندته إليه ..
    لم يكن يمارس عملاً واحداً ، هو سكرتير ، وسائق ، وطباخ ، وخادم . أدهشنى بما يعرفه فى الأبراج وعلوم الفلك وقراءة الطالع ، وفهمه لقوانين الألعاب الرياضية ، وحفظه لفرق الوقت فى مدن العالم ، وللنكات الحديثة ، وإجادته تلخيص الروايات والمسرحيات والأفلام بما لا يخل بالمعنى ، وتقديم المعلومة التى تعوزنى فى اللحظة التى أطلبها . ربما لجأت إليه فى أوقات الليل يسرى عنى بحكاياته الغريبة ، المشوقة ..
    وفر لى النجاح فى استثمار الوقت ساعات أخرى : يعرفنى مفتشو الجمارك ، فيتركون حقائبى بلا تفتيش . لا يفتحون الحقائب أصلاً . يتعرف على التاجر ، ويعرفنى بنفسه ، يجرى لى ما لم أكن طلبته من خصم على ما اشتريته . وكان يخلص ـ بلا متاعب ـ أذون الشحن ، ويتذوق الطعام الجيد ، ويشير بالأماكن المريحة ، ويجيد تقليد الأصوات والحركات ، ويجيد اختيار الطاولة القريبة من " بيست " الملهى الليلى ، ويحسن التصرف فى الأوقات السخيفة ، وينقل فضائح المجتمعات الراقية ، ويتحمل العبارات التى يمليها الغضب ..
    ما وصلت إليه من مكانة ، يدفع من ألتقى بهم إلى انتظارى ، فلا يشغلنى انتظارهم . ينتظرون حتى الموعد الذى أحدده . من المسموح لى أن أضيع وقتهم ، وليس من حقهم أن يضيعوا وقتى . أعتذر بالقول : أنا مشغول الآن .. هل يمكن إرجاء هذا الأمر إلى وقت آخر ؟.. هذه المشكلة تحتاج إلى مناقشة ليس الآن مجالها .. سأحدثك عن ملاحظاتى فى فرصة قادمة .. أملى القرار ، لا أتوقعه ، لا أنتظره ..
    عاودت النظر إلى ساعة الحائط . تثبت من الوقت فى ساعة يدى . يدخل الخادم بالصحف فى التاسعة صباحاً . أطالعها ، أو أتصفحها ، حتى التاسعة والنصف ..
    علا صوتى :
    ـ أين الصحف ؟
    ـ سألخصها لسيادتك ..
    لم أفطن إلى وجوده فى الفراندة المطلة على الحديقة الخلفية . اعتدلت بحيث واجهته :
    ـ لكننى أقرأها بنفسى ..
    ـ الأخبار المهمة سألخصها بنفسى ..
    ثم وهو يربت صدره :
    ـ هذا عملى ..
    تبادلت كلاماً ـ لا صلة له بالعمل ـ مع أصدقاء فى الكازينو المطل على النيل . أفيد من فائض الوقت ، ولا أعانى قلته . تحدثنا فى السياسة ، والأغنيات الجديدة ، ومباريات الكرة ، وتقلبات الجو ، وفوائد السير ـ كل صباح ـ على طريق الكورنيش ..
    لم يعد هناك ما يشغلنى . أحمد أنيس تكفّل بكل شئ . يتابع تنفيذ القرارات دون أن يستأذننى فى إصدارها . حتى المكالمات التليفونية يسبقنى إلى الرد عليها . يؤكد وجودى ، أو يلغيه . يتمازج الإشفاق والود فى ملامحه :
    ـ نحن أولى بالوقت ..
    علا صوتى ـ بعفوية ـ حين دفع باب حجرة المكتب ، ودخل . تبعه ما يقرب من العشرة . يحملون كاميرا وحوامل وأوراق وأشرطة تسجيل ..
    أشار أحدهم ـ دون أن يلتفت ناحيتى ـ إلى مواضع فى المكتب يرى أنها تستحق التصوير ..
    لم أكن مشغولاً بقراءة ولا متابعة ، ولا أستمع إلى الإذاعة ، أو أشاهد التليفزيون . كنت أتأمل لوحة الجيوكندا ، وسط الجدار ، أحاول تبين ما إذا كانت نظرة الموناليزا تتجه ـ بالفعل ـ إلى كل من ينظر إليها ..
    وضع فمه فى أذنى :
    ـ هذا برنامج للتليفزيون .. عن مشوار حياتك ..
    ـ لكننى غير مستعد لهذا البرنامج .. لست مستعداً لأى شئ ..
    دفع لى بأوراق :
    ـ عليك فقط أن تتصفح هذه الكلمات ..
    وقلت له ـ ذات مساء ـ بلهجة معاتبة :
    ـ يفاجئنى الأصدقاء بالشكر على رسائل تهنئة وهدايا ..
    وهو يدفع نظارته الطبية على أرنبة أنفه :
    ـ عندى قوائم لكل المناسبات السعيدة للأصدقاء .. وأتابع أنشطتهم الاجتماعية جيداً ..
    مددت شفتى السفلى دلالة الحيرة :
    ـ أخشى أنهم يفطنون لارتباكى ..
    وواجهته بنظرة متسائلة :
    ـ لماذا لا تبلغنى بهذه المناسبات قبل أن ترسل تهانيك وهداياك ؟
    ـ وقتك أثمن أن تبدده فى هذه التفاصيل الصغيرة ..
    أعدت النظر إلى ما كنت أطلبه من أحمد أنيس .
    لم أعد أرفض قيامه بشىء ما دون أن يبلغنى به . كان يرد على الرسائل دون أن يتيح لى قراءتها ، ويبلغ المتحدث على التليفون بما يرى أنها تعليماتى ، ويبعث بالمذكرات إلى من ينتظرونها ، ويوافق على الدعوات التى يثق فى ترحيبى بها ، ويرفض ما يثق أنى سأرفضه ..
    طويت الجريدة ، ووضعتها على الطاولة أمامى :
    ـ أنا لم أقل هذا الكلام ..
    بدا عليه ارتباك :
    ـ لكنه يعبر عن آرائك ..
    ثم وهو يرسم على شفتيه ابتسامة باهتة :
    ـ هل فيه ما ترفضه ؟
    ـ بالعكس .. لكنه ينسب لى ما لم أقله ..
    أحنى رأسه بالابتسامة الباهتة :
    ـ دع لى مسألة الحوارات والأحاديث ، لأنها تأخذ من وقتك ما قد تحتاجه للراحة أو التأمل ..
    وأنا أعانى إحساس المحاصرة :
    ـ إذن ناقشنى فى الأفكار التى ستقولها ..
    تهدج صوته بالانفعال :
    ـ هذا ما سأفعله حين يصادفنى ما أحتاج لمعرفته ..
    بدا لى أن العالم رتب أموره بدونى . لم يعد لدى ما أفعله سوى التأمل واستعادة الذكريات . مللت ما أحبه من أغنيات ، فأهملت سماعها . سئمت مشاهدة الأفلام التى وضعها فى الفيديو . فارقنى القلق والتوقع والتخمين . تنبهت لانشغال يدى بمسح زجاج المكتب بمنديل ورقى . رنوت ناحية الباب الموارب ، أتأكد إن كان أحداً قد رأى ما فعلت ..
    قلت :
    ـ أنت تأخذ قرارى ؟
    ارتعشت أهدابه :
    ـ أنا أحدس رأيك ..
    غالبت نفسى فلا يبين ما أعانيه :
    ـ ماذا أفعل أنا إذن ؟
    ـ أنت تخطط وتشرف .. وأنا أنفذ ..
    حدجته بنظرة تفتش عن معنى غائب :
    ـ هذا لم يعد يحدث ..
    حدثنى عما لم أكن أعرفه فى نفسى . أبتعد بنظراتى ، ولا أميل إلى المجتمعات ، ولا أصلح للخطابة ، أو التحدث فى اللقاءات العامة . لا يجتذبنى ما قد يثير الآخرين ، وأعانى التردد فى الاختيار ، وفى اتخاذ القرار ، والمجازفة ..
    أومأت على ملاحظاته بالموافقة . لم أحاول السؤال ، أو مناقشة التصرفات التى جعلتنى ذلك الرجل فعلاً ..
    أتابعه بنظرة ساكنة وهو يتحرك فى حجرات البيت . يرفع الصور واللوحات من أماكنها على الجدران . ينقلها إلى مواضع أخرى . لا يعنى حتى بأن يلمح ـ فى ملامحى ـ انعكاس ما يفعله . يبدى إشفاقه ، فيغلبنى التأثر . يغادر الفندق ـ فى رحلاتى خارج البلاد ـ إلى الجولات الترفيهية ، وزيارة أماكن السياحة والتسوق ..
    لم أعد أعرف القرار الذى يجدر بى أن أتخذه ، ولا ما يجب عليه هو كذلك . اختلطت الرؤى ، وتشابكت ، فلا أعرف إلا أنه ينبغى أن أسلم نفسى للهدوء ، وما يشبه الاستسلام . أكتفى بالمتابعة الصامتة ، الساكنة . لا أفكر ، ولا أتكلم ، ولا أقدم على أى فعل . حتى التصور لم يعد يطرأ ببالى . أحمد أنيس وحده هو الذى يفعل كل شئ ..
    .................................................. ....




    إيقاعــــــــات

    خطرت الفكرة فى باله كالومضة . لم يكن ـ فى تلك اللحظة تحديداً ـ يفكر إلا فى اللقاءات التى تملأ أيامه الأربعة فى بيروت . محاضرتان ، وربما ثلاث ، فى اليوم الواحد ، وأحاديث فى وسائل الإعلام ، ولقاءات بمسئولين . لم يعد نفسه حتى لمجرد السير فى شارع الحمراء الذى يحب محاله ومقاهيه وصخب الحياة فيه ..
    ومضت الفكرة . استعادها . أزمع أن يخضعها للمحاولة . إذا جاوز الإخفاق ، فهو يستعيد الثقة الغائبة . وإذا لقيت المحاولة صدوداً فعليه أن يظل السر مقيداً داخل حجرته بالفندق ، القيد نفسه الذى خلفه فى حجرته بالشقة المطلة على نيل الزمالك ..
    قال الطبيب : التردد يؤدى إلى الحوادث . كان يقصد حوادث المرور ، لكنه لاحظ أن المعنى ينسحب على كل شئ ..
    تحسس ـ بعفوية ـ موضع العملية الجراحية فى صدره . كيف يواجه النظرات المشفقة ، أو المشمئزة ؟
    وبخ نفسه لأنه استدعى الفكرة ، وقلبها : يدعو المرأة إلى زيارته فى حجرته . يقضيان معاً وقتاً لم يستمتع بمثله من قبل ..
    خادمة الغرف ؟!.
    يفر من المشكلة الحقيقية ، فيثير مشكلات هو فى غنى عنها ..
    قضى موظف الاستقبال على تردده : هل يقدم نفسه باسمه الحقيقى ، أو يخترع اسماً يختفى وراءه ؟..
    طلب الموظف جواز السفر . تأمل البيانات ، وأودعه خانة مفتاح الحجرة :
    ـ سنعيده عند نزولك ..
    أضاف الموظف بلهجة مرحبة :
    ـ عدد الأيام ؟
    ـ ثلاثة أيام أو أربعة ..
    ثم وهو يتكلف ابتسامة :
    ـ مهمة عاجلة ..
    استشرفت نفسه حياة غير التى يحياها . غلبته الحيرة ، فهو لا يقدر أن يفعل شيئاً . ما يؤلمه أنه لا يقوى على البوح . السر فى داخله ، لا يكشف عنه . يقاوم الرغبة فى أن يتكلم مع أحد ، يفض عما بنفسه ، يحكى ، ويحكى ، لا يسكت حتى يهدأ . قيمة الصمت أنه يخفى ما نعانيه . لو أن الملامح أظهرت ما فى النفس ، ما قدم من القاهرة . العجز معه يصحبه إلى أى مكان يقصده . ليس فى جسده ، وإنما فى مواجهة الظروف التى تواجهه ..
    قالت فادية :
    ـ ماجد يستهلك نفسه فى إظهار الغضب ، لكنه لا يؤذى ..
    وعلت ضحكتها ، فاهتز صدرها :
    ـ ماجد كائن مسالم ..
    ينظر ـ فى استياء ـ إلى نظرتها المستخفة . تجيش مشاعره . يعلو صوته بما يمور فى داخله . يبدى رأيه ، ويعلن ما ينوى فعله . الابتسامة على شفتيها تزيد من إحساسه بالغضب . يغلبه ارتباك لا يفلح معه فى أن يقول شيئاً . يغمض عينيه . يروح فى عوالم يصعب عليه تبينها . خليط من المشاعر والذكريات والميل إلى الفضفضة . حتى المواقف التى لم تشغله فى وقتها ، ونسيها ، تستعيدها ذاكرته ، وتملأها ..
    أهمل النصيحة بأن يلغى سفره إلى بيروت ، أو يؤجله . تحدث على عبيد عن اتساع حرب الميليشيات ، والقتل على الهوية . داخله شعور لم يستطع تفسيره . كأنه التحدى ، أو الرغبة فى المغامرة . تأكيد ما يطمئن إليه فى نفسه ، ولا يراه فى أعين الآخرين . حتى ضابط الجوازات فى مجمع التحرير لم يوقع بالموافقة إلا بعد أن دفع إليه على عبيد ببطاقة التوصية ..
    أدار الولد النوبى الملامح مفتاح الحجرة ، ودفع جرار الشرفة الزجاجى . أطل من الطابق التاسع فى الفندق ذى الطوابق العشرة . فى أسفل طريق الكورنيش فى زاويته المطلة على صخرة الروشة ، كأنها ساقا عملاق فى قلب المياه ، وأكشاك الملابس والكاسيتات والطعام ، وعربات الفول والترمس والذرة متجاورة فوق الرصيف ، ويتقافز فى الزحام باعة الورد والفل والياسمين ، ومياه البحر تمتد إلى نهاية الأفق ، فوقها سماء صافية ، تتخللها سحب بيضاء ..
    تأمل وجهه فى مرآة الحمام ..
    التجاعيد دوائر أسفل العينين ، وحول الفم ، وتتباين مع شعره المصبوغ بالسواد ، والبشرة باهتة ، والوجنتان غائرتان ..
    استعاد الفكرة فى وقوفه أمام المصعد . حرص على أن يتجه بنظراته ـ فور خروجه من المصعد ـ إلى الناحية المقابلة لكاونتر الاستقبال . يفطن الموظف إلى مكانته ، فلا يهبه الفرصة كى يلقى أسئلة ، أو يعرض خدمات . هو واحد من نزلاء الفندق ، لا شأن له بأحد ، ولا شأن للآخرين به . لكن : كيف يجد ما يطلبه ؟ كيف تنشأ العلاقة ؟..
    لو أن موظف الاستقبال ، أو أى عامل فى الفندق ، فطن إلى ما أزمع فعله ، فستؤذيه الفضيحة بما لا يتصوره ..
    لحقه صوت عادل :
    ـ أريد نقوداً ..
    اتجه ناحيته بنظرة غاضبة :
    ـ أنا أنفق على البيت كله وليس عليك وحدك ..
    ـ أردت أن تصبح أباً .. لذلك ثمنه ..
    ثم وهو يطرقع أصابعه :
    ـ أريد نقوداً ..
    هز رأسه دلالة الرفض ..
    قال عادل :
    ـ إذا لم أحصل على ما أريد .. لن أضمن تصرفى ..
    تفجرت فى داخله رغبة فى الشتم ، أو فى العراك :
    ـ افعل ما تشاء !
    وهو يزيح شهادات التقدير والأوسمة والميداليات عن الأرفف والجدران ، ويقذف بها من النافذة المطلة على بقايا بناية متهدمة :
    ـ هذا ما أفعله ..
    اكتفى بنظرة الذهول تملأ ملامحه . فكر فى أن يمنعه ، يصرخ فيه أو يدفعه أو يصفعه ، لكن العجز شل تفكيره وتصرفه . خشى تصرفاً لا يتوقعه . ماذا يفعل لو أن الولد رد إليه أذيته ؟!.. يصفعه ، فيرد عادل الصفعة بمثلها . ينتهى كل شئ . لا أبوة ، ولا بنوة ، ولا أسرة . لا أى شئ . يتمنى الموت ..
    قال لنبرة الإشفاق فى قول على عبيد :
    ـ أنت لا تعمل حساباً للمستقبل ..
    ـ معى ما يكفى المستقبل ..
    وتلكأت الكلمات :
    ـ يهمنى أن أنفق ما أملكه فى حياتى ..
    ثم وهو يصر على أضراسه :
    ـ لا أريد أن يرثنى ابنى فى مليم واحد ..
    ـ أعطاك الله العمر .. لكن الحرص على ألا يرثك عادل يثير التأمل ..
    ـ لماذا ؟
    يقلب الكلمات فى ذهنه ، فلا يجد إجابة محددة . يرفض لأنه يريد ذلك . ما معنى أن أعمل وأكسب ، ثم يرث أى أحد ما ضيعت العمر لتدبيره ؟. يجب أن يعلم عادل وفادية أنه قادر على اتخاذ القرار . أنا أرفض وأقبل وأمنع وأعطى . اتخذ قرارى بكل الثقة . أملى إرادتى . لا تشغلنى ردود الأفعال . ما أفعله هو حقى ..
    اعتذر عن المرافقة بأنه يريد السير فى شوارع الكويت بمفرده . سأل عن السوق . استعاد التسمية :
    ـ واجف ؟..
    ـ إنها مجرد سوق شعبية ..
    أهمل التحذير ، وسأل عن الطريق ..
    مضى من ساحة الصفا . الأسقف الشبيهة بالقيساريات دفعت معظم المحال إلى إضاءة الداخل . غالبية البضائع قديمة ، أو مستعملة . فى الوسط طاولات خشبية ، فوقها ملابس نسائية ومفروشات وسجاجيد . استعاد زحام وكالة البلح ..
    قال الرجل :
    ـ أفهم ما تريد التعبير عنه ..
    ثم وهو يحدجه بنظرة تتوقع رد الفعل :
    ـ سأعد لك وصفة لا تخيب !
    غلبه الارتباك . أدرك أن الرجل خمن عكس ما يعانيه . قال :
    ـ أنا لا أشكو ضعفاً ..
    ابتسم الرجل بالحيرة :
    ـ ماذا تشكو إذن ؟
    كان يضايقه التقاط تلميحه بما يعانيه بمعنى لا يتغير . تقتصر الأحاديث على ما يضيف إلى حيويته . تقترن بالإيماءات والكلمات الملتفة بالغموض . ما يعانيه كائن فى داخله ، لا دخل له بمرض ، ولا يحتاج إلى شئ مما يشيرون عليه به . شئ لا يدرى مصدره ، وإن استقر فى داخله ، يثيره ، ويشقيه بالإحباط ، وبأنه غير قادر على التصرف ، وعاجز ..
    قال البائع فى شارع الحبيب بورقيبة :
    ـ أفهم ما تريد التعبير عنه ..
    أضاف وهو يقدم له حبة صغيرة :
    ـ خذ هذه .. تجعل ما تعانيه من الماضى ..
    وضع الحبة بين شفتيه . تبعها بجرعة ماء . تصاعد ـ فى اللحظات التالية ـ ما لم يخطر له ببال : خيالات ومشاهد ونشوة تقربه من الغيبوبة . سرى ما يشبه الخدر فى أعصابه . أغمض عينيه فى استسلام . تصور ـ بتأثير النشوة ـ أن أنفه طال ، فكاد يسد الطريق . أبطأ من خطواته حتى لا يصطدم بالمارة أو العربات . داهمه التوجس ، فعوج أنفه بأصابعه ليحقق انتظام المرور . خطر له أن يصرخ ، ويغنى ، ويرقص ، ويجرى إلى حيث تذهب به قدماه ..
    عبر الطريق إلى الناحية المقابلة . استبدل البائع شرائط كثيرة حتى هز رأسه بالموافقة . الصوت الأنثوى يتغنى بالعلاقة منذ بداياتها . يتعمد المط والتلكؤ والبحة المتحشرجة والأنفاس اللاهثة . مالت الرءوس ، وتقاربت الأجساد ، وتعالت الهمسات الصاخبة ..
    قال البائع وهو يقلب الشريط على الوجه الآخر :
    ـ أثق أن هذا هو ما تريده ..
    ابتسم للتعبيرات والتعليقات التى علقت على الدكاكين المجاورة للكاتدرائية بشارع الحبيب بورقيبة . دفع ـ فى زيارته الأخيرة إلى تونس ـ أربعة دولارات لكى يكتب له البائع أمنية على بطاقة مزينة بالورود . أطال التفكير فيما يتمناه لها . طلب البائع أن يترك العبارة ، الأمنية . استقبلته بما اعتاد من الجفاء ، فلم يتذكر البطاقة إلا عندما فتشت فى جيوبه ، قبل أن يبعث البدلة إلى المغسلة ..
    نسى حتى ما قدم من أجله إلى بيروت وهو يجلس فى كازينو لبنان ينصت إلى المغنية الصغيرة ، الممتلئة ، تردد أغنية فيروز : باحبك يا لبنان . وثمة آلاف النقاط الضوئية تفترش مساحات السواد فوق الجبل . حرص على تناول ما يميز الطعام اللبنانى : الكبة والتبولة والفتوش والحمص بالطحينة واللحم بالجبن وورق العنب والمحاشى والمتبلات . حتى الحلويات ـ رغم الضغط والسكر ـ أكل البقلاوة والقطائف وعيش السراية والعثمانلية وزنود الست ..
    عانى كثرة الحواجز على مفارق الطرق . مدرعات ، وسيارات جيب ، وبزات عسكرية ذات ألوان متباينة . والميكروفونات يتعالى منها التعليمات والأوامر ، والشعارات مكتوبة بالبويات الملونة والطباشير ، تملأ الحوائط ، وأسفلت الطريق ، وأبواب الدكاكين المغلقة ، وسواتر البنايات المتهدمة ، والملصقات على الجدران ، ولافتات القماش تصل ما بين أعمدة النور فى تقاطعات الشوارع ، تؤيد وتستنكر وتحيى وتبايع وتبشر بالخلاص ، وصور الزعماء والقادة معلقة على النوافذ والمشربيات ، والأعلام التى تنتمى إلى تنظيمات يسمع عنها ، أو لا يعرفها . أذهله الدمار فى وسط بيروت : سوق الطويلة ، وباب إدريس ، وساحة البرج . البنايات المتهدمة ، وفجوات الصواريخ ، وثقوب الرصاص ..
    أشار سائق التاكسى إلى النافذة التى كان يقف وراءها وبيده بندقية يصعد بها إلى من يحدده التلسكوب . لم يعد القتل على الهوية ، ولا بعد إلقاء الأسئلة . من يجرى بسرعة ، أو يمشى ببطء ، أو يتلفت ، يصوب عليه دون أن يتلقى أمراً ، أو يعطى إنذاراً ..
    استعاد التسمية :
    ـ قبرص ؟
    أعاد فاروق معوض القول :
    ـ قربص .. وهى غير قبرص ..
    ثم بلهجة محرضة :
    ـ بها نبع ماء ساخن يتدفق من الصخر . لو أنك أكثرت من الغطس فيها فالنتيجة مؤكدة ..
    أشفق من الارتفاع الهائل الذي بلغته السيارة على الطريق الصاعدة . بدا الوادى فى أسفل مفروشاً بالخضرة ، تنتهي بالشريط الساحلي . الجبل الصاعد المتعرج نفسه ، ارتقته السيارة فى قريات ، وإن تسربل الجبل العمانى بالصخور والوحشة ، واختلطت ـ فى الوادى ـ مساحات الصخور والرمال وبقع الخضرة القليلة ..
    المياه تجرى ، ساخنة ، إلى الدائرة الحجرية المتصلة بالبحر . تبلغ مستوى الركبة . تظل السخونة على ارتفاعها إلى خارج الدائرة ، ,على عشرات الأمتار فى اختلاطها بموج البحر ..
    ـ من أين تأتى هذه العين ؟
    ـ من الصخور . البداية لا يعرفها أحد ، لكنها تنبثق من الصخور ..
    دلى قدميه فى مياه الدائرة الحجرية . لسعته السخونة فرفعها . تشجع عندما أبقت الفتاة قدمها فى الماء . دلى قدميه ، وتحمل الحرارة ..
    تنبه على صيحة أربكته . كان الشاب ذو الأفرول الكاكى يتفحصه بنظرة مرتابة :
    ـ ماذا تريد ؟
    أدرك أنه أكثر من التلفت فيما يثير التأمل والأسئلة . غالب إحساسه بالارتباك :
    ـ أنا أتنزه ..
    وهو يزغده بكعب البندقية فى جنبه :
    ـ تتنزه فى منطقة عسكرية ؟
    المناطق متشابهة : الحواجز والمتاريس واللافتات والشعارات والميلشيات العسكرية ..
    تعمد ألا يواجهه بعينيه . يخشى أن يلمح التخاذل فى نظرته :
    ـ لم أكن أعرف ..
    لم يعد قادراً على الفهم ، ولا الاستيعاب ، ولا التصرف . ثمة شئ ينقصه ، وإن لم يدركه على وجه التحديد . عانى ما يشبه شلل الإرادة . اختلطت الرؤى ، والخيالات ، والأصوات التى يغيب مصدرها ..
    أعاد الشاب دفعه بكعب البندقية . تأوه وسقط . واصل الشاب دفعه وهو يزحف . اعتمد على راحتيه وركبتيه ، حتى توقفت الضربات ، وانحسر ظل الشاب . زم شفتيه ، وإن ظل على تألمه ، وهو يرقب الشاب مبتعداً ، فى وقفته المنعزلة وسط الميدان الصغير ..
    كان ذهنه قد خلا من كل شئ .
    .................................................. ....
    (من مجموعة "إيقاعات" ـ تحت الطبع)

    </i>

  8. #8
    المرأة .. والأدب

    بقلم: محمد جبريل


    ثمة تعريف للأدب النسائي بأنه كتابة عن المرأة تكتبها المرأة. وفي تقدير البعض أن ما تكتبه المرأة هو دائماً نسائي. ولا يمكنه إلا أن يكون نسائياً. وفي أحسن حالاته يكون نسائياً علي أكمل وجه. وفي العدد الأول من مجلة "فتاة الشرق" [1906] فرقت لبيبة هاشم بين الرجل الذي يكتب عن المرأة كما يعمل ويفكر. وبين المرأة التي تكتب عن نفسها كما تعتقد وتشعر. وقد دعت لطيفة الزيات النقاد إلي إظهار اهتمام أكبر بالكتابات التي تعبر بها المرأة عن المرأة. واكتشاف خصوصية الأدب النسائي العربي. فالمرأة - في رأيها - تتميز بخصوصية في كل ما تكتبه. وهي خصوصية تضيف جديداً وجميلاً إلي الأدب العربي. عبد الله أبو هيف يحدد محور أدب المرأة بأنه "فقدان الحرية. أو الشوق إليها. الحرية التي تعني تحقيق الذات. والانعتاق من قيود النفس والجسد والمواصفات الاجتماعية. والخلاص من التابو. ولوازم المجتمع القديم".
    ويذهب عفيف فراج إلي أن الباعث الأهم علي الاهتمام بأدب المرأة. هو رصد وتتبع وعيها لذاتها كحرية مستلبة. وإرادة معطلة الوعي. لكونها قارباً مركوناً علي الشاطيء ينتظر الرجل/ الربان. ولا يسمح له بخوض الماء. ومطاردة التجربة. واستلال المعني. ثم قياس عمق هذا الوعي بشتي تدرجاته. ورصده في تفاعله مع محرضاته وإطلاقاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية.
    وثمة رأي مقابل انه لا يمكن ان نعتبر كل ما تكتبه المرأة أدباً نسائياً لمجرد ان الكاتبة امرأة. الكاتبة المرأة تتخذ الكتابة وسيلة للانضمام إلي التقليد الأدبي ذي المعايير الذكورية المصدر والتوجه. والامتناع عن استخدام السرد أداة للسيرة الذاتية للمرأة بما هي سيرة اضطهاد وعزلة. إنها تحاول التعبير من منطلق الكاتبة الانسان. لا الكاتبة المرأة. بمعني نسف الماهية النسوية. وبالطبع. فإن العامل المرجح هنا هو طبيعة مادة المضمون. أو طريقة المعالجة. وثمة اعتراض علي تسمية الأدب النسائي. من حيث انها تضع المرأة في دائرة الأنوثة. أو تقصرها عليها. وإسقاط الصفة الأعم وهي الانسانية.
    بالنسبة لي. فإني أتحفظ - أعترف! - علي التسمية لأنها - بالتعميم - ستشمل أدب الرجال. وأدب الشيوخ. وأدب العمال. وأدب الفلاحين. وربما امتدت التسمية لتشمل أدب رواد المقاهي! المرأة حين تكتب عن المرأة. فإنها تكتب عن الرجل ايضاً. الرجل والمرأة وجها العملة. إن جاز التعبير. مشكلات أحد الجنسين تعني مشكلات الجنسين معاً. ومشكلات الجنس الواحد مقابلاً. أو تشابكاً مع. أو في موازاة. مشكلات الجنس الآخر.
    ذلك هو نبض الكتابات الإبداعية منذ قصة "الأخوين" الفرعونية. والتي تعد أولي القصص في الأدب العالمي. وفي كل الأحوال - أو هذا هو المفروض - فإن مشكلات المرأة - في إطار العمومية - هي جزء من مشكلات الجنس والجماعة والطبقة والوطن. الأدب تعبير عن الانسان. وليس عن الذكورة والأنوثة. ذلك ما تنبض به كتابات إديث وارتن وبنت الشاطئ وبيرل باك وفرجينيا وولف وكاثرين مانسفيلد وسيمون دي بوفوار وآسيا جبار وإيريس مردوخ وأنجيلا كارتر وغيرهن. لقد مارسن الكتابة الإبداعية. عبر وعي بالهوية النسوية يتكافأ مع الوعي بالحداثة الأدبية. ولعلي أشير إلي قول نبيلة إبراهيم: "هنالك إبداعات المرأة تتجاوز المشكلة النسائية إلي كونها إنساناً. يعيش الحياة بأبعادها المختلفة. محتكة بالعالم الذي تعيش فيه. وترصد كل ما في الحياة من مشكلات وقضايا لتعبر عنها".

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
    *المساء ـ في 30/4/2005م

  9. #9
    بيبليوجرافيا محمد جبريل‏

    * ولد في حي بحري بالإسكندرية في 17/2/1938‏
    * كان أبوه مترجماً ومحاسباً. وقد أفاد من مكتبة أبيه في قراءاته الباكرة, ويعدها سبباً أساسياً في حبه للأدب..‏
    * غالبية أعماله تتناول مظاهر الحياة في حي بحري بالإسكندرية, وحياة الصيادين والبحارة وغازلي الشباك وصانعي المراكب بصفة خاصة..‏
    * أثرت نشأته في حي تغلب عليه النواحي الدينية في اتجاهه إلى القصة والرواية التي توظف التراث. وتناول موضوعات يغلب عليها الدين والفانتازيا والأسطورة..‏
    * عمل بالصحافة منذ 1960. بدأ محرراً في القسم الأدبي بجريدة "الجمهورية" مع الراحل رشدي صالح. ثم انتقل إلى جريدة "المساء"..‏
    * عمل في الفترة من يناير 1967 إلى يوليو 1968 مديراً لتحرير مجلة "الإصلاح الاجتماعي" الشهرية, وكانت تعنى بالقضايا الثقافية..‏
    * عمل ـ لفترة ـ خبيراً بالمركز العربي للدراسات الإعلامية للسكان والتنمية والتعمير. وقد تولى مع زملائه تدريب الكوادر والإعداد لإصدار أول عدد من جريدة "الشعب" الموريتانية (1975).‏
    * عضو اتحاد الكتاب المصريين‏
    * عضو جمعية الأدباء‏
    * عضو نادي القصة‏
    * عضو نقابة الصحفيين المصريين‏
    * حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الأدب عام 1975 عن كتابه "مصر في قصص كتابها المعاصرين"..‏
    * نال وسام العلوم والفنون والآداب من الطبقة الأولى عام 1976‏
    * عمل مديراً لتحرير جريدة "الوطن" العمانية في الفترة من يناير 1976 إلى يونيو 1984‏
    * عمل رئيساً لتحرير "كتاب الحرية" في الفترة من إبريل 1985 إلى يناير 1989.‏
    *رواياته: الأسوار ـ إمام آخر الزمان. من أوراق أبي الطيب المتنبي, قاضي البهار ينزل البحر. الصهبة. قلعة الجبل. النظر إلى أسفل. الخليج. اعترافات سيد القرية. زهرة الصباح. الشاطىء الآخر. رباعية بحري: أبو العباس. ياقوت العرش. البوصيري. على تمراز. الحياة ثانية. بوح الأسرار. المينا الشرقية. مد الموج. نجم وحيد في الأفق, زمان الوصل. ما ذكره رواة الأخبار عن سيرة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله. حكايات الفصول الأربعة. زوينة. صيد العصارى. غواية الإسكندر. الجودرية. رجال الظل.‏
    * مجموعاته القصصية: تلك اللحظة. انعكاسات الأيام العصيبة. هل. حكايات وهوامش من حياة المبتلى. سوق العيد. انفراجة الباب. حارة اليهود. رسالة السهم الذي لا يخطئ. موت قارع الأجراس.‏
    * كتبه الأخرى: مصر في قصص كتابها المعاصرين. مصر... من يريدها بسوء؟..‏ نجيب محفوظ.. صداقة جيلين. السحار.. رحلة إلى السيرة النبوية. آباء الستينيات. قراءة في شخصيات مصرية. حكايات عن جزيرة فاروس. مصر المكان. البطل في الوجدان الشعبي..‏
    * درّس الدكتور شارل فيال كتابه "مصر في قصص كتابها المعاصرين" على طلاّبه في جامعة السوربون. ويدرس د. عبد المجيد زراقط أعماله على طلابه بالجامعة اللبنانية, كما يدرس د. عبد الرحمن تبرامايسين على طلابه بجامعة بسكرة بالجزائر.‏
    * ترجمت روايته "الشاطئ الآخر" إلى الإنجليزية. كما ترجم العديد من قصصه القصيرة إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والماليزية. وكان الأب الدكتور جاك جومييه هو أول من قدمه إلى القارئ الفرنسي بدراسة في مجلة "ميديوى"..‏
    * صدر عنه: "محمد جبريل وعالمه القصصي" و"دراسات في أدب محمد جبريل" بأقلام مجموعة من الأدباء والنقاد... و"البطل المطارد في روايات محمد جبريل للدكتور حسين علي محمد... "فسيفساء نقدية ـ تأملات في العالم الروائي لمحمد جبريل "للدكتور ماهر شفيق فريد..." محمد جبريل... موال سكندري "لفريد معوض وآخرين. استلهام التراث في روايات محمد جبريل للدكتور سعيد الطواب. محمد جبريل روائي من بحري لحسني سيد لبيب, محمد جبريل,مصر التي في خاطره لحسن حامد. التراث والبناء الفني في روايات محمد جبريل للدكتورة سمية الشوابكة.‏
    * حصلت الباحثة الأردنية سمية الشوابكة على درجة الدكتوراه من الجامعة الأردنية عن رسالتها "التراث والبناء الفني في أعمال محمد جبريل الروائية".‏
    * نوقشت أعماله في العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه, ومنها: شخصية المتنبي في الأعمال الروائية والمسرحية لفهمي عبد الحميد, العناصر التراثية في الرواية المصرية لمراد عبد الرحمن مبروك, السجن في الرواية المصرية لأحمد الحسيني, العناصر السردية في الرواية عند محمد جبريل لأحمد عوض, موازنة بين الأعمال التاريخية عند كل من نجيب محفوظ ومحمد جبريل لمديحة يوسف عامر (الإمارات). السرد الفني في روايات محمد جبريل (رسالة ماجستير) لمحمد محمود فرج.‏
    * كتب مقدمات لأعمال كل من: مصطفى صادق الرافعي (تحت راية القرآن) (إعجاز القرآن والبلاغة النبوية). نجيب محفوظ (صدى النسيان) (فتوة العطوف). أحمد زكي مخلوف (نفوس مضطربة). حسين علي محمد (عشان مهر الصبية). محمود الخصيبي (سلطنة عمان). عبد الله هادي سبيت (اليمن). فتحي عزت (الإغراء). محمد كمال محمد (دماء في الوادي الأخضر). سمير فوزي (من ديوان العشق). شحاتة عزيز (كفر الهلالي). عبد الفتاح مرسي (المسخوط من سيرة علي بلوط). أبو المجد شعبان (الطفل الذي يعدو). مهدي بندق (حتشبسوت بدرجة الصفر). أمجد صابر (عندما تبيض الديوك) علاء أبو زيد (فم النهر). فاطمة يوسف العلي (تاء مربوطة). محمود البدوي (قصص قصيرة) وغيرهم.‏
    * وضع عن فترة إقامته بسلطنة عمان كتاباً بعنوان "تقرير عن إصدار جريدة يومية" نشر حلقاته الثلاث الأولى في مجلة "الدراسات الإعلامية". ثم أوقف نشر بقية الحلقات بعد تدخل مباشر من الحكومة العمانية بدعوى أن الكتاب يتناول سلبيات التجربة العمانية!‏
    * له ندوة باسمه, قدمت الكثير من الأدباء الشباب, تعد من أهم الندوات في القاهرة..‏
    * كتبت في أعماله قصائد للشعراء: محمد يوسف. حسين علي محمد, جميل محمود عبد الرحمن. يسري حسان. شفيق أحمد علي. فواز عبد الله الأنور. مؤمن أحمد..‏
    * أقيمت له مهرجانات تكريم في المنيا. سوهاج. القاهرة. الإسكندرية..‏
    * شارك في مؤتمر الرواية الذي أقامته جامعة القاهرة ـ قسم اللغة العربية, في 1995.‏
    * شارك في مهرجان آفاق القصة والرواية في الثمانينات والتسعينيات بكلية دار العلوم في إبريل 1997.‏
    *شارك في مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم ـ الدورة الثانية عشرة بالإسكندرية 1997.‏
    * شارك في مؤتمر القاهرة للإبداع الروائي (شهادة ومشاركة بحثية) فبراير 1998.‏
    * شارك في مؤتمر التنمية في شمال الصعيد ـ كلية الآداب بالمنيا 1998.‏
    * انتخب في مارس 1999 نائباً لرئيس اتحاد كتاب مصر..‏
    * ترأس المؤتمر الإقليمي لأدباء غرب ووسط الدلتا في إبريل 1999.‏
    * مثل اتحاد كتاب مصر في ندوة الرواية العربية وقضايا الأمة التي أقيمت بطرابلس ليبيا في الفترة من 7 إلى 9 أغسطس 1999. كما مثل الاتحاد في اجتماعات المكتب الدائم لاتحاد الكتاب العرب...‏
    * ألقى محاضرة عن تجربته الأدبية في مقر اتحاد كتاب سوريا بدمشق 10/8/1999.‏
    * اختير عضواً في لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة من أول أكتوبر 1999.‏
    * ترأس في سبتمبر 2000 وفد اتحاد كتاب مصر إلى تونس, ووقع اتفاقية للتعاون الثقافي. كما شارك في العديد من الندوات في المدن التونسية..‏
    * شارك في مؤتمر عن الكاتب الراحل محمود البدوي في المجلس الأعلى للثقافة (1999)‏
    * شارك في المؤتمر الدولي عن الترجمة الذي أقامه المجلس الأعلى للثقافة في عام 2000.‏
    * شارك في الملتقى الثاني للفنون الشعبية الذي نظمه المجلس الأعلى للثقافة في الفترة من 14 إلى 18 يناير 2001.‏
    * شارك في مؤتمري القاهرة للرواية الأول والثاني اللذين أقامهما المجلس الأعلى للثقافة. قدم شهادة, وبحثاً عن الرواية التاريخية, وقدمت في أعماله أبحاث.‏
    * ألقى محاضرة عن تجربته الأدبية في المكتبة الوطنية بالجزائر في يناير 2006.‏
    * أقامت الفنانة التشكيلية مها رشدي معرضاً عن شخصياته في نادى الهلال الأحمر بسوهاج..‏
    * زار معظم العواصم والمدن العربية, والكثير من دول العالم..‏
    * متزوج من الناقدة زينب العسال. وله ابنان: أمل ووليد...‏
    * يسكن في 18 شارع الدكتور سليمان عزمي شقة 4 مصر الجديدة ـ ت 6218500 ـ 2618399 ـ 103805251.‏
    ...........................................
    *جريدة الأسبوع الأدبي العدد 1006 تاريخ 13/5/2006م.


    </i>

  10. #10
    .. فالأطياف تُحاورني
    (إلى الروائي محمد جبريل)

    شعر: حسين علي محمد
    ...............................

    منْ أطْلَقَ نهرَ الماءِ
    على الصحراءِ
    مقتحماً أقواسَ الظُّلمةِ والأنواءِ ؟
    منْ رسَمَ النهرَ وسيعاً كالصيفِ
    بديعاً كالحرْفِ
    ورفعَ الجنَّةَ فوقَ ضفافِ الطيفِ
    وخطَّ حكايةَ عشقٍ للغبراءِ ؟
    منْ دفعَ السمّانةَ للبحْرِ
    ولوّحَ بالنَّهْرِ
    فأقبلتِ الأطيارُ تُغني أحلامَ الشعراءِ ؟
    *
    هلْ تخشى الأسوارَ
    وريشتُكَ الخضْراءُ انتفضتْ
    تقتحِمُ النّارَ ؟
    أجبني

    فالأطيافُ تُحاورُني
    والصحراءُ ردائي

    ديرب نجم 8/9/1984

صفحة 1 من 5 123 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. حوار مع الروائي محمد العشري
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-27-2011, 08:42 AM
  2. خمس قصص قصيرة جدا، للقاص الكبير محمد جبريل
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى منقولات قصصية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 05-31-2009, 05:41 AM
  3. أغنيات / نصوص سردية قصيرة / للروائي محمد جبريل
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى منقولات قصصية
    مشاركات: 72
    آخر مشاركة: 03-03-2009, 10:00 AM
  4. من أروع ما كتب محمد جبريل .. هذه القصة القصيرة
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى منقولات قصصية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-24-2008, 01:12 PM
  5. الروائي/ طاهر أحمد الزهراني
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-18-2008, 03:11 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •