لقد غرقت الأبحاث وغرق الباحثين في التنقيب والتفريق ما بين المستشرق الموضوعي المنصف وبين من كان لهم أهداف وغايات وكانوا من مخلفات الاستعمار القديم ,لكن لم يمتد بحثهم بحال لما بعد الاستشراق ومقابله في العرب ,حتى ان مصطلح الاستعراب على إنصافه لم يكن مطروقا بجدية.
و يعتبر أن الاستشراق يمثل دراسات أكاديمية يقوم بها باحثون غربيون للإسلام والمسلمين في شتى الجوانب، التي تشمل العقيدة والشريعة والثقافة والحضارة والتاريخ والنظم والندوات، وذلك بهدف تشويه الإسلام ومحاولة تشكيك المسلمين فيه، وتضليلهم عنه، وفرض تبعية الشرق للغرب ومحاولة تبرير هذه التبعية بزعم التفوق العنصري والثقافي للغرب المسيحي على الشرق الإسلامي، ومن داخل هذه المقاربة التي تفترض أن الاستشراق شر كله، يعتبر هذا الفريق المعادي للاستشراق أنه لا يقتصر فقط على ما ينتجه الباحثون الغربيون، بل يلحق به أيضا أي إنتاج فكري يستهدف تحقيق أهداف الاستشراق على النحو الذي بينه الدكتور غراب حتى ولو كان القائم بهذا الإنتاج من أهل الشرق نفسه.
وفي مقابل ذلك فإن علم الاستغراب هو العلم الذي يهتم بدراسة الغرب من جميع النواحي العقدية والتشريعية والتاريخية والجغرافية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وعلى الرغم من أنه لم يصبح بعد علمًا مستقلا، فإنه يمكن تلمس نقاط تقاطع يلتقي فيها الاستشراق والعلم الذي لا يزال في طور التأسيس وهو «الاستغراب». [1]
ويكمل الباحث قائلا:
بل بالتحديد فإن «رودي بادت» وهو مستشرق ألماني شهير كان أول من أطلق الدعوة لتأسيس علم الاستغراب، وكان ذلك خلال أحد مؤتمرات الاستشراق في القرن الماضي، وهي الدعوة التي تلقفها الدكتور حسن حنفي، أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس، الذي قدم كتابه الشهير في هذا الموضوع «مقدمة في علم الاستغراب»، معتبرا أن الهدف من هذا العلم في المرحلة الأولى من تأسيسه هو فك عقدة النقص التاريخية في علاقة الأنا بالآخر، والقضاء على مركَّب العظمة لدى الآخر بتحويله من ذات دارس إلى موضوع مدروس، والقضاء في الوقت نفسه على مركَّب النقص لدى الأنا بتحويله من موضوع مدروس إلى ذات دارس.
********
وقد درس كتاب شتاين تنيسن (الاستشراق والاستغراب ومعرفة الآخر ) وترجمه للعربية حسام الدين خضور[2]و فيه:
يؤيد ان الاستشراق محاولة حثيثة للهيمنة الغربية وتكريس مركب النقص تجاره الغرب, لكننا لم نتخلص منها ليصبح المصطلح الجديد داعيا للتراث العربي والثقافة العربية بجدية والسبب هو اننا لن نحلل كما حللوا ولم ندرس كما درسوا, سيكونوا مبدعين عندما يتحرروا من الهيمنة الغربية,
ويعرف المستشرق الاستغراب: هو استجابة عربية إيجابية لنقد إدوار سعيد للاستشراق الأوربي ,وكما يعد العرب للان الغرب مصدرا للمعلومات, ومادة للبحث والتحقيق, يجب ان يتعلموا فن التشريح بطريقتهم نفسها كما يستخدمون فئران التجارب!
لكن الاستاذ عمر جاسم يرى ان الاستغراب فهم بالمقلوب حتى من الباحث حسن حنفي فقال:
ويرى حسن حنفي أنه ظهر في العالم العربي من اهتم بدراسة الغرب ولكنه أطلق على هذه الدراسات بالاستغراب " المقلوب" ويبرر هذه التسمية بأنها تؤدي إلى أنه " بدلاً من أن يرى المفكر والباحث صورة الآخر في ذهنه رأى صورته في ذهن الآخر ، بدل أن يرى الآخر في مرآة الأنا رأى الأنـا في مرآة الآخر. ولما كان الآخر متعدد المرايا ظهر الأنا متعدد الأوجه." وضرب حسن حنفي المثال لهذا بكتابات محمد عابد الجابري وهشام جعيط، ومحمد العروي وهشام شرابي وغيرهم[3]
ويتابع قائلا:
ويرى محمد عثمان الخشت بأن فهم الغرب أمر ضروري لفهم موقفهم من الإسلام ويقول في ذلك: "ولذلك يتعين على المثقفين الإسـلاميين لا نقد الفهم الغربي للإسلام وحضارته فقط وإنما كذلك إقامة "علم الاستغراب." كعلم يدرس الحضارة الغربية لا لهدمها وبيان إفلاسها الروحي وأنها على وشك الانهيار بل لفهمها من الداخل واكتشاف هويتها بعقل مفتوح وقلب ملتزم.
وهذا يزيد من تأييدي وحضي على الترجمة العكسية من العربية للغربية ..لأنها ستساعد على دعم هذا المسار الاستغرابي الإيجابي.
********
يقول حنفي:
لازلنا لم نتحرر بعد من الشعور بكراهية الغرب، هذا الشعور الناتج أساسا عن خوفنا من هذا الغرب. لازلنا نحمل في أيدينا تعود دفاعنا عن عقيدتنا، على الرغم من أن هذه الأخيرة في حد ذاتها ليست و لم تكن في خطر. بعبارة أدق، فإن كل ما قام به الباحث إلى حد الساعة هو محاولة ترميم حائط التراث، بمنطق تاريخاني حضاري، دون التجرؤ على إعادة البناء من جديد. و قد دامت عملية الترميم هذه أكثر من المتوقع. لم يستوعب تراثنا في شموليته بما فيه الكفاية، نظرا لأن عملية التقطيع التي كان ضحيتها قد أساءت له أكثر من اللازم.[4]
من قال انه ليس في خطر؟
لكن نحن على يقين اننا نعالج الامور بشكل خاطئ تماما.
يقول الباحث د.خالد الحروب, عبر هذه القناة:
في زمن الحدود الثقافية والعلمية المفتوحة ليس هناك ما يمنع أحداً من دراسة أي شيء في أي مكان. كما أن ذات الزمن يوفر فرصاً هائلة لتعميق المعرفة بالذات والآخر, ولا يمكن توجيه اللوم لمن يستفيد من تلك الفرص بأقصى ما يمكن, لكن اللوم يوجه لم يضيعها ولا يستثمرها. وهنا بالضبط لبُّ الفكرة في هذه السطور: لماذا لا نجد جيلاً من الشبان العرب البحاثة يدرسون قضايا العالم ويستفيدون منها ويفيدون مجتمعاتهم بالخبرة التي هم في مقدمة من يمكنه التبحُّر فيها واستكشافها؟ إنه نفس السؤال الذي يطرحه الراحل إدوارد سعيد مطالباً بإنشاء مراكز للدراسات الغربية في الجامعات العربية, كجزء من الحل. وهو السؤال الذي كان حسن حنفي قد اقترح إزاءه تأسيس علم "الاستغراب" كجزء من الحل أيضاً.[5]
ويكمل قائلا:
والمفارقة أن غالبية طلبة الدراسات الإنسانية العليا العرب في الغرب يذهبون إلى هناك ليدرسوا بلادهم وقضايا مجتمعهم, التي كان بإمكانهم دراستها وهم في بلدانهم, ومن دون كل الأعباء المادية والسفر والإكلاف الأخرى. وهناك بالفعل إشكالية حادة إزاء هذه المسألة يقابلها اهتمام قليل بمناقشتها والتأمل فيها. عشرات الآلاف منهم في أوروبا والولايات المتحدة تلتحق بجامعات كبيرة وعريقة وتتمتع بخبرات واسعة وموارد وأرشيفات ثمينة توفر للدارسين فيها فرصة ذهبية للاطلاع على ما لا يمكن الاطلاع عليه في بلدانهم. لكن الاستفادة من تلك الموارد والمناخ العام يكون في المجمل ضئيلاً لأن غالبية أولئك الطلبة يفضلون دراسة موضوعات تتعلق ببلدانهم ومجتمعاتهم الأصلية.
****
في الحقيقة ما لدينا على الأقل إعلاميا واضح وضوع الرؤيا الميدانية, ولكن من سيدرسها بعمق ويسبر غور الفكر الغربي ويفككه ويجعله عرضة للتناول بإيجابية لفائدتنا ولمجابهة هذا التيار العارم؟؟,بفعالية وليس بشكل نظري فقط...أتمنى ألا نقول لا أحد..
ريمه الخاني 16-11-2013
[1] المصدر: http://www.alwaei.com/site/index.php?cID=428
[2] المصدرمجلة الاداب العالمية)خريف 2013 وهي مجلة فصلية.
[3] http://www.wata.cc/forums/showthread...BA%D8%B1%D8%A8
[4] http://www.aladabalarabi.com/%D8%A7%...%A7%D9%82.html
[5] http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=31392