منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 7 من 7
  1. #1

    فجور - قصة - نزار ب. الزين


    فجور
    قصة
    نزار ب. الزين*
    كانوا جيرانا ، يحيّون بعضهم بعضا عن بعد ، ثم يمضي كل إلى سبيله ..
    كانوا جميعا يسكنون في منزل واحد ذي ساحة كبيرة ، تلتف حولها غرف الساكنين ، لكل أسرة من الأسر الأربع غرفة واحدة ، فلم يكن في ذلك البلد حديث النهضة ، مساكن تكفي هذا الفيضان الدافق من العمالة العربية و غير العربية ..
    كان في المنزل حمّام واحد يحتوي على مرحاض واحد ، ففي الصباحات الباكرة ، و قبيل توجههم إلى أعمالهم ، كانوا يصطفون في طابور لقضاء حاجاتهم البيولوجية ، أما النساء فكن أقدر على ضبط أنفسهن ريثما يتحرك رجالهن إلى أعمالهم ، ثم يبدأ طابورهن ، ليتكرر المشهد المضحك المبكي ..
    و كان في المنزل مطبخ واحد ، تتناوب النساء على استخدامه ، فكان سببا لكثير من المشادات بينهن بداية ، و لكن أخذن مع الوقت يتآلفن ، ثم توطدت الصلات بينهن ، ثم انتقلت عدوى الإلفة إلى الرجال بالتدريج .
    و ما كاد منتصف السنة الأولى يمضي حتى أصبح القاطنون أشبه بعائلة كبيرة ؛ ففي الأمسيات كان الرجال يتحلقون حول لاعبي النرد ( طاولة الزهر ) بين مشجع و متدخل و ناصح ، و النساء يتحلقن في الطرف الآخر في حوارات تكاد لا تنتهي ..
    و ما أن أتي شهر نيسان ( ابريل ) حتى تحول البلد كله إلى أتون حارق يشوي الأبدان و الأذهان ، لتصبح مروحة السقف ، و هي أداة التهوية الوحيدة في ذلك الحين ، بلا قيمة ..
    في النهار كانت ميساء زوجة الأستاذ بشير ترش الماء من حين لآخر على أرضية الغرفة و جدرانها ، و فوق السرير بفراشه و ملاءاته ، لتتمكن من اجتياز فترة الأوج بين الظهيرة و العصر ، أما في المساء و بعد انتهاء السهرة ، كانت ميساء- كما تفعل جاراتها ، تعلق ملاءات السرير على حبال الغسيل فتشكل منها حاجزا ، يسمح لها و لزوجها و طفلها الرضيع أن يناموا في الخلاء ، طلبا لنسمات الليل الأرحم نسبيا .
    و لكن في موسم العواصف الرملية ، كانوا يحرمون حتى من هذه النعمة ...
    *****
    في أواخر العام الدراسي أعلنت وزارة المعارف أنها ستفتتح في ثلاث مدارس نوادٍ صيفية تجريبية ، تمارس فيها مختلف الأنشطة الرياضية و الثقافية ، و تهدف إلى إشغال أوقات فراغ طلاب المدارس بما ينفعهم و ينمي مواهبهم .
    فتقدم الأستاذ بشير للعمل في هذه النوادي مع من تقدموا ، و لم تمضِ أيام قليلة حتى جاءه ما يشير إلى قبوله .
    كان القيظ قد بلغ مداه ، فأشفق على زوجته و ابنه ، فقرر سفرهما إلى الوطن .
    ثم سافر جيرانه ، الأسرة بعد الأسرة ، فلم يبقَ سواه ، و جاره ثمان النجار و عروسه منوَّر اللذان يقطنان في الغرفة المقابلة في أقصى ساحة الدار ،
    عانى الأستاذ بشير مشقة فراق زوجته و ابنه ،
    ثم ..
    عانى مشقة الوحدة التي لم يعتد عليها ،
    ثم ..
    عانى من نظام الورديات المتبع في تلك النوادي ،
    ثم ...
    عانى من تجاوزات بعض الطلبة كبار السن ،
    ثم ..
    بدأ يعاني من مداخلات عروس جاره منوَّر التي فرضت عليه نفسها :
    " إعطني مفتاح غرفتك لأنظفها لك "
    " أحضر لي زوجا من الحمام لأطهوهما لك "
    " اترك لي ملابسك المتسخة لأغسلها لك "
    و بكل لطف كان يحاول التملص من اندفاعها لخدمته :
    - يا أختي الكريمة شكرا للطفك و إنسانيتك ، لديَّ أوقات كثيرة للراحة بوسعي خلالها القيام بكل شؤوني المنزلية ..
    - يا أختي الفاضلة لا تتعبي نفسك أرجوك ..
    و لكنها كانت تصر و تصر و تصر ، فكان يخجل من صدها بغِلظة ؛ و رويدا رويدا أخذ يتقبل منها جمائلها الكثيرة ، و ابتدأ في اعتبارها أختا كريمة ..أو هكذا تراءى له ..
    *****
    في كل ثالث يوم حيث تكون استراحته في الفترة الصباحية ، كان يحلو له تناول فطوره في الهواء الطلق هروبا من جو غرفته الخانق ، فما أن تراه منوَّر ، حتى تهرع لمجالسته و بيدها دلة القهوة أو إبريق الشاي ..
    كانت في البداية تسأله عن طبيعة عمله في النوادي الصيفية .
    ثم ..
    أخذت تبوح بمشاعرها تجاه زوجها المفروض عليها ،
    ثم ...
    بدأت تطرح عليه أسئلة حول علاقته بزوجته ،
    ثم....
    تجرأت – ذات مرة – فسألته عن علاقته الجنسية بزوجته ، فأرتج عليه ، و اشتعل وجهه خجلا ،
    ثم.....
    انسحب متوجها إلى الحمام بحجة قضاء حاجة ..
    ثم ......
    أخذ يتهرب منها و من مجالستها ، فكانت تقرع باب غرفته ملحة : " الساعة تجاوزت الثامنة و لا زلت نائما يا بشير ، إنهض يا كسول ، فقد أحضرت لك الشاي و سيبرد إن تأخرت "
    و تستمر تقرع و تقرع ، حتى يضطر محرجا لفتح الباب ليجدها و قد أعدت ما لذ و طاب ..
    و ذات يوم عاد من ورديته الصباحية و قد أنهكته وطأة الحر الشديد ، فما أن فتح باب غرفته ، حتى وجد منوَّر بمباذلها الشفافة منبطحة على سريره متظاهرة بالنوم .
    - ماذا تفعلين هنا يا منوّر ؟
    سألها بمزيج من الدهشة و الغضب ، فأجابته :
    - المروحة في غرفتي تعطلت ..
    فرد عليها – للمرة الأولى – بغلظة :
    أرجوك غادري غرفتي حالا !..
    اصفر وجهها و ارتعشت شفتاها ، ثم أجابته :
    - أتطردني يا بشير ، بعد كل ما فعلته من أجلك ؟
    ثم انصرفت و هي تردد :
    " صدق من قال ، خيرا تفمل شرا تلقى "
    *****
    كانت ورديته المسائية قد انتهت لتوها ، عندما عاد حوالي الساعة الحادية عشرة ليلا منهكا ، أدخل المفتاح في قفل باب الدار ثم دفعه كعادته و لكن الباب أبى أن يُفتح ، و بعد عدة محاولات فاشلة ، أخذ يقرع الباب ، و لكن لات من مجيب ، اخذ يدفعه بكلتا يديه ، عندئذ خرج له صاحب الملك من داره غاضبا : " مهلا يا أستاذ ، أنت تكاد تخلع الباب ! " قال له ناهرا ، فأجابه بشير : " اعذرني يا أخي ، فقد عدت لتوي من عملي متعبا و بحاجة ماسة للنوم ، و لكن يبدو أن أحدا ما قد أقفل الرتاج من الداخل " ، فأجابه المالك متسائلا : " ألا تعلم أن للدار بابا آخر ؟ على أي حال هناك مفاجأة بانتظارك ! "
    تذكر بشير أن للدار بابا آخرا يطل على الشارع الموازي ، و لكنه أخذ يتساءل في سره " أية مفاجأة في انتظاري ؟ " ، بلغ الباب ، قرعه ، و بسرعة غير متوقعة ، فتح له جاره الباب .
    - مساء الخير ، أخي عثمان ، لا تؤاخني أزعجتك ، و لكن الباب الآخر كان مقفولا من الداخل .
    فأجابه هذا بجفاء :
    - أنا من قفله ، ثم من أين سيأتي الخير بوجودك يا محترم ؟ على أي حال ادخل إلى غرفتي فلي معك حساب ، و فتح باب الغرفة .
    و كم كانت دهشته كبيرة ، عندما وجدها ملأى بالرجال ، عرف بعضهم و جهل الآخرين ، و في أقصى زاوية قبعت منوَّر و معها امرأتان ...
    - السلام عليكم !!
    قالها مرتبكا ، و لكن أحدا لم يرد عليه السلام !
    و ابتدأ – من ثم - سيل التأنيب :
    - أنت لم تراعِ للجيرة حرمتها ..
    - أنت مربي يا أستاذ ؟ بل أنت من المفسدين في الأرض ،
    - حرام أن تبقى في سلك التعليم يا أستاذ ...
    هنا ، صاح عثمان بعصبية :
    - أنا جدع !.. و لا أسمح لأحد أن يتحرش بزوجتي ! و لولا أن صبرني أولاد الحلال هؤلاء ، لذبحتك ذبح النعاج !
    و تكاثرت الأصوات المنددة ، و بشير صامت يكاد يتفجر حنقا و غيظا ، فقد كان يخشى أن يبوح بحقيقة ما جرى ، فيكون سببا في خراب بيت هذه اللعينة من ناحية ، و في الوقت نفسه يأبى أن يمس أحد سمعته ، و هو الحريص عليها كل الحرص ؛ و لكن عندما أمره أحد الحاضرين أن عليه أن يرحل من الدار خلال اربع و عشرين ساعة ، استفزه ذلك فخاطب الحضور بما يشبه الصياح :
    - كل ما سمعتموه من هذه السيدة و زوجها كذب في كذب !!!
    اسألوها من تحرش بمن ؟
    اسالوها من فرض نفسه على من ؟
    اسألوها من كان يخدم من ، و من كان يطهو لمن ؟
    اسألوها من كان يهرع لمجالسة من ؟
    ثم وجه كلامه إلى زوجها :
    كيف لي أن أعرف ملابسات زواجها القسري منك يا سيد عثمان ؟
    كيف لي أن أعرف أنها كانت تحب زميلها في الثانوية و أن والدها عندما علم عاقبها أشرس عقاب ، ثم منعها من إتمام تعليمها ؟
    هل كنت معكم يوم أرغمها والدها على الزواج منك ؟
    هل كنت معكم حين حاولت الهرب ليلة زفافها منك ؟
    وقبل أن يلقي بقنبلته المدوية ، دخل مالك الدار، و قبل أن يلقي بالسلام ، قال يلهجة الواثق مما يقول :
    = أشهد أن الأستاذ بشير إنسان شريف .
    أشهد أن هذه الحرمة – و أشار نحو منوَّر- هي التي كانت تتحرش بالأستاذ و تتودد إليه .
    زوجتاي كلاهما ، كانتا تصغيان إلى ما يدور من حديث بينها و بين الأستاذ من وراء الجدار الفاصل بين دارينا ، و تعلماني به أولا بأول ..
    من يجب عليه مغادرة هذه الدار ، هو عثمان و زوجته ..
    ثم التفت نحو عثمان منذرا :
    = يا سيد عثمان ، عليك أن تسلمني مفتاح غرفتك في آخر هذا الشهر .
    ثم انصرف ، و ما لبث الحاضرون أن بدؤوا ينسحبون الواحد إثر الآخر ..
    *****
    منذ صبيحة اليوم التالي ـ توجه بشير إلى مكتب البريد ليرسل إلى زوجته برقية من كلمتين : " إرجعي حالا "
    ============================
    *نزار بهاء الدين الزين
    سوري مغترب
    عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
    عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب ArabWata
    الموقع : www.FreeArabi.com
    البريد : nizar_zain@yahoo.com

  2. #2
    قصه فيها من الواقع الكثير رغم مفارقاتها اللافته
    اجارنا الله واياكم من الفتن
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    قصة جميلة
    تستحق الوقوف
    عندها
    لك مني التحية نزار
    محمود ابو اسعد
    فلسطين

    احلام بيضاء
    http://nather.maktoobblog.com/

    بائع الصحف
    http://bae3asohf.maktoobblog.com/

  4. #4
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    قصه فيها من الواقع الكثير رغم مفارقاتها اللافته
    اجارنا الله واياكم من الفتن
    ===============
    أختي الفاضلة أم فراس
    شكرا لمرورك
    نزار

  5. #5
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمود ابو اسعد مشاهدة المشاركة
    قصة جميلة
    تستحق الوقوف
    عندها
    لك مني التحية نزار
    =========
    أخي محمود
    شكرا لثنائك
    نزار

  6. #6

  7. #7
    شكرا لمرورك أخي أبو فراس
    نوّرتَ النص
    نزار

المواضيع المتشابهه

  1. قسم - ق ق ج - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 05-22-2016, 11:48 AM
  2. المتشردة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 09-04-2012, 11:43 PM
  3. حيرة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 04-12-2011, 03:04 AM
  4. عيب - ق ق ج - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 07-12-2009, 09:42 PM
  5. حقد الصحراء - قصة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 01-29-2008, 03:35 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •