هستريا الزئبق الأحمر الوهم والأسطورة... الحلقة الأولى... محمد برهام المشاعلي
الزئبق الأحمر..... عندما تسمع هذا الاسم الرنان خاصة عند العوام من الناس ترى حالات الهستريا تظهر على وجوههم.
يسود بين الكثير من الناس اعتقاد بوجود كميات كبيرة من الكنوز القديمة المدفونة تحت الأرض، وأنها محروسة من الجن، وقد شاع بينهم أيضاً الاعتقاد بقدرة الدجالين والمشعوذين على استخدام الجن في استخراج هذه الكنوز،وقد حظي الزئبق الأحمر بنصيب الأسد من تفكير ووجدان الكثير من سواد الناس.
وقد ارتبطت هذه الاعتقادات بـ "الزئبق الأحمر" الذي يؤكد البعض قدرته الهائلة على تسخير الجان لاستخراج هذه الكنوز وسرقة الأموال من خزائن البنوك!!
وظهر تبعاً لذلك ما سمي بـ"التنزيل" وهو ما يمارسه الدجالون والمشعوذون من تنزيل الأموال المسروقة للزبون عن طريق استخدام الجن ..دهشة عبر عنها الكثير من العقلاء لدى تدبرهم لشأن هؤلاء القوم، وكتسلسل منطقي جاء دور السؤال التالي لم هذا كله..؟!.
أجوبة عدة نستطيع للوهلة الأولى أن نعزو هذا الأمر إليه ....
قد يقول قائل بسبب اليأس والفقر وسوء الأحوال الاقتصادية التي تعيشها أغلب الناس في هذا الزمن خاصة في قري ومدن محافظات الصعيد وغيرها ومع ازدهار تجارة الآثار في مصر هذا سبب وما خفي كان أعظم...
لقد تعلق كثير من الناس بوهم أن الشفاء والدواء بيد السحرة والمشعوذين والكهنة وليس بيد رب الأرباب والدليل على ذلك ما يرويه الدكتور زاهي حواس عالم الآثار الكبير في مصر على لسانه فيقول: أن أحد الأشخاص زاره في مكتبه وقال له: والداتي مريضة أكثر من خمس سنوات وحاولت علاجها في أوربا وأمريكا ومصر بلا فائدة وقد تعرض هذا الشخص أكثر من مرة للنصب وأنفق على علاجها مالا كثيرا، وأن هناك زجاجة تحتوي على الزئبق الأحمر فيها الشفاء...!
أوصل الأمر إلى ذلك؟!
إن معظم هؤلاء المشعوذين يلعبون على دوافع الناس وردود أفعالهم باحترافية تبغي السيطرة على عقولهم، ووصل الأمر بهم(الضحايا اعتباطا) لهذا الحال الذي يرثى إليه؟ هذا الوهم الذي بدا بالفعل وتغلغل داخل المجتمع منذ زمن بعيد، إبان عصور الجهل والظلام ،لكن الآن وفى عصر الفيمتو ثانية هل من حجة تشفع لهم؟
لقد دفع هوس الكثيرين بالثراء السريع والبحث عن الزئبق أو التماثيل الذهبية ما جعلهم يقومون بحفر داخل منازلهم أو أراضيهم الزراعية للبحث عن الأثر وقد تقعالعديد من الحوادث لهم وكثيراً ما تطالعنا الجرائد بمصرع أصحاب منزل عند حفرهم فيباطن الأرض للبحث عن الكنز أو الأثر.
هناك وهم يتبعه الكثيرون في مصر مفاده أن هناك نوعا من الزئبق هو"الزئبق المصري" والذي لا يوجد له مثيلا في العالم ويطلق عليه"الزئبق الأحمر" وهو زئبق روحاني كان يصنع بواسطة الكهنة كي يوضع داخل مومياء الفرعون حيث يقوم الكاهن الأكبر بوضع هذا الزئبق الفرعوني داخل بلحة من الجرانيت أو سن الفيل أو خشب الأبنوس.
وهذه البلحة متناهية الصغر مثل عقلة الإصبع، لذلك يقوم الكاهن المصري القديم بتحضير الجان كي يساعده على ثقب تلك البلحة ويضع بداخلها مقدار ثلاثة جرامات وثلث من" الزئبق الأحمر الروحاني" وقد كان الكهنة يحضرونه من الصحراء عن طريق الاسترشاد بالنجوم، وفي أيام بعينها وهو السر الذي توارثته هؤلاء الكهنة وحافظوا عليه داخل صدورهم، وهذه البلحة التي تحتوي على"الزئبق الأحمر" هي أغلى وأثمن شيء لدى الفراعنة وسر من أسرار حضارتهم ومكان وضع هذه البلحة هو داخل فم المومياء الملكية في مكان الحنجرة، حتى يستطيع الفرعون عن طريقها الاستعانة بالجان وإخضاعهم لإرادته. وهذا هو سر ما يطلق عليه " لعنة الفراعنة" لأن من يريد الحصول على هذا السر يموت فورا..!!.
وفي هذا الشأن يرد د زاهي بقوله: لقد كشفت على العديد من المومياوات خاصة المومياء الخاصة بحاكم الوحات البحرية وبجوار هذه المقبرة كشفنا عن توابيت كاملة لم يمسها بشر منذ أن أغلقها المصري القديم.
بل ومنذ أن أغلقها الكاهن الأعظم، وعندما فتحنا هذه التوابيتوجدنا المومياوات كاملة لم يلق عليها بشر نظرة منذ أكثر من 3000عام وعلى الرغم من ذلك فلمنعثر على ما يسمى ب"الزئبق الأحمر" ولم نجد أي أثر لتلك البلحة المزعومة، هذه" البلحة موجودة داخل المومياء والتي يوجد بداخلها الزئبق الأحمر لا توضع إلاداخل حنجرة المومياوات الملكية أي أن الملوك فقط هم الذين لهم حق الحصول على هذه المادة وهم القادرون على تسخير الجان".
ويستطرد: د حواس قائلا: مومياء الملك" توت عنخ آمون" والتي تعد مقبرته من المقابرالمهمة التي كشفت كاملة ولم يمس تابوت الملك أحد إلا "هيوارد كارتر" في 4 نوفمبر عام1922م،عندما كشف عن هذه المقبرة لأول مرة.
وتم استعمال أشعة "اكس" عن طريق العالم الطبيب "دري" ،وفي العام1969م قام "هاريسون" بتصوير كل جزء بمومياء الملكولدينا صور لحنجرة "توت عنخ آمون" ولم نجد بداخلها هذه البلحة ويوجد العديد منمومياوات الملوك بالمتحف المصري كشف عن بعضها في عام1881م في خبيئة"الديرالبحري" والبعض الآخر تم كشفه في عام1934م، بمقبرة الملك"أمنحتب الثاني". إلى جانبمومياوات وتوابيت الكاهن"نسبا قاشوتي" وعائلته.
إن المصري القديم لا يحتاج إلى تسخير الجان كي يثقب هذه البلحة ولا يحتاج إلا أن يعرف أشعة الليزر لعمل هذا الثقب.
يقول الدكتور"جيمس هاريس"العالم الأمريكي واحد أهم المهتمين بالحضارة المصرية القديمة أنه بالبحث داخل كل المومياوات الملكية لم يعثر على هذه البلحة.
أما ما يخص مواد التحنيط عند الفراعنة فقد عثر على بقايا بشرية يرجح أنه تخص الملك"سنفرو" أول ملوك الأسرة الرابعة ووالد الملك"خوفو" وقد اتضح بعد فحصها استخدام مادة الراتنج داخل الجمجمة بعد تفريغها من المخ، مما يعطينا فكرة أن المصريين القدماء في تلك الفترة المبكرة من عصر الدولة القديمة قد تغلبوا على مشكلة التلف والتحلل السريع عن طريق استخدام هذه المادة لفظ التجويف الداخلي الذي قد يحوي المخ وبعض الأعضاء الداخلية الأخرى ومع ذلك لم نسمع أو نكشف عن تلك البلحة المزعومة التي يقال أنها موجودة داخل حنجرة المومياء.
لقد سادت حضارة المصري القديم على غيرها من الحضارات التي بليت من ذاكرة التاريخ ،بسبب العلم والعمل وليس بالإتكالية على أسباب وهمية لجلب الرزق مما دفع بهم في مصاف الحضارات المتقدمة في العالم القديم، كما تركت إرثا من الألغاز فشل العلم الحديث في الوقوف على أسرارها أو معرفة كنهها ....
لذا فان انتشار مثل هذه الخزعبلات وتفشيها بصورة مرضية لهو جرس إنذار ينبئ بوجود خلل في البنية الثقافية لهذه المجتمعات ،هذا الخلل أضحى يشكل خطرا متناميا في النسيج المجتمعي المصري يتعين التصدي له بحزم يحول ويقضى على عوامل تفاقمه التي باتت مصيدة للكثيرين ،يلعب على وتره كل يوم المشعوذين والدجالين .
--
محمد برهام المشاعلي
كاتب وباحث
مصر
www.zatelemad.com
--
امجاد العرب
http://www.amgadalarab.com/index.php