*المشفى الفرنسي بدمشق*
المشفى الفرنسي بدمشق ليس فرنسياً كما يظن كثيرون، ولم يَبْنِه الفرنسيون كما يحسب كثيرون، ولم يُبْنَ زمن الاحتلال الفرنسي كما يحلو لكثيرين أن يقولوا، ويستشهدون على ما ترك لنا الاحتلال من حضارة أبنية وحضارة طب وعلوم ولغة!! بل هو بناء سَمَح بإنشائه الفاتح السلطان عبد الحميد تلبية لرغبة راهبات المحبة اللواتي أردن بناء مشفى لمداواة الفقراء، وكان ذلك عام 1902، فاقتطع والي دمشق آنذاك قطعة أرض تابعة لوقف أبناء الأسطواني على طريق دمشق حلب مقابل مائة قرش سنوياً. وكان الموقع يبعد عن مدينة دمشق آنذاك حوالي خمسمائة متر، والأجمل من ذاك الخطاب "الفرمان" قول السلطان للوالي أو طلبه منه أن يظهر من فطنته، ويبذل من عنايته لكيلا يقام عقبة في سبيل إنشاء المشفى المذكور دون استيفاء أي "بارة" من أي شخص لهذه الغاية ولكيلا يحدث أي مانع أو مضايقة تخالف رغبة السلطان..
وهكذا كان فقد بُني المشفى، وبدأ عمله المجاني لصالح الفقراء من المرضى، وقام بإدارة هذا المشفى رجال وأفراد وجمعيات خيرية فرنسية، وكان أن رأس هذا المشفى الدكتور شارل المولود في فرنسا عام 1896 وهو طبيب جراح فرنسي مشهور ذائع الصيت درس في فرنسا، ثم وصل إلى سورية، ودرّس في جامعة دمشق 1934 وأدخل إليها الجراحة الحديثة بكل فروعها، وكان أول من قام بالعملية القيصرية في دار التوليد في كلية الطب في دمشق، وظل فيها حتى وفاته عام 1963.
وتذكر الأحداث والوثائق والذين يعرفون الدكتور شارل أن هذا الطبيب أحبَّ سورية كثيراً وعدّها موطنه الثاني إن لم يكن الأول، فقد رفض مغادرة دمشق إبان العدوان الثلاثي على مصر لأنه كان يعدّ نفسه سورياً ولما توفي دفن إلى جانب زوجته في المشفى نفسه بعد أن أقيمت له مراسم الدفن الرسمية، ولا يزال كثيرون من أهالي دمشق يذكرونه ويفتقدونه لما وجدوا فيه من العلم والأخلاق الحميدة التي نفتقدها الآن عند كثيرين لأنه لم يكن يتقاضى أي أجر على العمل الذي كان يقوم به ...