ندوات الإعجاز العلمي : الندوة 23 / 30 : المشيمة – السائل الأمنيوسي ، لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي


بسم الله الرحمن الرحيم
المذيع :
اللهم صلِّ ، وسلم ، وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
إخوة الإيمان والإسلام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، الحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة لاشك أنه محبب لكل الناس ، لا يمكنني الحديث عن الانطباعات الكثيرة التي حدثت ، لكننا نود أن نؤكد على أن الحقيقة العلمية التي لم تعرف إلا منذ بضع سنين أو حقب قليلة من السنين ، وذكرها القرآن إنما تأتي تأكيداً على أن خالق هذه الحقيقة العلمية ، هو منزل القرآن ، وهو باعث هذا النبي الأمي رحمة للعالمين ، وبلا شك موصول بالوحي .
معنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الأستاذ المحاضر في كلية التربية بجامعة دمشق ، والخطيب والمدرس الديني في مساجد دمشق ، أهلاً وسهلاً بك .
الأستاذ :
أهلاً وسهلاً بكم يا سيدي .
المذيع :
فضيلة الدكتور ، كلما فكرت بقضية التكاثر والإنجاب ، وكيف يفصل الجنين عن أمه ، وكيف يمر بمراحل متعددة قبل الولادة أصاب بالذهول ، ففي هذه الحلقة يحدثنا أيها الإخوة والأخوات الدكتور محمد عن المشيمة أو الغشاء العاقل كما وصفه في كتابه ؟
الأستاذ :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ عبد الحليم ، جزاك الله خيراً على هذا السؤال اللطيف والعميق والدقيق ، فحينما يولد الجنين يكون معه في الرحم قرص يسميه علماء الطب المشيمة ، ويسميه العوام الخلاص ، في هذا القرص من آيات الله الدالة على عظمته الشيء الذي لا يصدق ، ذلك لأن الله جل جلاله يقول :

[ سورة التين : الآية 4]
[ سورة النمل : الآية 88]
[ سورة الملك : الآية 3]
فهذا القرص الذي يسمى المشيمة تلتقي فيه دورتا دم الأم والجنين ، ومعلوم بشكل بديهي أن لكل دم زمرة ، وأننا لو أعطينا إنساناً دماً من غير زمرته لانحل دمه ، ولمات فوراً .
المذيع :
إذا أردنا أن نعلم أكثر عن الزمرة ما هي ؟
الأستاذ :
طبيعة خاصة في الدم تتعلق بكل إنسان لكن هناك زمر محددة ، ولكن مادام سألت عن الزمرة كفئات الدم تسمى عندنا الزمر ، وتسمى في بلد آخر فئات الدم ، لكن الشيء الآخر أن لكل إنسان زمرة نسيجية لا يشبهه فيها واحد في الأرض ، ثبت الآن أن لكل إنسان زمرة نسيجية ، ولكل إنسان خصائص ينفرد بها منها : قزحية العين ، ومنها بلازما الدم ، ومنها رائحة عرق الجلد ، ومنها نبرة الصوت ، ومنها بصمة الأصابع ، هذه هوية ، فكما أن الله جل جلاله فرد في ذاته هذه الصفة لكرامة الإنسان عند الله منحها للإنسان ، فالإنسان فرد لا شبيه له ، هذا الغشاء العاقل الذي بين دورتي دم الأم والجنين ، ذكرت قبل قليل أن مع الجنين قرصاً تلتقي فيه دورتا دم الأم ودم الجنين ، ولكل دم زمرة ، ولا يختلط ، بين الدورتين غشاء يقوم بأعمال يعجز عنها أعلم علماء الطب ، بل إننا لو أوكلنا مهمات هذا الغشاء إلى أعلم علماء الطب لمات الجنين في ساعة واحدة ، يقوم بشيء لا يصدق ، هذا الغشاء سمي الغشاء العاقل لأنه يقوم بأعمال في أعلى درجة من الحكمة والعقل ، مثلاً هو بين دم الأم ودم الجنين ، والسائلان الدمويان لا يختلطان ، الغشاء العاقل يأخذ من دم الأم ما يحتاجه الجنين من المعادن ، من الفيتامينات ، من البروتينات ، ومن الشحوم ، من المواد السكرية ، وكأن هذا الغشاء العاقل باختياره للمواد الغذائية التي يحتاجها الجنين كل يوم ، وكل يوم تتبدل هذه النسب بحسب نمو الجنين ، التعيير متغير يومياً فيختار من دم الأم ما يحتاجه الجنين من مواد موجودة في دم الأم ، إذاً هو جهاز هضم للجنين يقدم له الغذاء ، ثم إن هذا الغشاء العاقل يختار الأوكسجين من دم الأم ، وينقله إلى دم الجنين كي يحرق هذا الأوكسجين المواد السكرية فتنشأ الطاقة ، ثم إن هذا الغشاء العاقل يأخذ مناعة الأم ، ويضعها في دم الجنين ، فجميع الأمراض التي أصيبت بها الأم ، وعوفيت منها ، وأصبح عندها مناعة ضد هذا المرض تنقل هذه المناعة إلى دم الجنين كي يحصن من هذه الأمراض التي أصابت أمه ، إذاً هو جهاز مناعة مكتسب ، لكن هذا الغشاء العاقل يقوم بعملية معاكسة يأخذ من دم الجنين ثاني أو كسيد الكربون نواتج الاحتراق ، يأخذ من دم الجنين حمض البول ، يأخذ من دم الجنين المواد السامة ، ويضعها في دم الأم كي تطرح عن طريق كليتي الأم وجهازها التنفسي .
المذيع :
سبحان الله ! يعطي الجنين الأمور الجيدة .
الأستاذ :
إذاً هو كليتان ، فصارت المشيمة جهاز هضم ، وجهاز تنفس ، وجهاز مناعة مكتسب ، وجهاز تصفية للدم ، كليتان ، الشيء الغريب أن هذا الغشاء يعطي دم الجنين مواد تعين على حرق السكر في الدرجات الاعتيادية ، إذاً هو بنكرياس للجنين ، هذا دور الأنسولين ، الأنسولين مادة يفرزها البنكرياس من أجل أن يحترق السكر في درجات متدنية في جسم الإنسان ، إذاً هذا الغشاء العاقل يقوم بدور البنكرياس .
ثم إن هناك حقيقة في جسم الإنسان أن كل جسم غريب عن الجسم يرفضه الجسم ، والجنين شيء غريب ينبغي أن يرفض ، لكن هذا الغشاء العاقل يفرز مواداً تمنع رفض هذا المولود الجديد ، هذا الغشاء العاقل سمي عاقلاً لأنه يقوم بأعمال يعجز عنها العقلاء ، وكما قلت قبل قليل : لو أوكل أمر الوظائف التي يقوم بها الغشاء العاقل إلى أعلم علماء الطب لمات الجنين في ساعة واحدة .
ثم إن هذا الغشاء العاقل يحث الثديين في الأم على إفراز الحليب قبيل الولادة ، والحقيقة أن هذا الغشاء يقوم بأعمال مذهلة ، وكلكم يعلم أيها الإخوة المستمعون أن المادة ليست عاقلة ، لا تصدق أن سيارة بلا إنسان يمكن أن تنطلق ، وأن تقف عند الإشارة الحمراء ، وأن تطلق البوق لطفل مر أمامها ، ثم أن تقف إذا سمعت صوت الشرطي يدعوها للوقوف ، هذا شيء غير مقبول إطلاقاً ، فالمادة ليست عاقلة ، ومادام هذا الغشاء يقوم بأعمال يعجز عنها العقلاء فهذا من تسيير الله جل جلاله ، هذا معنى قوله تعالى :
[ سورة التين ]
فإذا عرفنا ، وارتقت نفسه سعد في الدنيا والآخرة ، وإذا غفل عن الله عز وجل ، وتفلت من منهجه ، وأساء إلى خلقه شقي في الدنيا والآخرة .
المذيع :
فضيلة الدكتور ، ذكرت لنا في البداية أن هذا الغشاء يفصل دم الأم عن دم الجنين ، أي أن هناك فرقًا بين فئة الدم للأم وفئة دم الجنين ، فهناك اعتقاد عند البعض أن دم الجنين هو مماثل لدم الأم ، وليس مختلفاً ، قد يكون هناك اختلاف ؟
الأستاذ :
والله أنا الذي أعرفه أن لكل دم زمرة ، وهذا شيء يؤكده الأطباء ، وهذه الأبحاث راجعها الأطباء ، أنا أحترم اختصاص الإنسان ، هذه الأبحاث التي أدرجتها في كتابي الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة راجعها أطباء كبار ، ولم يعترضوا على أن لكل من دم الأم والجنين زمرة خاصة .
المذيع :
فضيلة الدكتور ، بعد أن عرفنا كيف الجنين يتنفس ، ويأخذ الأوكسجين ، ويطرح الفضلات إلى ما هنالك ، والآن إن أردنا أن نعرف كيف يتقي الصدمات ؟
الأستاذ :
هذا الكلام الطيب ، والسؤال اللطيف ينقلنا إلى موضوع آخر ، فنحن في هذا اللقاء الطيب تحدثنا عن المشيمة ، وعن الغشاء العاقل بين دورتي الأم والجنين ، أما سؤالك اللطيف فيقتضي أن نتحدث عن السائل الأمنيوسي .
بادئ ذي بدء يقول الله جل جلاله في كتابه العزيز :
[ سورة الزمر : الآية 6]
لقد فسر العلماء هذه الظلمات تفسيرات متباينة ، منهم من قال : إنها ظلمة البطن ، وظلمة الرحم ، وظلمة الأغشية التي تحيط بالجنين ، وقال بعضهم : إن الجنين محاط بأغشية ثلاثة ، وربما كان هذا من إعجاز القرآن العلمي ، هناك أغشية ثلاثة تحيط بالجنين ، سؤالكم يقتضي أن نقف وقفة عند غشاء واحد ، هو الغشاء الأمنيوسي ، هذا الغشاء هو الغشاء الباطن من جهة الجنين ، أي أول غشاء من جهة الجنين هو الغشاء الأمنيوسي ، هذا الغشاء يحيط بالجنين من كل جانب إحاطة كاملة ، هو كيس غشائي رقيق مقفل ، وفي هذا الغشاء المقفل سائل يزداد مع نمو الجنين اسمه السائل الأمنيوسي ، يصل إلى لتر ونصف لتر في الشهر السابع ، ثم يعود إلى لتر قبيل الولادة ، وهذا السائل أيضاً يقوم بمهمات يعجز عن فهمها العلماء .
من منا يصدق أنه لولا هذا السائل لما نجا جنين من موت محقق ، هذا السائل يغذي الجنين ففيه مواد زلالية ، ومواد سكرية ، وأملاح غير عضوية ، وهذا السائل يحمي الجنين من الصدمات ، وقد طبق هذا المبدأ في مركبات الفضاء حيث أن كبسولة الرواد كان بينها وبين جسم المركبة سائل من أجل امتصاص الصدمات ، فحينما تأتي الجنين صدمة من جهة ما قوتها أربعة سنتمترات مثلاً فإن السائل يوزع هذه الصدمة على كل السطح ، فيصبح هذا الضغط نصف ميليمتر .
وإن أحدث طريقة لامتصاص الصدمات أن يكون بين الشيء الذي تخاف عليه ، والمحيط الخارجي سائل ، مثل هذا السائل موجود في الدماغ ، حيث إن المخ محاط بسائل يمنع تأذي المخ بالصدمات ، بل إن هذا السائل يمتص كل صدمة مهما تكن كبيرة ، هذا السائل الأمنيوسي هو الذي يحمي الجنين من الصدمات والسقطات والحركات العنيفة التي تصيب المرأة الحامل ، فإن أية ضربة أو أية صدمة يمتصها هذا السائل ، ويوزعها على سطح الجنين حتى لا يتأثر الجنين هذه المهمة الثانية .
المهمة الأولى أنه يغذي الجنين ، المهمة الثانية أنه يمتص الصدمات ، المهمة الثالثة أن هذا السائل يسمح للجنين بحركة حرة خفيفة ، فإن الأجسام ، وهي في السوائل تبدو حركتها أسهل بكثير مما لو لم يكن هناك سائل .
الوظيفة الرابعة لهذا السائل الأمنيوسي : إن هذا السائل جهاز تكييف له حرارة ثابتة لا تزيد ، ولا تقل إلا في أجزاء الدرجة ، فمهما كان الجو الخارجي بارداً أو حاراً ، فإن هذا السائل يحقق للجنين حرارة ثابتة تعينه على النمو .
الوظيفة الخامسة : أن هذا السائل يمنع التصاق الجنين بالغشاء الأمنيوسي ، لأنه هناك نموًّا ، ويخشى مع النمو أن يكون هناك التصاق بين الغشاء الأمنيوسي وبين الجنين ، ولو أن هذا الالتصاق حصل لكان هناك تشوهات في خلق الجنين .
والوظيفة السادسة : أن هذا السائل نفسه يسهل الولادة ، وهو الذي يعين على الانزلاق وتوسيع الأماكن التي سوف يمر بها الجنين .
والوظيفة السابعة لهذا السائل : أنه حينما يسبق الجنين إلى الخارج يطرح ، ويعقم المجرى لئلا يصاب الجنين بالتسمم ، فمن تطهير المجرى ، ومن تسهيل الولادة ، ومن منع التصاق الجنين بالغشاء الأمنيوسي ، ومن تحقيق الحرارة الثابتة ، ومن تحقيق الحركة الحرة الخفيفة ، ومن حماية الجنين من الضربات واللكمات ، ومن تغذية الجنين ، هذه بعض الوظائف الخيرة التي يقوم بها هذا السائل الأمنيوسي الذي هو بين الجنين وبين الغشاء الأول الذي يلي الجنين .
المذيع :
فضيلة الدكتور ، إن أردنا أن ندعم بحثنا من خلال الآيات القرآنية فماذا تذكر لنا ؟
الأستاذ :
يقول الله عز وجل :
[ سورة الزمر : الآية 6]
أي الغشاء يحقق ظلمة ، غشاء أول ، غشاء ثان ، غشاء ثالث ، ثلاث ظلمات :
[ سورة السجدة : الآية 6]
ذلك الخلاق العليم :
[ سورة غافر : الآية 64]
قال تعالى :
[ سورة القيامة ]
وقال تعالى :
[ سورة عبس ]
ثم يقول الله عز وجل :
[ سورة عبس : الآية 23]
ماذا ينتظر الإنسان ، و قد رأى من آيات ربه الكبرى ؟
[ سورة القيامة : الآية 36]
أن يفعل ما يشاء ، وأن يعتدي على من يشاء ، وأن يستعلي في الأرض ، ثم يترك سدًى بغير حساب ؟ لأن الله سبحانه وتعالى يبين لهم :
[ سورة الذاريات : الآية 23]
أي هذا الكتاب الذي نزل على قلب النبي عليه الصلاة والسلام هو الحق المطلق .
المذيع :
إذاً طبعاً بعد أن عرفنا في هذه الحلقة كيف يحمى الجنين بالسائل الأمنيوسي ، وكيف يؤمن له الجهاز التكييفي في الحرارة الثابتة ، وكما عرفنا الغشاء العاقل أو المشيمة في هذه الحلقة ، إلى حلقات قادمة بإذن الله تعالى مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، يدور بحثنا عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته .




/