الخيال عند الأديب
يتميز الأديب عن الكاتب بأن الأول يقدم مادته الكتابية مُستحضِراً فيها تجربته الشخصية وثقافته ووعيه الماضوي والمستقبلي، ليقدم بذلك عملاً يُقبل عليه المتلقي (القارئ) أو المُشاهِد في حالة تحويله الى (دراما) سينمائية أو تلفزيونية أو حتى مسرحية، بشكلٍ لا يضجر منه ولا يتبرم.
وعندما نقول وعيه (الماضوي) فإننا نعني المادة التي يقدمها تحكي عن حدث أو مجموعة أحداث وقعت في الماضي، فعندما يريد أن يعيد إنتاج صورها، فإنه يستحضر ما كُتب عنها ويقارنه بما تلاها من أحداث، ويُحشِّد ثقافته بعناصرها المختلفة، ويستعين بخياله ليضفي عليها طابعه الخاص الذي سيئول بالنهاية الى تقديم عملٍ مختلفٍ عن أعمالٍ قام بها غيره عن الأحداث نفسها. فلو أراد الكتابة عن معركة أُحد مثلاً، فإنه سيستعين بما كُتب عنها بالتفصيل، ويعيد صياغة المشاهد بطريقته الخاصة.
وإن أراد أن يتحدث عن حال الناس بعد ثلاثين عاماً واحتياجهم للماء مثلاً، فإنه سيحتاج الى جداول إحصائية عن تزايد عدد السكان في المناطق المحيطة بمنابع ومصبات الأنهر، ولكنه سيبتعد عن ذكر الأرقام وهوامش مصادرها، والتنبؤات السياسية، بل سيصوغ ذلك صياغة يركز فيها على صراعات من نوعٍ ما بين الناس ويركز عليها كرسام الكاريكاتير. وهذا له علاقة بالوعي المستقبلي، أي أنه سيقوم برسم صور لم تكن ماثلة في السابق، كما هي الحال في معركة أُحد.
إنه ليس الخيال وحده الذي يُعطي للأديب تميزه في الإبداع عن الكاتب، بل يُضاف الى ذلك ما قد يضيفه من (مُحسناتٍ) تضفي على أسلوبه طلاوة، لا نجدها عند الكاتب.
من جانب آخر، فإن الكاتب، يقدم مادته المكتوبة بشكلٍ تقريري يهدف منها التثقيف أو التحريض أو نقل الخبر. وقد يصف بعض النُقَّاد المواد التي تُعرض عليهم وتحمل وظيفة معينة (أنها مِن إنتاج كاتب)، كما كان كثير من النقاد يفعل مع (العقاد) فكان يفضلون تسميته بالكاتب، في حين يصفون (طه حسين) بالأديب.