مَن ورَّث العلمَ لاَ يمُوتُ
(في رثاء الشيخ فريد الأنصاري رحمة الله عليه)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نَرْثِي فِرَاقَكَ أَمْ نَرْثِي بِذَاكَ أَبَا
وَالعِلْمَ وَالحِلْمَ وَالإِصْلاَحَ وَالأَدَبَا

نَرْثِي فَقِيهاً، وَكَانَ الفِقْهُ عَزَّ بِهِ
وَالأدْبُ نَاحَ لِفَقْدِ الفَحْلِ وَانْتَحَبَا

نَرْثِيكَ شِعْراً وَدَمْعُ العَيْنِ مُنْسَجِمٌ
يَبْكِي فِرَاقَكَ ، خِلاًّ صَادِقاً وَأَبَا

نَمْ في سَلاَمٍ فَقَدْ سُجِّيتَ في شَرَفٍ
-فَخْرَ البِلاَدِ- رَفِيعَ الهَامِ مُنْتَصِبَا

بَلْ عِشْ كَرِيماً فَمَوْتُ النِّطْسِ لَيْسَ رَدَى
مَنْ وَرَّثَ العِلْمَ لاَ يَفْنَى وَإِنْ حُجِبَا


أَعْلَيْتَ دِينَكَ وَاسْتَنْفَرْتَ شِيعَتَهُ
كَيْ يَنْصُرُوهُ إِذَا مَا المعْتَدِي اقْتَرَبَا

طَارَدْتَ كُلَّ رَقِيعٍ يَبْتَغِي ضَرَراً
وَكُلَّ مُرْتَزِقٍ، فَاسْتَاءَ وَاغْتَرَبَا

قَدْ جِئْتَنَا، وَخُيُوطُ الفَجْرِ غَايَتُكُمْ
ثُمَّ ارْتَحَلْتَ وَلَمَّا تَقْضِ ذَا الأَرَبَا

مَا متَّ لَكِنْ أَتَيْتَ اللهَ مُنْتَصِباَ
بِمَا تَرَكْتَ وَقَبْلاً كُنْتَ مُحْتَسِباَ

مَا متَّ لَكِنْ مَاتَ مَنْ زَهَقَتْ
أَنْفَاسُهُ وَمَضَى عُرْيَانَ مُضْطَرِبَا

آوَتْكَ رَحْمَةُ رَبِّ العَالمَيِنَ، وَمَنْ
آوَاهُ ذُو كَرَمٍ يُعْطِيهِ مَا طَلَبَا

كَمْ قَدْ مَدَدْتَ يَداً طُولَى لِتُسْعِدَنَا
فَحُزْتُمُ الفَضْلَ والإِنْعَامَ والحسَبَا

إنْ فَاخَرَ النَّاسُ بِالأَنْسَابِ سُدْتَهُمُ
أوْ نَاشَدُواْ العِلْمَ حُزْتَ الجَاهَ وَالنَّسَبَا

فَاهْنَأْ فَرِيدُ فَقَدْ لاَقَيْتَ عَنْ كَثَبٍ
مَا كُنْتَ تَأْمَلُهُ، مَا كُنْتَ مُرْتَقِبَا

جَازَاكَ بَارِئُ هَذَا الكَوْنِ مَغْفِرَةً
بِمَا أَتَيْتَ وَمَا أَهْدَيْتَهُ الغُرَبَا

2009
(ديوان: على نوافذ التيه.. ص 80)
عبد الحميد محمد العمري

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي















ترجمة الداعية المغربي د. فريد الأنصاري (رحمه الله)


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
في سلسة التعريف برجالات الدعوة في المغرب
نقدم لقرائنا الكرام هذه الرسالة
في ترجمة الداعية المغربي د. فريد الأنصاري (رحمه الله


المولد والنشأة
ولد الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله، سنة 1380هـ /الموافق ل 1960م، في قرية (أنِّيف)، إقليم الراشيدية (جنوب شرق المغرب)
كان والده رحمهم الله ، خريج القرويين، مدرسا هناك.
وكما يقال : كل رجل عظيم وراءه أم صالحة"
ويُرجع الفضل بعد الله تعالى في بذرة التدين لديه، إلى والدته عائشة مهاجر، رحمها الله، التي تربت في حجر جدتها لأمها الأمازيغية التي لم تكن تفتر عن الذكر.
نشأ في صغره، يجيد الأمازيغية ويتكلم بها، واحتفظ بقدرته على فهمها في كبره، وإن كان نسي الإفصاح بها!

انتقلت العائلة بعدُ إلى (الجرف)،الراشيدية ونشأ بقية طفولته هناك، في جو عائلي وبيئي شبيه جدا بما كتب في (كشف المحجوب)، فالبيت الموصوف في الرواية، بمن فيه، يكاد يكون بيت جده.
بـدايـة شد الرحال إلى طلب العلم
أتم تعليمه الابتدائي سنة (1974 م)، وقد حكى الأستاذ أن والده، رحمهما الله، أسقطه في هذه المرحلة سنتين اثنتين تشديدا منه عليه في التأهيل العلمي!
وبانتقاله، رحمه الله، إلى المرحلة الإعدادية كان عليه أن يغادر البيت إلى بلدة (أرفود) القريبة، فأقام مدة في بيت عمته، ومدة في السكن الداخلي التابع للمؤسسة التعليمية.

كان شغوفا بالقراءة، فلم تكن أنامله تهمل أي كتاب تقع عليه من أن تتصفحه إلى أن تأتي على تمامه، فقرأ، وهو في المرحلة الإعدادية، كتاب (في الشعر الجاهلي)، وروايات المنفلوطي، وروايات جرجي زيدان…

عندما ختم، رحمه الله، تعليمه الثانوي سنة (1981 م)، وفي العطلة الصيفية، باع دراجته العادية، وسافر، دون أن يخبر أحدا من أهله، إلى مخيم بالعرائش.. كان المفروض أن يمكث أسبوعا أو ما يقارب، لكنه آثر الاستزادة، فجعل يخيم مع كل فوج يجيء إلى أن أتم شهرا. وقد كان هذا أول مخيم له في حياته، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
التحق، رحمه الله، بالجامعة في (ظهر المهراز) بفاس، سنة (1981 م)، وهي السنة الثانية من تأسيس شعبة الدراسات الإسلامية، فاختارها مسلكا علميا له.

بداية النشاط الحركي


انخرط في العمل الإسلامي الحركي، والشبيبة الإسلامية (أول التنظيمات الإسلامية
المغربية) في أوج حيويتها تحت رئاسة مؤسسها الأستاذ عبد الكريم مطيع، ضمن جمعية
الدعوة الإسلامية بفاس، التي توحدت مع عدة جمعيات إسلامية أخرى لتكون "رابطة
المستقبل الإسلامي"، والتي بدورها توحدت لاحقا مع حركة الإصلاح والتجديد، ليكونا
معا "حركة التوحيد والإصلاح" في 1996.

لكن الفقيد قدم استقالته من حركة "التوحيد والإصلاح" في العام 2000 لينخرط في سلك الدعوة العامة عبر مؤسسات المجلس العلمي الأعلى والمحلي بمكناس.
: شهـــاداته


  • حصل رحم الله على إجازة في الدراسات الإسلامية من جامعة محمد

بن عبد الله بكلية الآداب بفاس،


  • ودبلوم الدراسات العليا (الماجستير) في الدراسات

الإسلامية تخصص أصول الفقه من جامعة محمد الخامس بالرباط،


  • ثم دكتوراة الدولة في الدراسات الإسلامية تخصص أصول الفقه من جامعة الحسن الثاني بكلية الآداب المحمدية



لم يترك الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله سيرة ذاتية تروي قصة حياته الكاملة، كما هوالشأن فيمن قبله من العلماء و المفكرين في سيرهم الذاتية والعلمية، و إنما اكتفى برواية قصصه في بعض من مقدمات كتبه، لكن تبقى آثاره العلمية هي بمثابة مرآت تعكس حياته واهتماماته رحمه الله وتشهد بصدقه وإخلاصه في الدعوة إلى الله بأسلوبه الخاص
المهام التربوية والعلمية والدعوية :


  • أستاذ زائر بدار الحديث الحسنية للدراسات الإسلامية العليا بالرباط لسنتي: 2003-2004م و 2004-2005م.
  • أستاذ بمركز تكوين الأئمة والمرشدات بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالرباط.
  • رئيس وحدة الدراسات العليا: الاجتهاد المقاصدي: التاريخ والمنهج، بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس.
  • أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس.أستاذ كرسي التفسير بالجامع العتيق لمدينة مكناس
  • عضو مؤسس لمعهد الدراسات المصطلحية التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية،
  • وتولى أيضا رئاسة وحدة الفتوى والمجتمع ومقاصد الشريعة لقسم الدراسات العليابجامعة المولى إسماعيل بمدينة مكناس
  • خطيب جمعة وواعظ بعدد جوامع مكناس.



أمامؤلفاته رحمه الله أشبه ما تكون بحديقة غناء مفعمة بالأزهار والرياحين والفواكه المتشابهة وغير المتشابهة. وثانيا أن الكثير منها لم يجمع إلى حد الآن وينشر كما هو حال العديد من إسهاماته في الندوات العلمية والمناقشات الجامعية وما إلى ذلك. لقد ألف رحمه الله في صلب العلم وفي ملحه وحذر من أغاليطه، جمع بين العلوم الشرعية والفنون الأدبية وعلوم التربية وفقه الدعوة وفنون الخطابة والوعظ والإرشاد. واتجهت مؤلفاته العلمية الأخيرة إلى ترسيخ الدعوة لتأصيل العلم الشرعي وإشاعة “مجالس القرآن” وتدبر “بلاغات الرسالة القرآنية” أسوة بالتجربة النورسية (نسبة إلى الداعية التركي سعيد النورسي).

وإجمالا دعت مؤلفاته العلمية إلى الانطلاق من القرآن إلى العمران، كما بشر فيها بعودة
البعث الإسلامي من الحركة الإسلامية إلى حركة الإسلام.

من مؤالفاته :
مجالس القرآن" (الجزء الأول: الجانب النظري
مجالس القرآن " (الجزء الثاني:الجانب التطبيقي
جمالية الدين "معارج القلب إلى حياة الروح
ميثاق العهد: في مسالك التعرف إلى الله"
مفاتح النور: في مفاهم رسائل النور"
التوحيد و الوساطة في التربية الدعوية: الجزء الأول"
أبجديات البحث في العلوم الشرعية: محاولة في التأصيل المنهجي"
الفطرية: من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام" (الجانب العملي
سيماء المرأة في الإسلام: بين النفس و الصورة
البيان الدعوي و ظاهرة التضخيم السياسي: نحو بين قرآني للدعوة الإسلامية
كاشف الأحزان و مسالح الأمان
قناديل الصلاة: مشاهدات في منازل الجمال
بلاغ الرسالة القرآنية: من أجل إبصار لآيات الطريق
مصطلحات أصولية في كتاب الموافقات للشاطبي
وهي عبارة عن (رسالة شهادة الدراسات العليا، نوقشت سنة 1989م بكلية الآداب بالرباط
أعماله الأدبية :
كان فريد الأنصاري عضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية.

ومن آثاره في هذا الشأن :
ديوان القصائد

جداول الروح (بالاشتراك مع الشاعر المغربي عبد الناصر لقاح) ديوان الإشارات
كشف المحجوب (رواية)
مشاهدات بديع الزمان النورسي (ديوان شعر)
آخر الفرسان (رواية)
ديوان المقامات
ديوان المواجيدمن يحب فرنسا ؟ (شعر مشترك مع الشاعر عبد الناصر لقاح)
عودة الفرسان (رواية)
قصيدة كيف تلهو وتلعب !
مقالاتـــه:
لفريد الأنصاري عدد كبير من المقالات متعلقة بعدة مجالات نُشرت بجرائد ومجلات محلية ووطنية ودولية. وقد كان الشيخ مشرف مؤسس لمجلة رسالة القرآن المغربية. من بين الجرائد التي نشرت مقالات بقلم الشيخ: التجديد المغربية، المحجة المغربية، المساء المغربية… أما المجلات فنذكر: حراء التركية، إسلام أون لاين الالكترونية، رسالة القرآن المغربية… كما يحوي موقع الفطرية الذي أسسه عدد من مقالاته كماتم توثيق العديد

من محاصرته الصوتية والمرئية على موقع التسجيلات الإسلامية اسلام ويب وعلى موقع اليوتيوب ومواقع أخرى .
مناقبــه :
عرف عن الشيخ صدق إيمانه وإخلاص نيته وحسن خُلُقه وتواضعه مع الناس مُطَلِّقا للدنيا. فرغم تقلده لعدة مناصب إلا أنه كان يعيش حياة بسيطة سواء من حيث المسكن والمأكل والملبس. كانت رسالته في الحياة دعوة الناس إلى الفطرة السليمة وارجاع الناس إلى القرآن مذاكرتا وسلوكا وهذا ما يتجلى في مختلف مؤلفاته ككتاب “مجالس القرآن من التلقي إلى التزكية”.
مكانة الدكتور فريدالأنصاري من خلال شهادة أساتذته وآثاره
وقد كان رحمه الله تعالى عالما ربانيا فريدا، شهد له بذلك علماء المغرب والمشرق، وفي مقدمتهم أستاذه ومربيه “فضيلة الدكتور الشاهد البوشيخي” والذي أشاد بشخصه وعلمه في العديد من المناسبات. فمما قاله فيه وهو يقدم لأطروحته الفريدة “المصطلح الأصولي عند الشاطبي”: (أما ابني البار فريد فهو كاسمه فريد. وقد قلت له هذا غير مجامل في أول عمل علمي قدمه، وأقوله له اليوم بتوكيد أكثر، لأن هذا العمل الثاني أعمق وأدق، وأكثر عطاء، وأبعد أثرا إن شاء الله تعالى. ثم إن فريدا الفريد لم يكد يخلق إلا للعلم والبحث العلمي، في حدود عشرتي له. ولذلك فإني أهنئه من سويداء القلب، وأدعو له بمزيد من التوفيق، وأحثه على السير في هذا المجال بنفس الجهد، وبنفس العناية، وبالحرص الشديد الذي كان له قبل انجاز هذه الرسالة)

انتهى كلام د.البوشيخي في حق تلميذه د. فريد الأنصاري
. وشهد له أيضا ما خلف من آثار علمية وكتب قيمة، يكاد يمثل كل واحد منها نبراسا يبدد ظلاما حالكا ومصباحا يزيل ضبابا كثيفا خيم على أفهام الناس، خصوصا في هذا الزمان الذي هو زمان الغيم والرؤية العسيرة،

وفـــاته:
توفي رحمه الله الخميس 5 نونبر 2009 بمستشفى سماء باستنبول بتركيا وتم نقل جثمانه إلى المغرب ليدفن بمدينة مكناس يوم الأحد 8 نونبر 2009 في مقبرة الزيتون بعد أداء صلاة الجنازة بعد صلاة الظهر بمسجد الأزهر المعروف بجامع الاروى بحي السلطان محمد بن عبد الله. وقد كان المسجد يومها ممتلئا عن آخره رغم كبر مساحته وامتلئت الساحة أمام المسجد بالمصلين الآتين من كل حدب وصوت من المغرب وخارجه وكان هذا ملحوظا. كان عدد المشيعين للجنازة يقدرون بالآلاف في موكب مهيب حيث امتلئت الطرقات والأزقة المؤدية للمقبرة بالمشيعين كما امتلئت المقبرة ومحيطها بالناس بل حتى أسطح المنازل لمتابعة مراسم الدفن والجنازة.


رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته


أئمة مروك - إمام غيور .