العمامة والوردة : فرانسوا نيكولو "2"
الشبيهان اللدودان .. السعودية وإيران
في هذه الحلقة نواصل نقل كلام المؤلف عن (الشخصية الإيرانية) .. فبعد أن تحدث عن عبارة "أعطتك عمرها" قال :
(وقد حدثني صديق لي زار أحد السجون،وبشكل أكثر تحديدا قسم المحكوم عيهم بالإعدام،إن هؤلاء المحكومين عندما كان يقول لهم من بعيد"صباح الخير"،كانوا يضعون أيديهم على قلوبهم دون أن يفوتهم قول عبارة الترحيب التقليدية في إيران"روحي فداك".
أيمكن لنا أن نلاحظ ونحن نغادر بعض الاهتمام من مضيفنا؟ إنه يعبر عن سعادته لزيارتك وكأنك منحته بركة الحج فيدعو لك بالقول "أدام الله ظلك"،يعني بذلك أنه يأمل أن تكون دائما سالما،وإيران هي البلاد التي يقولون فيها "سيدتي"للفتاة الشابة،كما يقول فيها سائس الخيل لمهره المدللة"سيدتي".
أما شاخصات المرور فهي إلى حد ما في غير موضعها،وكل سائر يستدل على طريقه بسؤال الناس،هذا السؤال الذي يخلق فرصا جديدة للتواصل ويدرك السائق أن عليه ألا يتقيد بحرفية لوحات المرور،وقد أضعت مرة طريقي عند خروجي من طهران،فسالت عن الطريق إلى "قم". كان الجواب الذي سمعته : "تابع طريقك بشكل مستقيم،وسوف تصل بعد قليل إلى مفترق طرق،وهناك تصادفك لوحة تشير إلى اتجاه قم،تأكد ألا تتبعها،خذ الاتجاه الآخر ..إلخ". وكانت نصيحة الرجل في محلها.
وبشكل خاص،إذا كانت الطريق مجهولة لديك،فقد يعرض ذلك المجهول عليك أن يرافقك،ويتردد المرء أن يجعل أشخاصا بسحنة شاحبة يصعدون إلى سيارته،وقد اعتاد بعض الإيرانيين أن يطلقوا لحاهم أياما عديدة كي يظهروا بشكل رئيس تدينهم عن طريق قلة الاهتمام بالعناية بمظهرهم { واضح أن المؤلف،لم يسمع عن "إعفاء اللحى"ولو زار السعودية لو كثيرين من غير المهتمين بمظاهرهم!!! } وبساطة أكثر ليكون الواحد منهم مثل الآخرين،وفي الواقع،هؤلاء المرافقين الذين يحملون رؤوسا كرؤوس القراصنة وهؤلاء يجعلون المرء يتساءل إذا هم لن يقودوك إلى طريق مسدود ومهجور كي يخنقوك،على أنهم يظهرون لك بسرعة أنهم الأدلاء الأكثر عناية بك والذين يرفض معظمهم في النهاية كل مكافأة،كل إكرامية.(..) وبنسبة واحد إلى اثنين،يعبر الشخص المجهول الذي يدلك على طريقك عن حيرته في معرفة ما إذا كان يستطيع أن يقدم لك خدمة أخرى،كما يدعوك لتناول الشاي في بيته. وهذا تقريبا أمر مؤكد عندما تكون في الريف،وأكثر من مؤكد عندما تكون في الصحراء،وإذا هبط الليل،فهو يدعوك للمبيت عنده،وعندما تكون في نزهة قصيرة وتمر أمام متنزهين يتناولون طعامهم،بالطبع تجري العادة أن ترفض ذلك،على الأقل مرة واحدة،وإذا حدث أن قبلت بالصدفة دعوتهم،فإن فرح مضيفيك غير المنتظرين،هو فرح صادق.){ص 14 - 16}.
ثم ذكر المؤلف بعض القصص التي مرت به ... تحدث بعد ذلك عن بعض الحالات التي يقوم فيها الإيرانيون بتجاهل أنظمة الجمهورية الإسلامية . (في بعض المناسبات يجري فعلا إزالة الحاجز بين الداخل والخارج،ومن هذه المنسبات الأعراس،وإذا كان البيت صغيرا جدا على الاحتفال،وهذا هو الأمر الشائع،يقوم بعض الإيرانيين،كما هي الحال في بلدان أخرى{ ومنها السعودية بطبيعة الحال} باستئجار صالة أفراح مناسبة،وداخل هذا المكان الخاص،والعام في آن واحد،توضع القوانين الإسلامية ولليلية واحدة فقط جانبا،في الصالة يلتقي الرجال والنساء،يتمايلون على أنغام الموسيقى،وتبدو النساء بكامل زينتهن وتبرجهن،أما الرجال،فتراهم قد حلقوا لحاهم،وارتدوا ربطة العنق ما يشير إلى انتمائهم للغرب،وحتى في الأوساط التقليدية ترتدي العروس ثوبا أبيض ضيقا عند الخاصرة بحيث يبرز معه الصدر ويستقيم الظهر وينسدل عليه وشاح من التول،أما العريس فلباس الاحتفال لديه هو"السموكينج"مع صدرية وعقدة البابيون بدل ربطة العنق،ماذا أقول؟ إن صورة العريس والعروس لا يمكن أن تجد مثيلا لها في أي استديو في العالم،ويجري تصوير الحفل بغزارة لتعرض الأفلام فيما بعد على جهاز الــ DVD ،ولكن في عرض عائل فقط.(..) بالتأكيد،من حين إلى آخر،وفي فترات التوتر السياسي وحملات الدعوة إلى الرجوع إلى القيم الإسلامية،تبرز ضرورة اتخاذ الاحتياطات في هذه الأجواء الحميمية،من الممكن أن يقوم أعضاء الباسيج وهم أفراد من شباب الميليشيات {هناك من يسمي الهيئة عندنا بـ"الشرطة الدينية"وإذا لم تخني الذاكرة فقد أسمتهم الأستاذة عائشة لمسين"ميليشيات"في كتابها"حُكم الأصوات : النساء العربيات يتحدثن"وهو مترجم عن الفرنسية أيضا} التابعة للنظام والذين يرافقهم عادة أفراد من الشرطة {ألا يرافق رجال الهيئة عندنا"شرطي"؟} ويراقبونهم في الوقت نفسه،بالدخول عنوة إلى أماكن تجذبهم إليها أنوار مشعة أو أصوات عالية،فيعتقلون النساء السافرات أو المرتديات ثيابا قصيرة،ثم يسكبون وبسرعة زجاجات الخمر في البلاليع كما يقومون باعتقال الرجال.
وتمضي ليلة وربما ليال وأيام يظل فيها المعتقلون والمعتقلات في مراكز الشرطة،ثم تأتي أوامر بمثولهم أمام قاض بعيد عن المركز،وتصدر أحكام بالغرامات،وأوامر بالجلد،{ينقصهم "أخذ تعهد"!!!}إنها تجارب مريرة تخلف في النفس جروحا يخرج المرء منها إما مرتدعا مقررا ألا يعرض نفسه لهذه الأخطار مرة أخرى،وإما ممتلئا بغضب عميق وكبير وقد قرر ألا يسمح بأن يتعرض للإهانة مرة أخرى،من الناحية الإحصائية – على كل حال – تُعد هذه حوادث استثنائية ولكنها لا تمنع أبدا التطور الزاحف للأخلاق نحو أنماط حياة يستطيع كل فرد أن يتشربها وهو يتابع عبر التلفاز وفضائيات العالم كله حتى التي يجري البحث عنها عبر الأقمار الصناعية،واستخدام أجهزة الاستقبال ممنوعة ولكنه يعامل من جهة أخرى بالتسامح،كما الحال في كثير من الأمور في إيران.(..) أثار خبر الزلزال في 26 كانون الأول 2003 الذي وقع في الساعة الخامسة صباحا وأدى في اثني عشرة دقيقة إلى موت ثلاثين ألف إنسان وهم نيام،أثار مشاعر عميقة في إيران وفي كل أنحاء العالم،واستنفر سكان ظهران فورا،كما في كل مكان آخر،لجمع الأموال والملابس والأدوية والأغذية،وتوصل عمال النظافة في طهران وهم يبحثون عن دور لهم طالما أنهم لا يستطيعون تقديم ولو جزء بسيط من رواتبهم الضعيفة جدا إلى نتيجة أن شوارع المدينة المنكوبة،حتى ولو كانت مدمرة تستحق أن تكون نظيفة طالما أن عددا من الناجين تابعوا سكناهم تحت الخيام بين الأنقاض،وهكذا توجه ثمانون عاملا متطوعا فورا مع مكانسهم حيث بدؤوا عملهم بعد ثلاثة أيام من الكارثة تساندهم بعض الجرافات الكبيرة،وقد أصبح هؤلاء يمثلون منظمة اسمها،منظفون بلا حدود،وهي منظمة غير حكومية،وقد شهد الزوار الأجانب الذين زاروا المدينة بعد ذلك أن شوارع المدينة الشهيدة كانت بنظافة شوارع طهران.
قصة أخيرة لها طابع شخصي أكثر ولكنها لا تبعد كثيرا عن السياسية،كان أحد المسؤولين الكبار في مؤسسة وطنية يستقبلني بشكل منتظم لمتابعة معالجة موضوع معقد،ومن خلال تعدد اللقاءات عقدت بيننا وبالتدريج أواصر مودة وثقة متبادلة،وقد دخلت مرة مكتبه فوجدته بالقميص فقط وقد خلع سترته،واستقبالك بدون سترة في طهران دليل على وجود تقارب بين المضيف وزائره،إذ أن المعمول به في هذا النظام المتشدد هو ارتداء السترة في كل الظروف الرسمية،وحتى في ساعات الحر الخانق. وعندما حاول أن يمد يده إلى سترته سبقته إلى خلع سترتي وألقيتها على كرسي جانبي،فتوجه من فوره وأخذها وحملها بعناية وعلقها على المشجب. وقد رجوته ألا يكلف نفسه عناء ذلك فقال : كان والدي حلاقا،وقد عملت معه عندما كنت طفلا،وتعلمت منه أن سترة الزبون هي شيء مهم لا يجوز أن تلامس الأرض أبدا،ولأنك صديقي اسمح لي أن أفعل معك الشيء نفسه.){ص 17 - 21}.
بعد هذا الحدث الطويل،ورواية بعض القصص،والتي يصعب نقلها كلها – ومنها استضافته من قبل أسرة فقيرة،ورفض شرطي مرور أخذ إكرامية،رغم أن المشهور عنهم أنهم"فاسدون" – بدأ في التحليل .. ( إذن ما النتيجة التي نستخلصها من هذه القصص؟ وبالأحرى ما السؤال الذي يطرحه – بشكل منتظم – كل المراقبين حول هذا العالم الغريب"وبالتالي عن الإيرانيين أنفسهم"؟ فلماذا كل عبارات الترحيب والحفاوة التي يحيطونك بها،وفق أي معيار هي عبارات صادقة؟.
يمكن أن نترجم طوعا هذا الحذر وهذا الاهتمام في العلاقات الشخصية البينية على أنهم يهدفون إلى السيطرة على التوترات القوية جدا التي تجتاز بشكل دائم الجسد الاجتماعي،كي تعوض عن الكثافة الهشة للمعايير الجماعية المقبولة من كل المجتمع.
ثم عندما يبذل المرء جهدا كبيرا ليكون ودودا باستمرار مع كل الناس،فلأنه يشعر في دخيلة نفسه أنه وحيد إلى حد ما في مواجهة كل الآخرين،ناهيك عن أن يكون ضد كل الآخرين،والعمل الجماعي ليس الحصن الذي يلجأ إليه الإيرانيون،وعندما يبرز إلى السطح،فإنه حتى في النزاعات الاجتماعية أو السياسية،يحدث غالبا بشكل غير متوقع وانفجاري وإلى حد بعيد ارتجالي،وعندما تحدث أحد المراقبين الحُصفاء عن إيران"وهذا ينطبق أيضا على فرنسا"اعترف : "بأن الشّرين يشكلان ظاهرتين في الحضارات القديمة هما الغيرة والتملق .. الغيرة لأنها لا تحتمل أن تتجاوزها حضارة أخرى،والتملق بهدف دفع تلك الحضارة التي تجاوزتها إلى ارتكاب الأخطاء".
إذا قلنا ذلك،وربما هناك درجات مختلفة للحقيقة،فهنالك في الوقت نفسه مستوى تكون فيه عبارات الملاطفة والثناء التي تحاط بها والكرم الذي يقدم إليك،إشارات لاندفاع صادق من الممتع أن تتلقاه في اللحظة نفسها على الأقل،ومن الممتع أن ترد عليها بالمثل بأمل أن تؤدي ذات يوم إلى وجود الثقة والحميمية،وبالإجمال فإن الإسراف في هذه الإشارات التي يجري تبادلها لا بالكلمات فقط،ولكن أيضا بالحركات والإيماءات – وضع اليد على القلب،والانحناء،وثلاث قبلات يتبادلها أبناء الجنس الواحد بالطبع – قد يعطي شعورا بالتملق،عندما يخشى كل فرد – بلا شك – كل الآخرين،فإنه يسعى أن يأنس إلى كل الناس وأن يأنسوا إليه،وكما يقول الصينيون القدامى : "إن البروتوكول هو عطر المودة".){ص 21 - 22}.
مشكلة (التحليل)أن فضاءه متسع .. يستطيع (المحلل) أن يقول فيه ما يشاء ...حتى الشيء ونقيضه بما أن هناك"درجات مختلفة للحقيقة"!! .. رغم أن سعادة السفير،حاول أن يكون منصفا – حن وصف تلك الملاطفة والكرم بأنهما صادقين،أو أن ذلك من المحتمل – وبطبيعة الحال،لا يستطيع الكاتب أن يتخلص من (ثقافته الغربية) الجافة .. لذلك لابد أن يكون وراء كل ذلك الترحيب والكريم،أسباب نفسية (عندما يخشى كل فرد كل الآخرين،فإنه يسعى أن يأنس إلى كل الناس .. إلخ).
لماذا لا يحصل هذا – مثلا – في الولايات التي ينتشر فيها العنف ... حيث يخشى كل فرد كل الآخرين؟!!
ليس من الصعب أن يلاحظ القارئ وجود بعض الخلل في الأمثلة التي ساقها المؤلف .. فهو نفسه حضر إلى مكتب المسؤول الإيراني في بزته الكاملة .. ولم يخلع سترته إلا حين سعى المسؤول الإيراني لأخذ سترته .. إذا فالفرنسي أيضا كان يرتدي بزة كاملة ... كما أن (موردي) الثقافة الغربية،كثيرا ما حدثونا عن تحضر الإنسان الغربي،لدرجة أنه لا يحضر بعض الحفلات الموسيقية إلا وهو يرتدي (بزة كاملة)،ولا يمكن السماح بالدخول بغير تلك الصورة!! .. ونحن نرى أيضا بعض المسؤولين الغربيين،عند الاستقبال،يطبعون قبلات خفيفة على وجنات السيدات .. والسيدات فقط بطبيعة الحال!!
من الدوافع النفسية للإيرانيين،ينتقل المؤلف إلى : "2 : صوت الشعب" .. وهنا يقوم بتحليل مفاصل النظام الإيراني .. (ولكن لنفهم بشكل أفضل ما يجري في محيط السلطة،يحسن بنا أن ننطلق من مجموعة دوائر لها مركز واحد،في المركز هناك عقدة صلبة تمثل كفلاء النظام الإسلامي الذين يتحلقون حول آية الله خامنئي قائد الثورة،وبالتالي فهو الشخصية الأولى في النظام،بين هؤلاء هناك جهاز "الباسدران"أي الحرس الثوري الذي يضم نخبة سياسية بقدر ما هي عسكرية،وكذلك السلطة القضائية،ومجلس حراس الدستور الاثنى عشر وشبكة خطباء الجمعة،الذين يعينهم مرشد الثورة في كل مدينة في إيران وأخيرا الإذاعة والتلفاز الرسميان والمؤسسات الدينية الكبرى.
حتى لو نشأت صراعات نفوذ عنيفة بين هؤلاء جميعا،فإن كل هذه المؤسسات تعرف كيف تتجمع في الوقت المنسب لتقيم جبهة عامة ضد الخطر الخارجي.
والحكومة الإيرانية المؤسسة على النمط الغربي يقودها رئيس الجمهورية سواء كان إصلاحيا كالرئيس خاتمي وبمعنى ما رفسنجاني أو كان محافظا كما هي الحال مع الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد لا تملك الحق أن تعمل بوحي من ذاتها،بالنسبة للنواة الصلبة التي أشرنا إلهيا فإن شرعيتها العليا وبشكل قاطع من العقيدة،وتبقى آلياتها مختفية تقريبا عن عيون الناس لأن ما هو مهم هو ماهيتها الخفية التي يجب أن تبقى كذلك.
وهكذا لا يغادر مرشد الثورة إيران،وعندما كان خاتمي رئيسا للجمهورية توجه قليلا نحو البلاد الأجنبية لكنه لم ير عمليا الغرب.
ويقولون أنه لم يزر مكة أبدا ولم يستقبل قادة أجانب خارج القادة المسلمين،أما قادة المؤسسات الدينية الكبرى فلا يمكن الوصول إليهم،ولا يظهر قادة الحرس الثوري أو السلطة القضائية أمام الملأ إلا نادرا.
تتبع هذه النواة الصلبة هيئة – ولنقل هيئة مزدوجة تتواصل النواة الصلبة عن طريقها مع الخارج – وتشكل هذه الهيئة الحلقة الثانية ،وهي مجهزة بكل بهارج الحداثة ومظاهر الديمقراطية : برلمان،رئاسة جمهورية،وزراء،إدارات،مؤسسات وطنية،وحتى منظمات غير حكومية المسيطر عليها تماما.
نجد بعد ذلك الحلقة الثالثة ومنها بدأ العالم الخارجي للنظام،في هذه الحلقة نصادف أولا ألئك الذين يدعمون النظام – أي نظام – كائنا ما يكون دون أن ينتموا إليه،سواء من أجل ازدهار أعمالهم الشخصية كما هي الحال مع رجال أعمال وتجار وصناعيين،أو بدوافع وطنية مثل الكوادر الإدارية المؤهلة غالبا تأهيلا عاليا والذين لم تعد تغرّهم أوهام الشباب فاختاروا أن يبقوا في إيران،على الرغم من رواتبهم القليلة،وعلى الرغم من كل الصعوبات،بهدف خدمة بلادهم.(..) في المخطط الذي عرضته،يمكن لنا أن نترجم المواجهة المستمرة بين الإصلاحيين والمحافظين والتي طبعت الفترتين الرئاسيتين لخاتمي على أنها تفسير لصراع بين الحلقتين الأولى والثانية،فالحلقة الثانية تعني استقلاليتها لمصلحة الموجة الشعبية التي حملت عام 1977 بطلها إلى سدة رئاسة الجمهورية،والتي اعتبرت إلى وقت قريب أنها تحمل مشروعها الخاص وهو الديمقراطية الشرعية. وكانت الحلقة الأولى تذكرها بلا انقطاع بوظيفتها الحقيقية والوحيدة،وهي حماية النواة الصلبة في النظام وأن تكون المترجم الأمين لها وذلك لخدمة الشرعية التي هي فعلا شرعية.
واليوم أصبحت الحلقة الثانية نفسها محافظة،وبالتالي فهي من نسيج الحلقة الأولى،ولكن الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد وأصدقائه لا يرتدون العمامة وليسوا من رجال الدين الذين صنعوا الثورة،لقد جاؤوا من عالم الحرس الثوري الذي قتل العراقيين وجماعات الثورة المضادة،وهذا لا يتنافى {هكذا} أنه وأصدقاءه يبحثون عن دور لهم ليتخلصوا من العبء الثقيل الذي تفرضه على كواهلم الحلقة الأولى مستفيدين من الشرعية التي كسبوها من صناديق الاقتراع.){ص 23 - 26}.
غني عن القول عدم وجود تشابه،إلا قليلا، بيننا وبين إيران فيما سبق نقله ... ثم يقارن المؤلف بين نظام النظام في إيران و النظام الشيوعي .. (كان النظام الشيوعي ينعم أيضا بخصائص النظام الديمقراطي : دستور مفصل،برلمان منتخب مباشرة من جميع المواطنين،حكومة مسؤولة أمام البرلمان،ونظام فيدرالي .. إلخ،ولكن كل الناس يعلمون أن ذلك التنظيم ليس إلا الوجه الآخر المعد للتعامل مع العالم الخارجي،أما الأمور الخطيرة فتقرر في مكان آخر بعيد عن كل ذلك،في قلب النظام حيث توجد قيادة الحزب الشيوعي واللجنة المركزية والمكتب السياسي.
إذا،هل ورثت الثورة الإسلامية النظام الستاليني؟ ليس الأمر كذلك فعلا. وإذا كان النظامان متشابهين فلأنهما قد وجدا في أعماق تاريخهما طرازا مجربا للطغيان الآسيوي حيث تختفي السلطة الحقيقية التي لا يمكن الوصول إليها إلا باجتياز سلسلة من العقبات ورفع حجب متوالية. ){ص 26 - 27}.
إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
س/ محمود المختار الشنقيطي
((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب))
Mahmood-1380@hotmail.com