ورقة عمل بعنوان:
العنف الإسرائيلي والانتفاضة الفلسطينية وتأثيرهما على نمو اللغة العنفية عند الطفل الفلسطيني

إعداد: الاستاذ عماد موسى

محتويات الدراسة:

1- ثقافة العنف في المجتمع الفلسطيني .
2- ظاهرة العنف والسلاح في المجتمع الفلسطيني .
3- وسائل الاتصال الجماهيري وأثرها على نمو اللغة العنفية عند الطفل الفلسطيني .
4- العنف الإسرائيلي والانتفاضة الفلسطينية وتأثيرهما على نمو اللغة العنفية عند الطفل الفلسطيني .


































1- ثقافة العنف في المجتمع الفلسطيني
تفشت ظاهرة العنف في مجتمعنا نتيجة عوامل مركبة من أبرزها:
أولا: العمل التاريخي
ففلسطين الإقليم تعرضت بحكم موقعها الجغرافي ومناخها وتضاريسها إلى الغزوات استعمارية المتكررة من الفرس واليونان والرومان ثم جاء الإسلام وبعدها تعرضت للحملات الصليبية إلى أن حررها صلاح الدين ووقوع أرضيها تحت الحكم الثماني وحصار نابليون لعكا فالانتداب البريطاني الاستعمار اليهودي في فلسطين ، فلم تعرف فلسطين الاستقلال والحرية والسيدة والدولة، لذا لم تنشأ في مجتمعنا ثقافة الاستقرار والحوار والتسامح والسلم الأهلي بل العكس من ذلك كدست في الذاكرتين الفردية والجمعية والذاكرة التاريخية والثقافية صورا مكرورة من العنف بكافة أشكاله وأنماطه وألوانه.
ثانيا: العامل التحرري
الحتمية التاريخية هي مقومة الاحتلال، هذا ما حدث طوال الحقب التاريخية،ولكن قوة المحتل وبطشه خلق ثقافة التكيف مع الاحتلال من أجل الحفاظ على الذات، إلا أن هذا لم تكديس مشاهد القمع والبطش والتنكيل في اللاوعي الجمعي والفردي للأجيال المتعاقبة التي ما تلبث أن تمارس أشكال المقاومة المختلفة ضده والذي طور من ثقافة العنف في مجتمعنا.
والذي تجلى فيما يلي:
أ- الإضرابات التي شهدتها فلسطين التاريخية في العصر الحديث وأشره إضراب 1936
ب- المقاومة المسلحة
ج- الكفاح المسلح أسلوبا، الثورة الفلسطينية المعاصرة( منظمة التحرير الفلسطينية)
د- انتفاضة الحجارة
ه- انتفاضة الأقصى انتفاضة مركبة: حجارة وحرق إطارات وسلاح المقاومة لسائر الفصائل الفلسطينية والتي تمخض عنها ثقافة العمليات التفجيرية داخل الخط الأخضر.
ثالثا: الثقافة:الأدبيات الفلسطينية والكتب المدرسية والأدبيات العربية جميعها أسهم في الترويج لثقافة العنف في مجتمعنا لارتباطها بالمقاومة.
أشكال العنف في مجتمعنا:
1- المقاومة المسلحة( العنف الثوري، الكفاح المسلح، الجهاد) المشروعة بأشكالها المختلفة
2- العنف المجتمعي:
والذي يسود في معظم مدننا ومخيماتنا وقرانا، بين العائلات على خلفية الثأر أو الخلافات والمشال والتي تنفجر عنفا متعددا باستعمال السلاح والعنف الجسدي الضرب والعنف اللغوي الشتائم والسباب، والقتل على خلفية الشرف والقتل على خلفية الخيانة( الإعدام خارج القضاء والقانون).
3- العنف الفصيلي:
والذي تشهده المؤسسات التعليمية الجامعية، عبر البيانات ذات اللغة العنفية والاتهامية والتخوينية من لدن هذا الطرف ضد ذاك،وكذلك استعمال الضرب بالعصي والجنازير المترافق مع العنف اللفظي.
4- العنف الأسري:
والذي بدأ يهدد أمن الأسرة واستقرارها والمنكس سلبا على الأطفال
5- العنف المدرسي:
بأشكاله المختلفة، اللفظي والجسدي والممارس من بعض المدرسين في عدد من المدارس الخاصة والحكومية والوكالة والذي بدوره ونتيجة للعوامل السابقة يظهر العنف بكل تجليات وأشكاله بين تلامذة المدارس داخل المدرسة خارجها.
6- العنف الشارعي:
والذي يسود معظم المدن حيث نشهد حالات عديدة من الشجار المسلح أو الاعتداء بالضرب بواسطة الأيدي وغيره من الوسائل والذي تنج عنه اشتباك عائلي ومع الأجهزة الأمنية والاعتداء على الممتلكات العامة كتدمير الإشارات الضوئية وحرق الاطارت وإغلاق المحلات التجارية تحت تهديد السلاح والاعتداء على المصارف والبنوك.
7- العنف ضد مقاهي انترنت: وهي ظاهرة شائعة في قطاع غزة
8- العنف ضد وسائل الإعلام المختلفة:
الاعتداء على الصافيين واختطافهم وتدمير وحرق مقراتهم وسيارتهم.
9_ العنف ضد الأجهزة الأمنية:
الخطف القتل الاغتيال، مداهمة المنازل بالقذائف.
10- الاحتراب الداخلي:
والذي له ترجمات مختلفة، الاقتتال الداخلي، العنف الداخلي، الحرب الأهلية، الصراع على السلطة.الفلتان الأمني، الفلتان الأمني المسيس.والذي شهدته قطاع غزة بين حركتي حماس والتي عنونت بالقوة التنفيذية وكتائب الأقصى وبالأجهزة الأمنية وما تركته من تداعيات على مجتمعنا وخلق ثقافة العنف الداخلي وتبرير قتل الآخر الفلسطيني تحت مسميات وشعارات وطنية أو دينية.
11- العنف الإعلامي:
وما رافقه من تعبئة وتحريض على القتل لما حملته الرسائل الإعلامية من مفردات وألفاظ تخوينية وغير وطنية وفتنوية تؤدي إلى ممارسة العنف في الشارع بكافة أشكاله وألوانه خصوصا في المراحل المختلفة من الصراع بين السلطة وحماس ولتي انحدرت بشكل دراماتيكي لتصل إلى إراقة الدماء ، إن جميع هذه العوامل أسهمت في إنتاج ثقافة العنف في مجتمعنا.
2- ظاهرة العنف والسلاح في المجتمع الفلسطيني
إن المراقب للأحداث والتطورات الاجتماعية والسياسية في مجتمعنا الفلسطيني، منذ أوسلو وإلى الآن، سيلحظ بوضوح تفشي العديد من الظاهر المجتمعية السلبية والتي تهدد الأمن والسلم الأهليين وتعزز من ثقافة العنف .
ولعل من أبرز هذه الظاهر أخطرها هي: عسكرة المجتمع الفلسطيني وحمل السلاح غير المرخص غير القانوني تحت ذريعة المقاومة وممارسة العنف وظاهرة إطلاق النار في المظاهرات ولمسرات وتنفيذ القصاص باليد ولفهم هذه الظاهرة لا بد من تحديد الأسباب والعوامل التي وقفت خلف نشأتها:
أولا: رواج تجارة السلاح: لتحقيق الثراء والذي شجعت إسرائيل على امتلاكه من أجل زعزعة الأمن والاستقرار للمواطن
ثانيا: رواج سرقة السيارات وما أنتجه من ثقافة العنف في مجتمعنا والتي تكون مصاحبة بالقتل.
ثالثا:رواج تجارة المخدرات وما ترافقها من أشكال العنف
رابعا: المليشيات المسلحة وعدم ضبط سلاحها وسبل استعماله.

3- وسائل الاتصال الجماهيري وأثرها على نمو اللغة العنفية عند الطفل الفلسطيني
تمارس وسائل الإعلام الجماهيري المختلفة (الفلسطينية والعربية والدولية والإسرائيلية) والانترنت دورا كبيرا في صياغة العقل والمخلية والسلوك الطفلي في سائر المجتمعات ، ولكن لمجتمعنا خصوصية منبثقة من واقعه التاريخي القابع تحت الاحتلال .فوسائل الإعلام المختلفة تعمل مجتمعة على دعم وتغيير الاتجاهات المختلفة عند الطفل تعمل على نشر الوعي والقيم والأخلاق وتوليد اتجاهات فكرية واجتماعية استهلاكية تخدم ثقافة العولمة وأهدافها.
واليوم نشهد ضخامة في الإنتاج الإعلامي وسرعة في البث للرسائل الإعلامية ذات المضامين العنفية والجنسية والاستهلاكية المختلفة والموجه للفئات العمرية المختلفة وخصوصا الموجهة للأطفال.الأمر الذي يتمخض عنه تلقف هذه الرسائل بمضامينها، ما يؤثر على النمو النفسي واللغوي عند الطفل في مجتمعنا، ما يؤدي إلى تغيير واضح في السلوك لدى أطفالنا وبروز ميول عنفية في المستويين اللغوي والجسدي واستعداد لاحق للقيام بأعمال من شأنها أن تودي بحياته.
إن تركيز وسائل الإعلام وخصوصا التلفزيون على بث المشاهد العنيفة والجنسية والإغرائية في البرامج والنشرات الإخبارية وفي الأفلام السينمائية، وأفلام الكرتون والفيديو كليب الموجهة للأطفال والموجهة للكبار.سيعمل على إحداث تغيرات في السلوك اللفظي والجسدي والفكري والقيمي لدى الأطفال ويؤثر على وعيهم ويشعرهم بالاغتراب في سن مبكرة،وذلك لما تتركه الصورة العنفية والجنسية والإغرائية من تأثير على المخيلة البصرية والمترافق مع العنف اليومي من الاحتلال والشارع وأسرة و..الخ.
التفزيون:
يعد التلفزيون أخطر وسائل الإعلام وأكثرها تأثيرا في المتلقي، لأنه يقدم برامجه بالصوت والصورة والحركة واللون وينقل المشهد كما هو في الواقع وأحيانا يفوق ذلك الواقع من خلال خلق واقع افتراضي.
ونظرا لما يتمتع به التلفزيون من خصائص ومميزات يفوق بكثير ما تتمتع به وسائل الإعلام الأخرى عند الطفل فإنه:" يستطيع نقل الخبرة والمعرفة في سن مبكرة وقبل غيره من الوسائل، فليس من الضروري أن يتعلم الطفل القراءة قبل أن يكتسب المعرفة من التلفزيون وحتى بعد أن يتعلم القراءة يجد أن التلفزيون يمده بالمعرفة من عالم الكبار "
ولهذا انعكاساته السلبية على الطفل، ويمكن تلخيص مجالات تأثيره فيما يلي:
1- يختزل الزمن في نقل المعرفة وطرح المشكلات حول مجالات وقضايا جديدة، ما يسرع في النمو اللغوي والعقلي والسلوكي عند الأطفال
2- يوفر الخبرات عند الأطفال دون الحاجة للقيام بذلك، كمعرفة عالم الحيوان والبحار وثقافة العنف
3- يقدم البرامج للأطفال بشكل يجعل الاستجابة الواقعية عند المخيلة الطفلية كبيرة
4- إحداث تغيرات عاطفية ما يؤثر على الطفل العدواني إذ يكتسب المعرفة حول الجرائم والعنف.
5- الجلوس طويلا أمام التلفزيون وانخفاض ساعات النوم يؤدي إلى التوتر العصبي وضعف في التركيز وميل لممارسة العنف
6- التأثير على التحصيل العملي لأنه خفض من ساعات الدراسة وساعات العمل لحل الواجبات البيتية
7- الميل إلى الخمول والكسل أكثر من الميل للعب وتطوير آليات الدفاع النفسي عبر اللغة وتطويعها وخصوصا العنفية لتعويض النقص في الحركة والتقصير المدرسي.
دور وسائل الإعلام في تكريس اللغة العنفية:
الحرب المفتوحة التي شنتها وما تزال تشنا الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على شعبنا الفلسطيني، تفرض حضورا قويا على وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والدولية لتغطية جرائم الاحتلال وانتهاكاته،فتعمل جاهدة على توظيف الطاقات الكامنة في كل من اللغة والصورة لنقل المشهد الدموي والتدميري ولأجل إحداث تأثير في المشاهد.فيفتح القاموس اللغوي على مصراعيه بحثا عن المفردات للتعبير عن معنى الجرائم،ولوصف حقيقة ما يجري، ولنشر الدلالات في أرجاء المعمورة وهذا يعني خلق أنساق لغوية جديدة تتساوق مع تطور الأحداث وتداعياتها المختلفة، فتنتقل اللغة المبدعة إلى المشاهد الطفل فيبادر لتكرا ما يسمع مثل خبر عاجل، واغتيال فلان، وكتائب شهداء الأقصى وعملية استشهادية، بطولية، فدائية انتحارية، إرهابية، حسب وسيلة الإعلام وسياساتها وموقفها من الصراع الجاري على الأرض.
وتسوق وسائل الإعلام عددا من الروايات والتي تختزن في المخيلة اللغوية،فبعد مرحلة يصبح قادرا على التمييز بين المفردات،والذي عزز من القدرة على التمييز هو إعادة احتلال المدن وتدمير مؤسسات السلطة وحصار الرئيس عرفات، والإعدام خارج نطاق القضاء والقانون واستخدام الكلاب البوليسية لاقتحام البيوت واستعمال المواطنين دروعا بشرية،فكل هذه المشاهد وما يصاحبها من لغة وصفية تكدس في الذاكرة وفي المخيلة اللغة فتكتسب مكانة وحضورا لكونها تعبر عن شيء مرئي وليس مجرد،وتعبر عن حدث متكرر ويومي.
فبدلا أن تمضي اللغة الطفلية باتجاه المفردات السلمية الخاصة بالعب والصداقة والزمالة والمرح والفرح وأعياد الميلاد وألعاب الطفولة والتعليم والصحة نجدها تنزاح بقوة العنف نحو اللغة العنفية والتي يحتاجها للتعبير عما يجرى من حوله ولامتلاك القدرة على التعبير لأن الأحداث تمس وجوده ووجود من هم حوله.
فالاحتلال قدم مشاهد العنف في صورة الدبابة وطائرة ف ستة عشر والاباتشي وكل أنواع الأسلحة التي أصبح الطفل يميز بينها ويستعملها وقادرا على إعادة الرواية الإعلامية.
ففي ليلة حصار واقتحام يتم إقحام الصورة والمشهد واللغة العنفية إلى عقل الطفل،فأصوات الرشاشات ودوي المدافع وأصوات الانفجارات،كلها تقدم بشكل مكثف ومتكرر عبر وسائل الإعلام وخصوصا المرئي فيكتسب اللغة بسرعة الخبر ويتبارى مع أشقائه وشقيقاته وزملائه على إعادة رواية الخبر باللغة العنفية ذاتها وانفعال شديد وتأثر كبير.
ومع تكرار المشاهد والأحداث وتدول الإعلام المرئي لها تبدأ المخيلة الطفلية برصد و تخزين هذه المشاهد والكلمات والمفردات والجمل المعبرة عنها لتشكل مخزونا كبيرا من اللغة العنفية فتأخذ مساحة أكبر في ذكرته من اللغة المعبرة عن السلام والمصافحات التاريخية، لتشكل في المستقبل وعيه وذاكرته الفردية، ولتقبع في اللاوعي الذي قد يستخدمه كخبرة عندما يكبر ليخرج هذا القمع في أشكال متعددة ضد أفراد أسرته أو زملائه في المدرسة أو الشارع حسب الموقف الذي يوضع فيه.
الانتفاضة وأثرها على اللغة الطفلية
لقد سمى الرئيس الراحل ياسر عرفات الأطفال في لبنان بأطفال الأربي جي ولقب أطفال فلسطين في الانتفاضة الأولى بأطفال الحجارة،فاندفع الأطفال في مقومة شرسة للاحتلال الإسرائيلي،فعرفوا أدواتهم وكيف يشكلونها ويصنعونها،قنابل المولوتوف، المقلاع وما شابها في العمل، ورمي الحجارة وبناء السواتر الرملية وحرق إطارات السيارات.
فالانتفاضتان لم يفصل بينهما بون زمني شاسع، فتعاقبت الأجيال على ممارسة الفعل الانتفاضي نفسه، وممارسة اللغة العنفية نفسها فتعلموا وأنتجوا مفردات عنفية ردا على مفردات الاحتلال، فأطلق على الانتفاضة عدد من التوصيفات( المباركة، المجيدة) فدخلت القدسية للغة العنفية، والشهادة.وتوصيف القتلى بالشهداء الأبرار،وتبشيرهم بالجنة.
وبرصد سلوك الأطفال الغوي سيتضح مدى قدرتهم على الانتقاد والمحاكاة والتقليد وأحيان الإبداع، فهم يرددون شعارات الانتفاضة فيشتمون لإسرائيل والتخاذل العربي والعملاء والجواسيس ويمجدون البطولة، وذلك ببساطة لأنهم حفظوا لغة عنفية جاهزة ولأنهم ويمارسون هذه اللغة في المواقف المختلفة.ولأن لغتهم تطورت وتكثفت في شهور وزادت مفرداتها وكثرت أبواب استعمالاتها.
ولذلك يجب الاهتمام باللغة الطفلية لتوضيح الاختلاف بين اللغة العنفية الإسرائيلية ولغة العنف(المقاومة ) وذلك لأن الفاصل بينهما خيط دقيق،لأن المحصلة النهائية هي ممارسة العنف والعنف المضاد فالطفل غير قادر على التمييز إلا العصف والعنف ومع تقدمه في العمر.
من هنا تقع على عاتق التربويون والنفسيون والاجتماعيون مسؤولية كبيرة لإعادة صياغة اللغة وتعزيز المواقف اللغوية الايجابية السلمية الأهلية وتنشيط لغة العب ولغة القيم والأخلاق.
فحتى لا يقع أطفالنا فريسة للعنف ولغته علينا أن نعلم أطفالنا من خلال المدارس وفي البيوت وعبر وسائل الإعلام المجال اللغوي المضاد للغة العنفية وهو مفردات الحب والجمال والخير والقيم الإنسانية والقيم الديمقراطية( الحوار واحترام الآخر والتسامح واحترام المرأة)بحيث تعمل المؤسسات والأحزاب على تطوير برامجها وبالتالي تطير لغة خطابها لاحتواء مثل هذه المفردات ودلالاتها.