الصقر والصرصار ...
قصة موجزة تجسد تطاول البغاث في هذه الأيام ...
هشــام الخـاني
تحرك شيء أمام ناظري الصقر، فجعل يهوي بكبرياء يريد أن يقتنص فريسة، ففوجىء بصرصار عكس قرناه الضوء فخدعا الصقر. فقال الصقر: أهذا أنت؟ والله إنك لاتستحق خفقة واحدة من جناحي الذي حط بي إلى مكانك السحيق. فأراد الصرصار أن يتحدث عما يظن أنه مناقب له، فقال: ألا تراني افضل منك، ألج كل مكان أحصل على ما أريد من الطعام، وأصاحب من أريد من الأصحاب؟ فضحك الصقر وقال: أنت تلج مواطن القرف والفضلات، وإني لا أري لك صاحبا سوي من شاكلك.قال الصرصار: جميعهم يحبني وينام على صوتي، ويثمنون ذكائي إذ أقتات على افخر الطعام دون عناء. فأجاب الصقر: لاتتوهم فصوتك هو النشاز بعينه، وذكاؤك ذكاء المغرور إذ تقتات من جهد غيرك. فقال الصرصار: لكني ذكي فطن أنهج نهج اﻷسلاف متخفيا لأحصل على ما أريد. فأجاب الصقر: بئس الآباء وبئس ماخلفوا. قال الصرصار: لقد علمت من مخالطتي للناس كل الحكمة. فأجاب الصقر: نعم صحيح ..أنت حكيم إذا ماقارنت نفسك بخطيئتي إذ هويت من الأعالي إلى حيث انت. فقال الصرصار: انا أوقظهم على صوتي الجميل ليقوموا إلى الصلاة، فقال الصقر: أنت واهم فصوتك يخرس تماما عند بزوغ الفجر.
رفع الصرصار قرنيه يفركهما ببعضهما منفاخرا يقول: لقد سمعت كل خبر وحديث من خلال الشقوق والفتحات. ويمكنني أن أتلو عليك ماحفظت، فرصيدي من العلم امسى كبيرا. فضحك الصقر وقال: أنت تمتلك من العلم والدراية مايناسب حجمك، ولئن جربت ان تتكلم بصوتك وانت تفاخر، فإني لا آمن عليك من مكنسة تأتيك فتحطم رأسك. فأصر الصرصار فصرصر يظن انه يطرب ويتكلم بالحكمة: "زي زو زي زو". فقال الصقر: كل من كان مثلك من الحشرات يظن نفسه حكيما، ويري في خزف المغاسل أعالي القمم. وتابع الصرصار يتلفت يمنة ويسرة يظن أن صىيره يطرب الناس ويعظهم. فضحك الصقر ضحكة جزلة وقال: سبحان الله ... لقد قدر لي اليوم أن أحط بجوار القمامة، ولعل العتب على القلب والنظر إذ ظننت فيك القيمة فرايت القمامة.
وبينما كان الصقر يهيء جناحيه ليطير، والصرير يملأ المكان، والصرصار يظن أنه ينطق بالحكمة والراي الذي اكتسبه من ثقوب الحاويات، منتشيا معتدا، أتاه حذاء ذو مقاس كبير، فقرع رأسه وأخمد انفاسه. فانتفض الصقر متأسفا وهو يرقبه، لكنه مالبث أن قال: لا أسف... لقد رأىت في نفسك حكيما، ولو أنك أخرست لسانك لكسبت حياتك، وأكسبت الناس راحة بنأيك عن إزعاجهم. وكم أتت قاصر إذ تظن في تفسك الحكمة متطاولا.
طار الصقر الى الأعالي واستقر الصرصار ثاويا عند مكان الضربة.