كان المساءُ سيطل قبل أي إثارة ، صعب عليه أن يفهم بعض الناس ، وصعب عليه أن لايفهمه الناس ، وأصعب ما في الأمر أيضاً أن صكوك البراءة لاتفيد في هذا الزمن ، انتحي بنفسه جانباً وجلس بالقرب من مكتبه ، اتكأ على حافته ، أحياناً تعجز سلطة الكلام ، عن الكلام!! ولامناص من الذهاب إلى حواء الجميلة.
• وحواء إمرأة سبعينية جميلة ، لم يكتسي الكبر معالمها ولم يوهنها الزمن بالرغم من أنها قد شاركت في رعايته صغيرا وهي اصغر خالاته .
• وحواء تعيش حياة رغدة ، وحيدة في بيتها بعد أن توفي زوجها الضابط المُتقاعد ، اشترت لكل ولد من أولادها ولكل بنت بيتاً وعاشت وحيدة مع ابنتها التي فقدت زوجها هي الأخرى بعد مرض مزمن .
• بيت حواء مطلي بالأخضر الذي تحبه لكنها تستعمله في الأثاث والستائر ولاترتدي غير اللونين الأحمر والأسود..لاأحد يصدق أنها سبعينية لو لم يكن يعرفها..عيناها واسعتين ..ووجهها ابيض مُدورٌ في تناسق غريب ، وقصة عشق زوجها لها تحتاج الى تهاميش أخرى..وأيضاً دفقات حنانها الصارخ قصة أخرى
• يحيط ببيتها الجميل مجموعة من الورود النادرة وأشجار مثمرة من زيتون وكرم ورمان وتين وجوافة ، تجمع الثمار لوحدها ، وتعصر الزيتون بنفسها وتضعه في قنينات بنظام بديع ومُنسق وتجدها في أرفف المطبخ كأنها لوحات زيتية مصفوفة ..تعلمت من زوجها الترتيب والنظام وحب العطور بشتى أنواعها ، تتأفف من نساء لايهتمن بمظهرهن ولا يرتدين بدلات متناسقة..تقول بالحرف :جمال في جسم مُبعثر لاتناسق فيه!!قلبي على الرجال كيف يعيشون ويتنفسون قرب هذه الأنفاس القميئة.
• الوقت قرب المساء..تلك هي لحظات إعداد قهوتها المُتبلة بأسماء غريبة واعشاب عدة ومذاقها لايتكرر!! وتعدها في الحديقة جالسة على فرو خروفٍ ناعم وممشوط ومزركش تتدلى على أطرافه حبات الخرز .
• قالت: جئت في وقتك ، احتاجك لكي تساعدني في مراقبة القهوة على النار بينما أحضر لك كوب الزيتون..أراد أن يساعدها على النهوض فدفعته بيدها قائلة [ساعد نفسك أولاً] ثم ابتسمت وهي ذاهبة.
• ابنتها لم ترث منها غير ابتسامتها الساحرة..تعيش عزلتها في الطابق الأول المُطلة غرفه على الحديقة ..
• تعود الخالة ومعها الكوب..يتأفف ، لكنها تدلقه في فمه بقوة .
قالت : أراك حزيناً فهات ماعندك؟؟ ارتمى برأسه على ساقيها المرمريتين قال لها : وعثاء التعب وريبة النساء وتكرار الوقت وعامل الزمن الضائع والإحساس بألا جدوي..قالت: اسمع كل الذي ذكرته سهل واعرف انك تستطيعه ..أما ريبة النساء فلن تنتهي إلى أن يرث الله الأرض والعباد وما عليها ، ريبة النساء فهي المهمة هنا وهي ديدن يومي لايستطيع الرجال العيش بدونه ويستمتعون به ولكنهم لايعترفون ..وللنساء أسلحة فلا تصدق أن شنبات الرجل تظل كماهي أمام النساء وسي السيد كذبة كبيرة صنعتها أمينة لكي تقوده فقط والرجال مهما تجبروا وادعوا الفحولة هم أطفال أمام النساء ..احكي لك حكاية طريفة عن عمك سعد رحمه الله [زوجها] ، كنت ادعي الشك فيه رغم أني اعرف صدقه وبراءته وإخلاصه ، لكني كنت اختبره أحياناً فكان يجن ، ولأني اعرف أن الرجل يحتاج إلى تغيير في نمط حياته وإلا أصيب بالملل والكلل ..سأقول لك سر..مات سعيد لأني كنت قوية وهو لم يقوى على الاستمرار لأنه وجد نفسه يقود سفينة صعبة ولذلك ها أنت تراني..أين أنا وأين هو؟؟مقتل الرجال هو نسوي ولاتصدق غير هذا..واستغرب نحيب النساء على رجالهن رغم أنهن سبب يساهمن أحياناً في موتهم!! ياطفلي الجميل أنت تدير مؤسسات وتعجز عن إدارة نفسك ولذلك أنت في وادٍ وكل الذين معك وفي بيتك في وديان أخرى..فحاول أن تخرج من شرنقتك وإلا تمزقت أنت وهي... ليس بالإمكان تغيير الكون وأنا لأني أعرفك لا تستطيع تغيير الكون ببساطة لأنك عرفت من نساء الكون العشرات وتزوجت عدة نساء أيضاً ..ولكنك لم تعرف أمك أبداً يا طفلي العزيز حتى تعطيك مفاتيح النساء وهذا مربط الفرس.