تطوير التربية الزوجية ( منقول)
رهام فشوش
لا تزال التربية الزوجية تستقي منهجها ونظامها ــ في معظم الدول الفقيرة ــ من المجتمع بكل ما فيه من متناقضات سلوكية وخلقية وعقائدية , ولكنه ــ أي المجتمع ــ يحتفظ بعادات وتقاليد في معظمها سوية رغم ما يتخللها من عيوب .
ولم نستطع القول , بأن للتربية الزوجية ــ في الوقت الحاضر ــ منهاجاً وكتاباً وتخصصاً متطوراً يمكن العودة إليها عند الحاجة , بل هو منهج المجتمع كله بكل محاسنه وطرح عيوبه .
إن التربية الزوجية جزء لا يتجزأ من المجتمع الكبير الذي يتعدى حدود الدولة ليصل إلى المجتمعات كافة .
وبما أن أساس نجاح أي دراسة لا تبدأ إلا بالجزيئات لتصل إلى الكليات , فلا بد إذاً من أن نبدأ بالجزء المسمى ( التربية الزوجية ) لنصل فوراً إلى المجتمع المحلي ليـــــنتشر إلى كل المجتمعات ويؤثر بها , تلك التربية التي ينبغي تطويرها لتصل إلى تقويم سلوك الزوجين أولاً ليشتمل على دراسة تضمن الحياة الأفضل لهما .
وينبغي أن يركز التطوير على الطفل الذي يعتبر أمانة في عنق والده أولاً وأمانة بين يدي والدته ثانياً , ولا يمكن إصلاح الفرد إلا من داخل نظام أسري متكامل المنهج , تحت رعاية الأبوين في نظام ( التربية الزوجية ) مع الإصرار على نبذ العلاقات الفوضوية التي يبرأ منها القانون والفطرة البشرية .
وبمعنى أدق , لا يتم التطوير بشكله التام إلا من خلال ثقافة الزوجين التي تعتبر كالمرآة التي تعكس تصرفات الأبوين للأبناء , من ساعة ميلاد الطفل ولغاية تخرجه إلى الحياة رجلاً واعياً بما يتلقاه الأبناء من أصدقائهم في المدرسة ومن المجتمع أيضاً , وللتربية والتعليم كبير الأثر في تطوير هذه التربية وتوجيه الأبناء توجيهاً تربوياً قويماً لصالح المجتمع الكبير .
إن تطوير التربية الزوجية يبدأ من الزوجين معاً لإنشاء أول نظام صغير يتلقاه الابن من أبويه , ضمن خطة مُــــــــحكمة ودراسة واعية ومفاهيم صالحة لصالح الصغار والكبار وللمجتمع كله , لأن العقل الإنساني مضاف إليه الثقافة الدينية والخلقية قادر على التطبيق والتنظيم والعدل والمساواة داخل نطاق المحبة الأخوية بين أفراد المجتمع ,
وإذا كانت نواة التطوير قد انبثقت من داخل مدرسة الأم لأولادها , واتسعت لتشمل الأب والأولاد والأصدقاء , فلا بد من تزويد الأب والأم بمصادر المعرفة اللازمة والمتخصصة في شئون التربية الزوجية لإشباع الزوجين بمفهوم الأخلاق السوية .
إن الأم هي المعنية في تطوير التربية الزوجية ومحاولة إنجاحها :مرحلة أساسية , من حيث اعتنائها بالطفل , لأنه يلازمها كل يوم ولمدة أكثر من سنتين يتمتع بحنانها وعطفها ويتغذى على لبنها .
وبعد ذلك تبدأ عملية تطوير إنتاج الوسائل اللازمة للتربية الزوجية , ليبدأ منحنى التطور في الظهور صاعداً لينبئ عن تقدم أكيد في المستوى التعليمي لكلا الزوجين في الثقافة والمهارات والدراسات والتخصصات , ولكن اليوم سيحصل كل واحد منهما على وثائق وكتب فلسفية وتربويـــــــــــــــة واجتماعية, ووسائل مرئية وسمعية ومصادر علمية هامة تهدف جميعها إلى رفع مستوى الأسرة ثقافياً ليستطيع الزوجان حل مشاكلهما علمياً لا عشوائياً , وبالاعتماد على التعاليم الدينية ولملمة أخطائهما لتلقى إلى خارج حياتهما الزوجية .
وتعتبر حلول المشاكل بعد الخصام تجارب تضاف إلى سجل الزوجين لتفادي الخطر بعد ذلك, فلكل مشكلة حل , ولكل حل طريقة خاصة , جديرة أن تضاف إلى حيز التطوير , وبخاصة إذا تم دعم التطوير والتوثيق بالوسائل التكنولوجية المتطورة, وبدعم فعال من الجمعيات والمؤسسات الخيرية, للوصول إلى بناء أسرة قوية لخلق مجتمع واع لمسؤولياته اتجاه أبناء المستقبل , ولبناء جيل جديد يعتمد على نفسه وعلى تجاربه للتقليل من الفوضى والأفكار السلبية السائدة في المجتمع ,ومساعدة العنس من النساء , لتزويجهن والتخفيف من أعدادهن , وبهذا يعم الخير والسلام في أرجاء المعمورة .

معوقات تطوير التربية الزوجية
إن الفقر والجهل والانعزال الجغرافي والثقافي بين المجتمعات والحضارات , وأصدقاء السوء وقلة الوسائل العلمية وضعف الوازع الديني , كلها مؤشرات تسبب إعاقة تطوير التربية الزوجية .
لا نكون متشائمين إذا وجدنا بعض المعوقات المادية والمعنوية, لتحقيق أي مشروع جديد قائم , فالمسألة تحتاج إلى دراسة عميقة , وتفهم لتحديد المسؤوليات , وتحديد الأهداف ودراسة الإمكانات اللازمة لهذا المشروع , ولا نلوم أي جهة لنتهمها في التقصير , فقد تكون إمكانات الدولة لا تسمح بالعطاء , فلا يعني هذا عدم موافقتها على تلبية رغبات الزوج والزوجة لبناء أول مدرسة في ميدان التربية الزوجية التي لا تنفصل عن أمها التربية والتعليم في أي حال من الأحوال .
من المعروف أن كثيراً من العلوم تتطور وتصعد في اتساعها مع تصاعد الأيام والسنين , وكلما اتسعت دائرتها العلمية , زاد الخير على الإنسانية بسبب رغبـــــــــة الإنسان في حياة فضلى , وأن كثيراً من العلوم يتزايد خطرها عــــــــــلى الإنسانية بزيادة إنتاجها وتوسعها , كالاستنساخ , وصناعة القنابل الذرية والسموم القاتلة والأسلحة الفتاكة , ثم تزايد علوم فلسفة الممارسات الإنسانية الخاطئة التي سببت المشكلات الاجتماعية الخطيرة , والتي ستعصف قلب البشرية إن لم يتم وضع العلاج اللازم , ومن هذا المنطلق يكون واجباً على كل فرد من أفراد المجتمع النهوض في سبيل دعم التربية الزوجية التي ركيزتها الزوج والزوجة المنتجان للأبناء والمجتمع أجمع .
ولما دخلت الثورة الصناعية وتقدمت الوسائل التكنولوجية التي قللت من الأيدي العاملة , بدأ الإنسان يبحث عن العمل وجمع المال , ومنها ظهرت الطبقات الاجتماعية التي أحدثت شرخاً واسعاً في قلوب المجتمعات , وانشغل الناس في طمع المنافسة للحصول على المال بشتى السبل دون النظر إلى المبادئ والقيم التي اعتبرت مخدرا للشعوب في نظر بعض المبادئ الهدامة .
وبدأت التربية الزوجية تتقهقر إلى الوراء , وزادت معها مشكلات الأزواج والأبناء لتعم المجتمع بأسره , للسير نحو التفكك الأسري وإلى ضياع الأبناء وتشردهم بشكل خاص .

تلخيص معوقات التربية الزوجية
* استمرار الجهل الإنساني بالمبادئ والقيم والمعتقدات .
• بدأت تتقهقر التربية الزوجية إلى الوراء نتيجة ظهور الثورة الصناعية التي ألهت الناس في جمع المال والتسابق على احتكار المواد الصناعية , سب ذلك إلى وجود الفتن في أوساط المجتمع المتدين , وظهرت الأحزاب والفرق المتناحرة والفلسفة التي أطاحت بكثير من القيم الفاضلة التي سببت في تفكيك الأسرة وتشريد الأبناء والآباء نتيجة الاستعمار والحروب .
• ظهور الدول المتحضرة تكنولوجياً , وتقدم الصناعات , جعلت العالم تحت سيطرتها , وسنت قوانين وضيعة تطيح بالمبادئ والمعتقدات وحاربتها , مما زاد من تفكك الأسرة ,
وعدم الاهتمام بالإنجاب , وتسارع الناس نحو جــــــمع الدولارات , لاحتكار ما يمكن احتكاره من السلع والثقافات , فلم يكن ما يسمى بالتربية الزوجية الفاضلة , لأن الشباب عزفوا عن الزواج الشرعي , واتجهوا إلى الصداقات والانحراف للإشباع الجنسي .

لم تكن الدول العربية والإسلامية على غفلة مما تنادي به بعض الدول الغنية والمتحضرة بنشر الرذيلة والفساد الاجتماعي والخلقي في أوساط الأسرة العربية والمسلمة , بشتى وسائل الإعلام السمعي والمرئي , بل وقفت صامدة لتصدهم عن غيهم ودعاياتهم الرخيصة , ومن هذه الجهات المسئولة ما يلي :
1 ــ قوانين الدول العربية والإسلامية الوضعية منها والشرعية تقف جميعها ضد الفكر المناهض للتربية الزوجية وللمعتقدات الدينية الفاضلة التي تنادي بالفضيلة .
2 ــ القنوات الفضائية ,الإعلام العربي والإســـــــــلامي في الصحف والمجلات وعلماء الدين والفقه والمؤلفون وطـــلاب حفظة القرآن والمجتمع العربي بعاداته وتقاليده وقيمه , كلهم يقفون وقفة واحدة ضد الغزو الثقافي الذي يستهدف التربية الزوجية والأسرة الفاضلة في كل أنحاء المعمورة .
3 ــ التربية والتعليم في مدارس الدول العربية والإسلامية , تقف صامدة أمام الفكر المناهض لعقيدتنا وعاداتنا وقيمنا , ووضعت المناهج التي تتوافق مع العقيدة الإسلامية بشكل ما
4 ــ تماسك المجتمعات العربية وإيمانها بقيمها ومعتقداتها تجعلها صخرة عاتية أمام الغزو الثقافي المعاكس .
5 ــ وجود عدد كبير من الفلاسفة العرب والأجانب الذين يعارضون المذهب الطبيعي ومن رواده ( روسو , وسبنسر , وماكدوجيل وفرويد) الذين نادوا بالمسائل الجنسية , والحريات المطلقة .
6ــ وجود ديانات سماوية تمنع ( الزنا ) وتقف ضد الحريات المطلقة , وتنادي بالعفة والطهارة .