بتاريخ : ٦-۵-٢۰١١ الساعة : ١٢:۳٧ رقم #٢ [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/ALMALL%7E1/LOCALS%7E1/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif[/IMG]رد: من خوارم المروءة
·
من آداب المروءة و خوارمها
الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ؛ وبعد :
فقدجاء دين الإسلام الحنيف داعياًلكل فضيلة، ناهياً عن كل رذيلة، لأنه دين التربية الصافية، والفضائل الإنسانية النبيلة، والآداب الكريمة،والأخلاق الحسنة التي تسموبصاحبها، وترتقي به في مدارج الشرف والرفعة والمثالية البشرية. ومن هذه الآداب الكريمة، والأخلاق الإنسانية الفاضلة مايُسمى(المروءة) التي كثُرت تعريفاتها، وتعددت معانيها فاختُلفَوا في تحديد تعريفٍ موحّدٍ لها. فقد عَُرِّفت بأنها:"استعمال كل خُلقٍ حسنٍ، واجتناب كل خُلقٍ قبيح "( ۹ : ۵١). وجاءفي تعريفها كما ورد عند بعض السلف وقد سُئل عن المروءة فأجاب:"ألا تعمل في السرِّشيئاً تستحي منه في العلانية "( ١١ : ٢٤۵ ) .
كما ورد في تعريفٍ آخرٍ أن المروءة تعني:"اجتناب الرجل ما يشينه، واجتناؤه [ أي اكتسابه ] ما يزينه " ( ٨ : ١۳١ ) .
وقيل إن المقصود بالمروءة:"أن يجتنب الرجل القبائح لقبحها ووخامةعاقبتها"(۹ : ۳٨).قال أبوحاتم البُستي: "والمروءة عندي خصلتان: اجتنابُ مايكره الله والمسلمون من فِعالِ، واستعمالُ ما يُحب الله والمسلمون من خِصال" ( ١٢ : ٢۳٢ ) .
وهكذا يتبين لنا أن التعريفات المذكورة تتفق في الدلالة والمفهوم العام والقصد، ولا تختلف إلا في التعبير عنها.
وعلى كل حال فإن كثرة تعريفات المروءة واختلافها وعدم الاتفاق على تعريفٍ محددٍلها دليلٌ واضحٌ على سمو منـزلتها، وعظيم شأنها؛ لاسيماوأنها خُلقٌ كريم، وسلوكٌ قويم، وفضيلةٌ من الفضائل التي لا تكتمل إنسانية الإنسان إلا بتوافرها في سلوكه قولاً وفعلا، نظراًلما تدل عليه من كمال الصفات ومحاسن الآداب؛ حتى قيل في شأنها" المروءةُ اسمٌ جامعٌ للمحاسن كلِّها"( ٨ : ١۳٤ ) . ومن هنا يمكن القول : إن المروءة تعني جماع مكارم الأخلاق وكمال الأدب وحُسن السلوك، وتمام الخُلق الإنساني الرفيع. وصدق من قال :
إنـي لتُطرِبُني الـخِلالُ كريمــــــةً *** طرَبَ الغريبِ بأوبـةٍ وتلاقي
وتـهزُّني ذكرى المروءةِ والندى *** بين الشمائل هِـزَّةَ المـُشتاقِ
وليس هذا فحسب فهي خصلةٌ إنسانيةٌ رفيعة القدر لما يترتب على التحلي بها من جلالٍ وجمالٍ وكمالٍ في الخُلق، وهي إلى جانب ذلك كله من خِصال الرجولة المحمودة؛ فقد جاء في لسان العرب أن"المروءة:كَمالُ الرُّجُولِيَّة"( ١٤ : ١۵٤ ). وهذا يعني أن من كانت مروءته كاملةً من الرجال فقد كمُلت رجولته وعلا مقامه . قال الشاعر :
وإذا الفتى جمع المروءة والتُقى **** وحوى مع الأدب الحياء فقد كمُل
كما أن من كانت مروءتها كاملةً من النساء فقد كمُلت أُنوثتها، وفي ذلك ما فيه من العون على صلاح أمرالزوجين، لما ورد أن مسلمة بن عبد الملك قال:"ما أعان على مروءةِ المرءِ كالمرأةِ الصالحة"(٨: ١۳۵ ) . وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
إذا لم يكن في منـزل المرءِ حُرَّةٌ *** مُدبِّرةٌ ضاعتْ مروءةُ داره
(جنحت هذه التعريفات إلى الأدب أكثرمن العلم، فاختلفت عباراتهم.العاطفة ونفسيةالقائل والطروف المحيطة، كل ذلك يتدخل في التحديد، وهذا يؤدي حتماً إلى عدم الاتفاق على تحديد واحد، دون أن يكون في الأمرتخالف أوتناقض في التحديد. )
للمروءة آدابٌ كثيرة قل أن تجتمع في إنسان إلا أن يشاء الله تعالى؛ فتباينت منازل الناس فيها تبعاً لمايُحصِّله الإنسان من آدابها ومراتبها. وقد وردت جُملةٌ من الآداب التي يجب أن يتمتع بها صاحب المروءة، ومنها:
• أن يكون ذا أناةٍ وتؤدةٍ؛ فلا يبدو في حركاته اضطراب أوعجلة أورعونة، كأن يُكثر الالتفات في الطريق، ويعجل في مشيه العجلة الخارجة عن حدالاعتدال، وهكذا .
• أن يضبط نفسه عن هيجان الغضب أودهشة الفرح، وأن يقف موقف الاعتدال في حالي السراء والضراء .
• أن يتحلّى بالصراحة والترفع عن المجاملة والنفاق،فلايُبدي لشخصٍ الصداقة وهو يحمل له العداوة، أو يشهدله باستقامة السيرة وهو منحرف عن السبيل. ( نعم من واجبات المرء الصدق والصراحة لكن لا العنف والوقاحة،إلا في أحوال ككلمة الحق عند سلطان جائر )
• ألاَّ يفعل في الخفاء ما لو ظهر للناس لعُدَّ من سقطاته والمآخذ عليه، وهو ما يُشير إليه قول الشاعر :
فسري كإعلاني وتلك خليقتي*** وظُلمة ليلي مثل ضوء نهاري
• أن يتجنب تكليف زائريه وضيوفه ولوبعملٍ خفيف؛ فقدوردعن عمربن عبدالعزيز-رحمه الله- قوله:" ليس من المروءة استخدام الضيف". (ليس الأمرعلى إطلاقه، فمن مروءةالضيف عندعاجزعن الحركة أن يخدمه،وهناك أحوال أخرى تُستثنى من هذه القاعدة )
•أن يُحسن الإصغاء لمن يُحدثه من الناس، لأن في ذلك دلالةً على اهتمامه به، وارتياحه لمُجالسته، وأُنسه بحديثه. وإلى هذا المعنى يُشير أبو تمام بقوله :
من لـي بإنسانٍ إذا أغضبته *** ورضيتُ كان الحِلم رد جوابه
وتراه يُصغي للـحديث بقلبه *** وبسـمعــه، ولعـله أدرى بـه
• أن يكون حافظاً لما يؤتمن عليه من أسرارٍوأُمورلاينبغي أن تظهر لأحدٍ غير صاحبها. وفي هذا المعنى يقول المتنبي:
كفتك المروءة ما تتقي *** وأمّنك الود ما تحذر
والمعنى أن صاحب المروءة لا يُفشي سراً وهو مؤتمنٌ عليه " ( ۹ : ۳٦ – ٤۰ ) [ بتصرف من الكاتب ] .
ومن آداب المروءة التي يمكن أن تُضاف إلى ما سبق ذكره: أن يترفع الإنسان بطوعه واختياره عن كل ما لا يليق به من الأقوال الباطلة والأفعال الشائنة والسلوكيات المنحرفة، وأن يربأ بنفسه عن إتيانها أوالاتصاف بها ، قال الشاعر :
وحذارِ من سفَهٍ يشينُك وصفه *** إن السِفاه بذي المروءة زاري
ويتبع لذلك ألا تُخالف أقواله وأفعاله ماجرت عليه الأعراف والتقاليد الاجتماعية الحسنة، المتوافقة مع تعاليم الشرع وتوجيهات الدين. وأن يحترم الآخرين بأن يتعامل معهم بما يُحب أن يتعاملوا معه، وألاَّ يُفضِل نفسه بشيءٍ عنهم، وفي ذلك يقول الشاعر :
وإذا جلست وكان مثـلُكَ قائماً *** فمن المروءةِ أن تقـومَ وإن أبـى
وإذا اتكـأت وكان مثلُكَ جالساً *** فمن المروءةِ أن تُزيـلَ المـُتَّكـا
وإذا ركبتَ وكان مثـلُكَ ماشياً *** فمن المروءةِ أن مشيتَ كما مشى
وانطلاقاً من ارتباط المروءة بالأعراف الإنسانية الصحيحة والعادات المقبولة في المجتمع؛ فإنه ينبغي مراعاة أن ما يكون مُخالفاً للمروءة في بلدٍأومجتمعٍ، قدلا يكون مُخالفاُ لها في بلدٍ أو مجتمعٍ آخر، وخيرمثالٍ على ذلك عادة كشف الرأس وعدم تغطيته للرجال التي تُعد مقبولةً في بعض البلاد، وغير مقبولةٍ في بلادٍ أُخرى. يقول الشاطبي في هذا الشأن:".. مثل كشف الرأس، فإنه يختلف بحسب البقاع في الواقع؛ فهولذوي المروءات قبيحٌ في البلاد المشرقية وغير قبيحٍ في البلاد المغربية، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك؛ فيكون عندأهل المشرق قادحاً في العدالة وعندأهل المغرب غير قادح"(١۰: ١۹٨) .
فعلى الإنسان أن يخضع كل سلوكٍ له لميزان الشرع والعقل؛ فلايُصادم النصوص الشرعية، ولايكون مخالفاً لما يستحسنه العقلاء؛ فإن الشرع لم يأت بما يُخالف العقل أبداً." سُئل بعض الحكماء عن الفرق بين العقل والمروءة؟ فقال : العقل يأمرك بالأنفع، والمروءة تأمرك بالأجمل" ( ٧ : ۳۰٦ ) . وهذا يعني أن يُحافظ الإنسان العاقل على مروءته لما في ذلك من جمال وكمال وجلال، وإلى ذلك يُشيرالشيخ محمد الخضر حسين ( شيخ الجامع الأزهر ) بقوله :" إذا نظرنا إلى تفصيلات الأخلاق والآداب التي تقوم المروءة على رعايتها وجدناها تبعث على إجلال صاحبها وامتلاء الأعين بمهابته. ومن الحِكم السائرة : (ذوالمروءة يُكرم وإن كان معدماً، كالأسد يُهاب وإن كان رابضاً، ومن لا مروءة له، فسيُهان وإن كان موسراً، كالكلب يُهان وإن حُليّ بالذهب ) " ( ١٦ : ١٢٤ ) .
يُقصد بالخوارم جمع خُرم، وقد جاء في المعجم :" انْخَرَمَ الكتاب: نقص وذهب بعضه"( ١۵ : ١۹۳) . وبذلك يكون المعنى المقصود من كلمة الخوارم تلك النقائص التي تفقد الشيء تمامه.
إن ميزان المروءةقداختل عند كثيرمن الناس منذ أزمنةٍ سابقةٍ، إلا أن الأمرزاد في هذا الزمان، ولم يعدأكثرهم يحافظً على كثيرٍمن آدابها الفاضلةوأخلاقها الكريمة، وصفاتها الحميدة. لقدانتشرعددمن خوارم المروءة وقوادحها بين الناس وأصبحت غيـر مستنكرةٍ عندهم لكثرة من يمارسونها -ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم -حتى لقد صدق فينا قول الشاعر :
مررتُ على المروءةِ وهْي تبـكي *** فقلتُ : عَلامَ تنتـحبُ الفتاة ؟
فقالت: كيف لا أبـكي وأهلي *** جمـيعــــــاً دون خَـلق الله مـاتوا
وفيما يلي ذكرٌ لبعض خوارم المروءة التي تنتشر في مجتمعنا المعاصر سواءً أكانت قوليةً أم فعلية:
( ١ ) كثرة المزاح والمداعبة القولية والفعلية ولاسيما مع من لا يعرفهم الإنسان؛ لما في ذلك من إسقاطٍ هيبته، والإقلال من مكانته، ولأن كثرة المزاح مدعاةٌ لحصول الخصام، وإثارة الأحقاد في النفوس. قال الشاعر :
فإيـّاك إيّـاك المزاحَ فـإنه *** يُجرّي عليك الطفل والرَجل النذلا
ويُذهب ماء الوجه بعد بهـائهِ *** ويورث بعـد العـزِّ صاحبـه ذُلا
وهنا يجدر التنبه إلى أن هذا لا يعني أن يكون الإنسان عبوساً منقبضاً، فذلك من خوارم المروءة أيضا؛ ويُذم ويُكره، ولكن هدي الإسلام أن يكون الإنسان جاداً في قوله وعمله وكل شأنه، مع شيءٍ من البشاشة وطلاقة الوجه لما روي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تحقِرَنَّ من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْقٍ " . ( مسلم ، الحديث رقم ٦٦۹۰، ص ١١٤۵ ) .
كما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى عُماله :" امنعوا الناس المزاح ؛ فإنه يذهب بالمروءة ، ويوغر الصدور"( ۹ : ٢٤١ ). وما ذلك إلا لما ينتج عن كثرة المزاح - في الغالب - من الاستخفاف وقلة الهيبة وذهاب الحشمة. ( لابد من بعض المزاح، وكان يفعله – صلى الله عليه وسلم – ولايقول إلا صدقا مستعيناً باللغة وغيرها من وسائل تحلية الكلام، وهو كالملح للطعام: لابد منه، ولكن مع التخفيف، وبخاصة لمرضى الأعصاب!!)
( ٢ )الأكل والشرب ماشياًفي الأسواق والطرقات،فهذافعلٌ ينافي المروءة، ولايوافق مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات. بهذا وردأثرابن سيرين:"ثلاثةٌ ليست من المروءة:الأكل في الأسواق، والادِّهان عندالعطار،والنظرفي مرآةالحجام"(١٢: ٢۳۳). ( في الأمر مبالغة، ألم يكن رسول الله– صلى الله عليه وسلم – ينظر في المرآه، أما الادهان ففيه تفصيل) ويتبع لذلك عادة قضم ما يُسمى(الفصفص أوالحب وغيره من أنواع المكسرات المعروفة ) أمام الناس،لاسيما في أماكن تجمّع الناس ومجالسهم والشوارع والأسواق والميادين العامة لما فيه من مخالفةٍ للمروءة، وعدم احترامٍ للآخرين في هذه الأماكن.
( ۳ ) عدم احترام الصغار للكبار سواءً أكان ذلك في المجالس أم في المناسبات، وعدم توقيـركبار السن وإنزالهم منازلهم، حتى أصبحنا في وقتنا الحاضر نرى الصغار يُسابقون الكبار في كل شيء، وقد يعارضونهم في الكلام؛ أو يسخرون منهم والعياذ بالله، وهذا أمرٌ محرمٌ ؛ لأن الله تعالى وهو رب العالمين يُكرم ويُجل ذي الشيبةٍ المسلم .فقد روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المُسلم"( أبو داود ، ج ٤ ، الحديث رقم ٤٨٤۳ ، ص ٢٦١ ) .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن على الآباء تربية أبنائهم على آداب المروءة وتعويدهم إياها منذ نعومة أظفارهم حتى لا تسبق إليهم الأخلاق والطباع السيئة فتحول بينهم وبين مكارم الأخلاق وجميل الطِباع قال الشاعر :
إذا المرءُ أعيتْهُ المروءةُ ناشِئاً *** فمطلبُها كهلاً عليه عَسِيـرُ
( بين القديم والحديث تناقض صارخ، ففي القديم لم يكن للصغيرأن يُبديَ رأيه، ولا يُسمح له بأن يثحالس الكبار، أمّا اليوم فقد سُلب الكبير حقّ الكلام- طبعا مع المبالغة في هذا التعبير– .
الواجب أن يتكلم الصغير، وأن يكون له حقّ انتقاد الكبير بشروط: ألا يظن أن رأيه الصواب الذي لايقبل الجدال، وأن يضع الخطأ في حسبانه- بدون أن يمنعه الحذرالادلاء برأيه - وأن يتكلم بصوت حيي - لاخجول -، وأن يلتزم بآداب الحوار، وأن يعلم أنه يكلم من هو أكبر منه، بالشروط السابقة. وهذا ماأحاول غرسه في نفوس الطلاب.)
( ٤ ) أن يعتاد الإنسان التبول واقفاً لغير حاجة لاسيما في دورات المياه العامة ونحوها؛ لأن الأولى أن يتبول الإنسان جالساً لما في ذلك من المنافع الصحية، والاحتياط لعدم انتشار النجاسة أوالتلوث بها. أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك من مرضٍ ونحوه فلا بأس في ذلك إن شاء الله .
( ۵ ) الإكثار من تناول الطعام والإقبال عليه بنهمٍ شديدٍ لاسيما عندمايكون الإنسان مدعواً إلى وليمةٍ أو نحو ذلك؛ لما فيه من منافاةٍ للأدب، و من مخالفة لهدي الإسلام عند تناول الطعام " وقد ذكر ابن عبد البـر عن علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أنه كان إذا دُعي إلى طعامٍ أكل شيئاً قبل أن يأتيَه، ويقول: قبيحٌ بالرجل أن يُظهِر نُهمته في طعام غيره"(٦ : ١٤١ ) .
( ٦ )التجشؤ بصوتٍ مرتفعٍ أومايُعرف بعادة"التَكَـعُّرْ"، ويُقصدبذلك إخراج صوتٍ مرتفعٍ مزعجٍ من الفم في حضرة الناس، ويكون التجشؤعادةً نتيجةً الشِبع وكثرة الأكل. وهناتجدرالإشارة إلى أن من أسوأالعادات وأكثرها أذى في الصلاة أن يتجشأ آكل الثوم، أو البصل، أو الكُراث في صف المصلين فيُزعجهم ويقطع خشوعهم وتخرج من فمه رائحة كريهةٌ يؤذي بهاعباد الله من الملائكة والمصلين؛ فعن ابن عمر ( رضي الله عنهما ) قال: تجشأ رجلٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" كف عنا جُشاءك فإن أكثرهم شِبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة "( الترمذي ، ج ٤ ، الحديث رقم ٢٤٧٨ ، ص ٦٤۹ ).
( ٧ )أن يأتي الإنسان بأقوال أوأفعال هزلية تُضحك الناس كأن يُقلد شخصاً في كلامه، أو حركاته، أونحوه لغرض السخرية منه. ويعظُم أمرهذا السلوك الخاطئ عندمايكون المُقَلَّد مبتلىً بذلك الشيء أوتلك الصفة. فعن بُهز بن حكيم قال: حدثني أبي عن جدي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"ويلٌ للذي يُحدِّث بالحديث ليُضحك به القوم فيكذب، ويلٌ له، ويلٌ له " ( الترمذي ، ج ٤ ، الحديث رقم ٢۳١۵ ، ص ۵۵٧ ) .( تقليدإنسان في كلامه أوحركاته مذموم إذاكان لشخص يعرفه السامعون، وفيه سخرية به، ولكن الأمر في غيرهذا قد يكون مباحاً أومطلوبا كأن يقلد من يُحترم بغية التربية والاقتداءً في إلقاء الشعر وقراءة النصوص، ومنه التمثيل – طبعا في أمره تفصيل طويل يتعذّر إيراده هنا ).
(٨)ارتداء بعض الناس وبخاصة الشباب الملابس الغرب الوافدة، إناكان للتشبه بأهلها، فهي لاتليق بالإنسان العاقل المُتزن لا سيمافي المساجد، والأسواق، والمجالس، والأماكن العامة. ومنهاالقبعات، والأقمصةالملونة، والملابس الشفافة، وغير الساترة ، والسراويلات القصيرة ، وغيرها من الملابس المضحكة المزرية التي وفدت إلينا من مجتمعاتٍ غير محافظة على القيم والأخلاق الإسلامية، و قد تكثُر عليها الرموز والشعارات والعبارات المخالفة لتعاليم ديننا الحنيف، أوالمخلة بالآداب، والمنافية للأذواق السليمة.(هذا يختلف باختلاف المجتمعات، فلا نفعل ماكان يفعله شيخ بيوغسلاف زوّاريسترون رؤوسهم بالقبعات في وقت مضى، قبل خمسين سنة حين كانت القبعات من تقاليدهم الاجتماعية التي يلتزمون بها).
( ۹ )إضاعة الوقت بالجلوس وقتاًطويلٍاً في القهوات والاستراحات ومافي حكمهالغيرحاجةٍ.وكلنانعلم أن القهوات تُعد– في الغالب- من الأماكن التي يجتمع فيها أراذل الناس ورفاق السوء. وردعن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه- أنه قال:" آفة المروءة إخوان السوء"( ١٢:٢۳٤). يُضاف إلى ذلك مافي ارتياد هذه الأماكن من هدرٍللوقت فيما لافائدة منه ولا نفع فيه، ولا سيما في هذاالزمان الذي كثُرفساده وانحرافاته؛ وهنايجدر بنا أن نتذكر ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم تِرَة ( أي حسرة وندامة)، وما مشى أحدٌ ممشى لم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة، وما أوى أحدٌ إلى فراشه ولم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة"( ابن حبان، ج ۳، الحديث رقم ٨۵۳ ، ص ١۳۳ ) ( نعم!هذاحكم عام صحيح، ولكن ليس كل جلوس في القهوة للعبث، فقديكون لقاء للعلماء والأدباء، أومكاناً للقاء أوواستراحة من عناء السيرالطويل في المدن الكبيرة، وبخاصة في بلدان يتعذّراستقبال الزوّارفي البيوت لضيقها–،ولا شكّ أن الأفضل لقاء الحدائق أوالقهوات التي هي في الأصل حدائق- طبعا في الأمرتفصيل-)
( ١۰ ) كشف العورات أمام الناس، وهذا أمرٌمحرَّمٌ ومخالفٌ للمروءة سواءً أكان ذلك الكشف صادراً عن رجال أم نساء ، ولا سيما في الاحتفالات والأعراس، وعند ممارسة الألعاب الرياضية في الملاعب والمسابح والصالات المغلقة. وهنا تجدر الإشارةإلى أنه لا يجوزكشف الفخذ، ولا الصدر، ولا الظهر، ولاالأكتاف ونحوها لما في ذلك من المخالفة الصريحة لأمر الله الذي أمر بالستروالعفاف والاحتشام. فعن زُرعة بن عبد الرحمن عن جده جُرهد أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَ به وقد كشف فخذه فقال:"غطها فإنهاعورة " ( الترمذي ، ج ۵ ، الحديث رقم ٢٧۹۵ ، ص ١١۰ ) .
( ١١ ) قص شعرالرأس بأشكالٍ غريبةٍ غير مألوفة، وكُلنا يعلم أنه قد انتشرت في هذا الزمان بعض قصات للشعر مضحكة مبكية وبخاصة بين الشباب والشابات، ويعلم الله أنهاتُشوه الشكل، وتدل– دلالةً واضحةً - على فساد الذوق، وحب التقليد؛ كما تؤكد أن من يفعلهاعامداً مُتعمداًضعيف العقل ممسوخ الهوية، لأنه مُقلدٌ للآخرين ممن لا دين لهم ولا مروءة ولاحياء . ( هنا مربط الفرس، ليست أشكال القصّات مشكلة، فهي تختلف باختلاف المجتمعات، ولكن المطلوب منا- وبخاصة شبابنا- ألا نكون إمعة نجري وراء مايرسمون لنا!! )
(١٢)كثرة الضحك والقهقهة بصوتٍ عالٍ ولاسيما في الأماكن العامة؛فقدجاء عند بعض أهل العلم قوله:"ويُكره مضغ اللبان (العِلك) لأنه دناءة"(٦:٢۵۹) أمام الناس، وفي الأسواق، وأماكن التجمعات؛ وهوأمرٌلا يليق بالرجال على وجه الخصوص؛ فقد ورد عن بعض السلف قولهم: " يُكره مضغ اللبان للرجل للتشبه بالنساء، ما لم يكن للتداوي، أو كان خالياً ببيته ونحوه لا في حضرة الناس"( ۹ : ٨۰ ) .
( ١۳ ) أن يتحدث الإنسان إلى جُلسائه ببعض الأحاديث المخلة بالآداب، وأن يُخبرهم( صادقا أوكاذباً ) بقصص ومغامرات وأحداث فاضحة بحجة الإمتاع والمؤانسة.وهذا أمرٌ يخالفٌ ماأمرالله به عباده من الستر وعدم نشرالفاحشة بين المسلمين. كما يتبع هذه المخالفة أن يتحدث الإنسان عمّا يقع بينه وبين امرأته من أُمورخاصة، أووصف تفصيلاتها لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن من شرالناس عندالله منـزلةً يوم القيامة، الرجل يُفضي إلى امرأته، وتُفضي إليه، ثم ينشر سرها"( مسلم ، الحديث رقم ۳۵٤٢ ، ص ٦۰۹ ) . وما ذلك إلا لما في هذا الأمر من خيانةٍ للأمانة ومخالفةٍ للمروءة وآداب المسلم التي تمنعه من أدنى تعرض لهذا الأمر تصريحاً أو تلميحاً " وأما ذكرالوقاع وحده دون تفصيلات فذكره مكروه إن لم يكن لحاجةٍ لأنه خلاف المروءة " ( ١۳ : ٢٤١ ) .
(١٤)الرقص والتصفيق والتمايل مع الأنغام المحرمة، وهزّ العورة من الجسد أو تحريكها وغيرذلك من حركات ساقطة يؤديها من لا مروءة له في احتفالات وأعرا س ونحوها مما لا يليق. حتى إنّ بعض أهل العلم وصف الرقص والتصفيق والتمايل إذا صدرعن الرجال بأنه:"خِفَّةٌ ورعونةٌ مُشبِهةٌ لرعونة الإناث لا يفعلهما إلا أرعن" ( ۹ : ١۰٧ ) .
( ١۵ ) احتراف الكدية (الشحاذة) و مدُّ اليد للناس من غير حاجةٍ ضروريةٍ تدعو إلى ذلك يمتهن كرامة الإنسان و يُسقط مروءته، ويُذهب ماء وجهه في الدنيا ولحمه في الآخرة. وما عُدَّ التسول مما يُخالف المروءة إلا لما في ذلك الفعل من احتمال الكذب، والخداع، والتحايل. فقدروي عن حمزة بن عبدالله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا تزالُ المسألةُ بأحدكم حتى يلقى اللهَ، وليس في وجْهِهِ مُزْعَةُ لحمٍ"( مسلم ، الحديث رقم ٢۳۹٦ ، ص ٤١٨ ) .
وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
وما شـيءٌ إذا فـكَّرت فيه *** بأَذهب للمروءةِ والجمالِ
من الكذب الذي لا خير فيه *** وأبعد بالبهاءِ من الرجالِ
قال بعض أهل العلم:"تُرَدَّ شهادة من كان أكثرعمره سائلاً،أومن يَكْثُرذلك منه؛لأن ذلك دناءةٌ وسقوطُ مروءةٍ"(۹: ١١١).
وهناتجدرالإشارة إلى أن كثيراًمن أهل الكدية يتخذون سؤال الناس حرفة، و يتنقلون بين المساجد والجوامع يحملون أوراقاً وصكوكاً وتقاريرطبية ليستشهدوا بها على فقرهم وحاجتهم الزائفة، وقديحمل بعضهم أطفالاً صغاراًأو معاقين ليستدروا بهم عطف الناس وشفقتهم،وأكثرهم كاذبون محتالون يحتاجون إلى تأديبٍ وردعٍ من الجهات المعنية، فالواجب على الناس عدم الانخداع بهم أوالتعاطف معهم ؛ لاسيما أنهم يحدثون كثيراً من التشويش والفوضى في بيوت الله تعالى، ويتسببون في قطع خشوع المصلين ومنعهم من الانشغال بالتسبيح والذكر بعد الصلاة.
وبعد؛فهذه بعض آداب المروءة وخوارمهاالسائدة في مجتمعنا. يتضح لنا-مماسبق-أن بعض آدابها من الشرع لا يختلف عن الحسن من الأعراف والعادات، وأن من خوارمها ما يُخالف ذلك كله ؛ولذلك فهوإما حرامٌ بيِّنٌ لا يجوز؛ وإما أنه ليس بحرامٍ إلا أنه غير مقبولٍ وغيرمستحب. وهذا يعني أن هذه الصورالمخالفة للمروءة تحتاج منَّا إلى أن نعيد النظر فيها متى وجدت عندنا، وفي فعل وأقول وتصرف التي لايُقربه شرعٌ ولايقبله عقل. عليناأن نجتهدجميعاً في تصحيح أخطائنا،وأن نُجددعهدنا مع الله سبحانه وتعالى على الأمربالمعروف والنهي عن المنكر في القول والعمل، والالتزام بتعاليم الدين، وتوجيهات سُنَّة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وآداب تربيتنا الإسلامية السامية. وما أجمل قول الشاعر :
تأدب غير مُتكِلٍ *** على حسبٍ ولا نسبِ
فإن مروءة الرجل الشـ *** ريف بصالح الأدب
وختاماً ؛ نسأل الله جل في عُلاه أن يوفقنا جميعاً لجميل القول ، وصالح العمل ، وأن يهدينا لما فيه الخير والسداد ، والهداية والرشاد ، والحمد لله رب العباد .
ميزان الأخذ بالعادات الاحتماعية التي ترتبط بالمروءة:
١ – ألا تخالف الدين والأخلاق التي نصّ عليها.
٢ – ألا تشلّ حركة الإنسان، وتحوله إلى عبد أسير.
۳ – أن يكون في مراعاتها حفاظ على كرامة المجتمع وعدم إيذائه.
أي أن تتوازن هذه العناصر توازناً عادلا، وإلا ففي العادات الاحتماعية مايخالف الدين والعلم والصحة والذوق السليم.....
مثلاً كانوا قديماً لا يأخذون برأي المرأة في زواجها، وهو في الشرع ركن، إذا تخلف كان العقد باطلا، ألم يكن الأب يرد ردّ مَنْ خُرمت مروءته إذا سألته عن رأي ابنته في زواجها!! ويقابله حديثاً الرمي برأي الأهل وراء الظهر.
إننا نأخذ من العادات والتقاليد كل نافع مراع لحق الفرد وحق المجتمع، لا يعارضه عقل ولا دين ولا علم ولا ذوق......
-----------------------------------
المـــــــراجع :
١- صحيح البخاري . أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري . ( 1419هـ / 1999م ) . ط ( 2 ) . الرياض : دار السلام للنشر والتوزيع .
٢- صحيح مسلم . أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري . ( 1419هـ / 1998م ) . الرياض : دار السلام للنشر والتوزيع .
۳- الجامع الصحيح ( سُنن الترمذي ) . أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي . ( د . ت ) . تحقيق / أحمد محمد شاكر وآخرون . بيروت : دار إحياء التُراث العربي .
٤- سُنن أبي داود . سليمان بن الأشعث . ( د . ت ) . تحقيق / محمد محي الدين عبد الحميد . ( د . ن ) .
۵- الإحسان في تقريب صحيح ابن حِبان . ( 1412هـ / 1991م ) . تحقيق : شعيب الأرنؤوط . بيروت : مؤسسة الرسالة .
٦- الآداب الشرعية والمِنَحُ المرعيّة . محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي . تخريج وتعليق أبو معاذ أيمن عارف الدمشقي . ( 1417هـ / 1996م ) . ج 3 . بيروت : دار الكتب العلمية .
٧- أدب الدنيا والدين . أبو الحسن الماوردي . ( د . ت ) . تحقيق وتعليق : مصطفى السَّقا . ط ( 3 ) . الرياض : مكتبة الرياض الحديثة .
٨- المـروءة . أبو بكر محمد بن خلف المرزُبان . تحقيق / محمد خير رمضان يوسف . ( 1420هـ / 1999م ) . بيروت : دار ابن حزم .
۹- المروءة وخوارمها . أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان . ( 1415هـ / 1995م ) . الخبـر : دار ابن عفان للنشر والتوزيع .
١۰- الموافقات في أصول الأحكام . أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللُخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي . تعليق الأُستاذ السيد محمد الخضر حسين التونسي . ( 1341هـ ) . الجزء ( 2 ) ، المجلد ( 1 ) . دار الفكر .
١١- جامع العلوم والحِكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلِم . عبد الرحمن بن شهاب الدين بن رجب الحنبلي . ( 1400هـ / 1980م ) . ط ( 5 ) . القاهرة : دار الحديث .
١٢- روضة العقلاء ونزهة الفضلاء . أبو حاتم محمد بن حِبَّان البُستي . تحقيق محمد محي الدين وآخرون . ( 1397هـ / 1977م ) . بيـروت : دار الكتب العلمية .
١۳- سُبل السلام . الحافظ ابن حجر العسقلاني . ( 1408هـ ) . ج ( 4 ) . ط ( 4 ) . الرياض : جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
١٤- لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور .( 1300هـ ) . المجلد الأول . بيروت : دار صادر .
١۵ – المعجم الوجيز . مجمع اللغة العربية . ( د . ت ) . بيروت : المركز العربي للثقافة والعلوم .
١٦ – المروءة الغائبة . محمد إبراهيم سليم . ( 1986م ) . القاهرة : مكتبة القرآن .
************