الغرب والإسلام
عروبة اليونان والرومان (54)
مصطفى إنشاصي
في الوقت الذي أثبت فيه مؤرخون غربيون صحة ما ذهب إليه المؤرخ والفيلسوف الفرنسي بيير روسي في كتابه "مدينة إيزيس التاريخ الحقيقي للعرب"، وأنهم مثله اعتبروا اليهود لم يكن لهم شأن يذكر في تاريخ العالم وأنهم سرقوا تراث وحضارة الكنعانيين لأنهم كانوا همج الحضارة والمدنية، والكتاب والكتب الأخرى بالتأكيد اطلع عليها قليل أو كثير من المؤرخين وعلماء الآثار العرب، وأخص منهم أولئك الذين يزعمون أنهم تخصصوا في نفي صحة السردية الصهيونية، الأسطورة التوراتية وخرافاتها، الذين بدل من كتابة تاريخ وطننا كوحدة جغرافية واحدة، ويصححوا التاريخ المزور الذي كتبه الغرب لنا وللعالم، للأسف أنهم أنتجوا لنا تاريخاَ مشوهاً لوطننا وللعالم وكتبوا تاريخاً لليهود لا وجود له في الحقيقة، وحولوا تلك الخرافات لمزاعم إضافية لحق اليهود في مناطق أخرى من وطننا غير فلسطين، وآخرها مزاعم المدعو فاضل الربيعي بأن اليمن موطن اليهود ونشأة اليهودية، والمؤسف أن كثير من مثقفي اليمن يفتخرون بذلك ويرفضون نفي تلك المزاعم التي لا دليل قطعي على صحتها، لأن مرجعية من زعموا ذلك هو فقط: كتاب التوراة المحرف الذي يجمع المؤرخون من جميع التخصصات، عليه حتى اليهود منهم، أنه جمع كل مثيولوجيات العالم وأساطيرها وخرافاتها فيه أصبغوه بالصبغة الدينية، وقدموه للجهلة على أنه كلام إله اليهود (ياهو أو يهوه)!
ولأن الشواهد على أن تاريخ أوروبا عربياً كتب روسي يقول: "لقد آن الأوان لكي نبين لماذا كانت الثقافة واللغة والسياسة والإدارة الإغريقية، منذ زمن بعيد أسيوية حتى الأعماق، أي (سامية)، وذلك لكي نستعمل هذا التعبير الجديد على طراز العصر، ذلك أن العروبة قد أشربت الهيلينية منذ الزمن القديم القديم ... ". ما يعني نفي صحة (المعجزة الإغريقية) التي اعتبر الغرب أن بداية العالم وعلومه تبدأ منها وتنتهِ إليه اليوم!
ولتبيان ذلك يجب التأكيد على وحدة الجغرافيا والعرق واللغة والمعتقد وإرجاع معتقدات الإغريق والرومان إلى أصولها الشرقية وأنها تُشتق كلها من ذلك العالم الروحي الواحد، "كإخوة وأخوات من الكون الشرقي الذي كان "يسود ذات يوم بين النيل ونهر السند، محمولاً على أجنحة لغة عامة، وهي الآرامية الحية دائماً، في هذه اللغة العربية المعاصرة ... فبين النيل والقوقاز واليمن والسند تلاقت وتقاطعت وعاشت خلايا نسيج متلاحم، تيارات صوفية روحية متمازجة أحياناً إلى حد يبدو معه من العبث التفتيش عن خطوط القسمة الجغرافية فيها. إن العالم الثقافي، الديني الشعري للشرق في عصوره الأولى قد كان عاماً تماماً. وقد استمر لمدة طويلة. وهكذا بدءاً من الألف الثانية قبل الميلاد كانت الإلهة عشتار محترمة ومقدسة في طيبة وبابل وكركميش وأوسوس قبل أن يعرفها الإغريق تحت اسم أروديت، وقبل أن يعطيها الرومان صفات فينوس".
فاليونان وطن الإغريقيين لم تكن أوروبية بقدر ما كانت عربية فينيقية فلسطينية: "والحقيقة أن القطر الملقب فينيقيا والذي ليس شيئاً آخر سوى إقليم كنعان الذي غدا فيما بعد فلسطين ... ليس ذلك القطر قبل أثينا بمدة طويلة، إلا وطناً يونانياً عربياً في المقياس الذي تأخذ فيه تعابير (اليونانيين) و(العرب) معاني تعطي الوحدة المبهمة للواحدة مع الأخرى. فاللغة الإغريقية عربية بمقدار ما تكون العربية إغريقية، في هذا الفرق القريب، المفرق الملحوظ لا تكون اللغة الإغريقية فيه إلا لغة النقل، ذلك أن الإرث الثقافي والعلمي والديني الجوهري قد زودنا العرب به. ينبغي إذاً ألا تنعكس الأدوار، وألا نجعل من اليونان، الذي ليسوا إلا ورثة، آباء أسلافهم الروحيين العرب، نحن نقف وجهاً لوجه أمام تدمير بناءنا الثقافي الوشيك الوقوع الذي لا تكفِ صيغة الاتفاق الحر لحمايته وحفظه ... وإننا لنطلب من أجل ذلك معذرة العلماء الأفاضل، فسجلات علم اللغة نترعه بالنظريات السريعة، أكثر من أن تكون مبنية على أسس قوية. فدراسة لغة الإغريق، وتاريخ الإغريق ينبغي أن تتناول مرة ثانية من الجذور.. خارطة بلاد اليونان يجب أن نضمنها فلسطين، وفرجيا، ومصر، وسوريايجب ألا نخاف، خاصة من التكلم عن العرب".
وبدقة أكثر يقول: "إن اليونان ليس إلا مقاطعة في آسيا الصغرى. ولأن صحف بلادنا (فرنسا) أكثر احتراماً للحقيقة من غالبية العلماء الكبار، فإنها أدخلت اليونان في منطقة الشرق الأوسط وعهدت إلى دراسة الهلنيستية إلى صحافيين مختصين في أخبار العرب التاريخية؟ وإنه لتصرف عاقل أفضل بكثير من الرؤية الجزئية المحابية للكتب المدرسية". ذلك تأكيد غربي على أن اليونان عربية أكثر منها أوروبية.