الصراط

الحمد لله الذي أراد فقدر..وخلق فأمر..جعل الحياة الدنيا..دار عبور و ممر .. وجعل الآخرة دار مقام و مقر.. أشهد أن لا إله إلا الله..وحده لا شريك له.. كتب على عباده اجتياز الصراط ..كل حسبما قدم من حسنات و سيئات.. وأشهد أن سيدنا و حبيب قلوبنا محمدا رسول الله.. أول العابرين.. و الشافع و المشفع يوم الدين..اللهم صل عليه و على آله و أصحابه و التابعين.. و من تبعهم و نهج نهجهم من المؤمنين.. صلاة عطرة موصولة إلى يوم الدين..
أما بعد... إخوة الإيمان و العقيدة
تحتاج الأنفس ..أن تـُذكـّر بين الحين و الآخر..بما ينتظر الإنسان من مواقف و عقبات يوم القيامة.. و لقاؤنا في هذا اليوم المبارك.. يكون عند الصراط.. فبعد مشهد الحشر و العرض و الحساب بأرض المحشر..بعدما كانت الشمس فوق الرؤوس..و العباد منهم من يبلغ عرقه إلى رقبته.. ومنهم ما دون ذلك .. و يمضي عرقهم في الأرض سبعين ذراعا.. تختفي الشمس عن الخلائق .. و يدخل الناس في ظلام دامس.. لم يعرفوا مثيلا له قط .. ليبدؤوا سيرهم نحو الصراط..وهم في ذلك على ثلاثة أصناف..مؤمنون..نورهم يضيء لهم الطريق..و كفار لا نور لهم وهم في ظلام شديد.. و منافقون لهم نور زائف.. كلما أضاء انطفأ.. يقول الصحابي أبو أمامة..تـُُبْعَثُ ظلمة يوم القيامة، فما من مؤمن ولا كافر يرى كفه.. حتى يبعث الله بالنور إلى المؤمنين بقدر أعمالهم.. يقول الله جل جلاله.. يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ لكل مؤمن نور خاص به..جاء في صحيح الترغيب ..قول حبيبنا صلى الله عليه وسلم..فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل العظيم.. يسعى بين يديه.. ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك .. ومنهم من يعطى نورا مثل النخلة بيمينه.. ومنهم من يعطى نورا أصغر من ذلك.. حتى يكون رجلا يعطى نوره على إبهام قدمه.. يضيء مرة ويطفأ مرة.. فإذا أضاء قدّم قدمه، فمشى.. وإذا طفئ قام.. ونور هذه الأمة.. بفضل من الله و رحمة.. من أثار وضوئها و سجودها.. سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم..عن حاله و حال أمته.. في ذلك الموقف العظيم.. فقال و قوله عند الإمام أحمد: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِالسُّجُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ..وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ ..فَأَنْظُرَ إِلَى بَيْنِ يَدَيّ.. فَأَعْرِفَ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ.. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ..؟ قَالَ « هُمْ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ.. لَيْسَ أَحَدٌ كَذَلِكَ غَيْرَهُمْ .. ينطلقون نحو الصراط ..والملائكة من حولهم .. يبشرونهم بجنات النعيم.. يقول الله تبارك و تعالى .. يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ.. يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ.. بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ.. خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.. أما أهل النفاق..الذين يظهرون ولاءهم لهذا الدين..ويخفون كفرهم و إلحادهم.. فإن نورهم إذا بلغوا مشارف الصراط ينطفئ..فيناشدون أهل الإيمان..أن يعطوهم البعض من نورهم.. لكن هيهات.. لا المؤمن قادر على أن يعطي البعض من نوره..ولو لوالده..أو ولده .. ولا المنافق يحصل على شيء يقول رب العالمين جل جلاله.. يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا.. انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ.. قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا.. فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ.. وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ .. يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ.. قَالُوا بَلَى .. وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ.. وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ.. حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ .. وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ.. المنافقون ..ينادون المؤمنين أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ.. ألم نصلي جميعا ..ألم نصم مثلكم رمضان.. ونصلي التراويح.. ونفعل الخير..كما تفعلون..يقولون لهم نعم.. كنتم على ذلك معنا.. وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ .. تظاهرتم بولائكم للإسلام..وأخفيتم كرهكم له.. وَتَرَبَّصْتُمْ.. بأهل هذا الدين.. انتظرتم منهم هفوة أو زلة لسان.. وَارْتَبْتُمْ.. وتشككتم في الإسلام و رسول الإسلام.. وقلتم أن القرآن ليس من عند الله..وأن السنة لم تعد صالحة لزماننا.. وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ .. زعمتم أنكم على حق ..وأنكم أصحاب الرأي و الفكر.. حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ..والتفت الساق بالساق..وحضركم الموت.. و علمتم الحقيقة.. حقيقة أن الذي جاء به محمد حق.. و أن الله لا يقبل من غير الإسلام دينا.. وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ .. غركم الشيطان ..وزين لكم كبرياءكم.. و كرهكم للإسلام و المسلمين.. يرى المؤمنون حال الكفار و المنافقين..وهم يتخبطون في الظلام.. فيتضرعون إلى ربهم.. حتى يحفظ لهم نورهم..يقول جل وعلا..يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ..
.. يصل الجميع إلى الصراط.. والصراط جسر فوق جهنم .. لا يصل الناس إلى الجنة إلا بعد المرور منه ..قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..وقوله عند الإمام أحمد..وَلِجَهَنَّمَ جِسْرٌ أَدَقُّ مِنَ الشَّعَرِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ عَلَيْهِ كَلاَلِيبُ وَحَسَكٌ يَأْخُذُونَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ.. أما أهل الكفر و النفاق.. فتتلقاهم زبانية العذاب .. بالأغلال و السلاسل.. أما الأغلال فيجمعون بها بين الأيدي و الأعناق.. و أما السلاسل فيقيدون بها الأرجل و يصلونها بالأغلال.. ثم تجرهم الزبانية بعنف..و يلقون بهم في النار.. يقول الله جل جلاله.. يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ.. وأما أهل الإيمان فيتزاحمون فوق الصراط.. والرسل يتضرعون إلى خالقهم.. و الملائكة ينادونه رب سلم سلم.. يقول حبيب هذه الأمة صلى الله عليه وسلم..وقوله في صحيح الترغيب.. فيمرون على قدر نورهم.. منهم من يمر كطرفة العين.. ومنهم من يمر كالبرق.. ومنهم من يمر كالسحاب ..ومنهم من يمر كانقضاض الكواكب ..ومنهم من يمر كالريح ..ومنهم من يمر كشد الفرس.. ومنهم من يمر كشد الرجل.. حتى يمر الذي يعطى نوره على ظهر قدميه.. يحبو على وجهه ويديه ورجليه.. تخر يد وتعلق يد ..وتخر رجل وتعلق رجل ..وتصيب جوانبه النار.. فلا يزال كذلك حتى يخلص.. فإذا خلص.. وقف عليها فقال ..الحمد لله الذي أعطاني ما لم يعط أحدا ..إذ أنجاني منها بعد إذ رأيتها..هذا مرور المؤمنين على الصراط.. لكن .. هل من المؤمنين.. من لا يعبرون .. ! ؟ ..و لا يجتازون الصراط..!؟ و لا يصلون إلى الجنة..!؟ أورد الإمامان البخاري و مسلم في صحيحيهما.. قول رسول الله صلى الله عليه وسلم .. خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ ..فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ .. قَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ.. قَالَ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَذَاكِ لكْ.. هذه الرحم ..تكون بيننا في حياتنا الدنيا.. يسعد من قام بحقها في هذه الحياة .. ويعيش في وحشة و غربة من قطعها ولو كان بين أهله.. أما يوم القيامة فإنها تقف على جانب الصراط تنادي..يا رب أنجز لي ما وعدتني..فيقف أمامها كل قاطع رحم.. يحاول أن يتجاوزها فلا يستطيع..حتى ينزلق في النار .. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وقوله في الصحيحين ..و اللفظ لمسلم..لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ.. فلينظر الإنسانإلى حاله مع رحمه.. وليحذر فإن الموقف خطير..قد يعبد الإنسان ربه..ويجتهد في العبادة.. قد يعمل الصالحات ..و يفعل الخير .. لكن..إذا قطع رحمه..إذا خاصم إخوته.. وأقسم حتى لو مات أحدهم لا يتبع جنازته..وأوصى إن مات هو.. أن يمنعوهم من اتباعه.. إذا حـُكم عليه أن يهجر أمه.. أو لا يقبلها للعيش عنده..و لا يزورها.. إن عاش الأب في خصاصة..والولد في رفاهة.. ضاعت الصلوات و العبادات ..و ذابت الحسنات..ووقفت الرحم على الصراط.. وانزلق الإنسان في الهاوية.. وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ .. نَارٌ حَامِيَةٌ .. فليراجع المؤمن أمره في الدنيا..و ليصفح ويعفو .. وعليه بصلة رحمه.. ولو قطعوها .. ليجتاز الصراط مع الآمنين .. ثم ماذا..؟ الجانب الأول من الصراط عليه الرحم ..فمن على الجانب الثاني .؟. على الجانب الثاني تقف الأمانة.. و ما أدراك ما الأمانة.. فحياتنا أمانة..و أجسادنا أمانة.. و العمل أمانة.. و البيت أمانة.. و الوالدان أمانة ..و الزوجة و الأبناء أمانة.. و العين أمانة ..و اللسان أمانة ..و القلب أمانة ..و الجار أمانة ..و البيع و الشراء أمانة.. و الدَّين أمانة.. وكل ما يحيط بالإنسان أمانة ..من أجل ذلك عرض الله الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال.. فأبين أن يتحملن مسؤوليتها وأشفقن منها.. يقول رب العزة تبارك و تعالى.. إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا..تقف الأمانة يوم القيامة على الصراط ..فتستوقف كل من ضيعها .. يأتيه ملكان وهو على الصراط .. يقولان .. أدّ الأمانة حتى تمر.. فيقول .. ذهبت الدنيا بالأمانة .. فيقولان له أنظر تحتك.. فيراها في قاع جهنم .. فيأمرانه بالإتيان بها.. فيخر في النار.. هذا موقف الأمانة ..فعلى المؤمن في هذه الحياة .. أن يرافقه الشعور بهذه المسؤولية العظمى.. التي أخبرنا عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم .. في صحيح الإمام مسلم..قوله ترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً.. فمن وصل رحمه..و أدى أمانته..فاز يوم القيامة .. وتجاوز الرحم و الأمانة بأمان و سلامة.. وذلك قول الله جل جلاله.. فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ..
اللهم اجعلنا من عبادك الفائزين ..و عن النار مزحزحين ..و على الصراط من الناجين ..و بالجنات من الغانمين..
أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم الكريم لي و لكم \