سواء بسواء ... كلنا خبثاء
-1-
جامح ٌ ... والعَثَارْ
والجذوعُ البواكي ... تجذُّ من الأرض ِ
أوصالها!
ناخراتٍ من الشوقِ للموتِ
ألقتْ بأغصانها غُمَّةً ...
والثمارْ
........ ........ ........
ويكأني تعلمتُ من رأس جدي المعلقِّ فوق الجدارْ
حينما كنت آتيه كل عشاءٍ ...
أصافحه باسمًا من بعيدٍ ....
وكلي انبهارْ !!
ألمح الظلَّ غشَّى له وجههُ ,
فاستوى راضياً
أمْ تُراه انزوى شاكياً ؟
لا يهمُّ !!
فمهما يكنْ أمرهُ ...
فقدِ انتصبتْ رأسهُ عالياً ...
في اقتدارْ !!
-2-
( غُرفة ٌ ... ليسَ يدخلـُها أحدٌ ...
بابُها الخشبيُّ القديم المليءُ ُثقوبا ...
يمر الضياءُ حثيثًا إذا ما أراد المرورَ إليها ...
فيخنقْنَهُ , ثم ينفضْنهُ ... يتلوَّى على الأرض مُغمى ً عليه ِ
سناً متعبًا في انهيار ْ )
غير أني إذا ما أردتُ الولوج َ ولجتُ عشاء
ورجلي تدوس بقايا الضياء
لأعبثَ في رِعْشة خاشعا بحوائج جدي ...
وصندوقهِ المستقر على الأرض ِ
كانوا يقولون عنهُ :
( بهِ مسجدٌ راقدٌ يتوجع ُ ... ,
أثوابُ جدي ، ومِسبحة ٌ دمعتْ تستغيثُ...
بتسع ٍ وتسعين ترنيمة ً ... آهة ً :
" لو يمر من الباب أيُّ انتصارْ !! " )
-3-
يا أبي , أين بسمة ُ جدي ؟
لماذا أرى وجهه دائمًا غائمًا ...
يعشقُ الصمتَ ...
أُسمِعُه الشعرَ عني وعنكَ ...
فلا َيَستجيبُ ولا يُستثارْ !!
إنني خائفٌ يا أبي خائفٌ ...
أن يكون الجدارُ ...
ثقيلاً على رأس جدي
وهل تحملُ الرأسُ يا أبتي كلَّ هذا الجدارْ ؟ !
إنني خائفٌ يا أبي خائفٌ ...
أن يكون كما يزعمون لنا :
( صمتُ جدي المهيب انكسار ْ !! )
لمَ يا أبتي , لستَ تلبسُ أثوابَ جدي ؟!
ألستَ الذي كنتَ عاتبتني – كنت تشتمني –
كلما مسَّ ثوبي غبار ْ ؟
لم يا أبتي , لست تنزع عن صدرهِ قيدَهُ ؟
غيَّ تلك الجدائل ِ ؟!
-4-
لا زلتُ أذكر فيما مضى .....
يوم أن كنتَ قيدتَ مجذوبَ قريتنا
حينما بالَ في النهَر العذب جهْرا
أمامَ العذارى اللواتي نزلنَ إليه عطاشاً
يزقزقْن عشقا ....
ويملأْن منه الجرارْ
كنَّ أبصرْنه ... فتشاءمْنَ منهُ ...
وأيقنَّ أنْ سيصرْنَ عوانسَ حتماً
إذا ما أطلنَ التفرس فيهِ
ولكنهنَ شربنَ المياهَ ...
ابتسمْنَ
بغير اكتراثٍ !!
عساه استحى يستديرُ
عسى أن يكفَّ قليلا
ولكنهُ ما استدارْ!!
غاضبا يا أبي قمتَ قيدته ُ
وحلقتَ لهُ ...
شعرهُ الأشعثَ العفِنَ المتدلَّى على عينهِ ...
والمُثارْ
هل تُرى ... كان جدي كمجذوب قريتنا ؟
وقد اتسخ النهَر العذب لما توضأ فيه ؟
فقيدهُ ابنُ جَلا ...
وابن عمك ...
والرحمُ المُستجارْ
...... ........
( لحظةُ الذبْـــحِ .. كانتْ – وما يعلم الشانئوهُ –
هيَ العُسرُ
قبل انبجاس النهارْ )
راكباً خِلفة في دروب القبيلة مستسلما
خِلفة فوق ظهر حمارْ
والصغار ..
يقذفون الحجارة ... والحزن فيه ... فيبكي
وشيخ القبيلة راح يبل الصحارى
بريق ٍ ثقيل ٍ ويرضي القفارْ
صارخا في انتهارْ :
" اقطعوا رأسه ... أعجلوا ... وأريحوا الكبارْ
اجعلوا رأسه لعبة ً .... كرة ً .... دُمية ً حُلوة في أيادي الصغار
جردوها من الفكر والمكرِ
والسمع والدمع ِ
والأثر المستنار
أخرسوا حزنه للأبدْ
واذبحوا من عبدْ
لا تحس القبيلة بالألم الحرِ
فالألمُ الحرُّ نارْ !! "
ثم روَّى قليلا ... وحارْ :
" علقوها بعيدًا هناك ... وغُلُّوهُ جدا ... "
وكان الذي قد أرادوا وصارْ !!
-5-
لمَ يا أبتي لستَ تنظر نحوي ؟!
أتحسبُ أني كرهتكَ ؟
كيف وأنت أبي ؟
لمَ يا أبتي لا تردُّ ؟
أتسخر مني لأني الصغيرُ ؟ وهل كنتَ بالأمس إلا ... ؟!
أبي !!
بيننا الصمتُ ...
ألمحُ في وجهه ظلَّ جدي
تراوغني لمحةُ الكبرِ ... أغضبُ ...
لكنني حين ذلك أيقنتُ أنَّ أبي كان يخْوَى معي ...
جامدا في احتضارْ
يا إلهي !!
أيُعقلُ أني قتلتُ أبي ؟!
كيف أصنعُ ؟
يا لك من فكرةٍ صعبةٍ راودتني :
" أعلقهُ جنبَ جدي .....
على نفسِ هذا الجدارْ!! "
... ... ... !!
شعر / محمد علي مصطفى