خطوة لا داعي لها!/ميشيل كيلو
للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر، تهب علينا زوبعة دعائية جد مؤذية بسبب معلولا، الموقع التاريخي/ الأثري/ الديني، الذي يعرفه أو يسمع به خلق كثير في العالم، يرى فيه مكانا فريدا وخاصا بمعنى الكلمة، سواء نظرنا إليه من الناحية التاريخية أم الأثرية أم الدينية.
في المرة الأولى، وكنا في سبتمبر (أيلول) الماضي، دخل الجيش الحر إلى البلدة ثم أعلن بلسان أحد قادته أنه سينسحب منها بعد نصف ساعة، ولن يتعرض لأي إنسان مهما كانت عقيدته أو دينه، وأنه يكن كل الاحترام لقدسية وتاريخية المكان. وبالفعل، وفى المقاتلون بوعدهم، بشهادة كبيرة راهبات دير مار تقلا، التي كذبت ما قاله النظام حول تعرض راهباته للإساءة، ونفته على شاشات التلفزيون، بعد انسحاب الجيش. أكدت الأم أن أحدا منه لم يدخل الدير أو يعتد على أي رمز ديني في معلولا. إلا أن أوساطا خارجية كثيرة شنت حملات كذب وافتراء ضد الجيش الحر، حولته إلى عصابة أشرار وقتلة تعتدي على أقليات مسكينة تخشى الموت على أيدي الأصوليين، ليس لديها من بديل غير الاحتماء بالنظام، الذي يجب دعمه دوليا ليقوم بهذه المهمة النبيلة. حدث هذا رغم خطاب قائد مقاتلي الجيش الحر، الذي بث على التلفزيون، وشهادة كبيرة الراهبات التي سمعها العالم كله.
يومذاك كتب كثيرون حول خطأ الدخول إلى معلولا، التي يعرف كل عالم بطبيعة وتفكير النظام أنه سيقوم بتدميرها، لينسبه إلى الجيش الحر ويهيج العالم ضد ثورة سوريا، التي يرى قسم كبير من الإعلام الدولي فيها اليوم فوضى يقودها أصوليون هدفهم إبادة أقليات يحميها نظام يجب مساعدته ضدهم. بانحياز مراكز مؤثرة في الإعلام الدولي إلى النظام، ونشر أكاذيبه أو قيامه هو نفسه بفبركة أكاذيب أملاها خيال مذهبي متعصب يكره الإسلام، ويرى في المسلمين أصوليين محتملين أو فعليين، من الضروري دعم كل من يتصدى لهم أو يعاديهم، بغض النظر عن ملفه السياسي والإنساني، انقلبت إدانة النظام الأسدي إلى تعاطف متنام معه، بذريعة قتاله نيابة عن العالم عموما، والغرب خصوصا، ضد خطر يهددهما، يتحمل خلال صده عنهما تضحيات تصون حياة جنودهما وتحتم مكافأته على ما يفعله بدعمه.
في هذه الأجواء المليئة بالأحكام المسبقة وبالتجني على شعب سوريا، وقع هجوم الجيش الحر الثاني على معلولا، ونشرت أقاويل حول اختطاف راهبات دير مار تقلا، أسهم الكرسي البابوي بقسط وافر فيها، بتشجيع محتمل من بطرك لبنان الماروني، المقرب من النظام الأسدي، الذي نصب نفسه مدافعا عن أرثوذكس سوريا، دون تكليف من أحد منهم. هذا الهجوم كان خطأ من ألفه إلى يائه: عسكريا، لأن معلولا تقع في واد عميق وقصير، ولها مدخلان، أحدهما جبلي تحاذي طريقه مجرى مائيا ضيقا وشديد الانحدار تعلوه تلال صخرية، ويحول الإمساك دون دخول البلدة ويؤدي إلى تطويق ومحاصرة من يرابط داخلها. بينما يتكون مدخلها الجنوبي من طريق تقود - عبر بلدة «عين التينة» - إلى أوتوستراد دمشق - حمص الدولي. هنا أيضا توجد مجموعة تلال مرتفعة تشرف على هذه الطريق ويمنع احتلالها الدخول إلى البلدة. بكلام آخر، تسقط البلدة باحتلال التلال شمالها وجنوبها، دون الحاجة إلى دخولها، الذي يمثل مشكلة يصعب تفاديها بسبب كثرة الأديرة والكنائس وهوية المكان التاريخية والأثرية والدينية، وردود الفعل الإعلامية التي سيثيرها نشوب معارك داخلها، ستكون لصالح النظام. ومع أن الراهبات لم يمسهن إيذاء، وعوملن باحترام وحرص، وأنقذن من القتل العمد بمدفعية وصواريخ النظام، فإن حملة دولية مسمومة انطلقت بسببهن، متجاهلة ما أعلن حول وجودهن بأمان في بيت مسيحي داخل بلدة يبرود المجاورة.
قد لا تكون هذه الحسابات مهمة أو واضحة لمن ينفذون حملات عسكرية وسط معارك شديدة الاحتدام، إلا أنه من الضروري أخذها بعين الاعتبار، إذا أردنا للانتصارات العسكرية أن تكتمل بانتصارات سياسية وإعلامية، ورغبنا في ألا نجهضها بهزائم إعلامية تحولها إلى خسائر باهظة التكلفة بالنسبة لنا. والآن، وقد حدث ما حدث، لا بد في المرات المقبلة من دراسة متأنية للنتائج التي يمكن أن تترتب على أفعالنا، وخاصة منها تلك المتصلة بالرأي العام العالمي الشديد الأهمية لثورتنا، بسبب طابعها والدور الخارجي في تقرير مصيرها. لم يكن هناك داع لاحتلال معلولا، ما دام الإمساك بضواحيها يكفي لإسقاطها عسكريا. ولا يجوز أن يتكرر في معلولا أو المناطق ذات الحساسية الخاصة مثلها، كي لا ينقلب ربحنا الجزئي إلى خسارة فادحة تنزل بنا في كل مكان من عالمنا، وخاصة في البلدان التي نعلق أهمية جدية على دعمها لنا!