منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2

العرض المتطور

  1. #1
    مدرس لغة عربية ومترجم من الفرنسية
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    المشاركات
    473

    رؤى في تحقيق التاريخ - الرابعة

    أوراق ذابلة من حضارتنا









    كتبها ( دكتور ) عبد الحليم عويس

    علق عليها:فيصل الملوحي




    الحلقة الرابعة
    من قصص سقوطنا في أوروبة
    وسقط ملوك الطوائف



    عندما أوشكت الخلافة الأموية في الأندلس على السقوط، لم تسقط دفعة واحدة.‏

    لقد جرى عليها ما جرى على الفاطميين بعد ذلك في مصر، وما جرى على المماليك أيضا.. لقد ضاعت الزعامة منهم عبر انقلاب سلمي لم ترق فيه قطرة دم- بالمعنى الحرفيّ للكلمة - ‏!‏‏!‏

    كان وريث الخلافة الشرعيّ– في نظرهم–بعد وفاة والده طفلاًفي السابعة من عمره يدعى"‏هشاما‏".فأطلقوا عليه لقب الخليفة، وقامت أمه"‏صبح"‏بالوصاية عليه، واستعانت على الحكم-لأنها امرأة في عرف المجتمع آنذاك لا تستطيع أن تحكم علانية-، برجل من أغرب الرجال وأقدرهم يدعى‏"‏ المنصور بن أبى عامر‏"‏..
    وقد نجح هذا المنصور في أن يعبر الانقلاب السلمي بنجاح، ويحول الخلافة الأموية في الأندلس إلى ملك ينتسب إليه، ويرثه أبناؤه من بعده !‏‏!‏ وإن كان لبني أمية الاسم الرمزي والخلافة الصورية.‏

    ولم يمض أكثر من أربعين سنة حتى كانت دولة العامريين قد أصبحت آخر ومضة تمثلت فيها دولة الخلافة الأموية في الأندلس، وبسقوط دولة العامريين التي قامت على غير أساس، انفرط عقد الأندلس، و عرف العرب في هذه الأرض الطيبة أردأ عصور الضعف والتفكك والضياع ‏.‏

    لقد ورث خلافة الأمويين أكثر من عشرين حاكما في أكثرمن عشرين مقاطعة أومدينة، وقد انقسم هؤلاء الحكام إلى بربر وصقالبة وعرب، وكانت بينهم حروب لم يخمد أوارها طيلة السنوات التي حكموا فيها، ولقدترك هؤلاء الملوك المستذلون الضعاف الملوك الأفرنج يعيشون بهم ويتقدمون في بلادهم، وانشغلوا هم بحروبهم الداخلية، وباستعداء الأفرنج ضد بعضهم بعضا ، وتسابقوا على كسب النصارى ، وامتهنوا في ذلك كرامتهم، فدفعوا الجزية وتنازلوا طوعا عن بعض مدنهم للأفرنج ، وحاربوا في جيوشهم ضد قومهم في المدن الأخرى من أرض الأندلس‏.‏

    ولا يستطيع المرء أن يزعم أن باستطاعته أن يحصي كل مساوئ الفترة المسماة بفترة ملوك الطوائف ‏.‏

    ولقد أدى التنافس بين هؤلاء الملوك إلى رفعة منزلة الشعراء والأدباء والمطربين، ولم يكن ذلك حبا في الأدب، ولا إعجابا بفن الطرب، وإنما كان ذلك من جملة أساليبهم في حرب بعضهم بعضا، وفي محاولة تحصيل المجد والصيت الزائفين‏.‏( نعم! إنّ كل هذه الأمور بحاجة إلى تحقيق تاريخي، وعلينا أن ننكر هذا التنازع، لكننا لاننكر في الوقت نفسه أن البحث عن المجد بغير أسلوب الضرب باليد والطعن بالرمح تنافس رفع مكانة الأدب والعلم أيضا كما حدث في المشرق، في العصور المسمّاة: عصور الانحطاط، والأولى أن تُسمّى عصور الدول المتتابعة كما عنون الدكتور رضوان الداية رسالته للدكتوراه).

    وقدعرف من هؤلاء الملوك المتنافسين أسرة بني عباد، المعتمد بن عباد نابغةً وأميراً للعاطفة، وشاعراً كبيرا ذا القلم السيال !‏‏!‏
    ولقد تفاقم خلاف هؤلاء الملوك والتنافس بينهم، وتردَّوْا في الضعف، فطمع بهم الأفرنج في إشبيلية وفي المدن الأندلسية الأخرى‏.‏

    ويُضاف للمعتمد بن عباد فضل آخر، وهومحاولته مقاومة هذا الخطر حين رآه يدنو من الأبواب.‏

    ولم يكن أمامه من مخرج غيرالاستعانة بقوة المغرب العربي.. فاستعان بالمرابطين في المغرب الأقصى، وعندما كان بقية ملوك الطوائف يبدون خشيتهم من المرابطين، قال لهم كلمته المعروفة‏:‏‏"‏ لأن أرعى الجمال في صحراء العرب خير من أرعى الخنازير في أرض الأفرنج‏"‏‏.‏
    ولقدتقدم زعيم المرابطين يوسف بن تاشفين، فعبر البحر وجبل طارق،‏ لنجدة الأندلس وحقق في ‏"‏ معركة الزلاقة"‏ سنة ٤٧۹ هـ ‏-‏ ١۰٨٦ م ‏-‏ انتصارا كبيرا ساحقا على الأفرنج‏ كان من أثره مد العمر العربيّ في الأندلس فترة أخرى من الزمن‏.‏

    ولقد تبين ليوسف بن تاشفين بعد ذلك أن ملوك الطوائف هؤلاء ليسوا أهلا للبقاء في مراكز السلطة في الأندلس، وجاءته النداءات بوجوب الاستيلاء على الأندلس فاستولى على الأندلس وأعاد إليها لحمتها، وطرد هؤلاء الطائفيين الذين كانوا يخشون قدومه، ويفضل بعضهم الأفرنج‏ عليه ‏.‏

    وفي مدينة‏"أغمات‏"‏بالمغرب الأقصى عاش"‏ابن عباد"‏أبرزملوك الطوائف بقية أيامه فقيراذليلالايجد كفايته‏!‏‏!‏

    هذا هو المصير المحتوم لكل ملوك طوائف في كل عصر، فمن يخش الموت فسيموت قبل غيره، ومن يحسب للفقر حسابه مضحياً بكرامة أمته ووجودها..فسوف يصيبهالفقر من حيث يشعر ولا يشعر‏.‏

    ولقد نسي ملوك الطوائف هذه الحقائق.. فنغص الله كل شيء عليهم حتى الموت، كما قال ابن صمادح الطائفي حاكم ‏" ألمرية ‏"‏ وهو يحتضر ويسمع أصداء الهجوم على قصره، فليبحث ملوك الطوائف في كل عصر عن الحياة، حتى لا يبحثوا ذات يوم عن الموت فلا يجدوه، وحتى لينغص الله عليهم كل شيء حتى الموت.. فتلك سنة الله‏.‏

    ولن تجد لسنة الله تبديلا. . .



    قصة الفردوس المفقود


    حملت السنوات الأولى للقرن الهجري الخامس- الحادي عشر الميلادي-‏في أحشائها وباء خطيرا على الأندلس.‏

    لقد سقطت الدولة العامرية، آخر حامية للدولة الأموية في الأندلس، فظهرأن أحفاد عبدالرحمن الداخل الأمويين أقل من أن يقوموا بعبء حماية الأندلس‏.‏

    هاجر كثيرمن البربرإلى الأندلس بحثا عن سلطة أوزعامة، وشكّل الصقالبة-وهم مجموعات مختلفة من الأفرنج النازحين إلى الأندلس- عنصرا آخر من عناصرالوجود في الأندلس‏.‏

    ومن هذه العناصر المتناطحة تشكل الوجود الأندلسي غرة القرن الخامس الهجري.. فلما سقطت خلافة الأمويين في الأندلس، نتيجة امتصاص طاقتها في مشاحنات داخلية.. تحفزت كل هذه الطوائف المقيمة فوق أرض الأندلس للبحث عن السلطة والامتلاك ‏.‏

    وبدلا من أن تتحد قواهم في وجه الخطر المتربص بهم من الأفرنج المجاورين لهم لينقذوا أندلسهم أعلنوا أحقادهم الطائفية ونعراتهم الجنسية ‏!‏‏!‏

    وظهر في الأندلس أكثر من عشرين دولة يتقاسمها الأندلسيون والبربر والعرب والصقالبة.. فلكل مدينة دولة، بل ربما اقتسم المدينة أكثر من طامع ومنافس‏.‏

    واستمر أمر هذه الدول أو هذه المدن المتنافسة التي عرف حكامها بملوك الطوائف.. أكثر من خمسين سنة.. امتهنت فيها العزة، وتوسل كل ملك منهم بالأفرنج ضد إخوانه، ووقف ابن حيان "‏ - مؤرخ الأندلس - يستشف ما وراء الحجب ويقول لأبناء جنسه:‏

    يا أهل أندلس شدوا رواحلكم فما المقام بها إلا من الغلط
    الثوب ينسل من أطرافه وأرى ثوب الجزيرة منسولا من الوسط
    من جاور الشر لا يأمن بوائقه كيف الحياة مع الحيات في سفط
    ( نلحظ أن مثل هذا الشعر وجّه أنظارنا إلى فكرة عن الأندلس – لا أدعي أنها خطأ أوصواب - ، ولكني أريد أن نكون أكثر دقة في الحكم على التاريخ،– لامانع أن ننقل الخبر كما فعل ابن كثير والطبري ..- ولكن نتريث في الحكم حتى نصل إلى حكم تاريخي مثبت..)
    لقد أخفق ملوك الطوائف في أن يلموا شعثهم ، وأن يتكتلوا ضد الأفرنج.. ومن العجيب أن ‏"‏ ألفونسو السادس ‏"‏ ملك قشتالة وليون وأستورية، كان يتظاهر بحماية هؤلاء الملوك، ويأخذ منهم الجزية والإتاوات التي يرفع من قيمتها سنة بعد أخرى، واستطاع أن يعد عدته من الإتاوات التي يفرضها عليهم ليلتهمهم بها كلهم.. وكان آخر ما التهمه ألفونسو من أرض الأندلستحت سمع هؤلاء وبصرهم –بل بمساعدة بعضهم مدينة طليطلة سنة ٤٧٨ هـ ١۰٨۵م‏.‏

    وعند هذه الموقعة تأكد لدى أكبر ملك من ملوك الطوائف‏"‏ المعتمد بن عباد‏"‏ أن ألفونسويريد الالتهام.. ولا أقل من الالتهام الكامل.. وفكر المعتمد في وسيلة الإنقاذ.. وساقه القدرإلى حل لم يكن له خيار فيه‏.‏

    لقد قرر أن يستنجد بالمرابطين القوة الناشئة..في المغرب الأقصى.

    ونجح المرابطون في إيقاف الزحف الأفرنجي، وأذلوا كبرياء ألفونسو، واستردوا كثيرا من مدن الأندلس، ولم يحاول الأندلسيون بناء أنفسهم.. أترفتهم الحياة في الأندلس، فلم يحاولوا صنع التقدم من خلال الذات.. لقد اعتادوا تسول النصر واستيراد البقاء من إخوانهم المغاربة‏.‏

    وحقيقة..نعم هي حقيقة.. أن الأندلس بقيت تستورد النصرأيام المرابطين ثم أيام الموحدين ثم أيام بني مرين..وبقيت مملكة غرناطة وحدها أكثر من مائتي سنة تصارع الموت - كوهجة الشمس قبيل الغروب.‏

    ولكن قانون الحضارة كان قد قال كلمته: إن الذين أخفقوا في أن ينشؤوا بأنفسهم قوة قادرة على الحياة ما كان ينفعهم أن يشتروا النصرأو يستوردوه ‏.‏
    وفي سنة ‏‏٨۹٧هـ - ‏ ١۵٤٢م - سقطت غرناطة آخر ممالك الأندلس ، وطرد العرب شر طردة‏.‏ وكانت هذه هي النهاية التي تنبأ بها الشاعرابن حيان وغيره من هؤلاء الذين أدركوا قانون البقاء الذي هو من سنة الله‏.‏
    نعم . .‏ أدركوا أن التاريخ لا يقوم بالاستيراد، ولا تنتصر حركة تقدمه بالمتسولين‏!‏

  2. #2

    رد: رؤى في تحقيق التاريخ - الرابعة

    بارك الله بك استاذنا الغالي وان كان عن الاوراق الذابلة فهي كثيرة بكل حزن واسف
    الف تحية
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. رؤى في تحقيق التاريخ - السادسة
    بواسطة فيصل الملوحي في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-22-2011, 08:22 AM
  2. رؤى في تحقيق التاريخ - الخامسة
    بواسطة فيصل الملوحي في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-16-2011, 09:28 PM
  3. رؤى في تحقيق التاريخ - الثالثة
    بواسطة فيصل الملوحي في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-06-2011, 08:38 AM
  4. رؤى في تحقيق التاريخ
    بواسطة فيصل الملوحي في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01-31-2011, 07:08 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •