صبيخان.. ضيعة في دير الزور ضاعت بين الإهمال والكآبة!!
المصدر : علي الخلف
11/11/2009
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمدينة في دير الزور يلفها الإهمال والتقصير وقلة الدعم من كل جانب، عندما تسير في شوارعها تشعر وكأنك وجدت ضيعة ضايعة أخرى، ولكن هذه المرة، الاكتشاف ليس له علاقة بالطبيعة الخلابة والمناظر الساحرة، لكن بالإهمال الكبير والتقصير الواضح تجاه أي مدينة، فـ «صبيخان» التي يمتد لسانها في نهر الفرات وظهرها إلى الصحراء تصلح أن تكون أي شيء إلا أن تكون مدينة، حتى إنك تعتقد أنها مدينة تصوير تلفزيوني أرادها المخرج مع شركة الإنتاج فقط بيوتاً وسكاناً لتصوير مشاهد تتعلق بالمعاناة والحزن والكآبة، وصعوبة الحياة وقسوتها.

الزراعة تنازع
يعتمد سكان مدينة صبيخان على العمل في الزراعة، ولكن الزراعة باتت عبئاً ثقيلاً على المزارعين والفلاحين بعد صفعات ارتفاع أسعار المحروقات وتعويم أسعار الأسمدة، فأصبحت الزراعة خاسرة بالنسبة لهم، كما قال أحد فلاحي المنطقة، مشيراً إلى أن الفلاحين تعبوا من الزراعة، لأنها بلا نتيجة وكمن يبني على الرمال. وإذا حسب أي فلاح تكاليف زراعة أرضه مقابل مردودها فالنتيجة خسارة شبه مؤكدة أو على الأقل هو تعادل سلبي بطعم أمرّ من الخسارة.
وخلال جولة ميدانية على الفلاحين في حقولهم كان الأسى والحزن يلف وجوههم كما يلف حقولهم الخاوية من قلة الدعم، أحدهم يقول: نزرع الأرض من أجل التسلية وليس من أجل الفائدة، لأن الزراعة خسارة بخسارة، ولا يوجد أي تعويض سوى الكلام ولم نر أي شيء إلى الآن، وآخر يقول إن صندوق الدعم الزراعي مجرد « ضحك عاللحى» سمعنا عنه الكثير فقط بالسمع، أما على أرض الواقع، فلا يوجد أي دعم.
وتتعرض صبيخان كما باقي مناطق المنطقة الشرقية إلى ما يسمى « العجاج» أو العواصف الغبارية ولكن هذه المنطقة تتزايد فيها هذه الظاهرة بشكل كبير، حتى إنه في بعض الأحيان تستمر لأيام طويلة ومتواصلة، الأمر الذي يؤدي إلى أضرار كبيرة، سواء كانت بشرية حيث أغلب السكان أصبحوا مصابين بالربو وخاصة الأطفال، أم أضراراً اقتصادية، حيث أدت إلى تدهور حالة النباتات التي تحولت من اللون الأخضر إلى اللون الأصفر أي من لون العجاج، لكن الضرر الأكبر هو ما تسبب فيه من انخفاض إنتاجية الأرض وخاصة القمح والقطن والشعير، حيث تدنت نسب المحاصيل بشكل ملحوظ في هذه المنطقة، ومما زاد الطين بلة أن الصفعات انهالت على الزراعة دفعة واحدة، فبعد رفع أسعار المازوت وفي الوقت الذي كان الفلاحون ينتظرون الدعم أو على الأقل تعويضهم التعويض المناسب من ارتفاع أسعار المحروقات، قامت وزارة الزراعة بتحرير أسعار الأسمدة، حيث ارتفعت بعض أنواع الأسمدة من 12 ألفاً للطن الواحد إلى 56 ألف ليرة سورية، الأمر الذي كان بمثابة الكارثة بالنسبة للزراعة، والأخطر من ذلك أن كل هذه الأزمات ترافقت بظاهرة العجاج، فدفعت الزراعة الثمن الأكبر.
وحسب المنطق الاقتصادي، فإن أي منطقة تتعرض للضرر وخاصة عندما يكون خارجاً عن الإرادة يجب أن يكون هناك تعويض ملائم، سواء كان نقدياً أم بأي طريقة أخرى، ولكن يجب أن تعوض مناطق الضرر، لكن على ما يبدو أن المنطق يأبى أن يمر في مدينة صبيخان التي لم تر لا دعما ولا أي تعويض ملائم، الأمر الذي دفع بالفلاحين إلى عدم الاعتماد على الزراعة كمصدر أساسي للدخل، والبحث عن أي مصدر آخر ولكن بعيداً عن الزراعة وخسارتها على حد تعبير أحد المزارعين، ولكن إذا أصبح جميع الفلاحين يفكرون بهذه الطريقة، لأن معاناة الزراعة ليست في صبيخان فحسب، بل عامة فهنا نتساءل في النهاية من سيدفع ثمن هذه السياسات الزراعية القاسية على الفلاحين؛ الفلاحون أم الاقتصاد الوطني ككل.

«النفوس» .. الحلم
يبلغ عدد سكان المدينة أكثر من 30 ألف نسمة وهو أمر طبيعي فأي مدينة يجب أن يكون تعداد سكانها بهذا الحجم أو أكثر أو أقل قليلاً، لكن المضحك في الموضوع أن هذه المدينة الاسمية أي أنها لم تأخذ من صفة المدنية سوى الاسم، فمن أبسط مقومات أي مدينة أن يوجد فيها دائرة أحوال مدنية « نفوس»، وعلمت «بلدنا» أن محافظة دير الزور أجّلت رفع طلب دائرة أحوال مدنية لمدينة صبيخان إلى العام 2011، ولا أحد يعلم متى سيتم قبول الطلب، وما هو مبرر محافظة دير الزور في عدم فتح دائرة نفوس فيها، رغم عدد سكانها الكبير، والمفارقة الحقيقية أن المدينة تبعد عن أقرب دائرة نفوس عنها حوالي 8 كيلو متر وهي ناحية العشارة، أي المواطن يضطر أن يقطع هذه المسافة حتى يسجل مولوداً أو عقد زواج أو إخراج قيد، ويوجد ازدحام كبير، إلى درجة أن المواطن قد يضطر إلى المراجعة يومين أو أكثر، وفي بعض الأحيان يتم اللجوء إلى الشرطة لتخفيف الزحمة عن النفوس المذكورة.
والمفارقة الأخرى أنه تم فتح دائرة أحوال مدنية أو نفوس في القورية وهي لا تبعد عن النفوس الموجودة في العشارة سوى 2 كيلو متر ولا يوجد أي قرية تتبع لها، أما صبيخان التي تبعد أكثر من 8 كيلو ويوجد 4 قرى تتبع لها أي عدد سكانها مع القرى المجاورة لها أكثر من 50 ألف نسمة، فلم تُفتح فيها دائرة نفوس إلى الآن ولا توجد نية أصلاً لذلك، لأن التأجيل يتم لمصلحة قرى أخرى، ولا أحد يعرف لماذا، وهذه الخطوة تضع أكثر من إشارة استفهام حولها، ولماذا تم رفض طلب الأهالي الذين تقدموا به مطالبين بفتح دائرة «نفوس» نظراً للحاجة الماسة لها وللتخفيف من معاناة الأهالي الكبيرة لأن الحاجة إليها ملحة وبشكل يومي.
كما علمت «بلدنا» أن بلدية المدينة يوجد فيها غرف فارغة ومساحات كبيرة يمكن استغلالها، كما يوجد العديد من الموظفين المستعدين للعمل في هذه الدائرة وبالتالي البنية التحتية متوافرة لها ولا يوجد ما يبرر تأخيرها، فكل الأسباب الموجبة لإحداثها متوافرة وخاصة أن عدد السكان كبير جداً والمسافة عن نفوس العشارة بعيدة، أما أن تبقى الأمور خاضعة للإهمال وعدم الاكتراث بمعاناة أهالي صبيخان أو التعامل بمنطق الكيل بمكيالين، فمن لديه واسطة يحظى بدعم المحافظة والمعنيين فيها، ومن لا يوجد لديه تبقى مدينة بكاملها دون دائرة أحوال مدنية، فبأي منطق تسير الأمور لا أحد يعلم؟.


مستشفى للزينة
للإنصاف، يوجد في المدينة دار توليد ولكن مع وقف التنفيذ، لأنه وكما قالت بعض المصادر، إن المستشفى جاهز منذ عام ولكن الجهات المختصة رفضت افتتاحه بحجة نقص الكوادر الطبية، على الرغم أن مستشفيات دير الزور الحكومية مليئة بالأطباء والممرضين، لكن رفض هؤلاء القدوم إلى هذه المنطقة أجل فتح هذا المستشفى، وهنا يتساءل البعض؛ هل دار التوليد هذه للزينة فقط،؟ أم رفع عتب؟ على ما يبدو في هذه الحالة يجب أن تؤجل نساء صبيخان والقرى المجاورة لها ولاداتهن إلى أن تتعطف مديرية الصحة والمحافظة بافتتاحها وتأمين الكوادر الطبية المناسبة، والالتفات إلى صبيخان المنسية ومعاملتها كمدينة، أو إعادة تسميتها إلى قرية أو «خرابة»، على حد تعبير أهل المدينة.

موازنة بالقطارة
أغرب شيء سمعناه عن هذه المدينة أن ميزانيتها 13 مليون ليرة سورية، كما أكدت ذلك بعض المصادر، هذا المبلغ لا يكفي لإنشاء رصيف فكيف لو تحدثنا عن شوارع وإنارة وخدمات، وخاصة أن مساحة المدينة كبيرة، حيث تبلغ مساحتها حوالي 30 ألف دونم 10 آلاف دونم ضمن المخطط التنظيمي و20 ألفاً خارج التنظيم (أراضي زراعية)، وبالتالي هي بحاجة إلى إنفاق لتخديمها بالشكل الأمثل، ورغم ذلك تم تأجيل خطة صبيخان للمجبول الإسفلتي من عام 2000 بحجة نقص البنى التحتية.
أي مدينة ميزانيتها لا تتجاوز 13 مليون ليرة معروف ما هو واقعها، وهل من المنطقي أن يتم تخصيص هذا المبلغ لمدينة يتجاوز عدد سكانها 30 ألف نسمة وتمتد على مساحات واسعة، وعندما توجهنا إلى محافظ دير الزور وسألناه عن حال ميزانيات بلديات دير الزور وخاصة تلك التي تعاني من قلة الموارد وضعف الميزانية، أجاب: في نظام الإدارة المحلية هناك نوعان من الموارد أولها ذاتية تأتي من البلدية تقوم على رسم النظافة والرخص وغيرها والموارد التي تأتي من الوزارة وتكون الإعانات حسب عدد السكان، وصحيح أن بعض البلديات يكون الاستثماري فيها 13 مليوناً مثل مدينة صبيخان بينما الجاري أكثر بكثير، وهنا الأمر منعكس فيجب أن يكون الجاري 13 مليوناً والاستثماري أكثر من ذلك، ولكن هذا تراكم ماض، ولكن هناك دعم من موازنة المحافظة المستقلة ويأتي دعم للبلديات من الدولة.
لكن من يشاهد وضع مدينة صبيخان يتساءل أين الدعم المقدم لها؟ ونحن لا نتحدث عن مدينة خيالية أو مدينة من كوكب آخر، لأن من يسمع كلمة مدينة يخطر دائماً بباله مستشفيات ومطاعم وفنادق ومنتجعات وطرقات دولية وسياحة واستثمارات وصناعة، هذا بالسمع، ولكم يحارمن يشاهدها على أرض الواقع ولا تخبره بأنها مدينة ماذا يطلق عليها، ولكن سيخطر بباله كل شيء إلا أنها مدينة، والأدهى من ذلك أنه مع كل هذه المساحة الواسعة وعدد السكان الكبير، فإنه لا يوجد فيها سوى خزانين للمياه، رغم أن حاجتها الفعلية تزيد على 6 خزانات، كل هذه الأمور وما سبقها تتحدث عن الدعم المقدم لها، ولكن بطريقة مقلوبة فبدل أن يتم تقديم الدعم العاجل والفوري لها، لأن المسألة أكبر من شارع أو مستشفى أو مدرسة أو دعم زراعي، بل إن المسألة تتعلق بقضية غاية في الأهمية وبمنتهى الخطورة وهي محاولة تثبيت السكان بأرضهم بدل الهجرة لأن معظم شباب المدينة ترك أرضه ومدينته للعمل في لبنان أو في دول الخليج، ومن بقي منهم يسعى الآن إلى السفر رغم الصعوبات التي تحول دون ذلك، علماً بأن معظم الذين يسافرون بعمر الشباب أو الطفولة المتأخرة وبالتالي تركوا مدارسهم وأرضهم وأهلهم للعمل في أسوأ الظروف وأقساها، وبكل تأكيد هؤلاء لم يضحوا بشبابهم وبأرضهم وأهلهم ليقوموا بجولة سياحية حول العالم أو التعرف على حضارات الشعوب الأخرى، فلو كانت أوضاعهم المعيشية بخير لما قبلوا هذه المعاناة.


مياه ملوثة
بحسب إفادات الأهالي، فإن صبيخان كانت أكثر مدن دير الزور إصابة بمرض الكوليرا الذي اجتاح المحافظة منذ فترة قصيرة، لدرجة أن الصحة وضعت عيادات متنقلة في شوارعها للحالات الإسعافية وتحسباً لانتشار المرض كوباء، ولكن رغم الانتشار الكبير للمرض بقي الإهمال واللامبالاة سيد الموقف.
المشكلة الحقيقية ليست في مرض الكوليرا أو غيره وإنما في طبيعة مياه الشرب، لأن مجاري الصرف الصحي تصب على مسافة أقل من كيلو متر واحد قبل محطة تصفية المياه، ما يؤدي إلى تلوث كبير للمياه، وأكبر دليل على ذلك أن معظم سكان المدينة يشترون مياه الشرب من نبع معيزيلة التي تأتي بواسطة صهاريج القطاع الخاص، على الرغم أن المدينة لا تبعد عن نهر الفرات سوى أمتار قليلة، لكن خوفهم من المياه الملوثة دفعهم إلى ذلك.