من هو الأمير (أبو النور) المدفون في سفح جبل قاسيون


مدينة دمشق.


هذه المدينة التي نالت شرف ذكرها في القرآن الكريم، في قوله تعالى: ((.. إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد...)) الفجر 7 و 8 .
وقوله: ((والتين والزيتون..)) التين 1
، ((ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها..)) الأنبياء 71 .


بعض علماء التفسير قال بأن:
إرم ذات العماد= دمشق.
التين= دمشق.
التي باركنا فيها= الشام.


وزيادةً في العز والشرف، كانت أحاديث المصطفى الكثيرة التي تُرغّب في سكنى الشام، ودمشق خاصة، حيث قال: (ستُفتح عليكم الشام، فإذا خُيّرتم المنازل فيها فعليكم بمدينة يقال لها دمشق).


وبعض الصحابة الكرام قد أخذوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم بمثابة الأمر الذي يُثابون عليه، فارتحلوا إلى الشام، ودمشق.. حيث يقول مؤرخنا الشهير ابن عساكر: عن الوليد بن أسلم: (دخَلَت الشامَ عشرة آلاف عينٍ رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أمثال: معاذ بن جبل، دحية الكلبي، أبو الدرداء ،النعمان بن البشير، واثلة الأسقع... وغيرهم رضوان الله عليهم.


و قد أسبغوا على المدينة صبغة علمية دينية ميزتها عن مدن العالم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد مدح دمشق بأرضها وأهلها، فقال: (..خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها صفوته من عباده)


و سنرى حكاية هذا الأمير الأيوبي، الذي عُرف بشجاعته وبسالته في حروبه التي خاضها ضد الصليبين، فهو أحد القادة المجاهدين الذين شاركوا في تحرير بيت المقدس، لا بل وشارك أبناءُه أيضاً بالجهاد ضمن جيش صلاح الدين الأيوبي..
هذا الأمير اسمه : (زين الدين أبي سعيد قراجا الناصري)، وعُرف بلقب (أبي النور)..


بنى تربة في سفح قاسيون على جادة الطريق سُميت باسمه فيما بعد..


كان جواداً شجاعاً، وعندما توفي وهو مرابط عند ثغر من الثغور، حمله ابنه مظفر الدين، 549/630 ھ ، والملقب ب (كوكبوري) أي الذئب الأزرق كناية عن شجاعته وهو من أهم قادة صلاح الدين الأيوبي، وصهره زوج أخته ربيعة خاتون, وصاحبُ أربيل .. قام بحمل والده في محفة ثم دفنه في هذه التربة، التي سُميت بالقراجية نسبة إليه..


أقام فيما بعد ولده (سيف الدين محمد) مصلّىً صغيراً إلى جانب التربة ، يدعو المارة للصلاة فيه .
م مرت العصور والعصور على دمشق الحبيبة إلى أن جاء عالم جليل اسمه: الشيخ أمين كفتارو _رحمه الله_1292/1357 ھ ، الذي هاجر مع والده من قرية كرمة جنوب شرق تركيا ، طامحين ببركة الشام التي دعى لها رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
نزل الشيخ في سفح جبل قاسيون، وسكن في حي ركن الدين بجوار ذلك المصلى الصغير، و بدأ بتعليم الناس أحكام الإسلام من خلال هذا المصلى الصغير ..


ومع توالي سنوات العمل الدعوي بالحكمة والموعظة الحسنة..تحول هذا المصلى الصغير إلى معلم علمي ديني يستقطب الناس من كل مكان ..
و بعد أن كان جبل قاسيون من أخطر المناطق في البلاد لاحتوائه كبار المجرمين و اللصوص و القتلة صار بجهود الشيخ و صبره و حكمته ملاذاً لطلاب العلم و المتعبدين و المتنسكين حتى سمي بجبل الصالحين .


ونتيجة الإقبال الكبير الذي شهده هذا الصرح العلمي من كل حدب وصوب ، تحول على مر السنين وبصدق جهود ولده الشيخ أحمد كفتارو 1912/ 2004 _رحمهما الله _ إلى صرح كبير يضم المسجد، ومعاهد شرعية، وكليات جامعية ومؤسسات تعليمية خيرية ، عُرف باسم مجمع (أبي النور) بداية، ثم ﺑ (مجمع الشيخ أحمد كفتارو ) حالياً .
و قد جعل الشيخ حدود جامعه أركان العالم الأربع بحملاته الدعوية في كافة أرجاء العالم .


ونسأل الله عز وجل أن يتقبل جهود من ساهم وساعد في إرساء هذا المعلَم الضخم من جهات رسمية وغير رسمية وما زال .. وان يجعلنا وإياهم مفاتيح خير مغاليق شر دائماً وأبداً وان يستعملنا في خدمة دينه .. وأن يرزقنا الإخلاص لوجهه الكريم .. اللهم آمين .