دلالة الأسماء الحسنى في الكتاب المنزل "مجلد من تفسيري أبدأ اليوم بنشره يوميا إن شاء الله
الأسماء الحسنى
إن قوله:
ـ ﴿ولله السماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون﴾ الأعراف
ـ ﴿قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أيّا مّا تدعو فله الأسماء الحسنى﴾ الإسراء
ـ ﴿الله لا إلـه إلا هو له الأسماء الحسنى﴾ طـه
ـ ﴿هو الله الذي لا إلـه إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمان الرحيم هو الله الذي لا إلـه إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى﴾ الحشر
ليعني أن الله قد كلّف عباده أن يدعوه بأسمائه الحسنى وحذّر في سورة الأعراف من الإلحاد فيها ووعد بحساب الملحدين فيها على إلحادهم، وتضمنت سورة الحشر نماذج منها تقاربت دلالاتها ومعانيها مما يهدي إلى ترتيبها.
أما إحصاؤها فلهو الحمل الثقيل والعمل الصالح الذي تقاصرت قبل إتمامه الجهود رغم الجائزة الكبرى التي أعلنها النبي الأمي صلى الله عليه وسلم في حديثه المتفق عليه عن أبي هريرة مرفوعا: "إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة".
وإن عدم تبيان النبي صلى الله عليه وسلم الأسماء الحسنى واحدا تلو الآخر حتى يكمل إحصاء تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا ليذكرنا بمثل صنيعه بالقرآن إذ بيّن للناس ما نزّل إليهم وهو القرآن وترك الأمة مكلفة بتدبره وبالاهتداء به وكما هي دلالة قوله:
ـ ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها﴾ محمد
ـ ﴿أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا﴾ النساء
ـ ﴿كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبّروا آياته وليتذكر أولوا الألباب﴾ ص
ـ ﴿أفلم يدّبّروا القول﴾ قد أفلح
ـ ﴿لتبين للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون﴾ النحل
ـ ﴿فاقصص القصص لعلهم يتفكرون﴾ الأعراف
ـ ﴿وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون﴾ الحشر
ـ ﴿وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون﴾ العنكبوت
وحسب الناس قديما وحديثا عبر التاريخ الإسلامي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن معاني ودلالات القرآن كلها ويستشهدون بقوله تعالى ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نُزِّلَ إليهم ولعلهم يتفكرون﴾ النحل
وإنما بيّن النبي الأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس ما نزّل إليهم وهو القرآن فكان كلما أنزل عليه بعض من القرآن قرأه عليهم وأمر بكتابته وأن يجعل في السورة كذا بعد الآية كذا ونهي أن يكتب عنه شيء غير القرآن لئلا يختلط بالقرآن، وتلا عليهم القرآن وسمعوه منه وأقرأهم إياه فذلك ما كلّف به النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، وكلفت الأمة كلها بعد ذلك بالتفكر في القرآن كما هي دلالة قوله ﴿ولعلهم يتفكرون﴾ النحل، وكلفوا بتدبر القرآن العظيم.
ومن زعم أن خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم قد بيّن القرآن أي فسّره كله فليأتنا على سبيل المثال لا الحصر بما بيّن به النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم الفواتح وهي مما نزّل إلى الناس من القرآن ومما كلفوا أن يتدبروه.
إن تدبر القرآن واستنباط ما فيه من معاني ودلالات وهداية إلى الرشد وإلى التي هي أقوم لهو المسابقة إلى الخيرات المأمور بها في القرآن كما في قوله تعالى ﴿ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون﴾ المائدة.
وهنيئا للذي يسبق الناس إلى الكشف عن كنز القرآن ليفتح على الناس فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم، ذلكم السابق ليرفعنّه رفيع الدرجات ذو العرش ولهو الأحسن عملا ـ منذ فتح باب المسابقة بموت النبي صلى الله عليه وسلم أي بانقضاء تنزل القرآن ـ ذلكم الأحسن عملا الموعود في القرآن بحسنة في الأولى وفي الأخرى كما في سورة الملك وهود والكهف وكما بينت في مقدمة التفسير "من تفصيل الكتاب وبيان القرآن".
وكذلك مسابقة إحصاء الأسماء الحسنى هي مسابقة أخرى كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم "من أحصاها دخل الجنة" أي غفر الله له وزحزحه عن النار وأدخله الجنة أي فاز فوزا عظيما.
ولقد كان إحصاء الأسماء الحسنى ودرايتها والدعاء بها قبل هذا الحديث النبوي مما كلفت به الأمة في القرآن ولكن النبي الأمي صلى الله عليه وسلم حريص على المؤمنين وبهم رءوف رحيم دفعهم دفعا وشجعهم ليأخذوا بالكتاب بقوة ليستنبطوا منه الأسماء الحسنى.
ولقد تكلف بعض رواة الحديث إحصاءها دون استقراء مؤصل أو ضابط متفق عليه فأدرجوا فيها ما لا يسلم من الملاحظات.
ولا خلاف في أن إدراج الأسماء في الحديث النبوي إنما هو من اجتهاد وتأويل الرواة.