الموظف العربي المثالي:
أحمد أبورتيمة
a
الموظف العربي المثالي الذي ينال رضا مديره وترقيات مؤسسته هو ذلك الإنسان الآلي الذي يتخلى عن عقله ويعطل ملكة النقد والتمييز فلا يجادل ولا يتفلسف..بل يسمع ويطيع ويثق ثقةً مطلقةً فبالتأكيد أن الكبار أفهم منه وأن عبقريتهم النافذة لم تترك صغيرةً وكبيرةً إلا وأحاطت بها علماً..
الموظف المثالي في المنظور العربي هو الذي يتصف بصفات -بعضها إيجابية لو لم تنتزع من سياقها الصحيح- مثل "احترام الكبار -الصمت والهدوء- يفتقد لروح المغامرة والمخاطرة ويؤثر السلامة-يسارع في تنفيذ القرارات والانصياع للتعليمات أياً كانت-يتسم بالدبلوماسية والابتسام وحسن العلاقات مع من يعلونه في السلم الوظيفي-يتمحور حول مدرائه ويتملقهم ويسمعهم ما يرضيهم من القول لأنه يعلم أن مقياس الصعود الوظيفي هو مدى قربه وحسن علاقته بالمدير فليس من قانون أو كفاءة يمكن أن تغفر له إن غضب عليه رب العمل...
أما الموظف المغضوب عليه فهو ذلك الموظف المشاكس الذي يرفض تعطيل عقله الذي حباه الله إياه ويصر على تحقيق شخصيته وعلى إبقاء فرق بينه وبين الإنسان الآلي فيتساءل ويرفض التسليم بالواقع كما هو دون نقاش..هذا الموظف مغضوب عليه وهو مهدد بالفصل أو في أحسن الأحوال تتوقف ترقيته في درجات السلم الوظيفي فهو متمرد وهو خطر على استقرار المؤسسة وقيم الانضباط والالتزام فيها..إنه موظف قليل الأدب لأنه يتطاول على الكبار ويتجرأ على انتقادهم..
ربما ترفع مؤسساتنا شعارات رعاية الإبداع واحتضان المبدعين ولكنها شعارات تثير السخرية لأنها تريد إبداعاً مؤطراً محاصراً بتقييدات وتحديدات كثيرة..والإبداع بطبيعته حتى يكون إبداعاً لا بد أن يكسر الخطوط ويتجاوز الحدود ويتحرر من الرقابة والإملاء فالعقل لا يستأذن صاحبه في طرح التساؤلات بل تقفز التساؤلات فجأةً في كافة الاتجاهات..
الحقيقة المؤلمة التي ينبغي أن نواجهها بشجاعة هو أننا نبحث عن آلة وليس عن إنسان، وما دام هذا هو حالنا فإن علينا أن نتوقف عن التساؤل لماذا تتقدم الأمم وتتأخر أمتنا فالسبب واضح ومباشر إذ كيف لنا أن نتقدم ونحن ننهى عن الاقتراب من أسس علتنا وتخلفنا..
إننا نعيش حالة تناقض صارخ حين نؤمن بضرورة التغيير ونعترف بأن واقعنا ليس هو المطلوب ثم نبدي إصراراً عجيباً في المحافظة على هذا الواقع بمحاربة كل من يفكر في تجاوزه أو التمرد عليه..
كيف لأمة تحرم التفكير أن تتقدم!!!