الوجدان الحسى فى الشعر والقصة
-------------------------
الابتذال القصصى الذى نلمسه فى كتابات بعض الروائيين العرب المخضرمين لم يمنع من انتشار قصصهم بين الناس , انتشار النار فى الحطب ,
ولكن هذا لم يكن فى يوم من الايام يحدد مسيرة باقى الادباء الروائيين ويجعلهم متشائمين من نوعية القارئ لاعمالهم –
لان القارئ عادة ما يبدا بالسهل المبسط ويفحصه ثم يتقدم فى مرحلة تالية الى قراءة الاعمال الناضجة الرفيعة المستوى .
والامثلة كثيرة على ان عمر الكاتب المبتذل قصير اما عمر الكاتب الاحتماعى الانسانى والقومى فطويل ويمثل تراثا للادب .
واذا اردنا النصيحة فى هذا المجال فاننا ننصح المواهب الجديدة التى تبحث عن المكسب السريع ان لا تلجا فى كتاباتها الى الابتذال القصصى او الشعرى وسوف تجد قاعدة جماهيرية تقرا لها – ولكن الى حين – حيث تنعدم اهمية تلك الكتابات عند القراء بعد فترة هي الكافية لاحداث التحول عند القارئ من الابتذال الى النضوج .
اما الذين يبحثون عن الخلود فى عالم الادب لكتاباتهم فعليهم ان يسلكوا الطريق الصعب ,
وان يبدأوا بالكلمة غير المفهومة التى تثير حولها الجدل وربما الرفض لمنطقها ومضمونها رغم امتيازها عن غيرها ,
فهى الكلمة التى تعيش وتصبح فى وقت متقدم الكلمة المسموعة الوحيدة وما عداها يكون ابتذالا فى ابتذال .
وفى الشعر يقود الشاعر الدبلوماسى نزار قبانى سيمفونية الوجدان الحسى فى ابداعاته الادبية ضمن اطار الشعر الحديث –
وهو يكتب فى هذا المجال منذ سنة 1947 وحتى رحيله
ويمكن القول بأنه كان صاحب اكبر رقم مبيعات لدواوينة وكتبه بين القراء العرب من المحيط الى الخليج ,
ثم بدأ محمود درويش فى منافسته مع شعراء المقاومه ابتداء من عقد السبعينات حتى اصبحت المنافسة بين شعراء ذلك الجيل من الادباء مما يدل على نضوج القارئ العربى دفعات ودفعات نحو البحث عن وجدان حضارى اوسع واشمل .
فلماذا بقى نزار قبانى ولخمسة عشرة عاما , متقدما عند القارئ العربى من بين كل الشعراء العرب مع اننا نجد الموازين تختلف فى مجال القصة والرواية لصالح العمل الادبى الشمولى الرفيع المستوى ؟
لماذا فى الشعر يظل نزار صاحب السيمفونيات الحسية والمفردات المحمومة فى المقدمة , متقدما على البياتى والسياب ونازك الملائكة والجواهرى وعبد الصبور , وبسيسو , وادونيس , والحيدرى , والماغوط , رغم تفوق كل هؤلاء فى توظيف الشعر لمجالات اكثر اتساعا واشمل مضمونا
الا ان القراء تجاهلوا عبد القدوس وامثاله فى عالم القصة وتذكروا الطيب واميل وكنفانى ويوسف ادريس وامثالهم الملتزمين الجادين في كتابة القصه الانسانيه والوطنيه بعد نجيب محفوظ بالتاكيد ؟
ان الاجابة على هذا التساؤل تكمن فى ان الشعر ترجمة موسيقية لمشاعر واحاسيس وانفعالات داخلية , فهو اقرب الى الموسيقى منه الى الفلسفة اما القصة فهى فلسفة مجتمعية لها اطارها الثقافى فقط . ولذا فالناس دوما يبحثون فى الشعر موسيقيته ودغدغتها لاحاسيسهم اما القصة فيبحثون فيها عن المضمون والفلسفة .
هكذا يتفوق القاص الفيلسوف على القاص الباحث عن الاهواء
وقد نجحت غاده السمان في الجمع بين الشعر والنثر والقضيه الاجتماعيه والوطنيه فتفوقت وزاحمت على قمة الادب
وعلى نفس المنوال جاءت احلام مستغانمي في بداية الالفيه الثالثه لتتحدث عن خارطة المراه العاطفيه في ذاكرة جسد الذي تحول على يديها الى فلسفه نثريه ضمن الخريطه الجغرافيه والقوميه العربيه
وهنا كان الجسد ذاكرة امراه وذاكرة قضيه وذاكرة وطن
هنا كان التفوق الذي نقوله عن المراه النموذج والمثل