يقال أن نجدت أنزور هذه القامة الكبيرة في مجال الإخراج التلفزيوني يقوم بعمل فرقعة إعلامية عند كل عمل له ,ولكن هذه المرة الموضوع شائك جداً ويطرح الأسئلة المتعلقة بالثالوث المحرم بالإعلام (الدين- الجنس- السياسة). فالمسلسل يتناول هذه المحظورات الثلاث ويضيف إليها النقد اللاذع للمجتمع ويتهم المجتمع السوري بأنه مجتمع ذكوري بامتياز.
المسلسل حصل على دعاية مجانية من خلال نقده نقداً لاذعاً وحتى قبل أن يعرض, ولثقتي المطلقة بالمخرج ولدفاعي المستميت عنه في كل ما يذهب إليه من خيارات فنية وإخراجية ولاعتقادي الجازم بأنه شخص يتمتع بأخلاق المهنة وأنه يوضح صورة الإرهاب والإسلام (على حدٍ سواء) في أغلب أعماله التي تناولت موضوع الإرهاب . ولأنني أجد بمسلسلاته الصورة الواعية لرجل الدين الملتزم الذي يقول شيئاً مفهوماً وواضحاً عن الإسلام وعن الإرهاب.( وليس كما يظهر من مسلسلات الكاتب وحيد حامد الذي يجسد الشخص الملتزم بأنه شخصية كرتونية فاسدة تبيح كل شيء في سبيل إشباع رغباتها المقموعة ).
ولأسباب تتعلق بموقف العلامة الكبير الدكتور محمد رمضان سعيد البوطي الذي آثر الصمت إلى حين انتهاء المسلسل ( كبادرة حسن نيه من قبله بعد اللقاء الذي حدث صدفة مع المخرج )
كل ما سبق من هذه الأسباب جعلتني أتابع المسلسل بجميع حلقاته متابعه دقيقة واتخذت منهج الدراسة الواعية العميقة لمشاهد المسلسل بكل تفصيلاتها .
وها هو المسلسل قد انتهى وإذ أضع ملاحظاتي على المسلسل فإنني أضعها من خلال عين المتابع الدقيق لأحداث المسلسل من جهة وللزوبعة الإعلامية التي أثارها المخرج عن المسلسل من ناحية أخرى, والتي تبين لي أنها على (فاشوش) كما يقول المخرج يوسف رزق مع الاحترام والتقدير الشديد للمخرج نجدت انزور وللدكتورة هالة ديب (قالها المخرج يوسف رزق (فاشوش) على برنامج الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة ):
المسلسل هو عبارة عن مجموعة من الأحداث ومجموعة من الشخصيات التي يغيب عنها الترابط المنطقي والعمق النفسي لأغلب الشخصيات الرئيسية في العمل, فمع العلم أن المسلسل يتناول الإرهاب كأحد المقولات الرئيسة للمسلسل, إذ يغيب التحليل النفسي عن الشخصيات الجهادية و كذلك يغيب التحليل النفسي عن أغلب الشخصيات الإرهابية (توفيق) في المسلسل ولا أعتقد أن القارئ الكريم لن يفرق بين وكذلك يغيب المفهومين : لأننا كسوريين نعلم ذلك جيداً وقد دعونا (كحكومة وكشعب) لإقامة مؤتمر دولي لتعريف هذه الظاهرة والتمييز بين الإرهاب كآفه مرضية وبين حق الشعوب في مقاومة المحتل .
وقد اكتفى المخرج بإبراز حركة معينة يقوم بها توفيق وهي تحسس رقبته بيده كدلالة على الخوف والرعب الكامن لديه من حبل المشنقة. عدا هذه الحركة تغيب جميع مظاهر الحوار مع الذات والتفكير المطول في الأفكار الرئيسية التي تتمحور حولها العمل لشخصية توفيق وهي شخصية رئيسية للشاب الفاسد المتفلت عن قيم المجتمع والداعي إلى تفجير المطاعم والمطارات بدعوى الجهاد.
وكذلك شخصية نسيب رجل الأعمال الفاسد المتحالف مع قوى الإرهاب : أيضا يبدو بشكل رومنسي ويغيب عن العمل التحليل النفسي له ولسائر الشخصيات الرئيسية بالعمل.
في حين أن هناك تحليل نفسي عميق ودقيق وحوارات مع النفس لدور(نادين) الذي تجسده الفنانة رانيا الأحمد: تلك الفتاة البسيطة التي تعاني من أزمات نفسية نتيجة تقاطعاتها مع مختلف الشخصيات المريضة(نفسيا) في المجتمع, بدءاً من حبيبها الأول المخرج الذي يحاول أن يقيم علاقة جنسية معها وعندما ترفض يحاول أن يوهم الأم العظيمة ( الموجهة الاجتماعية ) أن ابنتها لديها اضطراب نفسي ثم لا يلبث أن يقيم علاقة عاطفية مع الأم. يحاول المخرج أن يبرر تحطيمه لقيم المجتمع السوري بكافة أطيافه واتجاهاته بأنه يتناول الطبقة المتوسطة فهو يطرح مقوله (أن هذه الطبقة عندما تتلاشى يكون تلاشيها على حساب شكلين من أشكال التطرف, إما الأصولي أو الانفلات) .
مع اتفاقنا مع المخرج بأن ذلك صحيح إلا أن الطبقة الوسطى (التي يبشر بتلاشيها أو تطرفها أو انفلاتها ) تعاني من مشاكل حقيقية اقتصاديا و اجتماعيا . لكنها لازالت تحافظ على القيم والمبادئ التي يتحلى بها المجتمع السوري بكافه أطيافه.
يقول الدكتور البوطي(أنا لا أشك أن في مجتمع المتدينين والمتدينات من قد تتغلب عليهم أهواؤهم ورعوناتهم فيتورطون في الانحراف، وهذه سنّة ربانية ماضية في المجتمعات والعصور كلها، حتى في عصر الصحابة الذي هو أفضل العصور. ألم يقل رسول الله (كل بني آدم خطاء)؟
ولكن من الذي يبرر أن نلطخ بياض الاستقامة البالغ 80% من المجتمع المتدين بسواد 20% منه؟! من الذي يبرر أن نستعلن بهذه الأخطاء ونخرجها أمام الأبصار بطريقة مغرية )
ولترجمه كلام الدكتور من إنسان متابع للمسلسل فإننا نقول :
الشخصيات المتدينة التي أرادت الكاتبة المخضرمة والمخرج الرائد بالإيحاء لنا على أنها تمثل الإسلام الصحيح (شخصيات إيجابية): تنحصر بثلاث شخصيات فقط : الشيخ عبد الوهاب – محمود زوج ليلى – والشاب (المجاهد الحقيقي) الذي يراجع نفسه وينقذ بعض الشباب المغرر بهم من قبل توفيق وذلك بالتنسيق مع الجهات الأمنية ليطرح مقولة لم ترد بالنص في المسلسل : ( يجب التنسيق والتعاون بين الإيمان والأمن للمحافظة على المجتمع) . وتدور حوارات رائعة بين هذا الشاب وشباب على المسنجر hotmailمن مختلف الاتجاهات الجهادية والإرهابية بآن واحد, وهذا الحوار نحتاجه فعلاً بمعالجة هذا التيار المتطرف فالحل الأمني ضروري أحياناً ولكن الحوار مطلوب دائما.
إن هذه الشخصيات سلبية أكثر من سلبية الشخصيات التي طرحت على أنها سلبية:
فالشيخ عبد الوهاب : لا يفعل أي شيء سوء الجلوس في المسجد أي انه لا يفعل أي شيء .
أما شخصية محمود : فهي شخصية إشكالية لها ما يماثلها بالواقع. ولا استطيع توصيف هذه الشخصية من وجه نظر فقهية ,ولكنني اكتفي بذكر أن احد كبار الكتاب الإسلاميين وهو فهمي هويدي يمتلك نفس اعتقاد محمود فزوجته غير محجبة , علماً بأنه لا ينكر الحجاب كفريضة إسلامية ولكن يعتقد انه ليس عليه أن يجبرها على لبس الحجاب. وهذا الموضوع موثق ببرنامج زيارة خاصة والضيف طبعا فهمي هويدي( موجود في أرشيف البرنامج)
ليس هذا فقط بل أن موضوع زوجات المفكرين الإسلاميين قد طغى لدرجة أن الدكتور العمري كتب مقال عن الموضوع بعنوان زوجة” المفكر الإسلامي: الهوّة بين الفكر والتطبيق..
والشيخ المجاهد: ليس بشخصية إنسان مسلم عامل في أي مجال من مجالات الحياة وليس بالقدوة الحسنة لأي شريحة عمرية .
أما الشخصيات المتدينة السلبية : توفيق أخو ليلى- المجموعة الإرهابية التي تنفذ أوامر توفيق دون قناعه - الشيخة التي تقيم الحد على ليلى وتمارس النميمة والتي تقذف ليلى بالزنى (بحجة مخافة أن لا تقام حدود الله) – شخصيات المجتمع الإسلامي في فرنسا التي يغلب عليها التطرف وعدم قبول الآخر- نسيب رجل السياسة والاقتصاد الذي يمارس الزنى ويتعامل مع الإرهاب ولا يترك منكراً إلا ويفعله على مرأى ومسمع من ابنته بعلاقاته المشبوهة مع المرأة المتزوجة غرام .......... والقائمة تطول
وحتى المجتمع الغير متدين مع احترامنا وتقديرنا للجميع فقد أساء المسلسل له ,فلم يطرح المسلسل أي شخصية غير متدينة تتمتع بالأخلاق الحميدة رغم أننا نجد أن غالبية المجتمع اللامتدين (إن صح التعبير) ذو أخلاق حسنة وليس كما يبدو من المسلسل:
فعائلة المعلم المربي الفاضل المتهم بالشذوذ : عائلة تسير على غير هدى, فعلى الرغم من أن الأب والأم من طبقة مثقفة إلا أن الإبنة الوحيدة لديهم تعيش في صراع مستمر كان يمكن أن يؤدي بها أن تكون سلعة رخيصة في إحدى الملاهي الليلية, فها هي تنتقل من رجل إلى آخر من المخرج العظيم و انتهاءاً بالمحامي المصاب بلوثة عقلية مروراً بدكتور الجامعة المتفلت من أي مساءلة او عقاب.
وملخص القول :لم تظهر خلال المسلسل أي شخصية متزنة ذات خلفية دينية أو علمانية فقد صور المسلسل أن النساء في سورية إما بغايا أو خادمات في المنازل (أم ليلى), ولم تسلم النسوى العراقيات( اللاجئات العراقيات) من ويلات المسلسل فقد جسد المسلسل ذلك بالمعنى الحرفي للكلمة فالأم خادمة في البيوت والبنت عاهرة في الملاهي الليلية وذلك أيضا غير صحيح (رغم وجود حالات )
كما تجسد الفنانة ديمة قندلفت دور عليا وهي فتاة من عائلة فقيرة لأب عاجز, تعمل في صالون حلاقة ولها أخ وحيد (يغريه ابن نسيب ليقيم معه علاقات شاذة), تتعرض للعديد من المشاكل بسبب المحاولات الكثيرة التي تدور حولها للإيقاع بها, بالإضافة إلى العديد من التحديات وحالة الضياع التي تعيشها ونتيجة ذلك تقيم علاقات مقابل المال ونتيجة هذه العلاقات التي تحدث تحت جنح الظلام تقوم بترميم غشاء البكارة بمساعدة غرام وبالنهاية تصبح مومس بعد تجربة زواج فاشلة.
فماذا بقي...................
المجتمع السوري : هو مجموعة من البغاة والزناة والمتطرفون ............ للأسف حتى المتطرفون فأنا أعتقد جازماً أن لديهم قيم ومفاهيم خاطئة ولكنهم يعتقدون صوابها ويحاولون تطبيقها على المجتمع عنوةً بأسلوب خاطئ........... حتى هؤلاء لم ينصفهم انزور ......... فهم لصوص وقطاع طرق وزناة ...............
كسر الجليد شيء جيد ومحاربة الرتابة شيء عظيم وتحطيم الروتين شيء رائع ولكن:
المحزن المبكي : أننا بسورية لا نعاني من الإرهاب ولا توجد ظاهرة الإرهاب لدينا ( هناك حالات تعد على أصابع اليد الواحدة ), ولا أعتقد أن هناك من يقيم الحد على ابنته في جميع أطياف المجتمع السوري ,
وقد ألبستنا الدكتورة الفاضلة والمخرج العظيم ثوباً ليس من مقاسنا وله ألوان قبيحة ليست الألوان التي نحب ونعشق. كما استوردوا لنا مشاكل الآخرين وصبوا نار حممها علينا.
وأظهرونا كما لا نحب ولا نريد................
فنحن :عشاق الحرية , حراس القيم , محبي السلام .
الشيء المحزن والمؤسف للغاية أن المخرج والذي صرح للدكتور البوطي انه من المداف قيفعين عن الأسلام في مسلسل سقف العالم وأن والدته محجبة :
خرج علينا في برنامج في الصميم على قناة BBC ARBIC : ليهاجم الحجاب ( النقاب ) وليبرز ديمقراطيته الرائعة في قبول الآخر وليتكلم لنا أن النقاب ليس بفريضة أسلامية ...............
انتهى النقاش يا سيد انزور
فقد سمعت احد الكتاب الليبراليين في إحدى الفضائيات (ليبرالي حتى النخاع كما يصف نفسه) يقول: إننا في الشرق الوسط نعاني من الإرهاب وعدم قبول الآخر بسبب ديننا ( الإسلام ) فأنظمة الحكم لدينا استبدادية لان آلهتنا (استغفر الله) دكتاتورية فالله واحد احد لا يقبل الآخر .
بينما الغرب بأغلبيته المسيحية يتمتع بأنظمة حكم ديمقراطية لان آلهتهم تقبل الآخر ( الأب- الابن- روح القدس)يبدو أن السيد أنزور قد نحى منحى هذا الكاتب الشاذ فكريا وقد وقع في فخ التعميم المغلوط : فجميع المنقبات بغايا والنقاب عادة اجتماعية وليس من الإسلام في شيء (طبعا إسلام انزور) .
أخيرا: لم استطع أن احدد ما هي المقولة التي تريد كاتبه النص أن تقولها وما هي المنطلقات الفكرية لها .فلو أنها لمعت لنا المجتمع غير المتدين : لقلنا أنها من مجتمع ليبرالي وتدافع عن وجهه نظرهاولو أنها دافعت عن أي شريحة اجتماعية وصبت نار حممها على الأخرى : لقلنا إنها وجهة نظر كذلكولكنا لم تفعل شيء من هذا أو ذلك:
المسلسل تافه جدا ولا يستحق المتابعة أصلا ولا يطرح أي شيء يمكن سماعة ولا يوجد به أي مقولة : سلبا أو إيجابا
أنا لهذه اللحظة : لا استطيع أن احدد هل المسلسل موجه لمحاربة الإسلام أم لتشويه المجتمع السوري أم لتشويه صورة المتدين في المجتمع
هذا سؤال برسم الإجابة للمخرج الرائد وللكاتبة المخضرمة ............