تأثير حقوق الملكية الفكرية على البيئة
ترجمة الدكتور حسيب الياس حديد
كلية الآداب – جامعة الموصل
العراق
بقلم م.أ.هيشثري([1])
"هكذا غدت معرفة دول العالم الثالث ومواردها " ملكية فكرية " لشركات الشمال ومؤسساته التي تجني الارباح والفوائد في ذلك كما هي الحال عندما عمد الاستعمار على تجريد هذه الدول من مواردها الطبيعية ".
من وجهة نظر تاريخية تمنح حقوق الملكية الفكرية للمبدعين حق حصري واستثنائي لأنتاج وتصنيع وتسويق وبيع وتوزيع نتاجهم واستثماره . وكما هو معروف ان المبدعين لهم الحق الكامل بالتصرف بإبداعاتهم ونتاجاتهم كما ان براءات الاختراع هي اخرى ملكية فكرية خاصة بمبدعيها ولا يحق لأحد التصرف بها طالما ان عائديتها الى مالكيها الاصليين .
وعبر التاريخ يمكننا ملاحظة ان لبراءات الاختراع ثلاثة استعمالات رئيسة اولها البحث ثم الاختراع ثم التصدير . ويمكن القول ان هذه الاستعمالات تشمل التوسيع والتطوير ايضاً . وكما ان للشركات والمؤسسات ملكية خاصة تعود الى اشخاص او الى حكومات ودول فأن هنالك بالمقابل ملكية للنتاج الفكري الذي ملكيته لا تقل عن ملكية المواد الاولية والمؤسسات والشركات وغيرها . ولكن هنالك قلق يساور كل من المبدعين والفنانين وغيرهم من ان تتم اساءة استخدام هذه الابداعات وهنالك ايضاً من يخشى من أي انحراف في استخدام نظام براءات الاختراع . وينبغي عدم التقليل من اهمية الارضية الفكرية حتى للحروب التي دارت رحاها في الماضي .
ومن ناحية اخرى يجب القول انه من دون شهادة براءة الاختراع سوف تبقى المعرفة في طي الاسرار ويبدو ان هذه المناظرة صعبة لثلاثة اسباب . السبب الاول في حالة غياب براءات الاختراع يمكن التأكيد على ان المعرفة سوف تكون مشتركة وليست محجوبة او مخفية . والسبب الثاني لا تسمح براءات الاختراع بنقل المعرفة او نقل المعلومات طالما ان براءات الاختراع تمنع استخدام هذه المعلومات خلال فترة حياة شهادة البراءة ولذلك يصبح من غير المجدي جعل هذه المعلومات علنية والسبب الاخير هو اننا على بينة من ان براءات الاختراع تمنع نقل التكنلوجيا من الشمال الى الجنوب ونتيجة لذلك لا تخدم براءات الاختراع الاّ في مجال العوائد والارباح وليس في مجال نشر المعرفة والعلوم والمعلومات .
وكما هو معروف تعتمد المؤسسات على نشر المعلومات والمعرفة من اجل الحصول على المعرفة ونشرها . الاّ ان نشر المعلومات يعدّ ممنوعاً في الوقت الحاضر بسبب براءات الاختراع . وفي الحقيقة تخضع المؤسسات التعليمية ومراكز البحوث التي تضع خدماتها للجمهور للملكية الفكرية وخاصة الجامعات . ولكن عندما يشعر العلماء بان هناك حاجة ملحّة لنشر اعمالهم والتحدث عنها سوف يقومون بنشرها بأي ثمن . وفي الوقت الحاضر نعلم جيداً ان هناك اهتمام كبير منصبّ على براءات الاختراع والحصول عليها الا ان هذه النظرة تتعارض مع روحية الانفتاح التي تغذيها ثقافة المعرفة .
ولدينا توجّه ايضاً ان نعتقد انه من دون حقوق الملكية الفكرية سوف لا يكون هنالك أي تشجيع للبحث . إلا ان حقوق الملكية الفكرية تعد نظاماً تشجيعياً وتسعى هذه الحقوق الى نقل هذا النظام الذي لا يشمل الاّ المصالح الخاصة في الوقت الحاضر بدلاً من ان يكون للمصلحة العامة . وهناك توجه ايضاً بان تضطلع الجامعات بدور اكبر في هذا الميدان وربما يعدّ معهد التكنلوجيا في ولاية ماساشوست في امريكا افضل مثال على ذلك. ويعدّ هذا المعهد مركزاً يتم تمويله من قبل القطاع الخاص ويضم هذا المعهد عدداً من المتخصصين في مجال علوم الحياة وانهم يحتكرون الملكية الفكرية لكل الابداعات التي يتوصلون اليها .
وربما هناك اعتقاد خاطئ مفاده ان الشروط الخاصة بقانون الملكية الفكرية تمنع حماية المعرفة التقليدية . أي ان هناك اعتقاد خاطئ ينص على ان قانون الملكية الفكرية لايهتم الاّ بما هو جديد وان النتاجات السابقة والتقليدية لا تستحق الاعتبار ولا تستحق المكافأة والتعويض. فأن مثل هذا الاعتقاد له سلبياته على جوانب عديدة في النشاطات الابداعية القديمة والحديثة وان ذلك سوف يؤثر تأثيراً كبيراً في البيئة لان كل البراءات والاختراعات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاستعمال المستديم للموارد كما يرتبط ايضاً بالبيئة . ويجب ان لا ننسى ان هذه المعرفة والاكتشافات هي في الواقع نتاج الابداع الفكري الممعن بالقدم لأعداد كبيرة جداً من البشر ويمكن ان نقول انه نتاج عدد من الرجال والنساء الذين قاموا بجهود حثيثة ومثمرة .
ونلاحظ على وجه الدقة اهمية البيئة في النشاطات الابداعية من جهة واهمية حقوق الملكية الفكرية وتأثيرها على البيئة من جهة اخرى. ويجب ان لا يغيب عن بالنا انه بسبب هذه العلاقة الوثيقة مع الطبيعة أي البيئة والتنوع البايولجي بدأ اهتمام خاص بوضع برامج تعمل على حماية البيئة وتقييمها وكذلك الاهتمام بالتنوع البايولوجي والتنمية المستدامة . ولهذا السبب نجد ان الجمعية العامة للامم المتحدة اصدرت قرارها المرقم (174/59) (في 20/12/2004 ) الخاص بالعقد الدولي الثاني للسكان والذي بدأ في (1/1/2005) والذي يهدف بالدرجة الاولى الى تعزيز التعاون الدولي بغية انجاح الحلول للمشكلات التي يعاني منها السكان في مجالات عديدة من التربية والثقافة والصحة وحقوق الانسان والبيئة والتنمية الاقتصادية والتطور الاجتماعي .
وبصورة قطعية تعد ردود الافعال المتذبذبة التي تدير المناظرات والتي تستند الى الملكية الفكرية قابلة للمناقشة من قبل البعض وقابلة للتفاوض من قبل البعض الآخر . وهنالك اراء مختلفة حول الموضوع الا ان الشيء الذي يجب ان نؤكد عليه هو ان لحقوق الملكية الفكرية تأثير مباشر في البيئة وفي اكثر من مجال واحد .
([1] ( M.A.Hichri: L’impact des droits de propriété intellectuelle sur I’environnement ,2007.