هاجس الأعماق يمطرُ ..!
شعر:محمد الزينو السلوم
--------------------------------
تتزنّر الكلمات بالآهات لاهثةً على شطآن منفايَ البعيد ،
أغطّ في الحزن العميقِ ..ألوذ بالصمت المريع
ووجهك الشجريّ يفتح ألف جرحٍ..
في حقول الروح ، تنزف بالدماءْ
أشرعتُ أمواجي على نجوى الرياح فتهت..ُ
في بحر الظلال ، ورحتُ أبكي في الخفاءْ
ونشرت أشرعتي على الشرفات ..
كانت ممطرات في فصول العشق فانبلج المساءُ ..
وراح من وهج التضاريس البعيدة ، للدهاليز العميقة ..
يدلف الإعصار فانحسر الضياءْ
مذ بات خوفي يغزل الذكرى
ضفائر من خيوط العنكبوتِ ..
شهدتُ في صحراء عمري واحةً أضحت سرابْ
بالأمس في عرس الفصول غزلتُ..
عصفور الفصول بوهج شعري ،
طار للآفاق ..فاق النسر في التحليق ..
حلّق في فضاءات القصيدة ..
حطّ بعدُ مع النجوم على الغصونِ ..
وهاجس الأعماق يمطر في مرايا الصمت إعصاراً ..
يحاصر كلّ أحلام الصبايا في انتشالِ ..
العطر من ثغر الزهورِ ..
كأنما الريحان والفلّ الخجول ، وبوح عطر الياسمين ،
وكلّ ما بين السطور إلى أفولْ
تتدثّر الكلمات في لون الغيوم ..
تخاصر النجوى ، ولا نجوى ..
فكأنما الأشجار عارية من الأوراق..
في فصل الربيعِ .. تطايرت صفراء ،
تدفعها الرياح من المرايا للزوايا المظلماتِ ..
بلا ملامح أو ظلالْ
أشرعت أمواجي فصارعتِ الجهات ..
وبعد جهدٍ أُجهضتْ عند الشواطئِ ، لا رياحَ ..
كأنها مقطوعة الأوصال حُبلى بالهموم ،
أذابها الرمل الضعيف على الطريقْ
بالأمس كم أمطرتُ عطراً فانحنتْ كلّ السنابل لي ،
وراحتْ قامتي تمتدّ مثل النخل ، تصعد للسماءِ
تُظلل العشاق من حرّ الصحاري في الظهيرة ،
تطرح التمر الذي يُؤتي الحياةْ
قد عدتُ للمنفى وحيداً مثل سيفٍ دون غمدٍ ..
إنها الأيام حبلى بالنوازل ، والعوازلِ ..
لا فراشات تحوّم حول ظلي ،
أو تحطّ على الغصون ، ولا عصافير تطيرْ
كلّ العصافير التي طيّرتها .. كلّ النوارس ..
لم تعد .. غابت كما غاب الصباحْ
طال انتظاري ، والمرايا كسّرتها الريح ،
والطوفان جرّ العمر للفجّ العميقْ
يا رحلة الأيام .. كيف تزنّرت شرفات عمري بالغياب ،
وودّعتْ قبل الحضورِ ..
فلا عصافير الفصول توزّع النجوى على القلب الجريح ،
ولا على الروح التي عزفتْ عن الذكرى ..
فلا بوحٌ يطيّر للفراشات التي..
قد أبعدتها النار عن ورد الكلامِ ،
ربتْ ، وغابت في الظلامِ ..
ولا النوارس فوق بحري .. لم تعُدْ أيضاً ..
كأنّ البحر غطّته الغيوم فغيّبته عن العيون..
وأظلمت حتى السماءْ
لا شمس تطلع في النهار تضيء روحي ..
لا نجوم بليل عمري .. لا قمرْ ..!
من قبل كم عرّتْ رياح العمر أغصاني ففتّح في دمي وردٌ ،
وغطّى العرْيَ في ثوب الشجرْ ..؟!
لا.لن ألوذ بصمت ما تؤتي الرياح ،
ولن أظلّ مقيداً مثل السجين ،
ولن أنام على الرمال بشطّ منفايَ البعيدْ
سأروّض الإعصار ، والطوفان ..
أخرج من دهاليزي العميقة ،
أكسر الأطواق ، أمضي للتضاريس القصيّة ..
مثلما البركان.. ينكشف الظلام ، وبعده يأتي الضياءُ ،
وتجدل النجوى ضفائرها خيوطاً من حريرٍ ..
أشهد الصحراء تلبس ثوبيَ الشجريّ ،
تفتح صدرها للنهر يجري سلسبيلا ..
وكما صعدتُ ، أحطّ بعدُ على الضفافِ ..
بهمة النسر المجلّي ،
أرسم الحلم الذي لا زال وهّاجاً بقلبي
وأزنّر الكلمات في ورد الصباح مع الندى ،
وأرشّ ماء الزهر فوق الأرض ، أفرشها محبهْ .