أودّ أن أخبركم أيها الأهل كيف تحدّدون هوّيتكم، وفي حال كنتم تعرفون هويّتكم سأخبركم كيف تنمّونها وتمنحونها صوتاً. للبدء بذلك، أودّكم أن تنظروا إلى الأمور من منظار أشخاص جدد في تجربة الأبوّة. بعضكم آباء فعلًا وسيذكّركم هذا الأمر بتجربتكم الخاصة. أمّا الذين لم يصبحوا آباءً بعد، فكّروا بأهلكم كمثال على ما سأقوله.
حلم الكثير من الأزواج إنجاب الأطفال. فالأطفال أمل مستقبلنا جميعًا. وبما أنّنا ولدنا والخير في فطرتنا، نسعى إلى تكريس استمراريّة هذا الخير وإنجاب الأطفال هو أفضل طريقة لتحقيق ذلك. ونحن كأهل نتمنّى أن يختبر أولادنا خيرًا أكبر من الذي عرفناه نحن. لذلك نبذل قصارى جهدنا لنوفّر عليهم أي تجارب سلبيّة عشناها في حياتنا. بعضنا ينجح في هذه المهمّة وبعضنا الآخر لا يدرك أنّنا أصبحنا تماماً مثل أهلنا.
نعلّم أولادنا أسمى القيم. ونؤمّن لهم كلّ ما نستطيع تأمينه. ننمّي حبّنا وعاطفتنا واهتمامنا بهم أكثر فأكثر، ونوظّف كلّ طاقاتنا لنساعدهم على النضوج فيصبحون رجالًا ونساءً يتحلّون بالمسؤولية، والنجاح والسعادة. وهنا أيضاً ينجح البعض ويفشل البعض الآخر. من ينجح هو الذي يستطيع أن يحدّد جيداً أسباب الأمور، أما من لم ينجح فهو الذي لم يبذل جهودًا لمعرفة نفسه أولاً وبالتالي أورث أولاده لسوء الحظّ قصر النظر.
كأهل راشدين نستطيع أن نحدذد الأخطاء التي ارتكبها أهلنا بمجرد مراجعة المشاعر السلبية التي ولّدتها تربيتهم لنا. البعض منّا يلجأون إلى المعالجين النفسيّين والمدرّبين الخبراء لإعادة استكشاف هذه المشاعر وإخراجها إلى الضوء. لكنّ سعينا المفرط إلى احتضان أولادنا، يؤدّي أحيانًا إلى كبح إحساسهم بالتميّز، سواء قصدنا ذلك أم لا. لذلك يقومون بكبت هويّتهم الحقيقية محاولين تلبية توقّعاتنا بدافع حبّهم لنا.
لا أظنّ أنّ أحدًا ينجو من الشعور بشيء من الدونيّة في حياته بفعل تربية أهله له. وأحياناً قد يذهب الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك.
إليك بعض الأساليب التي يمكنك تطبيقها، بمفردك أو بمساعدة أحد، لتصبح الشخص الذي ولدت لتكونه وتحدّد هويّتك الحقيقيّة.
1. اكتشف قدر الإمكان طفولة أبويك. أطلب منهما ومن أقاربك إخبارك قصص طفولتهما. كيف كانت؟ ما كانت الصعوبات التي واجهاها؟ فعلى سبيل المثال، إحدى صديقاتي لطالما غضب والدها من الظلم وعدم المساواة. اكتشفت لاحقًا أنّ والده خسر وظيفته في فترة الأزمة الاقتصادية لأنّ أخاه أطلق عليه شائعات كاذبة، ونتيجةً لذلك لم يتمكّن من تأمين لقمة العيش لأولاده الستة. وتوفي جرّاء نزيف في المعدة حين كان والدها في الخامسة عشر من عمره. فلم يتخطّى هذا الرعب ونقله لأولاده. قالت إنّه لم يتمكّن يومًا من إدراك هذه الحقيقة، ولكنّها تمكّنت من التوقّف عن الشعور بالغضب من الظلم عندما اكتشفت القصّة.
2. استعِن بخبيرٍ لتفهم ما يجري في داخلك. يمكن أن يشجّعك معالج، أو مرشد، أو رجل دين أو مدرّب على الإفصاح عمّا يجري في حياتك، وستتمكّن بفضل موضوعيّتهم، من اكتشاف إجابات لم تلاحظها من قبل. سيشاركونك تحليلهم للأمور، ما يسمح لك بفهم نفسك أكثر.
3. اقرأ كتب المساعدة الذاتية أو انضمّ إلى جمعيّات تعنى بهذا الموضوع. الكتب التي تعالج هذه المواضيع تملأ رفوف المكتبات والمواقع الإلكترونية في أيامنا هذه. فابحث عنها واشتريها واقرأها. وما يتبع ذلك هو تطبيق ما تعلّمته في حياتك العملية ، وهذا الجزء الأهمّ. فحشو رأسك بمعلومات نادرًا ما تستخدمها، مجهود غير نافع وغير مجدٍ.
4. استمتع بالبدايات الصغيرة. حاول في البداية أن تُشارك والديك بأفكرك الجديدة التي تجعلهما يدركان أنك أصبحت شخصاً راشداً مدركاً لحقائق الأمور. واشكرهما بلطف على نصائحهما وقل لهما إنك ستفكّر في ما نصحاك به. أخبرهما أنك قد لا تقوم بما أوصياك به، ولكنّك ممتنٌّ لاهتمامهما. ومن المهمّ بعد ذلك أن تبدأ بالسعي إلى تحقيق ما تريده، وما تتمنّاه وما ترغب فيه في الحياة. لا يمكن أن يتعلّق الأمر بحلم شخص آخر بعد الآن. تعلّم أن تقول "لا أريد" حين لا تريد الأمر. يجب أن تركّز على ما يرضيك، وإن كانت نيّتك سليمة فسترضي الآخرين في طريقك.
5. حوّل أقوالك إلى أفعال. تركتُ المسك للختام! لا يمكنك أن تقول أمرًا وتفعل أمرًا آخر، وإلّا فقدت مصداقيتك في الحياة وأصبح كلامك غير جدير بالثقة.
من يعرفني منكم، يعلم أنّني من المؤمنين بفلسفة غاندي. وبالتحديد، تعجبني مقولة " اسعَ دائمًا إلى التناغم الكامل بين أفكارك وكلامك وأفعالك". يبدو الأمر بسيطًا أليس كذلك؟ أتحدّاك بأن توظّف كلّ ذرّة طاقة فيك لتعيش بالفعل ما يوصيك به هذا الرجل. سيولّد ذلك نجاحًا هائلًا في حياتك. أعلم ذلك لأنّني أعيش بهذه الطريقة. فإن جعلت أفكارك وأقوالك وأفعالك منسجمة، ستكون أنت التغيير وستكون قد وجدت هويّتك الحقيقية.
يقول مارك توين :" يمكنني أن أعلّم أي شخص كيف يحقّق ما يريده في حياته. لكن المشكلة هي في أنّني لا أجد أحداً يعرف ما الذي يريده في حياته".
أما إليونور روزفلت فتقول في هذا الإطار:" أعتقد أن الإنسان يتّخذ في البداية قراراً بتحديد هوّيته ثم يعيش حياته كلّها وفقاً للخيار الذي قام به".