منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

العرض المتطور

  1. #1

    علال الفاسي .. مقاصد الشريعة من أصول الفقه

    علال الفاسي .. مقاصد الشريعة من أصول الفقه
    د. بوبكر جيلالي
    المقصود من مقاصد الشريعة عند علال الفاسي"1910-1974" هو«الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها».[1]
    لقد اعتنى العلماء باستكشافها لأن الإسلام دين عقل وفكر ونظر، وأن الفعل الإلهي مبني على ما فيه صلاح الإنسان وعمارة الأرض، وهذا مؤكد في النصوص الدينية. وعلاقة الإنسان بخالقه أزلية تقوم على «عقد رباني إنساني، هو السرّ في خلق الله للكون وفي تكريم الإنسان وامتحانه بأنواع التكليف».[2]
    أحكام الله هي خطاباته الإلهية موجهة للإنسان لتنظيم سلوكه الجوارحي والقولي والفكري الباطني. والخطاب الإلهي هو أساس التشريع، والأعمال الإنسانية هي موضوع الأحكام الإلهية، فوظيفة الشريعة «هي التعريف بصفات الأعمال الإنسانية وتبيين مفعولها وأثرها وعلاقتها».[3]وهي تقوم على الوجدان الإنساني وليس على قوة السلطة الخارجية، وغايتها مصلحة الإنسان باعتباره خليفة في المجتمع الّذي هو منه وأمام الله الذي استخلفه لإقامة العدالة وتحقيق السعادة الفكرية و الاجتماعية والطمأنينة النفسية لكل أفراد الأمة.
    الشريعة الإسلامية تنبني على كون الإنسان نفسه حامي العدل والحق، ولا يكفي فيها التكليف بظاهر القضاء والقانون، بل كلّفت الإنسان بأن يُنصف غيره من نفسه ولو كان القانون والقضاء في صفّه. لذا ميّز الفقهاء بين ما هو ديني وما هو قضائي، «وقد أطلق الشارع اسم المكلّف على كل مسلم وغيره إشارة إلى أن المواطنة الإنسانية في الدولة الكونية إنما تقوم على شعور كل واحد بالمسؤولية في إحقاق الحق وتطبيق القانون الإلهي وضمان حرية الإنسان وكرامته، فالمكلّف في هذه الدولة هو المواطن وشعوره وسلوكه هما منهجه الأخلاقي، وواجباته هي عمارة الأرض والخلافة عن الله في استصلاحها».[4]
    إذا تأسست فكرة العدالة خارج الشرائع اللاتينية والإنجليزية، فإن الشريعة الإسلامية مصدرها الوحي القرآني والسنة والاجتهاد الذي «هو بذل الجهد في استنباط الأحكام من الكتاب والسنة بطريق المنطوق أو المفهوم أو القياس، فالعدالة في الإسلام من صميم التطبيق للأحكام الشرعية وليست نظرية مستقلة عنها».[5]
    إن مقاصد الشريعة والأدلة الأصلية جزء من المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي، والمقصد العام هو عمارة الأرض، وحفظ النظام تعايش فيها، «واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها وقيامهم بما كُلّفوا به من عدل واستقامة ومن صلاح في العقل وفي العمل وإصلاح في الأرض واستنباط لخيراتها وتدبير لمنافع الجميع».[6]
    يستشهد علال الفاسي في حصر المقاصد في قول ابن القيم في كتاب 'أعلام الموقعين'، «وجماع المقاصد ما قاله ابن القيم: «إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها».[7]
    أمّا التشريع بالمعنى العام هو السلطة التشريعية التي تمثل الدين والعرف والقضاء والفقه، والتي تضع القواعد أو تستنبطها لتكون ملزمة في تنظيم العلاقات داخل المجتمع وفقا للتدابير المقررة في ذلك. أما في معناه الخاص فهو تلك القواعد القانونية ذاتها.
    أصول الشريعة في الإسلام الكتاب والسنة، وأضاف الجمهور من أئمة السنة إلى ذلك مصدرين هما الإجماع والقياس، وأضاف جمع آخر من الأئمة الاستحسان والمصالح المرسلة و الاستصحاب ومراعاة العرف وسد الذرائع.
    القرآن كلام الله هـو مصـدر التشريع المجمل و التشريع المفصّل وغيره، والقصد منه هداية الخلق وإصلاح البشر وعمارة الأرض، وسبيل ذلك التربية والتعليم والإرشاد. والتشريع القرآني هو أقوى أدلة الإعجاز، أما السنة فهي عند الأصوليين «ما صدر من النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير من جهة دلالته على أحكام الشريعة»،[8]وهي متواترة وأخبار آحاد. إذا لم يكن هناك نص قطعي من القرآن ولا ظني من السنة فإن الحجة تُؤخذ عن طريق الدليل النظري بالإجماع أو القياس.
    الإجماع في الاصطلاح هو «اتفاق مجتهدي الأمة بعده عليه السلام في عصر من الأعصار على حكم من الأحكام، قال الشافعي في الأم؛ ولا يكون عن قياس أو اجتهاد ولأنهم لو اجتهدوا لم يتفقوا».[9]أما « القياس عند الأصوليين فهو إلحاق فرع غير منصوص بأصل منصوص عليه لمساواته له في علة حكمه».[10]تبدأ عملية القياس من استنباط العلة (المناط) و هو تخريج المناط ثم التأكد من اعتبار العلة شرعا بنص أو إجماع أو استنباط و هو تحقيق المناط ثم التأكد من تساوي الواقعتين في العلة و من ثم في الحكم وهو هدف القياس.
    ويأتي الاستدلال نوعا خاصا من الأنواع الأدلة و طريقة العقل المحض وهو ليس نصا و لا إجماعا و لا قياسا و هو على أنواع، منها نفي الحكم لانتقاء مداركه و منها الدليل المؤلف من أقوال يلزم من تسليمها لذاتها تسليم قول آخر. هذا الاستدلال المنطقي لا يفيد في عصرنا ما يصح الاحتجاج به، لكنه يُبرز تفتح الذهن الإسلامي و انفتاحه للنظر في كل ما يمكنّه من الوصول إلى اليقين.
    من أنواع الاستدلال الاستصحاب، يقول به أئمة المالكية و يعني «اعتبار الحكم الذي ثبت في الماضي بدليل مصاحبا لواقعته و ملازما لها حتى يوجد دليل آخر يدل على زوال هذه المصاحبة».[11]ويتجلّى الاستصحاب في خمس صور هي البراءة الأصلية و النص حتى يرد التغيير، و العموم حتى يرد التخصيص والوصف الثابت شرعا حتى يرد ما يغيّره، والحال في الماضي أو الاستصحاب المقلوب.
    أما أصل الشرائع السابقة فهو مرتبط بشرائع ذكر أمرها في القرآن أو في التوراة والإنجيل، و اختلف العلماء في حجية هذا الأصل، و يقول علال الفاسي في هذا الأصل: «و عندي أن مقاصد الشريعة لا تأبى أن تستـفيد من تجارب السابقين و من شرائعهم إذا كـانت تندرج تحت أصل عام من أصول الشريعة وأخرى إذا ذكرها الرسول وأكدّها».[12] و يضـيف «ومن حسن الـحظ أن الاتجاه العالمي لدراسة الشرائع المـختلفة و مقارنتها ببعضها سيـعمل على التقريب بينها، لأنها كلها تبحث عن طرق الإنصاف وتحقيق العدل بين الناس».[13]و« الاستحسان هو إيثار دليل على دليل يعارضه لمرجح يعتد به شرعا».[14]ومن أنواع الاستحسان مراعاة الخلاف عند الإمام مالك و يُعرف بأنه إعطاء كل واحد من الدليلين حكمه و مثال ذلك «قولهم في النكاح المختلف في فساده أنّه يفسخ بطلاق و فيه الميراث. فقد روعي الخلاف بترتيب الميراث وبضرورة الطلاق لحلّ ميثاق الزوجية واعتبر مع ذلك فسخا».[15]
    أما المصلحة المرسلة أو الاستصلاح عند الأصوليين هي تشريع الحكم في حادثة لا نص فيها و لا إجماع، بناء على مصلحة مرسلة أي مطلقة أو ساذجة لم يرد عن الشارع دليل باعتبارها و لا بإلغائها وهي مشروطة عند المالكية بثلاثة، اتفاقها مع مقاصد الشرع و معقوليتها في ذاته و حفظها لأمر ضروري أو رفعها لحرج لازم في الدين.
    ومن الحنابلة "نجم الدين الطوفي" المتوفى سنة 716هـ الذي وقف عند شرح الحديث النبوي "لا ضرر و لا ضرار" فتوصل إلى نظرية كبيرة الأهمية لم يسبقه إليها أحد، و هي «اعتبار المصلحة و تقديمها على جميع الأدلة، و قد كان لما عمله "الطوفي" شفوف عظيم في العصر الأخير حينما بدأ المسلمون يبحثون عن وسائل التطور في فهم أحكام الشريعة و التوفيق بين مقتضياتها و بين حاجات العصر الحاضر».[16]
    لقد اعتمد "الإمام مالك" عمل أهل المدينة في استنباط بعض الأحكام لاعتبارات عدة، منها قربهم من موقع الوحي وهم حديثو عهد بالنبوة وبالتشريع وباجتهاد الصحابة الأوائل. أما العادة باعتبارها أصلا فهي عند البعض «ما يستقر في النفوس من الأمور المتكررة المعقولة عند الطباع السليمة».[17]ولم يفرق الفقهاء بين العرف و العادة، «فالفوائد و الأعراف تعتبر سببا للأحكام الشرعية فهي بهذا الاعتبار من مصادرها».[18]
    ويعتبر سد الذريعة أصلا في التشريع الإسلامي و يعني أن الشريعة منعت المفسدة ابتداء، كذلك منعت ما فيه المفسدة نهاية، و يعرّفه البعض بأنه منع ما يجوز لكي لا يتطرق به إلى ما لا يجوز، و لم تعتبر الشريعة الذريعة من ناحية سدّها فحسب بل اعتبرتها من جهة فتحها، و سدّ الذريعة الفساد أما فتح الذريعة فهو الصلاح.
    و يأتي الاجتهاد باعتباره استفراغ الوسع في طلب العلم بالأحكام و استنباطها من أدلتها التفصيلية يمثل العلم الذي وضعه الإسلام ليشرك به المجتهدين في التشريع، وهو ما يجعل الشريعة الإسلامية مرنة تتطور مراعاة للمصلحة العامة والخاصة في جميع الجهات و في كافة الأزمنة. ولما كانت الشريعة واحدة والفهوم عند أهل الاجتهاد متعددة فإن التباين في الأحكام يعود إلى عدة أسباب، مثل الخصوص و العموم، والرواية والنقل والإباحة والتوسيع، ومعرفة هذه الأسباب تمكّن الباحث من معرفة وجهة نظر كل فريق من المجتهدين، ومعرفة المجهود المبذول من قبل كل مجتهد لتطبيق الأحكام المستنبطة على أحوال البيئة التي يعيش فيها.
    إن فهم مقاصد الشريعة على أكـملها شرط أول لبـلوغ مرتبة الاجتهاد ومراعاة المصالح مقصد أساسي، حيث توجد قواعد فقهية تقيّد المصلحة بالمقاصد مثل تحمل الضرر الخاص على اعتبار رفع الضرر العام، ودفع المفسدة أولى من طلب المصلحة. و قاعدة اختلاف أحكام التصرفات لاختلاف مصالحها. كما أن مكارم الأخلاق تمثل مقياسا لكل مصلحة عامة وأساسا لكل مقصد من مقاصد الإسلام، وفي هذه المكارم أصول الفضائل الأدبية وأساس التشريع، من عفو وعرف و إعراض عن الجاهلين، وهي قواعد مستنبطة من القرآن، فالأخذ بالرفق وتجنب التكليف والأمر بالمعروف والتحلّي بالتواضع والدعوة إلى السلام هي من أخلاق الفطرة مقيّدة للمصلحة ومبيّنة لمقاصد الشريعة.
    أما الجانب الاجتماعي في الإسلام مُصان بالقصد الأساسي من الدعوة الإسلامية التي تنفي أي شريك عن الله، « وهو تحرّر الإنسان من الخضوع لأي إله آخر مع الله، ولا سيّما هؤلاء الطغاة الذين كانوا يتعبدون شعوبهم من فراعنة ونماردة وأمثالهم من كل ملك جبار يعطي لنفسه صفة الإلوهية في الأرض أوصفة التمثيل الإلهي الذي لا يحده قانون ولا يتعرض عليه إنسان».[19]ومصدر السيادة والحكم في الإسلام هو القرآن والعمل به وسنّة النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بها، وإجماع أولي الأمر، وعرض المسائل المتنازع فيها على القواعد والأحكام العامة في الكتاب والسنة.
    وفي إطار الوجود الاجتماعي الإسلامي، تكون الأمة وحدة سياسية دون اعتبارات جغرافية، وهي أوسع من الدولة بالمعنى الحديث والمعاصر، فقيام «الدولة نتيجة قيام الأمة وسلطتها الآمرة الناهية».[20]
    إن التكّيف في الإسلام يحلّ محل المواطنة في العرف الديمقراطي الحديث، ويقترن التكليف بأداء الواجب وطلب الحق الذي يضمن أداء الواجب مثل حق الحياة، حق الأمن والسلام، حق الكرامة، حق الحرية الفردية والسياسية وحرية البحث العلمي وحرية العمل وحق الملكية مع مراعاة التعاون الاجتماعي وحفظ المساواة والعدل بين الأفراد وبين الدول وفي القضاء.
    والقاعدة الأصولية الأصلية التي لم يتنبه إليها علماء الأصول حسب علال الفاسي هي قاعدة أمر الإرشاد، ومن الأمثلة لذلك قوله تعالى في تعدد الزوجات «فإن خفتم أن لاتعدلوا فواحدة».[21]فقد أرشد الشارع إلى الاكتفاء بواحدة عند الخوف من اللاّعدل، «فأي مانع من الاعتداد بهذا الأصل الذي هو أمر الإرشاد، والذي يتحقق بتحقق ما يقصد إليه الشارع في أمر معين».[22]
    إن هذا البحث في مقاصد الشريعة ومكارمها يُعدّ لدى علال الفاسي من جوهر وروح و صميم علم أصول الفقه، به تجاوز نظرية المقاصد الشاطبية، ولم يكن على منوال البحوث والكتابات التي تلت الشاطبي من حيث المادة والمنهج معا، فمن حيث المادة الأصولية المقاصدية جاءت ثرية بحقائق تاريخية وواقعية ودينية عن الإسلام وعن القانون و عن الأصول وعن المقاصد و عن الإنسان وعن الدولة والأمة وعن حقوق الإنسان وعن مكارم الأخلاق وغيرها. أما من حيث المنهج فقد اعتمد على أسلوب العرض والتحليل والنقد والاستنتاج وهو منهج شمل الموضوع من كافة جوانبه، وجمع بين الجديد والقديم في موضوع المقاصد وأصول الفقه في نظرة شاملة تتوفر على عنصري الانسجام والاتساق بين المقاصد والمصالح والأصول وفروعها. وتوصل إلى نتائج أثبتت كفاءة الفقه الإسلامي في تحقيق العدالة بأصوله وقواعده الذاتية دون اللّجوء إلى مصادر أخرى خارجة عنه، وأن ما تتضمنه الدعوة الإسلامية من مقاصد وأصول جعل الشريعة الإسلامية متفوّقة وتمثل بحق القانون الذي يضمن الوصول إلى العدل وهو مطلب كل شريعة.

    الدكتور جيلالي بوبكر
    جامعة حسيبة بن بوعلي، الشلف، الجزائر
    .................
    [1]علال الفاسي: مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، مكتبة الوحدة العربية، الدار البيضاء،المغرب، ص 3.
    [2]المرجع السابق: ص 5.
    [3]المرجع السابق: ص 7.
    [4]المرجع: السابق ص9.
    [5]المرجع السابق: ص41.
    [6]المرجع السابق: ص 42.
    [7]المرجع السابق: ص 50.
    [8]المرجع السابق: ص105.
    [9]المرجع السابق: ص114.
    [10]المرجع السابق: ص 120.
    [11]المرجع السابق: ص 127.
    [12]المرجع السابق: ص 132.
    [13]المرجع السابق: ص 133.
    [14]المرجع السابق: ص 134.
    [15]المرجع السابق: ص 136.
    [16]المرجع السابق: ص 143-144.
    [17]المرجع السابق: ص 151.
    [18]المرجع السابق: ص 153.
    [19]- المرجع السابق: ص206.
    [20]المرجع السابق: ص 219.
    [21]سورة النساء :الآية رقم 03.
    [22]علال الفاسي: مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، ص 241.


    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355

    تتميماً للفائدة .. وإثراءً للعائدة

    جزاكِ اللهُ خيراً دكتورة ريمة الخاني على هذا الاختيار والانتقاء الطيّب ، وتتميماً للفائدة وإثراءً للعائدة إسمحي لي أن أثنّي بهذه الإضافة :

    مقاصد الشريعة (مركب إضافي)([1]) يتكون من كلمة (مقاصد) وكلمة (الشريعة) .

    فالمقاصد لغة : جمع مقصد ، والمقصد : مصدر ميمي([2]) مأخوذ من الفعل (قصد) يقال : قصد يقصد قصداً ومقصداً([3]).
    فالقصد والمقصد بمعنى واحد ، وعند علماء اللغة يأتي القصد لمعان عدة ([4])، أهمها ـ الذي نحن بصدده ـ هو : الاعتماد ، والأَمّ ، وإتيان الشئ ، والتوجه ، تقول: قصده ، وقصد له ، وقصد إليه : إذا أمّه ، ومنه أيضاً : أقصده السّهم إذا أصابه فقتل مكانه، (وكأنه قيل ذلك لأنه لم يحد عنه)([5]).
    قال الشاعر([6]): فأقصدها سهمي وقد كان قبلها ... لأمثالها من نسوة الحيّ قاصداً
    ومن هذا المعنى ماجاء في صحيح مسلم عن جندب بن عبدالله البجلي: (( فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله ))([7]).
    أما الشريعة في اللغة فهي: الدّين ، والملة، والمنهاج ، والطريقة، والسنة([8])، وأصلها في لغة العرب تطلق على مورد الشاربة.
    قال تعالى: { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها }([9]) .
    قال الفراء: (على دين وملة ومنهاج ، كل ذلك يقال)([10]).
    وفي الاصطلاح هي: ماسنه الله لعباده من الأحكام التي جاء بها نبي من الأنبياء صلى الله عليهم وعلى نبينا وسلم ـ سواء كانت متعلقة بكيفية عمل وتسمى فرعية وعملية أم بكيفية الاعتقاد وتسمى أصلية([11]) .
    أما تعريف المقاصد باعتبارها علماً على معين:
    فبالإمكان القول إنها : (الأعمال والتصرفات المقصودة لذاتها ، والتي تسعى النفوس إلى تحصيلها بمساع شتى، أو تحمل على السعي إليها امتثالاً)([12]).
    وقد عرّفها الفاسيّ ـ رحمه الله تعالى ـ بقوله: (المراد بمقاصد الشريعة: الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها)([13]).
    وفي ضوء ذلك فالغاية من الشريعة حدّده العلماء بقولهم: (تحقيق مصالح([14]) الناس في الدنيا والآخرة، في العاجل والآجل)([15]).
    والمصلحة تشمل ما كان فيه نفع سواء كان بالجلب أم التحصيل كاستحصال الفوائد والمنفعة أو بالدفع والاتقاء كاستبعاد المضار والآلام ، فكل ذلك جدير بأن يسمى مصلحة([16]).
    وعليه فـ(المقصود من شرع الحكم إمّا جلب مصلحة أو دفع مضرة، أو مجموع الأمرين بالنسبة إلى العبد)([17]).
    واعتبار المصلحة ليس مبعثه الهوى والتشهي وإنما (المصالح المجتلبة شرعاً والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية، أو درء مفاسدها العادية)([18]).
    ولا تكون هناك مصلحة فيما هو مضادّ للشريعة ومناوئ لها، ذلك (أنّ الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة)([19]).
    وهذا المعنى إذا ثبت لا يجتمع مع فرض أن يكون وضع الشريعة على وفق أهواء النفوس وطلب منافعها العاجلة كيف كانت، قال تعالى: { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهنّ بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون}([20]). فوجه الدلالة من الآية الكريمة أنهم أعرضوا عما فيه ذكرهم وشرفهم اتباعاً لأهوائهم الباطلة فشنع الله عليهم ذلك.
    وللمصلحة رتب ثلاث بينها الغزالي بقوله: (المصلحة باعتبار قوتها في ذاتها تنقسم إلى ماهي في رتبة الضرورات ، وإلى ماهي في رتبة الحاجيات، وإلى ما يتعلق بالتحسينيات)([21]).
    فمرتبة الضرورات تمثل المصالح الضرورية ، ومرتبة الحاجيات تمثل المصالح الحاجية وتمثل مرتبة الكمالات والتحسينيات المصالح التحسينية.



    ([1]) المركب الإضافي : كل اسمين نزل ثانيهما منزلة التنوين مما قبله ، مثل: عبدالله وأبي قحافة. انظر: الأزهري، خالد بن عبدالله : التصريح على التوضيح1/119.

    ([2]) المصدر الميمي: هو المصدر المبدوء بميم زائدة لغير المفاعلة ، يدل على الحدث مجرداً من الزمن ، يصاغ من الفعل الثلاثي على زنة (مَفْعل) بفتح الميم والعين وسكون الفاء، مالم يكن مثالاً صحيح اللام، فتحذف فاؤه في المضارع مثل : وعد، فإنه يكون على زنة (مفعل) بكسر العين. انظر: ابن هشام الأنصاري، جمال الدين عبدالله بن يوسف بن أحمد: شذور الذهب في معرفة كلام العرب 2/287.

    ([3]) انظر: ابن فارس: معجم مقاييس اللغة 5/95. وأنيس، إبراهيم: المعجم الوسيط 2/738. ورضا، أحمد : متن اللغة 4/576.

    ([4]) انظر ابن دريد، محمد بن الحسن: جمهرة اللغة: 1344هـ، 2/738. ورضا، أحمد : معجم متن اللغة 8/358 ومابعدها. والفراهيدي، اوعبدالرحمن الخليل بن أحمد: العين، تحقيق: مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي، طبعة مؤسسة الأعلمي للمطبوعات 5/54. وابن منظور: لسان العرب 3/353. والزبيدي: تاج العروس 9/35. وابن سيدة، علي ابن إسماعيل، المحكم المحيط الأعظم في اللغة 6/115. وأنيس ، إبراهيم: المعجم الوسيط 2/737.

    ([5]) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة 5/95.

    ([6]) هو الأعشى، الكبير ميمون بن قيس: انظره في ديوانه، شرح مهدي محمد ناصر الدين، ط1ص99.

    ([7]) أخرجه مسلم في صحيحه 1/276، كتاب الإيمان باب تحريم قتل الكافر بعد قوله: لاإله إلاالله (60).

    ([8]) انظر: ابن منظور: لسان العرب 8/174 ومابعدها، والجوهري: الصحاح 3/1236. وابن فارس، أحمد: مجمل اللغة 2/526.

    ([9]) سورة الجاثية آية (18).

    ([10]) الفراء: معاني القرآن 3/46.

    ([11]) انظر: التهاوني، محمد بن علي بن علي: كشاف اصطلاحات الفنون2/759.. واليوبي، محمد بن سعد بن أحمد بن مسعود: مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية ص31.

    ([12]) ابن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية ص146.

    ([13]) الفاسي، علال: مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، الدار البيضاء ـ منشورات مكتبة الوحدة العربية، بدون تاريخ، ص3.

    ([14]) مصالح جمع مصلحة ، والمصلحة مصدر بمعنى الصلاح، كالمنفعة بمعنى النفع ، وفي الأمر مصلحة ؛ أي خير. انظر: ابن منظور: لسان العرب: 3/517. والفيومي: المصباح المنير ص132.

    ([15]) الشاطبي، إبراهيم بن موسى اللخمي: الموافقات في أصول الشريعة، ضبط: محمد عبدالله دراز،2/3. وانظر: الآمدي، سيف الدين: الإحكام في أصول الأحكام3/237. وابن عبدالسلام، العز: قواعد الأحكام في مصالح الأنام2/11. وابن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية ص13.

    ([16]) الغزالي: المستصفى 1/139. والبوطي، محمد سعيد رمضان: ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية ص23.

    ([17]) الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام3/271.

    ([18]) الشاطبي: الموافقات 2/37ـ38.

    ([19]) ابن القيم: اعلام الموقعين عن رب العالمين 3/14.

    ([20]) سورة المؤمنون آية (71).

    ([21]) الغزالي: المستصفى 1/286.

  3. #3
    شكرا دكتور للإضافة الثرية، وعليه ،فعندما تختل المقاصد وتنزاح وجهتها، يختل معها كل مايرافقها من ملحقات ،وللموضوع بقية.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. محاضرات في مقاصد الشريعة
    بواسطة أسامه الحموي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-11-2014, 04:34 AM
  2. مدخل إلى مقاصد الشريعة
    بواسطة شذى سعد في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-04-2014, 05:28 AM
  3. المدخل إلى علم مقاصد الشريعة
    بواسطة فتى الشام في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-09-2014, 07:20 PM
  4. مقاصد الشريعة الإسلامية - الطاهر بن عاشور
    بواسطة راما في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-24-2013, 01:47 PM
  5. جمال الدين عطية وتفعيل مقاصد الشريعة
    بواسطة بوبكر جيلالي في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-16-2012, 03:31 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •